بين المغرب وسبتة.. المئات يحاولون الهجرة سباحة رغم خطر الموت
١٤ أغسطس ٢٠٢٤
الكيلومترات القليلة بين سبتة والشواطئ المغربية تغري مئات الحالمين بمحاولة التسلل بحرا إلى هذه المدينة، لكن المحاولة تنتهي بالإعادة إلى المغرب أو الموت غرقا أو البقاء لأيام في مراكز استقبال مكتظة.
قوات من البحرية الإسبانية تراقب مهاجرين قادمين عبر البحر -أرشيف من عام 2021صورة من: Jan-Philipp Scholz/DW
إعلان
أحداث ساخنة تشهدها الحدود بين المغربوسبتة، بعد سباحة ما بين 200 إلى 300 شخص من سواحل المغرب إلى هذه المدينة، بداية هذا الأسبوع، ما أدى إلى تدخل الحرس المدني الإسباني ودوريات الإنقاذ البحري الإسباني للتعامل مع الوضع.
وتشير الأخبار من سبتة أن دوريات الإنقاذ الإسبانية انتشلت العشرات من الأشخاص من المياه، لكن عددا منهم حاولوا الاستمرار في السباحة خصوصا أن بعضهم "يرتدي عوامات وبدلات الغطس"، ومنهم من حاول الهروب من قوارب الإنقاذ، عبر العودة إلى البحر رغم خطر الغرق الواضح.
وذكرت مصادر إسبانية رسمية أنه تم إنقاذ العشرات من الأشخاص من الغرق. وبين المرشحين للهجرة كان هناك عشرات القاصرين الذين وصلوا إلى سبتة، وغالبية من وصلوا يحملون الجنسية المغربية.
في الجانب المغربي، ذكرت الوقاية المدنية أنها تمكنت من انتشال جثة شاب من شاطئ مدينة الفنيدق القريبة من سبتة، أمس الثلاثاء، كما ذكرت السلطات المغربية أنها تمكنت من توقيف 249 مرشحا للهجرة، بينهم 159 كانوا في البحر، خلال محاولتهم التسلل سباحة إلى سواحل سبتة، لكن هذا الرقم كان قبل عملية التسلل الجديدة.
أيار/مايو 2021، وصل 10 آلاف مهاجر خلال عطلة نهاية أسبوع واحدة، في أعقاب أزمة سياسية بين المغرب وإسبانيا، كان من نتائجها تخفيف المغرب للمراقبة على حدوده.صورة من: Antonio Sempere/Europa Press/AP/picture alliance
وبموجب اتفاقية الهجرة المبرمة بين إسبانيا والمغرب، تقتصر عمليات استقبال المهاجرين على القاصرين والبالغين من الجزائر وجنوب الصحراء الكبرى، أما البالغون المغاربة، فيتم إعادتهم إلى نقطة انطلاقهم على الجانب الآخر من الحدود.
وبين أقرب نقطة بين شواطئ سبتة والشواطئ المغربية، هناك مسافة بحرية تقدر بخمس إلى سبع كيلومترات، ما يجعل عبورها سباحة ممكنا، خصوصا من سواحل شاطئ تاراخال، جنوب سبتة أو سواحل شاطئ سواحل بليونش، شرقها. ويمثل جيبا سبتة ومليلية الحدود البرية المشتركة الوحيدة بين الاتحاد الأوروبي وقارة أفريقيا، فيما يعتبرهما المغرب مدينتين محتلتين من طرف إسبانيا، لكن دون تصعيد الأمر سياسيا.
ضغوط كبيرة
وذكرت صحيفة "إل فارو دي سوتا" أن أفراد البحرية الإسبانية سمعوا أصوات استغاثة من أشخاص في المياه، لم يعودوا قادرين على السباحة، كما تدخل بعض أحياء السكان المجاورة في عمليات الإنقاذ. وأشارت الصحيفة إلى وجود ضغوط كبيرة على البحرية الإسبانية التي تتعامل يومياً مع إنذارات بوجود أشخاص في المياه، مع الخطر الكبير الذي يتهدد هؤلاء بالغرق.
(التغريدة من موقع إسباني في سبتة لفرق الإنقاذ وهي تعثر على جثة تطفو في المياه يعتقد أنها تعود لشخص حاول الهجرة سباحة للمدينة)
ويلجأ عدد من المغاربة وكذلك الأفارقة جنوب الصحراء ونسب قليلة من الجزائريين في هذه السواحل إلى السباحة باستخدام معدات رخيصة غير مكلفة كما هي أسعار بقية طرق الهجرة السرية، ظنا أنها ناجعة بحكم المسافة القصيرة، غير أنها تهدد حياتهم، فضلا عن أن المغامرة تنتهي في حال الوصول إلى سبتة بالعودة إلى المغرب.
بينما يتحدث شهود عيان لوسائل إعلام في سبتة أن عددا من الشباب والقاصرين يحاولون السباحة عنوة نحو سبتة، لدرجة أنه وقعت مواجهات بالحجارة واشتباكات بينها وبين قوات حفظ النظام المغربية في الشواطئ القريبة من سبتة، كما توجد ضغوط كبيرة على الحدود البرية بين سبتة والتراب المغربي، وذكر الشهود وجود طوابير كبيرة.
ومن نجحوا في العبور نحو سبتة، استغلوا الفترة الليلية، ونظموا أنفسهم بعيدا عن أنظار قوات المراقبة، كما يلجأ آخرون إلى محاولة الهجرة عبر القوارب، وآخرين عبر جيت سكي، لكن جلهم، ستتم إعادتهم إلى المغرب وفق اتفاق مع السلطات، باستثناء القصّر الذين تحتاج مسطرة إعادتهم لبعض الوقت.
ليست الواقعة الأولى
مئات محاولات العبور سجلت هذا العام انطلاقا من الشواطئ المغربية إلى جيب سبتة، ففي 30 تموز/يوليو على وجه الخصوص، حاول حوالي 60 شخصا السباحة إلى سبتة، وتمكن ثمانية منهم من الوصول إلى أحد شواطئ هذا الجيب، وفي نهاية فبراير/شباط، تمكن نحو مئة مهاجر من التسلل سباحة للمدينة.
ومع ذلك، لا يزال من الصعب معرفة العدد الإجمالي للمهاجرين الذين سبحوا إلى سبتة هذا العام. لأن هؤلاء المهاجرين يتم إحصاؤهم من قبل السلطات الإسبانية في قوائم "المهاجرين الوافدين عبر البر"، لأنهم لا يستخدمون القوارب للقدوم إلى البلاد. لذلك وبناء على الأرقام الرسمية، دخل 1391 مهاجراً جيب سبتة عن طريق البر في عام 2024، مقارنة بـ571 في نفس الفترة من العام الماضي.
وانتهت عدد من محاولات الهجرة بشكل مأساوي، وذكر مرصد الشمال لحقوق الإنسان (مغربي) أن 40 مهاجرا غير نظامي غرقوا في أول شهرين من هذا العام، أثناء محاولتهم الوصول إلى جنوب إسبانيا أو مدينتي سبتة ومليلية، وذكر أن كل يوم يشهد مئة محاولة للهجرة سباحة إلى سبتة.
محاولة السلطات لتوفير هياكل استقبال
ويشكل هؤلاء الوافدون ضغطا على نظام الاستقبال في جيب سبتة، خاصة المنشآت المخصصة للقاصرين. ويتم إيواء حوالي 320 شابا حاليا في سبتة، التي تبلغ سعة هياكلها المخصصة للقاصرين 132 مكانا فقط، وفقا للحكومة المحلية. وذكرت مصادر محلية لصحيفة "إل فارو دي سوتا" أن وصول القاصرين الأجانب غير المصحوبين بذويهم ارتفع بنسبة 400٪ هذا العام، مقارنة بالعام الماضي.
ولتجنب ترك هؤلاء القاصرين دون استقبال ملائم، أتاحت سلطات سبتة يوم الأحد مستودعين صناعيين، تم استخدامهما مسبقاً للتعامل مع موجة توافد المهاجرين في أيار/مايو 2021، عندما وصل 10 آلاف مهاجر خلال عطلة نهاية أسبوع واحدة، في أعقاب أزمة سياسية بين المغرب وإسبانيا، كان من نتائجها تخفيف المغرب للمراقبة على حدوده.
ع.ا (مهاجر نيوز)
أوروبا وبلدان شمال إفريقيا.. لعبة المصالح ومقايضة الهجرة بالمال
تحتاج دول الاتحاد الأوروبي لموافقة دول جنوب المتوسط من أجل وقف الأعداد القياسية للمهاجرين غير النظاميين. ولذلك سعت بروكسل لصفقات تبادل مصالح مع دول كمصر وتونس وموريتانيا، وتفاوض أخرى كالمغرب. اتفاقيات تعرضت لنقد شديد.
صورة من: Hasan Mrad/ZUMA Wire/IMAGO
رئيسة الحكومة الإيطالية تزور تونس للمرة الرابعة
تزور رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني تونس، للمرة الرابعة خلال عام. وتركز مرة أخرى على مكافحة الهجرة غير القانونية. وأكدت مصادر إيطالية قبل هذه الزيارة أن "التعاون في مجال الهجرة يظل جانبا أساسيا في العلاقة بين إيطاليا وتونس". وتأتي الزيارة قبل شهرين من الانتخابات الأوروبية التي تخاض في إطارها نقاشات ساخنة حول الهجرة.
صورة من: Slim Abid/AP/picture alliance
اتفاقية مع تونس
وكانت تونس وقعت في تموز/يوليو 2023 مذكرة تفاهم مع المفوضية الأوروبية لكبح موجات الهجرة المنطلقة من سواحلها وجرى تعميم الخطوة مع موريتانيا ومصر لاحقا. وأشارت رئيسة المفوضية الأوروبية، التي زارت تونس مع رئيسي وزراء إيطاليا وهولندا، إلى أهمية التعاون في مجال مكافحة عصابات تهريب البشر وإدارة الحدود والبحث والإنقاذ عبر تمويل بقيمة 100 مليون يورو هذا العام.
صورة من: Freek van den Bergh/ANP/picture alliance
ثلثا المهاجرين يصلون إيطاليا عبر تونس
ومن بين أكثر من 150 ألف مهاجر وصلوا إلى السواحل الإيطالية القريبة في 2023، انطلق قرابة ثلثي العدد من سواحل تونس وأغلبهم من سواحل صفاقس التي تضم الآلاف من مهاجري دول إفريقيا جنوب الصحراء، والحالمين بالوصول إلى دول التكتل الأوروبي الغني. وتوفي أكثر من 1300 مهاجر قبالة سواحل تونس عام 2023، أي ما يفوق نصف عدد الوفيات في البحر المتوسط، المصنف كأخطر الطرق البحرية للهجرة غير النظامية.
صورة من: Ferhi Belaid/AFP/Getty Images
اتفاقية مع مصر
رئيسة المفوضية الأوروبية زارت القاهرة أيضا، برفقة رؤساء حكومات بلجيكا وإيطاليا واليونان. ووقعت اتفاقية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بهدف إقامة شراكة مع السلطات المصرية لمساعدة هذا البلد الغارق في أزمة اقتصادية خطيرة، والذي يقع على حدود حربين في قطاع غزة والسودان، وحيث يوجد نحو 9 ملايين مهاجر ولاجئ - بما في ذلك أربعة ملايين سوداني و 1,5 مليون سوري - بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
صورة من: Dati Bendo/dpa/EU Commission/picture alliance
مساعدات لموريتانيا مقابل التعاون في مجال الهجرة
كما وقعت موريتانيا مع بروكسل إعلانا للتعاون المشترك بينهما في مجال محاربة الهجرة غير النظامية يشتمل على نقاط متفرقة منها منع المهاجرين من التدفق نحو السواحل الأوروبية، وخاصة إسبانيا، وإعادة المهاجرين الموريتانيين غير النظاميين. والتعاون في مجال اللجوء، ومساعدة موريتانيا على إيواء طالبي اللجوء الأجانب على أراضيها مع احترام حقوقهم الأساسية. ولقي الاتفاق انتقادات واسعة في موريتانيا.
صورة من: BORJA PUIG DE LA BELLACASA/AFP
العبور من المغرب
يعتبر المغرب أحد أهم الوجهات للعبور إلى الاتحاد الأوروبي. إلا أن الرباط تشدد رقابتها على المنفذين البريين في سبتة ومليلة، إضافة للعبور بحرا. واعترضت السلطات المغربية 87 ألف مهاجر حاولوا الانطلاق من المغرب إلى أوروبا في 2023، وأنقذت 22 ألف مهاجر تقطعت بهم السبل في البحر أثناء محاولة العبور.
صورة من: Bernat Armangue/AP Photo/picture alliance
تقارب إسباني مغربي
التقارب الأوروبي مع المغرب تدفع به خصوصا إسبانيا، التي أعلنت في مارس/آذار 2022 تأييد موقف المغرب فيما يتعلق بالصحراء الغربية. وزار رئيس الوزراء الإسباني سانشيز المغرب أكثر من مرة. وعملت الرباط ومدريد على توثيق التعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية. واحتلت قضية الهجرة موقعا مهما في المحادثات.
صورة من: /AP Photo/picture alliance
سعي أوروبي لاتفاق قريب مع المغرب
هناك اتفاقيات ثنائية بين دول أوروبية والمغرب بخصوص الهجرة. ولكن هناك مفاوضات تجريها المفوضية الأوروبية مع الرباط، منذ سبع سنوات، ومن المقرر أن يتم التوقيع على الاتفاق نهاية 2024. التعاون مع المغرب ثمنه ليس ماليا، وإنما سياسي، بحسب مصادر أوروبية مطلعة، كما نقلت صحيفة "كرونه" النمساوية، حيث تشترط الرباط دعم بروكسل بخصوص الصحراء الغربية. وفي المقابل، يدعم المغرب السياسة الأوروبية المتعلقة باللاجئين.
صورة من: Abdelhak Senna/AFP/GettyImages
انتقادات حقوقية لهذه الاتفاقيات
انتقد نواب في البرلمان الأوروبي "الوضع الكارثي للديموقراطية وحقوق الإنسان في مصر". كما تعرضت مذكرة التفاهم مع تونس لانتقادات من قبل اليسار الذي يدين "استبداد" الرئيس التونسي سعيد، والانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون من جنوب الصحراء في بلده.
ودان المجلس الأوروبي للاجئين "الاتفاقات المبرمة مع الحكومات القمعية".
صورة من: Mahmud Turkia/AFP
تبقى ليبيا
ومع هذه الاتفاقيات المتتالية مع دول شمال إفريقيا للحد من الهجرة غير النظامية، تبقى دولة واحدة بمثابة العقدة أمام المنشار. حيث تستغل ميليشيات مسلحة في ليبيا الانقسام في البلد، لتحقق ثروات طائلة من خلال تهريب المهاجرين على قوارب مكتظة باتجاه اليونان وإيطاليا. وعجزت الجهود الأوروبية حتى الآن عن إيجاد حل للمعضلة، التي تفاقمت في يونيو/حزيران 2023 مع تسجيل واحد من أكبر حوادث غرق المهاجرين على الإطلاق.