تأثير فرنسا في لبنان ـ هل تستطيع باريس إنقاذ بلاد الأرز؟
١ سبتمبر ٢٠٢٠
رئيس فرنسا ايمانويل ماكرون يزور بيروت المدمرة. وهو يتطلع إلى المساهمة في تغيير الوضع السياسي في لبنان، الذي تتحكم به المحاصصة الطائفية. فباريس لها ارتباطات قديمة مع لبنان، لكن ما هو تاثيرها في السياسة اللبنانية حاليا؟
إعلان
بعد نحو أربعة أسابيع على الانفجار في مرفأ بيروت الذي كلف حياة أكثر من 180 شخصا، يزور رئيس فرنسا ايمانويل ماكرون مجددا لبنان. إنها الزيارة الثانية عقب الكارثة. والبلاد لا تكافح فقط ضد أزمة اقتصادية، بل تعيش أيضا وضعا سياسيا متأزما. ولذلك طالب رئيس الحكومة الفرنسية منذ زيارته الأولى بتنفيذ إصلاحات عميقة، وإلا ستبقى الأموال لإعادة البناء محجوزة. وعلى هذا النحو طالب ـ على غرار المتظاهرين في البلاد ـ بوضع نهاية للنظام النسبي السياسي الطائفي. فإلى حد الآن ظلت المناصب السياسية موزعة حسب الانتماء الطائفي. وعلى هذا النحو ظل الرئيس إلى حد الآن من الطائفة المسيحية ورئيس الحكومة سنيا ورئيس البرلمان شيعيا. وتلقى الدعوة الفرنسية هذه الترحيب من قبل الكثير من اللبنانين، إذ استُقبل ماكرون خلال زيارته لأوى بهتافات "تحيا فرنسا".
تجاوب مع فرنسا
ويبدو أن دعوات الدولة الاستعمارية السابقة وجدت آذانا صاغية. وعليه فقد شدد رئيس لبنان ميشيل عون، الذي هو في الحقيقة شخصية مكروهة لدى الكثير من اللبنانيين، على ضرورة إصلاح جديد لنظام الحكم. وقال في كلمة متلفزة بأنه يجب على لبنان أن يصبح "دولة علمانية".
وحتى زعيم مليشيا حزب الله الشيعية المدعومة من إيران، القوة الأكبر عسكريا وسياسيا في لبنان، أبدى انفتاحا. "استوعبنا نداء الرئيس الفرنسي كميثاق سياسي جديد"، كما قال حسن نصر الله الذي أوضح أن منظمته منفتحة على كل نقاش بناء حول الموضوع ـ "لكن بشرط أن يتعلق الأمر بحوار لبناني يتناسب مع إرادة جميع الأحزاب اللبنانية"، كما تابع نصر الله.
والتصريحات والتطورات السياسية في مستهل زيارة ماكرون توحي بأن فرنسا لها تأثير كبير على لبنان، كما يقول كريم اميل بيتار، مدير معهد العلوم السياسية بجامعة سانت يوسف ببيروت" إذا لم تنخرط فرنسا في لبنان، فإن هناك خطر أن يتفكك"، كما يقول بيتار لإذاعة فرانس أنفو الفرنسية.
"وهناك خطر جدي بأن تنتقل الحروب بالوكالة إلى العديد من بلدان المنطقة في سوريا واليمن وأماكن أخرى إلى لبنان"، كما أوضح بيتار في كلامه الإذاعي، مشيرا إلى "الارتباط التاريخي والعاطفي القوي" بين لبنان وفرنسا.
وبالفعل تلعب فرنسا في لبنان منذ قرون دورا هاما. ففي عام 1860 زادت التوترات الدينية في جبل لبنان المنتمي حينها للإمبراطورية العثمانية، وانتهت في الأخير إلى أعمال عنف مفتوحة بين المسيحيين والدروز. وفي هذا الوضع تدخلت فرنسا وفرضت لدى العثمانيين وضعا مستقلا للمنطقة، وتحولت فرنسا إثرها إلى قوة الحماية للمسيحيين. وفي عام 1920 أعلنت فرنسا قيام لبنان الكبير، الذي سبق لبنان المعاصر الذي نال استقلاله في 1943.
ومذ ذلك الحين نشأ تأثير فرنسا السياسي في لبنان، والذي يمكن لباريس أن تستغله في الأزمة الحالية، كما يقول بيتار. ففرنسا تتمتع بنفوذ يمكنها من التوسط بين الفاعلين الوطنيين وحلفائهم الدوليين. وفقط من خلال هذا الأسلوب يمكن تفادي أن يتحول لبنان إلى أرض صراع بين القوى الخارجية.
لكن السؤال هو هل فرنسا هي المحرك الذي لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة إلى لبنان؟ "اللبنانيون بسبب لا مبالاة السياسيين مدفوعين إلى الانتفاضة لم يحتاجوا إلى زيارة ايمانويل ماكرون للتعبير عن غضبهم من الكارثة في الـ 4 أغسطس"، كما ورد في تحليل لمجلة اكسبريس الفرنسية.
ومن الوارد أن تكون زيارة الرئيس الفرنسي قد دعمت الحركة الاحتجاجية معنويا، فأدى احتجاجها إلى استقالة الحكومة. ماكرون أنصت إلى الناس وتحدث عن "الفساد الممنهج" إضافة إلى انعدام الثقة. وبهذا يكون قد ساند قضية المتظاهرين. وقد تقتصر الأمور على كلمات، كما يعبر عن هذا القلق المؤرخ يان بويرات في مجلة "نوفيل أوبسيرفاتور".
سيناريوهات مهددة
وقد تكون العواصم الأوروبية على بينة من أمرها حول صعوبة الوضع حاليا في لبنان. فالدولة الصغيرة مهددة وقد تفشل، علما أن دولا أكبر كثيرة في المنطقة تحاول ممارسة التأثير على لبنان: إيران من خلال حزب الله، السعودية من خلال عائلة الحريري أقامت علاقات وطيدة مع لبنان. وتركيا تحت حكم اردوغان تتحول مثلا في سوريا وليبيا إلى قوة عسكرية كبيرة. وحتى جوار لبنان المباشر، سوريا، التي دمرتها الحرب القائمة منذ عشر سنوات تقريبا، لا تساهم في استقرار البلاد.
وإذا ما انهار لبنان، فإن ذلك ستكون له عواقب لا يمكن التنبؤ بها بالنسبة إلى أوروبا بالنظر إلى اللاجئين والثقافة السياسية للمنطقة بشكل عام التي قد تسير لصالح الأنظمة الاستبدادية المهيمنة في المنطقة. وهذا كله يدفع إلى الافتراض أن دور فرنسا وباقي الدول الأوروبية لن يبقى في إطار التصريحات.
كرستين كنيب / م. أ.م
لبنان 100 عام.. من طوائف الجبل إلى دولة على شفا الانهيار
لبنان.. بلد صغير المساحة، لكنه يختزل على مدار قرن من إعلان قيامه أحداثاً كبيرة جعلته صورة مصغرة عما جرى في العالم العربي من خيبات متواصلة. يحتضن تاريخه كل شيء: العنف والصلح، الحرب والسلم، الرخاء والشدة، الوطنية والتبعية.
صورة من: Getty Images/AFP/J. Eid
فتنة جبل لبنان
سكنت عدة طوائف في المناطق المعروفة حالياً بلبنان، خاصة منطقة جبل لبنان. لكن الطوائف الأبرز كانت ستة: الموارنة والأرثودوكس والكاثوليك، وفي الجانب الآخر الدروز والسنة والشيعة. بقي الجبل تحت سيطرة العثمانيين، لكنه شهد توترات طائفية خطيرة خاصة المجازر بين الدروز والموارنة عام 1860. تدخلت قوى أوروبية في المنطقة خاصة منها فرنسا، وشهد جبل لبنان بضغط أوروبي قيام نظام "المتصرفية" الذي عزّز الوجود الماروني.
صورة من: picture-alliance/Design Pics
قيام لبنان الكبير
بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، استطاعت فرنسا فرض انتدابها على لبنان بعد توسيعه ليضم البقاع وولاية بيروت فضلاً عن ترسيم الحدود مع سوريا. ويقول جوزيف باحوط في مقال على كارنيغي إن فرنسا هدفت إلى خلق وطن شبه قومي للمسيحيين في الشرق الأوسط، لكن الطوائف المسلمة رفضت بشدة الوضع الجديد. أعلن لبنان استقلاله عام 1943 على يد الرئيس بشارة الخوري، لكن جلاء القوات الفرنسية لم يتم إلّا عام 1946.
صورة من: picture-alliance/United Archives/TopFoto
الميثاق الوطني
شهد إعلان استقلال لبنان ما عُرف بالميثاق الوطني الذي منح رئاسة الدولة للموارنة ورئاسة الوزراء للسنة ورئاسة مجلس النواب للشيعة. وكان هدف الميثاق تسهيل الاستقلال حتى لا يطلب المسيحيون حماية فرنسا ولا يطالب المسلمون بالوحدة مع سوريا. لم يُكتب الميثاق لكنه بقي مطبقاً في البلاد منذ ذلك الحين، ويرى متتبعون أنه سبب المشاكل الطائفية في البلاد بما أنه هو من أسس لنظام المحاصصة.
