بيع الهوى في أوروبا بين الحظر والمزاولة
١٢ يناير ٢٠٠٩تُعدّ "تجارة الجسد" أقدم مهنة في التّاريخ لا تقتصر على مجتمع معيّن أو ثقافة معيّنة أو زمن معيّن، ذلك أن الدّعارة ظاهرة اجتماعية امتدّت عبر العصور وعبر الثقافات. وعلى الرغم من المحاولات المتكرّرة لتحريمها وحضرها وتجريمها إلا أن ذلك لم يحل دون ممارستها في كل زمان ومكان سرّا. أما في ألمانيا فقد أصبحت الدعارة تعدّ مهنة خدماتية مُعترفا بها رسميا منذ عام 2002. ومنذ إدخال قانون الدّعارة في ألمانيا لم تُعد ممارسة تجارة الجسد بذلك العمل، الذي وُصف طيلة قرون بأنه غير أخلاقي، إذ يتعيّن على بائعات الهوى، كغيرها من العمال والموظفّين، دفع ضرائب ورسوم التأمينات الاجتماعية.
بيع الهوى: مشهد فسفسائي في برلين في نهاية القرن 19
بيد أن المشوار كان طويلا بالنسبة للعاملين في قطاع الخدمات الجنسية قبل الاعتراف بمهنة بيع الهوى رسميا. كما يعتبر تاريخ الدعارة في أوروبا طويل ونظرة المجتمع إليه تختلف بمختلف التأثيرات الدينية والسياسية، في هذا الإطار تستعرض لاورا ماريت، التي كانت عملت من قبل كبائعة هوى وتصف نفسها بخبيرة في الشؤون الجنسيّة، تاريخ الدعارة في ألمانيا. وتنظّم لاورا ماريت في بيتها، الواقع في برلين، حلقات نقاش وقراءة وعروض سينمائية حول موضوع "الجنس". وتقول لولا ماريت إنها قد عكفت على دراسة تاريخ الجنس منذ بداياته إلى اليوم وإن هناك حقبة تاريخية لاتزال تثير إعجابها، مشيرة إلى بائعات الهوى في برلين خلال الحقبة الممتدّة بين نهاية القرن التاسع وبداية القرن العشرين. وتقول لاورا ماريت إن بائعات الهوى هذه الحقبة التاريخية كنّ يلبسن الأحذية الطويلة ذات الكعب الطويل، وكنّ يقفن لعرض أجسادهن للبيع. كما أشارت لاورا ماريت إلى أن بائعات الهوى كن يختلفن فيما بينهن، فكانت هناك النساء المُتقدّمات في السّن والنّساء المُتصابيات وأخرى حوامل وغيرهّن. وأعربت لاورا ماريت عن أملها في أن يعود المشهد الفسيفسائي إلى تجارة الهوى في الوقت الحاضر.
بيع الهوى: متعة الحياة لدى الإغريق والرومان
بيد أن بدايات الدّعارة في التاريخ الإنساني لا تزال غامضة، إذ تقول إليزبيت دوكر، متخصّصة في العلوم الثقافية وباحثة في مجال الجنس، إن أول بيوت دعارة رسمية كانت في اليونان ويعود تاريخها إلى عام 600 قبل الميلاد. وتشير اليزبيت دوكر إلى أنه خلال العهدين الإغريقي والروماني كانت الجواري يعملن كموظّفات في المواخير الرّسمية، بيد أنهن كُنّ لا يكسبن سوى القليل من المال. كما كانت هناك أيضا نساء يعملن لصالح حسابهنّ الخاص، وكن قد حصلن على تكوين فنّي في الموسيقى والغناء، فكنّ يقدمن خدمات جنسية وترفيهية في نفس الوقت. وعلى عكس جواري بيوت الدّعارة الرسمية كانت هذه الفئة من بائعات الهوى تكسب الكثير من المال. وتؤكّد دوكر على أن بيع الهوى في العصور القديمة كان أمرا عاديا، مشيرة إلى أن الجنس لم يكن من المواضيع المحرّمة. تجدر الإشارة في هذا السّياق مثلا إلى أن الشاعر الروماني هوراس كان قد كتب حول الجنس في إحدى مقطوعاته الشّعرية: "إذا اعترتك رغبة جامحة وكان لك جارية أو عبدا لكبح جماحك، فهل ستتردّد؟ أنا لن أتردّد عن ذلك، لأني أحبّ الجنس الذي يمكن الحصول عليه والتمتّع به بسهولة."
بيع الهوى: بين التدنيس والحظر والاعتراف
وبداية من القرن الخامس عشر تغيّيرت نظرة المجتمع إلى الجنس وإلى بائعات الهوى، فقد كانت محاكم التفتيش التابعة للكنيسة تلاحق من يتاجر بجسده ومن يمارس الجنس مع بائعات الهوى. بالإضافة إلى أن انتشار أمراض جنسية على غرار مرض الزهري قد أدّى إلى تنصّل المجتمع الأوروبي من بائعات الهوى، اللواتي تمّ وصفهّن "ببوابة الشّيطان". أما اللّواتي انقطعن عن ممارسة "تجارة الجسد" وأظهرن توبتهن، فقد كان بإمكانهنّ الالتحاق بأديرة الكنيسة.
وفي القرنين 18 و19 شهد قطاع الخدمات الجنسية انتعاشا واضحا، فقد تحوّل الجنس مقابل المال إلى ظاهرة واسعة الانتشار، وهو ما دفع بكافة الدول الأوروبية إلى وضع قوانين تحظر الدّعارة. وتقول اليزبيت دوكر أن بائعات الهوى آنذاك في مدينة هامبورغ الألمانية كنّ يتعرّضن لفحص طبّي إجباري مرتين كل أسبوع، وتشير إلى أنه كان يتمّ في كل بيت دعارة تجميع النساء في غرفة واحدة، وكان طبيب من الشرطة يفحص الأعضاء التناسلية للنساء بشكل روتيني، الواحدة تلو الأخرى، دون أن يغسل أصابعه أو يعقّمها. بيد أن هذه الفحوص الطبيّة الإجبارية، التي كانت وصفت بالمُهينة، قد باتت طيّ الماضي.
وتقول لاورا مريت، بائعة الهوى سابقا، إن رفع الحظر عن بيع الهوى عام 2002 في ألمانيا يُعدّ خطوة مهمّة، ولكنّها شدّدت في الوقت نفسه على أنه لا تزال هناك العديد من الصّعوبات التي تواجه بائعات الهوى، مشيرة إلى ظروف العمل لعديد النساء في بيوت الدّعارة وفقدانهن لعقود قانونية واضحة تضمن حقوقهنّ وصعوبة حصولهنّ على تأمينات اجتماعية.