1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

بين "السلطان" والأمير.. تنافس محموم قد ترّوضه المصالح!

إسماعيل عزام
٨ مارس ٢٠١٨

تمثل العلاقات السعودية - التركية مجالاً خصباً للتداول، فالمعارك الإعلامية تندلع من حين لآخر بينهما، دون أن يصل ذلك إلى إدارتي الدولتين، وكأنهما تحرصان على إبقاء شعرة معاوية رابطا لا ينبغي التفريط فيه.

Erdogan und der saudische Kronprinz Mohammed bin Salman

آخر معالم العلاقة المثيرة للجدل بين تركيا والسعودية ما نشرته وسائل إعلام مصرية موالية للرئيس عبد الفتاح السيسي، من تصريحات نقلتها عن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، خلال لقاء أجراه مع إعلاميين مصريين، غداة زيارته الأخيرة للقاهرة، إذ قال: "أعداؤنا هم ثالوث الشر: العثمانيون وإيران والجماعات الإرهابية". غير أن السفارة السعودية في أنقرة، خرجت ببيانٍ جاء فيه أن الأمير كان يقصد بكلامه الإخوان المسلمين والجماعات الراديكالية، نافية أن يكون قد أشار إلى تركيا.

اقرأ أيضاً: خبير: السعودية ترفض محاولة تركيا الهيمنة على العالم الإسلامي

لكن حتى هذه التوضيحات لا تنفي أن الخلاف قائم، فتركيا التي تستضيف عدة قيادات من الإخوان المسلمين، لا تزال من أكبر مناوئي السيسي بحجة إسقاط رئيس منتخب شرعياً (يتعلٌّق الأمر بالرئيس محمد مرسي). فضلاً عن أن موضوع الإخوان كان من الأسباب التي ساقتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر لمقاطعة قطر، على خلفية تبنّي هذه الأخيرة للموقف التركي ذاته في موضوع الإخوان المسلمين، وهو ما جعل أنقرة تقف إلى جانب قطر.

خلافات وتنافس غير معلن

بيّنت الأزمة الخليجية بيّنت أن السعودية لا تنظر بودٍ كبير إلى تركيا، خاصة بعد الكشف عن لائحة المطالب الموجهة لأمير قطر تميم بن حمد، حيث تضمنت شرط إغلاق القاعدة العسكرية التركية في بلاده. كما أن الدعم التركي لحركات الإسلام السياسي الأخرى، وتحديداً حركة حماس، التي تسعى عدة قوى عربية إلى تقويض حضورها بل وتصنيفها على قائمة الإرهاب،  يشوّش على علاقة أنقرة بالرياض. فنظرة هذه الأخيرة إلى حماس ليست وردية خاصة إذا استحضرنا تصريحا لعادل الجبير وصف فيه الحركة الفلسطينية بـ"المتطرفة"، وهو اعتبرته الأخيرة تشويها لها.

أردوغان وحسن روحانيصورة من: Reuters/Turkish Presidential Palace/Kayhan Ozer

كما يوجد ملف آخر يؤثر سلباً على علاقات الطرفين، يخصّ الروابط المتعددة بين أنقرة وطهران، إذ يحرص الرئيسان رجب طيب أردوغان وحسن روحاني على استمرار الاتصالات بينهما. ومن ذلك ما قاله أردوغان مؤخراً عن أن استقرار إيران مهم لتركيا على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها عدة مدن إيرانية. وبالتأكيد فمثل هذا التصريح لن يعجب القيادة السعودية التي يجمعها عداء واضح بنظيرتها الإيرانية.

ما زاد من سرعة تأويل تصريحات بن سلمان بخصوص تركيا، هو القرار الذي أعلنته مجموعة "أم بي سي" السعودية بإيقاف عرض جميع المسلسلات التركية عبر شاشاتها، مبرّرة ذلك بـ"تحفيز إنتاج المحتوى الدرامي العربي والخليجي"، لكن المجموعة ذاتها لا تزال تملك قنوات مخصّصة للأفلام والمسلسلات الأمريكية والهندية، ممّا يجعل الأسباب الحقيقية وراء القرار أكبر من مجرّد تشجيع للدراما المحلية، خاصة بعد تصريح وزير الثقافة والسياحة في تركيا، نعمان كورتومولش، أن هناك أسباباً سياسية وراء الموضوع.

التنافس بين القوتين يظهر كذلك بشكل أكبر في المجال الديني، فكلا منهما ترغبان بتزعم صدارة العالم الإسلامي، وهو ما ظهر في التفاعل الضعيف للسعودية مع دعوة أردوغان لحضور قمة إسلامية عاجلة في إسطنبول ردا على قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. يومها حاول أردوغان خلال القمة أن يقدم نفسه زعيما يقود العالم الإسلامي في وجه إسرائيل، وهو أمر لا يروق للسعودية التي ترى في نفسها هذه الرمزية، لا سيما وأنها تحتضن الأماكن الإسلامية المقدسة.

أردوغان في اجتماع منظمة التعاون الإسلاميصورة من: picture-alliance/AP Photo/L. Pitarakis

تدعم تركيا من جهتها بشكل قوي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي صنفته السعودية تنظيما إرهابيا، لأسباب متعددة من أبرزها ارتباطه بقطر. في المقابل يحضر الثقل السعودي في عدة منظمات إسلامية منها رابطة العالم الإسلامي. ويظهر التنافس محموما بين المنظمات الإسلامية المرتبطة بقطر وتركيا، والأخرى المحسوبة على الصف السعودي- الإماراتي، خاصة وأن الأولى تشجع فكرة الإسلام السياسي، بينما تحاول الثانية التركيز على الإسلام الصوفي والسلفي. 

وتزيد الملفات الإقليمية من هذا التنافس بين الاثنين، خاصة فيما يتعلّق بالأزمة السورية. فبالرغم من أن الطرفين يتفقان من حيث المبدأ على دعم المعارضة السورية والمطالبة برحيل بشار الأسد، فإن الكثير من التفاصيل في الملف تفرقهما، خاصة ما يخصّ الأكراد. فقد ظهر مسؤول سعودي رفقة "قوات سوريا الديمقراطية" المشكلة أساسا من المقاتلين الأكراد الذين تحاربهم تركيا، وهو يتحدث عن مشاريع للمساهمة في إعمار سوريا. كما أشارت عدة تقارير إعلامية أن السعودية تتبنى المنطق نفسه للولايات المتحدة داخل سوريا، أيْ المراهنة على دور الأكراد في حاضر ومستقبل البلاد.

تشهد العلاقات السعودية - التركية فتوراً شديداً مؤخراً

02:09

This browser does not support the video element.

ويرى فادي حكورة، الخبير في الشأن التركي، في تصريحات لـDW عربية، أن أردوغان يملك طموحاً ينبع من التاريخ العثماني لأجل أن يجعل من بلاده المركز الرئيسي للعالم الإسلامي، لكنه لن يواجه هنا فقط السعودية، بل كذلك الدول العربية. وما يصعبّ موقفه أكثر، حسب رأي الخبير ذاته، أن بلاده في موقع غير قوي، خاصة للحرب التي تقودها ضد الأكراد في شمال سوريا، وهي الحرب التي من المنتظر أن تطول، وكذا للعلاقات القوية التي تجمع السعودية بالولايات المتحدة، عكس أنقرة التي توترت علاقتها بواشنطن.

المصالح تقتل الخلافات

لكن كل هذه المعطيات لا تنفي أن القوتين تتوفران على الكثير من نقاط التوافق، ويمكن لزيارة مرتقبة لمحمد بن سلمان إلى أنقرة، حسب ما أعلنه رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم نهاية عام 2017 خلال زيارته للرياض، أن تبدّد الكثير من الضباب في علاقة الدولتين، لا سيما وأن الأخير أشار في تصريحاته أن وجهات نظر الطرفي  في قضايا المنطقة متطابقة بنسبة 90 بالمئة.

أردوغان والملك سلمانصورة من: picture alliance/Photoshot

ويؤكد فادي حكورة أن الشرق الأوسط مبني كلياً على المصالح المؤقتة بين كل القوى، وأن كلّ شيء يمكن أن يتغير، ومن هم اليوم مُتحالفون قد يتخاصمون غداً، خاصة على ضوء الملفات الإقليمية المعقدة، عكس الاتحاد الأوروبي المبني على مؤسسات وقواعد قوية، حتى ولو اختلفت مواقف بلدانها في بعض التفاصيل.

ويرى مهنا الحبيل، مدير مكتب دراسات الشرق الإسلامي بإسطنبول في مقال على "الجزيرة نت"، أن الدعوة التي وجهتها تركيا لبن سلمان تأتي في سياق رغبة أنقرة في استبعاد الرياض من مواجهتها مع أبو ظبي، في سياق توتر بين البلدين ظهر أكثر في الاشتباك الإعلامي. كما لفت إلى أن تركيا بلّغت السعوديين بوجود تهديدات جدية لمستقبل بلادهم وتقسميها، إذ تقلق أنقرة جداً من مسألة سقوط الدولة السعودية، لكونه مقدمة تهديد لسقوط تركيا، حسب المحلل ذاته.

ويتابع الحبيل أن بن سلمان يرغب بتوجيه رسائل إلى المحيط الإقليمي كونه يتعامل واقعياً خِلاف سياسات فريقه الإعلامي الذي يهاجم تركيا من حين لآخر. لذلك فولي العهد السعودي حريص على بناء الثقة مع تركيا خاصة لجدول المصالح المشتركة بين الطرفين،  كما أن أنقرة لا تريد أن تحسب ضمن تحالف استراتيجي مع إيران على حساب العمق السني الذي يهتم به أردوغان لهدف عودة دولة تركية إسلامية.

ختاما، تبقى المصالح الاقتصادية أكبر مبرّر للرياض وأنقرة لتجنب أيّ تصعيد بينهما، خاصة في ظل ظرفية حساسة يجتازها الاقتصاد السعودي الذي يحاول البحث عن مصادر أخرى بدل النفط، إذ يمكن للغة المصالح المالية أن تذيب أيّ خلاف سياسي مهما بلغت درجته.

وتعطي الأرقام فكرة عن حجم شراكة الطرفين. فحجم الاستثمارات السعودية في تركيا قفز إلى 11 مليار دولار، حيث توجد 800 شركة سعودية في قطاعات الطاقة والاتصالات والعقارات، حسب ما صرّح به مسؤول تركي رفيع. كما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 6.4 مليار دولار، وهناك خطط لرفعه إلى 20 مليار دولار، وفق معطيات رسمية.

لذلك ليس غريباً إصرار أردوغان على وصف الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بـ"كبير الخليج"، وحديث وزير الخارجية السعودية عادل الجبير عن أن تركيا صديقة لبلاده وحليفة لها في عدة مجالات!

إسماعيل عزام

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW