ما هي فرص نجاح الاتفاق الذي وقعته المعارضة مع المجلس العسكري في السودان؟ وكيف تدخلت القوى الأجنبية في تحقيق هذا التوافق؟ وما هي العراقيل التي تجعل السودانيين المتخوفين من فشل المشروع وعودة الأزمة لنقطة الصفر؟
إعلان
مسائية DW: حكومة مدنية في السودان .. هل نجحت الثورة؟
24:22
في أوّل اتفاق من نوعه بعد إسقاط عمر البشير، توّصلت المعارضة المدنية والعسكريون إلى حلّ أكبر النقاط العالقة في مستقبل البلاد، وذلك بإعلان إقامة مجلس للسيادة سيكون ممثلاً بشكل متوازن نسبياً بين الجانبين، وسيرأسه الطرفان بشكل متناوب لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، أيْ خلال المرحلة الانتقالية.
وفي الوقت الذي استقبل فيه سودانيون كثر هذا الاتفاق بشكل إيجابي لأجل حقن الدماء وإبعاد شبح حرب أهلية وتحقيق الاستقرار والبدء في مرحلة جديدة من تاريخ السودان، لا سيما أن قيادة الجيش تشدّد على محاسبة المتورطين في تفكيك اعتصام الثالث من يونيو/ حزيران، فإن آخرين يرون أن هذا الاتفاق سيكون مقدمة لفرض الأمر الواقع، أي استمرار سيطرة العسكر على مقاليد الدولة وعدم تحقيق جوهر الثورة، وذلك باستحضار تاريخ الجيش في البلاد وتدخله المستمر في السياسة.
"الاتفاق دون التطلعات، ولا يستحق التهليل والتأييد الذي يعبّر عنه البعض" يقول منتصر أحمد محمود، ناشط سياسي سوداني مستقل، لكنه يستدرك القول إنه يجب كذلك التعامل مع الاتفاق بـ"منطق واقع الحال، والاستفادة ما أمكن من الحقوق التي ستمنح في المرحلة المقبلة"، متحدثا:" أنا لست متفائلاً، لكنني مراهن على الشارع السوداني في التصدي لأيّ انقلاب جديد".
فيما يرى آخرون أن توقيع تحالف "الحرية والتغيير" للاتفاق يبقى مؤشراً إيجابيا على نجاحه، إذ يتحدث اللواء المتقاعد، بابكر إبراهيم أحمد، أن التيار المعتدل داخل الحرية والعدالة هو من وقعه وليس التيار الراديكالي الذي كان مسيطراً في البداية. ويعبّر المتحدث عن ثقته التامة في أن المجلس العسكري سيسلّم الدولة في النهاية لحكومة منتخبة، لأن هذا كان هدفه منذ البداية، وأكد على ذلك بإنهائه لجلّ الترتيبات المتعلقة بالمرحلة الانتقالية، لدرجة أن اتفاق أمس الذي يحدد مدة المجلس السيادي بثلاث سنوات، كان ضد رغبة العسكر وفق تعبير المتحدث.
ويتضمن الاتفاق كذلك توافقا حول تعيين حكومة كفاءات وطنية يرأسها رئيس وزراء مستقل، وأن يصل عدد أعضاء مجلس السيادة إلى 11 عضوا، 5 لكل طرف، فيما سيتم اختيار العضو رقم 11 من الشخصيات المدنية ذات التاريخ العسكري، وفق ما أكده منتصر أحمد محمود.
مقومات للنجاح؟
يتشبث المؤيدون المدنيون للاتفاق بطبيعة الشخصيات المدنية التي ستساهم في تسيير المرحلة القادمة، إذ تحدثت مصادر إعلامية، منها قناة الجزيرة القطرية، عن التوافق على عبد الله حمدوك لمنصب رئيس الوزراء، وهي شخصية راكمت الكثير من الخبرات السياسية والاقتصادية داخل السودان وخارجه، وتحظى باحترام كبير بين الكثير من التيارات في البلاد. فضلاً عن شخصيات أخرى ستكون حاضرة في المجلس السيادي، كأستاذة التاريخ فدوى عبه الرحمن طه، والدبلوماسي الأسبق إبراهيم طه أيوب، والنقابي بابكر فيصل.
كما يحتاج السودانيون إلى اتفاق سريع يسمح بتفادي السيناريوهات الاقتصادية التي شهدتها جلّ الدول "الربيع العربي"، حتى الناجحة منها، أي تونس، التي تدهورت فيها القدرة الشرائية بشكل غير مسبوق. ولا يحتاج السودانيون إلى مزيد من تأزيم معيشهم اليومي، فإجمالي الناتج المحلي وصل عام 2018 إلى 40.85 مليار دولار، بعدما بلغ في العام السابق 123.05 مليار دولار حسب البنك الدولي. وقد أكدت الأمم المتحدة مؤخراً أن البلد "يعاني نقصاً في الأدوية بسبب الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت مع الوضع السياسي الحالي".
لكن منتصر يرى أن أيّ اتفاق لا يخاطب الإشكال الحقيقي، أيِ وضع أسس للدولة الجديدة، سيكون محكوماً عليه بالفناء، معطياً الأمثلة باتفاقيات سابقة شهدتها الدولة خلال العقود السابقة لم تؤد إلى تحقيق مطالب الشعب.
في الجانب الآخر، يمكن للاتفاق أن يتغيّر حسب الظروف بدل الحكم بإخفاقه التام، وهو ما يعتقد بابكر إبراهيم أحمد، بسبب دخول قوى أخرى على الخط في المراحل القادمة، مشيراً إلى أن الحرية والتغيير لا تمثل كل الشارع السوداني، وهناك تيارات أخرى تستعد لمسيرات ضخمة رفضاً للصيغة الأولى من الاتفاق، كما أن عدداً من الحركات المسلّحة تناهضه وتصرّ على أن تكون حاضرة في المشاورات، زيادة على إمكانية تدخل الدولة العميقة (يقصد بها الأجهزة العسكرية والأمنية) إذا وصلت الأمور إلى طريق مسدود.
عراقيل أمام الاتفاق
عاش السودانيون لعقود تحت سيطرة تحالف بين الجيش وقوى سياسية متعددة آخرها حزب المؤتمر الوطني، ذو المرجعية الإسلامية. ويُدرك المتتبعون أنّ خروج العسكر من المعترك السياسي لن يكون هيناً، وقد يستعين بأطراف سياسية داخلية أخرى لتثبيت وجوده عبر صفقات يتقاسمون من خلالها النفوذ، أو حتى أطرافاً إقليمية تتوجس من صعود تيارات ديمقراطية في السودان، بما أن ذلك قد يهدّد مصالح هذه الأطراف.
ولا تتوقف القوى المناوئة للثورة فقط عند الحدود الإقليمية، بل يرى منتصر أحمد محمود أن قوى دولية أخرى كذلك رفضت هذه الثورة، "ومنها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، التي كانت منذ البداية ضد تغيير نظام البشير"، حسب زعمه، لكن عندما تأكدت أنه راحل لا محالة، تغوّلت لأجل تأكيد مصالحها عبر فرض المجلس العسكري ودعمه في سياسة "العصا والجزرة"، أي قمع المتظاهرين ثم تقديم بعض الوعود إليهم وفق قوله. ويرى منتصر أن السودان سيكون مختطفا في المرحلة المقبلة بما يحقق مصالح هذه القوى التي التزم معها المجلس بعدة صفقات.
بيدَ أن هناك من يرى أن تحالف "الحرية والتغيير" هو المدعوم من قوى خارجية، والكلام هنا لبابكر إبراهيم: "التفاوض الحقيقي وقع بين القوى العظمى التي استعانت بالتحالف وبين النظام في السودان لأجل الوصول إلى نظام جديد يعمّق مصالحها، أما التحالف، فزخمه لا يصل إلى ما يتم تصويره في الإعلام". ويحيل المتحدث بشكل رئيسي إلى الاتحاد الإفريقي وكذلك الغرب بما أن الطرفين كانت لهما علاقة إيجابية مع نظام البشير، ويريدان استمرار العلاقة مع النظام الجديد.
ويوجد تحدٍ آخر داخل المجلس السياسي المنتظر، إذ يشير منتصر أحمد محمود إلى أن العسكر يسيطرون على هذا المجلس عبر عدة مؤشرات، أولها اختلال التوازن بين الأعضاء لكون العضو الـ11 سيكون عسكرياً بالأساس، ثانيها أن رئيس المجلس سيكون عسكريا في المرحلة الأولى، ثالثها عدم إمكانية ائتمان العسكر ككل، لأنه خلال التفاوض، قُتل المدنيون في الاعتصام. لكن منتصر يرى مع ذلك أن هناك إمكانية لاستدراك طبيعة الجيش في المجلس، سواء بتعيين وطنيين عسكريين في هذا المجلس، ما دامت عدة عناصر مسلحة انحازت للثورة، وكذلك بمحاسبة حقيقية للمتورطين في تفكيك الاعتصام.
الكاتب: إسماعيل عزام
السودان.. محطات من صراع المعارضة مع العسكر
السودانيون بين الأمل والقلق حول مستقبل أوضاع بلادهم. في الصباح يستيقظون على أنباء إحباط محاولة إنقلابية وفي المساء تأتي أخبار بالتوصل لاتفاق بين العسكر وقوى المعارضة. في صور: محطات الصراع على السلطة بين المحتجين والجيش.
صورة من: AFP/Getty Images/A. Shazly
إعلان الوساطة الإفريقية الإثيوبية المُشتركة الجمعة (12 يوليو تموز 2019) بأن قوى إعلان الحرية والتغيير المعارضة والمجلس العسكري الإنتقالي في السودان توصلا إلى اتفاق كامل بشأن "الإعلان السياسي" المُحدد لكافة مراحل الفترة الإنتقالية، وخارطة طريق لتنظيم الانتخابات. هذا الإعلان يأتي في وقت لم تُبدد فيه بشكل نهائي المخاوف من تعطيل انتقال السلطة للمدنيين.
صورة من: AFP/Getty Images/A. Shazly
في الحادي عشر من يوليو/ تموز استيقظ السودانيون على بيان للمجلس العسكري الحاكم يعلن فيه أن مجموعة ضباط حاولوا القيام "بانقلاب عسكري" لتقويض اتفاق بين الجيش والمعارضة لاقتسام السلطة لفترة مدتها ثلاث سنوات يعقبها
إجراء انتخابات. الغموض ما يزال يحيط بأهداف مدبري محاولة الإنقلاب وارتباطاتهم.
صورة من: picture-alliance/AA
احتجاجات سلمية
لأسابيع طويلة صمد المتظاهرون السودانيون أمام مقر وزارة الدفاع. آلاف المحتجين كانوا يطالبون بمجلس انتقالي يحدد فيه المدنيون مستقبل البلاد. ولكن في مطلع حزيران/ يونيو 2019 تحرك العسكر لفض الاعتصام بقوة السلاح ما أسفر عن مقتل العشرات وجرح المئات.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Shazly
باسم الأمة..
متظاهر يحمل علم السودان بالقرب من المقر الرئيسي لقيادة الجيش. العلم يرمز إلى مطلب المتظاهرين في المشاركة بشكل متساو في رسم مستقبل البلاد، والمقصود مشاركة الشعب والجيش على قدم المساواة في ذلك. ولو حدث ذلك، سيكون خطوة مهمة على طريق الديمقراطية.
صورة من: Reuters
إشارات تحذيرية
قبل أيام من فض الاعتصام، كان هناك حضور قوي للجيش. ورأى الكثير من المتظاهرين في ذلك أن الجيش ربما لا يبدو مستعدا لتسليم السلطة للمدنيين، حسب ما كان يأمله السودانيون بعد الإطاحة بالديكتاتور عمر البشير.
صورة من: Getty Images/AFP
نهاية حقبة
هيمن الرئيس المخلوع عمر البشير على السلطة منذ عام 1993 وحتى الإطاحة به في نيسان/ أبريل 2019. قمع معارضيه بكل قسوة. ومن أجل الحفاظ على سلطته أمر البشير بحل البرلمان عام 1999. في تلك الفترة كان زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي أسامة بن لادن يجد في السودان ملاذا آمنا له. لكن اسم البشير يبقى مرتبطا بشكل وثيق مع الحر ب ضد الانفصاليين في إقليم دارفور.
صورة من: Reuters/M. Nureldin Abdallah
الديكتاتور أمام المحكمة
كثير من السودانيين كانوا يأملون في رؤية الديكتاتور وهو يمثل أمام المحكمة. أمل تحقق بالفعل عندما بدأت جلسة محاكمة عمر البشير في الـ 16من حزيران/ يونيو. وكانت التهم الأولية الموجهة إليه تتمثل في الفساد وحيازة عملات أجنبية بكميات كبيرة. فبعد سقوطه وجد رجال الأمن في قصره أكياسا مليئة بالدولارات قدرت بأكثر من 100 مليون دولار.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Hjaj
حضور قوي للمرأة
كان للمرأة السودانية حضور قوي في الاحتجاجات، حيث تتمتع المرأة بحرية أكبر منذ بدء الاحتجاجات. المرأة السودانية لا تقوي الاحتجاجات من حيث العدد فقط، بل تدعمها نوعيا أيضا، فهي التي أعطت الاحتجاجات وجها سلميا آخر. حضور المرأة في الاحتجاجات جسد رغبة الكثير من المواطنين في الديمقراطية والمساواة.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Shazly
أيقونة الثورة!
أصبحت طالبة كلية الهندسة المعمارية آلاء صلاح، وجها بارزا من وجوه الثورة. وهذه الصورة التاريخية التقطها مصور كان حاضرا عندما صعدت آلاء إلى سطح سيارة لتلقي خطابا أمام المحتجين. ومنذ ذلك الوقت تشهد هذه الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي مشاركة واسعة. صور من هذا النوع تعتبر من أدوات الثورة المهمة، فهي ترمز إلى الهوية الانتماء.
صورة من: Getty Images/AFP
تضامن عالمي
بفضل شبكات التواصل الاجتماعي تنتشر أخبار الاحتجاجات بسرعة حول العالم، وهذا ما حدث مع احتجاجات السودان. التي حظيت بعم معنوي عالمي كبير، كما تظهر هذه الصورة بمدينة ادينبورغ في سكوتلندا، حيث تطالب سيدة بوقف قتل المدنيين في السودان. كما أعلن وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي عن موقفهم في بيان رسمي للاتحاد الأوروبي طالبوا فيه بوقف فوري لكل انواع العنف ضد الشعب السوداني.
صورة من: picture-alliance/EdinburghEliteme/D. Johnston
دعم للجيش أيضا
لكن ليس كل السودانيين شاركوا في الاحتجاجات ضد العسكر. فهناك من يدعمهم، حيث يأملون في تشكيل حكومة صارمة. ويعتقد أنصار الجيش أنه فقط ومن خلال العسكر يمكن ضمان مستقبل مزدهر للبلاد. ويضعون أملهم هذا في شخص الجنرال عبدالفتاح برهان رئيس المجلس العسكري الذي يحملون صورته.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Shazly
في انتظار فرصته
لكن الرجل القوي الفعلي في السودان هو الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي". فهو الرجل الذي يعتقد أنه أمر القوات بفض الاعتصام أمام مقر القيادة العسكرية بقوة السلاح. وكان الجنرال قائدا لميليشيات "بالجنجويد" التي قمعت المتمردين بكل قسوة ووحشية في دارفور. ويخشى المتظاهرون من أن يصبح هذا الجنرال الرجل الأول في البلاد.
صورة من: Reuters/M.N. Abdallah
قلق في الخليج
أثارت أحداث السودان قلق السياسيين في دول أخرى، مثل محمد بن زايد آل ثاني، ولي العهد في دولة الإمارات العربية المتحدة. كما تخشى السعودية، حالها في ذلك حال الإمارات، من أن نجاح الاحتجاجات في السودان يعتبر بمثابة نجاح الثورة "من تحت" وقد يصبح مثالا يحتذى به في المنطقة. ولهذا تدعم السعودية والإمارات عسكر السودان.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Ministry of Presidential Affairs/M. Al Hammadi
الجار الشمالي يراقب بقلق!
في القاهرة تتجه الأنظار بكثير من القلق والريبة والشكوك إلى الخرطوم. وتخشى حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي أن تساهم أحداث السودان في زيادة نفوذ جماعة الإخوان المسلمين التي تحاربها في مصر بكل قوة. وإذا تمكنت الجماعة من ترسيخ أقدامها في السودان، كما تخشى مصر، فإن ذلك قد يساهم في إعادة القوة إليها في مصر أيضا.
صورة من: picture-alliance/Photoshot/MENA
احتجاجات لا تنتهي
في غضون ذلك تستمر الاحتجاجات في السودان. ففي يوم الجمعة (14 حزيران/يونيو 2019) طالب صادق المهدي أحد قادة المعارضة السودانية منذ عقود، بتحقيق رسمي في عملية فض الاعتصام بالقوة. الطلب أثار غضب العسكر. والاحتجاجات في السودان تدخل في مرحلة جديدة. كيرستن كنب/ ح.ع.ح