1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تأثير سلبي متبادل بين قطاع النقل والمناخ

فرانشيسكا بادنشير/ نهلة طاهر٢٣ مايو ٢٠١٣

يتسبب نقل البضائع في جميع أنحاء العالم في ستة في المئة من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. تبعات التغير المناخي ستلقي بظلالها على قطاع النقل العالمي أيضا، لذا لا بد من نقل البضائع بأساليب أكثر رفقا بصحة البيئة.

Quelle:http://en.wikipedia.org/wiki/File:Upper_Pool_1.jpg Lizens: http://creativecommons.org/licenses/by-sa/2.0/deed.en +++CC/Chris Heaton+++ December 1962 Scanned from a 35mm slide, this shows the Upper Pool from London Bridge at a time when ocean-going ships from all over the world discharged their cargoes in the heart of the City. geladen am 14.05.2013
صورة من: CC/Chris Heaton

عندما تتصاعد رائحة القهوة من الفنجان، فإن المرء لا يفكر كثيرا في الطريق التي سلكتها حبات البن حتى وصلت إليه. فطرق النقل لا تكون ماثلة للعيان سواء تعلق الأمر بالقهوة أو بغيرها من المنتجات. وكما يقول الخبير الانجليزي في مجال النقل آلان ماكينون فإن "الجميع يرغب في محلات تجارية مليئة بالمنتجات، ولكن لا أحد يريد أن يرىالشاحنات على الطرق، أو يسمع ضجيج قطارات الشحن، أو أن يشم رائحة الأدخنة التي تتصاعد من سفن الشحن." قدلا تشاهد طرق النقل كثيرا، إلا أن تبعاتها واضحة للعيان، فنقل البضائع داخل البلد الواحد أو في جميع أنحاء العالم، مسؤول عن نحو ستة في المائة من مجموع انبعاثاتالغازات الدفيئة عالميا، بحسب تقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي. أما قسم صغير فقط من الانبعاثات ينشأ على سبيل المثال، بسبب بناء المستودعات وحاويات البضائع أو بسبب إضاءتها، وهكذا يسهم قطاع النقل في ظاهرة الاحتباس الحراري.

المناخ بدوره يؤثر بشكل سلبي على قطاع النقل، فظاهرة الاحتباس الحراري تؤثر على شبكة النقل الممتدة في جميع أنحاء العالم. ويظهر ذلك بشكلواضح في المثال التالي لرحلة قد تمثل نموذجا في مجال نقل المنتجات من قارة آسيا إلى أوروبا، فالقهوة مثلا تنقل من إندونيسيا إلى إحدى ضواحي لندن.

التغير المناخ يعطل سلسلة التوريد منذ بدايتها

أندونيسيا من أكبر الدول المصدرة للقهوة في العالمصورة من: CC/James Gagen

تعتبر إندونيسيا من أكبر الدول المصدرة للقهوة في العالم. وفي الوقت نفسه، يتم شهريا نقل نحو نصف مليون كيس من حبوب البن بوزن 60 كيلوجراما إلى بلدان أخرى، لتنطلق بعدها تجارة القهوة من مدن غربية كبرى على رأسها لندن ونيويورك. ولكن سلسلة تصدير البن تبدأ قبل ذلك بكثير، أي في المزارع الموجودة في العديد من الجزر الإندونيسية،ومن هناك ينقل البن إلى المدن الكبرى، استعداد لجولة واسعة حول العالم. لكن عواقب التغير المناخي قد تعطل سلسلة النقل في تلك المرحلة المبكرة.

وذلك عندما تحدث الظواهر المناخية المتطرفة بتواتر أكبر. ويمكن خلال رحلة البن من إندونيسيا أن تغرق الأمطار الكثيفة المخازن التي يحفظ فيها البن قبل نقله إلى جهة التصدير، أو أن تدمرها إحدى العواصف العاتية. هذا ما حدث أيضا "في الولايات المتحدة عام 2011 عندما ضرب الإعصار ساندي سواحلها، أو أيضا عندما غمرت الفيضاناتالقوية تايلاند وغمرت المياه العديد من المصانع والمستودعاتبالقرب من بانكوك" كما يقول آلان ماكينون. ووفقا لتقرير مجموعة ميونيخ ري لإعادة التأمين الصادر عام 2010 ، فإن الظواهر الجوية المتطرفة التي تقع سنويا، ارتفع عددها إلى ثلاثة أضعاف منذ عام 1980، وارتفع أيضا مقدار الضرر المادي المترتب على كل ظاهرة.

التغير المناخي عامل من عوامل خطر متعددة

"المشكلةهي عدم توفر الأمان"، كما يقول آلان ماكينون الأستاذ في جامعة كونهلعلوم النقلفي هامبورغ والذي يجري دراسات على عمليات النقل اللوجستية في جنوب شرق آسيا.وهو يوضح أن "هناك سيناريوهات مختلفة حول تطور المناخ خلال هذا القرن، ولكل نموذج مناخي نطاقه المحدد الذي سيحدث فيه. وتحاول الشركات حماية شبكات النقل الخاصة بها ضد العديد من الطوارئ. ولكن هذا من الصعوبة بمكان، فالتغير المناخي ليس سوى عامل واحد من عوامل خطر كثيرة. لذا يتم وضع حسابلعدد من الحالات الطارئة، ومن بينها إضرابات العمال والهجمات الإرهابية مثلا. لذلك فإن العديد من الشركات واثقة من نجاعة أنظمتها في الوقت الراهن، وعلى قدرتها على التعامل مع التغير المناخي. في المقابل فإن الشركات الصغيرة تقول إنها لا تملك المال الكافي لتجهيز شبكات النقل التي تستخدمها بما يمكنها من التأقلم مع تبعات التغير المناخي."

الشحن الجوي وسيلة نقل سريعة، لكنها غير رفيقة بصحة البيئةصورة من: CC/curimedia

عندما يعبأ البن الإندونيسي في أكياس كبيرة وجاهزة لرحلة حول العالم، فإنها تنقل إلى ميناء كبير، على سبيل المثال، في العاصمة جاكرتا. ويعد شحن البضائع عبر السفن الوسيلة الأكثر شيوعا في شبكة خدمات النقل العالمية. وفيتقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة ورد أن البضائع التي يتمشحنها بالسفن تمثل 80 في المائة من حجم البضائع المنقولة في جميع أنحاء العالم، وهي تدر 70 فيالمئة من القيمة المالية لمجموع البضائع المنقولة عالميا. وهكذا فإنالموانئ تعتبر المفاصل المركزية في شبكة النقل العالمية.

لكنها -أي الموانئ- تتأثر بشكل عميق من ظاهرة التغير المناخي وهذا يتم على مستويات مختلفة. ومن ضن المحاور التي يعددهاتقرير الأمم المتحدة، أن ارتفاع مستويات البحار يتسبب في إغراقالموانئ وتآكل التربة في السواحل، وهذا يمكن أن يؤدي في مرحلة لاحقة على سبيل المثال إلى تلف البنية التحتية في المنطقة الساحلية بأكملها. ويمكن أن تتسبب الظواهر المناخية المتطرفة في تعطيل حركة المرور وهذا يؤدي في المحصلة إلى اختلال بين العرض والطلب على المنتجات في العالم بأسره كما يمكن لارتفاع درجات الحرارة أن يرفع معدل استهلاك الطاقة، فستكون هناك مثلا حاجة متزايدة لاستخدام أجهزة تكييف الهواء وإلى مستودعات تخزين إضافية. في هولندا مثلا، حيث تقع ربع مساحة البلاد تحت مستوى سطح البحر، تم بناء السدود على امتداد كيلومترات بهدف حماية الساحل. لكن السواحلفي جنوب شرق آسيا لا تتمتع بحماية مماثلة حتى الآن.

فائدة للتغير المناخي؟

أهم طرق النقل يمكن أن تتأثر إيجابا من التغير المناخيصورة من: CC/Henryvb

وكما يقول الخبير فإن "البعض يفضل التركيز أيضا على الفوائد المحتملة التي يمكن أن تتحقق عبر التغير المناخي. فارتفاع مستوى سطح البحر قد يحمل في طياته جانبا إيجابيا، إذ سيترتب على هذا على سبيل المثال كبر حجم السفن، وستكبر بالطبع أيضا سعتها وحمولتها. لذا فإن السفن ستحتاج مستقبلا إلى مياه أكثر عمقا فيالمرافئ ومصبات الأنهار. وقد اتضح على سبيل المثال، أن الموانئ التي تصل اليها واردات القهوة والواقعة كميناء لندن على نهر التايمز، لم تكن كبيرة بما يكفي عندما تكبر السفن حجما.لذا تم نقل الميناء نحو مصب النهر.

وبالتالي فإن مسار الشحن يمر عبر المحيط الهندي، بمحاذاة الجانب الجنوبي من جبال الإنديز، مروراً بخليج عدن ثم إلى البحر الأحمر وتمر السفن عبر قناة السويس، ومن ثم تنتقل عبر البحر الأبيض المتوسط ​وحتى تصل إلىالساحل الغربي لأوروبا إلى مدينة لندن. يمكن لهذه الرحلة أن تستغرق بضعة أيام فقطعلى متن بالطائرة، لكنها عادة تستغرق - وفقا لماكينون- فترة تتراوح بين ثلاثة إلى أربعة أسابيع على متن السفن. ويضيف الخبير: "فيالسنوات الأخيرة، خفضت العديد من سفن النقل سرعتها بنسبة تتراوح بين 15 و 20 في المئة، واصبحت الرحلة من جنوب شرق آسيا إلى أوروبا تستغرق وقتا أطول بمعدل يتراوح بين 4-6 أيام في المتوسط، وهذه الوسيلة التي تعرف باسم "التدفق البطيء" هي إحدى الوسائل التي يتم اللجوء إليها لتوفير الوقود. وخفض استهلاك الوقود يترتب عليه من ناحية خفض التكاليف، "لكن يترتب عليه أثر إيجابي آخر يتمثل في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، الأمر الذي عزز من المزايا البيئية للنقل البحري مقارنة بالنقل الجوي."

ولكن يلاحظ في أنحاء العالم المختلفة أن نقل السلع يتم بشكل متزايد بواسطةالطائرات والشاحنات. ووسيلتا النقل هاتان تتسببان في أضرار جسيمة على صحة المناخ. ولوقف هذا الاتجاه يتوسع الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال في استثماراته فيالبنية التحتية للسكك الحديدية والقنوات المائية الداخلية والموانئ. ويضيف الخبير البريطاني ماكينون الذي دُعي في عام 2011 من قبل المفوضية الأوروبية ضمنثلاث مجموعات من الخبراء: "في المملكة المتحدة هناك عدد قليل من القنوات المائية، لذلك فإن نقل البضائع يعتمد بشكل أقل على السفن، ويتم الاعتماد بدلا من ذلك على الشاحنات."

"سبل النقل الخضراء"

الفيضان الذي غمر شوارع تايلاند عام 2011صورة من: CC/NIST School Shared Account

إذا أبحرت سفينة شحن من إندونيسيا إلى روتردام، وهو ثالث أكبر ميناء في العالم،فإن أكياس البن المستوردة يمكن أن تنقل إلى داخل هولندا عبرالسفن أيضا. لكنها يمكن أن تواجه هناك تبعات أخرى محتملة لتغير المناخ: أي شح الأمطار. "فالترع والقنوات المائية الداخلية معرضة للتأثر بالجفاف بشكل أكبر من غيرها، وهذا ما حدث علىسبيل المثال في أوروبا عام 2003 أو أيضا عام 2012 في ولاية مسيسبي الأمريكية"، كما يذكر ماكينون.

ويشيرالخبير كذلك إلى هطول الأمطار آنذاك بكميات قليلة، إلى درجة انخفض معها مستوى المياه في النهر بشكل كبير جدا، وتأثرت حركة الشحن البحري سلبا وتراجعت بقوة. و"من سخرية الأقدار"، كما يقول ماكينون، "أن أكثر طرق النقل رفقا بصحة البيئة، هي الأكثر حساسية حيال تبعات التغير المناخي."


لذلك تأسس فرع جديد من البحوث يتمحور حول طرق النقل "الخضراء" والصديقة للمناخ. وتتطلب طرق النقل الرفيقة بصحة المناخ والبيئة، تكاتفا على مستويات عدة، من بينها المستوى التكنولوجي والتنظيمي والسياسي. وعلى سبيل المثال، تم في فنلندا تطوير شاحنة تتميز باستهلاك أكثر كفاءة للوقود بما يصل الى 15 في المئة مقارنة بالشاحنات التقليدية. وفي اليابان تم بناء "السفينة الإيكولوجية الخارقة" التي تقلل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى الثلثين مقارنة بسفن الشحن التقليدية المعروفة اليوم.وأقدمت شركات مثل شركتي كيلوغس وكيمبرلي كلارك على الاتحاد في شركة واحدة، بهدف الاستفادة من أفضل وسائل النقل المملوكة لها. وهناك أيضاالعديد من الشركات تخصصت في مجال تحديد "البصمة البيئية" للمنتجات، وإن كان ذلك يشمل سلسلة الإنتاج كاملة في كل مراحلها منذ الباية وحتى وصولها إلى شبكات النقل، إلا أن بإمكان تلك الشركات تقديم الاستشارات حول كيفية تحسين الأداءالبيئي.

وعندما يتم نقل البن يوما ما من إندونيسيا في طريق "أخضر" تماما عبر العالم، يمكننا عندها أن تشرب القهوة دون تأنيب ضمير.

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW