1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

بين العلم و"الجهل المقدس" ـ كورونا يضع إيران في مأزق عقائدي!

٢٠ أبريل ٢٠٢٠

يتميز تعامل الحكومة الإيرانية مع جائحة كورونا بالتناقض، فبيانات رجال الدين تذكر الجانب الروحي بينما تصرفاتهم تمتاز بالبراغماتية، وهو ما يحير أتباعهم. فهل تقوي الأزمة الحالية النزعة العلمانية في إيران؟

 تجمهر حشد من المحتجين على إغلاق الضروح والمقامات الدينية كإجراء وقائي ضد كورونا
تجمهر حشد من المحتجين على إغلاق الضروح والمقامات الدينية كإجراء وقائي ضد كوروناصورة من: Getty Images/AFP/M. Marizad

بلغت حصيلة عدد الوفيات بسبب فيروس كورونا الاثنين (20 أبريل/ نيسان 2020) 5118  حالة وفاة، بينما ارتفع عدد المصابين بالفيروس إلى 82 ألفا و211 حالة، بعد تسجيل 1343  حالة إصابة جديدة، حسبما صرح المتحدث باسم وزارة الصحة الإيرانية كيانوش جهانبور، حيث وصف حالة 3456 من المصابين بالحرجة.

ومازالت إيران في قائمة أكثر عشر دول تضرراً من فيروس كورونا في العالم. وكان مركز أبحاث البرلمان الإيراني حذر منتصف الأسبوع الماضي أنه في حالة عدم إتباع إجراءات العزل الصحي، فإن كورونا قد يصيب 75 بالمئة من إجمالي السكان، مما قد يؤدي لوفاة ما يصل إلى 30 ألف إيراني. وأضاف المركز في تقريره وإذا تم تنفيذ إجراءات العزل فقد يصل عدد الوفيات في هذه الحالة إلى ستة ألاف شخص، وهو تقدير منخفض جدا مقارنة بالتقدير الأول، لكن الحصيلة النهائية المسجلة حتى الآن بأت قريبة من هذا الرقم.

دفن موتى كورونا في إيرانصورة من: yjc

وتحاول إيران منذ أسابيع السيطرة على انتشار المرض عن طريق الوسائل الطبية، لكن ذلك لم يمنع الجانب الديني من البروز في المعركة ضد الجائحة. ففي خطبته يوم 22 مارس/ آذار بمناسبة "عيد النوروز"، وهو عيد استقبال اليوم الأول من العام الفارسي الجديد، تحدث المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي عن "تعاون أعداء من الإنس والجن ضد بلاده"، وهي التصريحات التي أثارت جدلاً شديداً في إيران.

إجراءات براغماتية

وبالرغم من هذه التصريحات إلا أن تصرفات الحكومة في التعامل مع الفيروس تميزت بالبراغماتية الشديدة، بل ولم تبد إهتماماً كبيراً بالجانب الديني. ففي 6 مارس/آذار أعلنت السلطات غلق المزارات والمراقد الدينية ، ومن بينها ضريح الإمام الرضا في مدينة مشهد شمال شرق البلاد وضريح فاطمة بنت موسى في مدينة قوم بجنوب طهران، للسيطرة على انتشار كورونا. وكانت مدينة قوم من أوائل المدن التي ظهرت فيها الجائحة، ولا تزال بؤرة لكورونا حتى اليوم، كما أصيب هناك العديد من المتعبدين بالمرض.

تجمهر حشد من المحتجين على إغلاق الضروح والمقامات الدينية كإجراء وقائي ضد كوروناصورة من: Getty Images/AFP/M. Marizad

لم يتفق الكثير من الإيرانيين مع هذا القرار، حيث تجمع حشد من المحتجين الغاضبين أمام الضريحين محاولين كسر الأبواب للدخول، وانتشرت العديد من مقاطع الفيديو تظهر هذه المحاولات وغيرها من ردود الفعل الغاضبة على وسائل التواصل الإجتماعية. لكن هذه التصرفات ممن اعتبرهم البعض "متشددين" لاقت رفضاً واسعاً سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي. فعضو البرلمان ورجل الدين الإيراني "أحمد مازني“ الذي يحسب في صفوف المعتدلين، وصف هذه الأفعال ب"الجهل المقدس".

التفرقة بين العلم والدين

 

قد تظهر هذه الإجراءات الحكومية وكأنها تضع الدين على مقعد الإتهام بسبب فيروس كورونا، بحسب ما يقول غول جماس في حواره مع DW ، وهو محلل سياسي وصحفي تلفزيوني في طهران. فقلة فقط من الملتزمين دينياً تقبلوا حقيقة أن فيروس يشبه الأنفلونزا يمنعهم من زيارة دور العبادة والأماكن المقدسة، ويضيف جماس:"هذه الأماكن بالنسبة لمريديها تعطي حماية روحية وجسدية ضد الأمراض، و{لا يتصورونها} كأماكن نتنتشر الأمراض داخلها"، لذلك يرى أن قرار إغلاق هذه الأماكن لم يكن سهلاً بالنسبة للحكومة.

إلا أنه برأي جماس، فإن معظم الإيرانيين معتدلين في تدينهم: "هم يفهمون أن الدين والعلم مجالات مختلفة، ولذلك لا يرون تناقضاً بينهما، بل يمكنهما التواجد والتعايش معاً في مساحة واحدة. فأحدهما يوضح كيفية الحفاظ على الصحة الروحية، والأخر يحافظ على الصحة الجسدية."

لكن آزاده زميريارد الخبيرة في الشأن الإيراني بمؤسسة العلوم والسياسة (SWP)  في برلين، تختلف في الرأي مع جماس، وكتبت على موقع المؤسسة أن أزمة كورونا وضعت الجمهورية الإسلامية في مأزق، حيث أجبرت االقيادة على تعليق الطقوس الدينية التي طالما إستغلتها لتبرير وجودها سياسياً. وليس ذلك فحسب، بل إضطرت إلى منع المتعبدين من ممارسة هذه الطقوس عن طريق التدخل المباشر، وهو الأمر الذي لم يحدث من قبل. والمثير للإهتمام أن هذه القرارات جاءت بمباركة المرشد الأعلى، وهو السلطة (الدينية) العليا في الدولة.

الخبيرة في الشأن الإيراني آزاده زميريارد من مؤسسة العلوم والسياسة (SWP) ببرلين

وترى زميريارد أن هذه القرارات كان لها تأثير كبير على الأيرانيين: "إغلاق الأضرحة والمقامات التي تُعتبر أماكن للاستشفاء والحماية منذ قرون يُعد بمثابة إسقاط للعقائد الشيعية" في نظرهم. وأدت الصدمة النفسية التي سببها إغلاق الأماكن الدينية إلى إعتماد الحكومة على إستراتيجيات خطابية لتبرير قراراتها، بحسب ما يرى غول جماس. فمن أجل تشجيع المتدينين على تفادي الذهاب إلى الأماكن الدينية قدمت الحكومة تبريراً غريباً:" فسرت القيادة كورونا بأنه ليس فيروساً عادياً، بل قد يكون سلاح بيولوجي مصنع من قبل قوى إمبيريالية مهيمنة- والمقصود هنا الولايات المتحدة الأمريكية- بغض الهجوم على على إيران والصين." المفاجأة أن هذه التصريحات أدت إلى إلتزام أكبر من ذي قبل بالإجراءات الوقائية من جهة الإيرانيين، بحسب ما قال جماس.

دفعة نحو العلمانية؟

تجد الحكومة الإيرانية نفسها في وضع صعب منذ شهور مع اشتداد المعارضة لها في ضوء تبعات الأزمة الإقتصادية وعدم ثقة المتظاهرين فيما أعلنته الحكومة في خريف العام الماضي عن زيادة النمو الإقتصادي. وزاد الوضع تأزماً بعد الإنتقادات التي طالت الحكومة في تعاملها مع حادث إسقاط طائرة ركاب أوكرانية عن طريق الخطأ في مطلع العام الجاري، حيث إتسمت تصريحات المسؤولين الإيرانيين بعدم الوضوح والتخبط.

خباز في العاصمة إيران يلتزم بإرتداء الكمامة الواقيةصورة من: picture-alliance/Photoshot/A. Halabisaz

أدت تلك الأحداث بحسب آزاده زميريارد إلى عودة فكرة العلمانية بقوة على الساحة، خاصة في ظل أزمة كورونا الحالية. العلمانية، وهي الفصل بين الدين والسلطة السياسية، تتعارض جذرياً مع أسس الجمهورية الإسلامية، وتلقى رفضاً تاماً من قبل الدولة. وتوضح زميريارد:" ستتسبب الأزمة الحالية بلا شك في إعادة طرح سؤال العلاقة بين الدين والسياسة على الساحة، وهو مفهوم انشغل به علماء الإجتماع والروحانيين والفلاسفة الإيرانيين حتى من قبل نشأة الجمهورية الإيرانية."

يعارضها في هذا الرأي غول جماس، فيقول إن الكثير من الإيرانيين يلجأون إلى الدين ليحميهم من الإصابة بالفيروس، فهم يقومون بـ"طقوس النظافة الإسلامية" ويؤدون الصلوات أكثر من المعتاد، ويساعدهم ذلك على التعامل مع أزمة كورونا روحياً وجسدياً. وأضاف أنهم يتمسكون بتعاليم رسول الإسلام فيما يتعلق بنصائحه لمكافحة الأوبئة مثل نصه على الإبتعاد عن الأماكن الموبوءة وفصل المرضى عن الأصحاء، وهو ما تعبر عنه فكرة الحجر الصحي الحالية". ويقول جماس:" كل هذه {الطقوس الدينية} ساعدت الناس، وخاصة المتدينيين منهم، على الوقاية من المرض بشكل أفضل."

كريستن كنيب (س.ح./ع.ج.م)

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW