بيوت مبدعين ألمان.. شواهد حية على الأدب ومزارات سياحية
٢٩ نوفمبر ٢٠٢٠
عرفت ألمانيا أدباء كبار استمدوا كتاباتهم من البيئة التي عاشوا بها وضمنوا بيئتهم في أعمالهم الأدبية، فتحولت بيوتهم وأماكن حياتهم الى رموز وصور أدبية تعكس جدلية العلاقة بين الأديب والأدب والبيئة المحيطة.
إعلان
عاش الشاعر الألماني تيودور شتورم ما بين عامي (1888-1817) في مدينة هوسوم التابعة لولاية شليزفيغ-هولشتاين. وقد نظم شتورم قصيدة شعرية عن مسقط رأسه ومدينته الصغيرة التي تقع على ساحل بحر الشمال.
كما اتخذ من منزله هناك مسرحاَ لكتابة الروايات ونظم الشعر. لقد تأثر شتورم بالأثاث الذي يوجد في بيوت التجار في مدينته واعتمده في رواياته وقصصه. فعلى سبيل المثال رواية (فيولا تريكلور) التي تصور فتاة شابة تتزوج من أرمل لديه أطفال تدور بعض أحداثها في مكان يشبه غرفة المعيشة في منزل الكاتب. ويبدو المنزل في أيامنا هذه بعد أن أصبح متحفاً للكاتب كما كان سابقا، وقد تم تجديد بعض الغرف التي يُعرض فيها بعض الوثائق ونسخ من مخطوطات شتورم وبعض الصور لمراحل حياته المختلفة.
ولد الأديب والكاتب الألماني الشهير توماس مان عام 1875 في مدينة لوبيك التابعة لولاية شليزفيغ-هولشتاين وتوفي عام 1955 في مدينة زيوريخ في سويسرا. وفي عام 1929 حاز توماس على جائزة نوبل للأدب.
ترجع الشهرة الواسعة التي يتمتع بها توماس مان الى رواية "عائلة بودنبروك" (Buddenbrooks) وهو يستعرض ملحمة صعود العائلة وسقوطها من خلال أربعة أجيال من عائلة بودنبروك التي تعمل في التجارة. نُشرت له هذه الرواية عندما كان عمره 26 عاماً. ويصف فيها توماس أيضاً العلاقة الصعبة بين الماضي العظيم والحاضر العسير والعلاقة المتوترة بين التقاليد والحداثة. وقد اختار البيت الذي كانت تسكنه جدته ليكون منزل عائلة بودنبروك.
في منزل بودنبروك الحالي يصعب عليك الفصل ما بين الحقيقة والخيال الأدبي. فقد تحول الى متحف حالياً يزوره السياح. وفي هذا السياق يقول المسؤول عن المتحف هانز فيسكرشن: "زوار هذا البيت ليس بوسعهم التأكد فيما إذا كانوا هم في منزل عائلة توماس مان نفسه أو في عالم عائلة بودنبروك الذي تعرفوا عليه من خلال أحداث الرواية".
قضى الكاتب الدرامي كريستيان فريدريش هيبل مرحلة الطفولة في مدينة صغيرة تُسمى فيسلبورن شمال ألمانيا، وعمل معظم سنين حياته في أبرشية كيرششبيل فوجتاي، وتم تخصيصها حالياً كمتحف ضخم لعرض أعماله الأدبية وتفاصيل حياته من خلال بعض الرسائل وبعض الكتابات.
وفي هايدي وهي مدينة صغيرة أخرى شمال ألمانيا عاش الشاعر الألماني كلاوس جروت ما بين عامي (1819 – 1899). وتدعو هذه المدينة جميع محبي هذا الشاعر والمعجبين بأعماله للقدوم إليها والتعرف بشكل أكبر على واحد من أهم الشعراء الذين كتبوا باللهجة المحلية (بلات دويتش) الخاصة بهذه المنطقة والتعرف على المنزل الذي عاش فيه فترة طفولته.
عائلة الأديب توماس مان– مواهب استثنائية ومحن كبيرة
كان الأديب الألماني الكبير توماس مان وأولاده غريبي الأطوار وأغنياء ومن المواهب الأدبية الاستثنائية. ولا تزال سيرتهم حتى الآن موضوعا في كتب عديدة. وقد صدر مؤخرا كتاب حولهم بعنوان "آل مان. قصة عائلة".
صورة من: Monacensia, Literaturarchiv und Bibliothek, München
صورة لعائلة مان من عام 1924 في جزيرة "هيدنزيه" في بحر البلطيق. من اليسار لليمين الأم كاتيا مع الأطفال مونيكا، ميشائيل، إليزابيث، كلاوس وإريكان. كلهم يحيطون بوالدهم توماس مان، ولا يمكنهم أن يفلتوا منه، كما يقول المؤلف تيلمان لامه في كتابه الجديد "عائلة مان" (بالألمانية: Die Manns)، الذي يتناول السيرة الذاتية للعائلة بداية من عشرينيات القرن الماضي.
صورة من: ullstein bild
منذ صدور أول أعماله الكبرى رواية "بودنبروك. قصة انهيار عائلة" في عام 1901 أكتسب الأديب الألماني توماس مان شهرة عالمية. ورغم اجتهاد الأبناء بشكل كبير في الوقت اللاحق، إلا أنهم لم يتمكنوا من التحرر من والدهم الشهير، الذي يسمونه داخل الأسرة "الساحر"، بناء على روايته "الجبل السحري" من عام 1921.
صورة من: ullstein - AKG Pressebild
وكتب تيلمان لامه عن إريكا وكلاوس البنت والابن البكران لتوماس مان "أخ وأخت، يقومان بمهمة صعبة في العالم من خلال خفة دم وجرأة واسم الأب". جذبتهما برلين في عصر جمهورية فايمار وجذبهما أيضا الفن. إريكا كانت تعمل أساسا كممثلة، أما كلاوس فصنع لنفسه اسما كبيرا ككاتب. في الصورة من اليسار: غوستاف غروندغينس، وإريكا مان، وباميلا فيديكيند وكلاوس مان.
صورة من: ullstein bild
تزوجت إريكا مان من الممثل غوستاف غروندغينس، أما كلاوس مان فخطب باميلا فيديكيند، لكن في وقت لاحق تزوجت باميلا من كارل شتيرنهايم، والد دوروتيا، الصديقة المشتركة لباميلا وكلاوس. وفي الواقع كانت إريكا مغرمة بحب باميلا. وبالنسبة لذلك العصر، كان يجري داخل أسرة مان الحديث والكتابة بشكل منفتح جدا حول المثلية الجنسية.
صورة من: picture-alliance/dpa
على الأقل ينطبق هذا الكلام على كلاوس مان، الذي ناقش علنا الشذوذ الجنسي في روايته، ومثلها بوضوح في شكل سيرة ذاتية. أما شقيقه غولو، فيتعامل مع ذلك بشكل أكثر كتمانا. وقرر بعد فترة ألا يبقى كاتبا فقط وإنما أن يعمل مؤرخا أيضا. وصنع اسما كبيرا في هذا الشأن حتى الآن، لدرجة أنه حظي بالتقدير من جانب والده.
صورة من: picture alliance/Imagno/Votava
فرت العائلة إلى الولايات المتحدة هربا من النازيين. وهناك في المنفى تحولت إريكا مان إلى المتحدث السياسي وإلى حد ما مسؤول "العلاقات العامة للعائلة"، هذا ما تقوله على الأقل سيرة العائلة التي كتبها تيلمان لامه. وقد سعت إريكا لأجل أن ينظر إلى عائلة مان كأسرة نموذجية في الحرب على هتلر.
صورة من: Public Domain
في الواقع، فإن العائلة بأكملها وقفت مبكرا ضد هتلر قبل كل المفكرين تقريبا في ذلك الوقت. حتى هاينريش، شقيق توماس مان، الذي هو أيضا كاتب كبير وأحد الأصوات الرئيسية ضد هتلر، يكاد لا يرد ذكره في السيرة الذاتية التي كتبها لامه. فالمؤلف ركز عمدا على توماس مان مع زوجته وأولاده.
صورة من: AP
المنفى هو من دفع أفراد العائلة للالتحام مع بعضهم البعض. وكانوا أيضا يحتاجون إلى بعضهم ماليا ولا يمكنهم أن يتفرقوا. ويعتقد تيلمان لامه في كتابه أن حقيقة عدم قدرة عائلة مان على العيش في ألمانيا وعدم استقبالهم بترحاب حتى بعد عام 1945 تعني للعائلة "نقطة تحول، تمثل جزءً كبيراً من مصيبتهم."
صورة من: ullstein - Thomas-Mann-Archiv
ولم يبق للأبناء سوى ذكريات أوقات جميلة قضوها في برزخ قورش على بحر البلطيق، كما يبدو في هذه الصورة: حيث يظهر توماس مان في عام 1930 مع أولاده إليزابيث وميشائيل وولدان آخران أمام منزلهم الصيفي في "نيدن". وانتحر كلاوس مان في كان عام 1949. ثم مات الأب توماس مان عام 1955.
صورة من: ullstein bild
في 8 فبراير 2002 مات آخر فرع من أسرة توماس مان، ابنته الصغرى إليزابيث. إنها الوحيدة فقط من بين أولاده، التي تمكنت أن تعيش في غير جلباب أبيها، هذا ما يقال على الأقل في السيرة التي كتبها تيلمان لامه. ومن المفارقات، أن أحب أولاد توماس مان إلى قلبه فضلت أن تعيش حياتها الخاصة. وحتى قبل وفاتها بيوم واحد، كانت إليزابيث مان- بورغس تمارس التزلج في منحدرات سانت موريتز بسويسرا.