صورة من: picture-alliance/dpa/W. Hamzeh
إنهاء حكم شمعون
تحوّلت بيروت إلى مدينة تجمع الكل منذ سنوات الاستقلال، لكن اندلاع النزاع العربي-الإسرائيلى ألقى بظلاله على بلد يصارع لخلق هويته. استقبلت بيروت آلاف اللاجئين الفلسطينيين كما استقبلت مهاجرين عرب وشهدت نمواً اقتصادياً لكن في الآن ذاته ركزت قوى عربية متصارعة نفوذها داخل المدينة منذ ذلك الحين. غير أن أبرز حدث شهدته بيروت في الخمسينيات كان الانتفاضة ضد الرئيس كميل شمعون الذي كان له علاقات قوية مع الغرب.
صورة من: Imago Images/United Archives International
العصر الشهابي
من بين أكثر رؤساء لبنان احتراما هو فؤاد شهاب الذي حكم البلاد منذ 1958 إلى 1964 ورفض التمديد له رغم شعبيته الطاغية. تحقق في عهد شهاب الكثير من الاستقرار في البلد رغم الانتقادات الموجهة له بتقوية دور المخابرات بعد محاولة الانقلاب. جاء بعده شارل حلو الذي حاول اتباع النهج الشهابي بعدم تفضيل أيّ طرف سياسي على آخر، لكن البلد شهد في عهده عدة مشاكل اقتصادية، ما مهد الباب لسليمان إفرنجية ليخلفه.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Tödt
الحرب الأهلية تندلع
شهد لبنان توقيع اتفاق القاهرة عام 1969 بين الفصائل الفلسطينية في مخيمات اللاجئين وبين الدولة اللبنانية حتى لا تتكرر مناوشات بين الطرفين، وبموجبه تم الاعتراف بالوجود الفلسطيني المسلح في لبنان. وقف اليسار اللبناني مع الفلسطينيين، في حين رفضهم اليمين المشكل أساساً من منظمات مارونية. ومع تعاظم النفوذ الفلسطيني تعددت الاحتكاكات مع القوى اليمينية، لتندلع رسمياً الحرب الأهلية في أبريل/ نيسان 1975.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Raouf
بيروت تشتعل
قُسمت بيروت إلى شرقية تحت سيطرة القوات اليمينية وغربية للفلسطينيين والقوات اليسارية. زاد التناحر الطائفي بين المسلمين والمسيحيين من الحرب خاصة مع وجود اختلالات اجتماعية بينهم. زاد التدخل السوري من سعير الحرب، وكذلك فعلت إسرائيل عندما اجتاحت لبنان عام 1982 وحاصرت بيروت الغربية ما أدى إلى جلاء المسلحين الفلسطينيين، لكن الحرب لم تنته، ووقعت بعد ذلك مواجهات حتى داخل الأطراف التي كانت متحالفة.
صورة من: Ziad Saab
حزب الله يخرج منتصرًا
انتهت الحرب رسميا عام 1991 سنتين بعد توقيع اتفاق الطائف. شهدت الحرب مجازر مروعة كالكرنتينا والدامور وصبرا وشاتيلا، ووثقت الكاميرات مشاهد مرعبة كما جرى في حصار بيروت وحرب المخيمات. تقوّت لاحقا التنظيمات الشيعية، وخصوصا حزب الله المرتبط بإيران، وبقي التنظيم محافظًا على سلاحه بعد حلّ كل الميلشيات، فتراجع نفوذ التنظيمات المسلحة اليمينية واليسارية والفلسطينية، كما ضمنت سوريا استمرار حضورها في البلد.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Amro
الاغتيالات تستمر
استقر لبنان نسبيا في التسعينيات، لكن سنوات الألفية شهدت مواجهات مسلحة بين حزب الله وإسرائيل في صيف 2006، لكن الهزة الأعنف كانت اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء السابق الذي ساهم في إعمار لبنان. كانت من نتائج الاغتيال خروج القوات السورية نتيجة ما عُرف بـ "ثورة الأرز". شهد البلد في تلك السنوات استمرار الاغتيالات السياسية التي وجهت فيها الاتهامات لدمشق كاغتيال الشيوعي جورج حاوي والصحفي سمير قصير.
صورة من: picture-alliance/dpa/N. Mounzer
حراك لبنان
لأول مرة في تاريخ البلاد، يخرج مئات الآلاف من اللبنانيين عام 2019 رفضاً لنظام المحاصصة الطائفية، مطالبين برحيل الطبقة السياسية ككل. جاءت الاحتجاجات في ظل استمرار ترّدي الوضع الاقتصادي وارتفاع نسب الفساد، ما أدى إلى استقالة حكومة سعد الحريري، وتشكيل حكومة حسان دياب التي استقالت بدورها بعد انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة ما يناهز مئتي قتيل. تقرير: إسماعيل عزام