تأجيل مؤتمر مناهضة التعذيب بمصر.. نصر للضحايا أم ضياع لفرصة؟
٢١ أغسطس ٢٠١٩قرار الأمم المتحدة تأجيل مؤتمرها لمناهضة التعذيب، الذي كان من المقرر عقده بالقاهرة في سبتمبر/ أيلول القادم، يسلط الضوء على ملف حقوق الإنسان في مصر من جديد، إذ أن التأجيل جاء عقب تعرض الأمم المتحدة للنقد من قبل حقوقيين من داخل مصر وخارجها، نظرا للاتهامات الموجهة للأجهزة الأمنية بممارسة التعذيب داخل السجون، وفقا لتقارير حقوقية سابقة.
روبرت كولفيل، المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أوضح السبب وراء قرار التأجيل، فأشار صراحة إلى ما وصفه بالـ "القلق المتنامي" لدى عدد من المنظمات الحقوقية حول اختيار مصر، مؤكدا على "معاودة فتح عملية التشاور مع كل الأطراف المعنية" لاتخاذ قرار نهائي بشأن موعد ومكان انعقاد المؤتمر.
وحتى إعداد هذا التقرير ونشره، لم يصدر تعليق على قرار تأجيل المؤتمر، من قبل الحكومة المصرية أو المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي يعد المُشارك الرئيسي في استضافته بجانب مفوضية الأمم المتحدة. إلا أن ياسر عبدالعزيز، الخبير الإعلامي وعضو مجلس حقوق الإنسان المصري، عبر عن "قلق عميق ودهشة" من قرار الأمم المتحدة، حيث اعتبر أن التأجيل حدث بسبب ما يراه "إخضاع المؤتمر للضغط السياسي دون الاستناد إلى تحليل فني".
وقال عبدالعزيز في تصريح خاص لـ DW عربية: "نحن إقليميا بحاجة إلى تعريف التعذيب وإعلاء دور المؤسسات الوطنية في مكافحته، وهذا يمكن أن يحدث في أي دولة حيث أن الأساس هنا هو الرسالة وليس المكان، ومن هنا أرفض القراءة السياسية بسبب إضرارها بالبعد الحقوقي لقضية التعذيب". وتابع الخبير الإعلامي المصري: "إقامة مؤتمر ضد التعذيب في دولة ما يعني أن هناك رغبة وإرادة من جانب تلك الدولة في مناقشة الموضوع".
أما محمد زارع، مدير برنامج مصر بمركز القاهرة لحقوق الإنسان، فاعتبر في حوار أجرته معه DW عربية، أن تأجيل المؤتمر "انتصار لضحايا التعذيب في مصر"، وقال: "لا أقبل فكرة إقامة مؤتمر لمناهضة التعذيب في دولة متهمة بالتعذيب، فذلك يعطي انطباعا وكأن لديها مساحة للتعبير عن الرأي واحترام حقوق الإنسان ونية حقيقية لمكافحة التعذيب، وهذا على خلاف الحقيقة".
قبل شهور وبالتحديد في الثاني والعشرين من شهر فبراير/ شباط الماضي، عبر مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن قلقه بسبب تنفيذ حكم بالإعدام على 15 شخصاً تمت إدانتهم قضائيا بقضية مقتل النائب العام هشام بركات عام 2015. وكانت المفوضية قد صرحت حينها بشكوكها حول عدالة الأحكام الصادرة بسبب "احتمالية استخدام التعذيب لانتزاع اعترافات من المتهمين"، حيث قال المتحدث باسم مكتب حقوق الإنسان، روبرت كولفيل، في إفادة له بالعاصمة السويسرية جنيف: "المزاعم عن استخدام التعذيب لم يتم التحقيق فيها بالشكل الملائم". غير أن مصر رفضت انتقادات الأمم المتحدة لها وأصدرت وزارة خارجيتها بيانا تشدد فيه على "رفض أي إشارة لادعاءات حول انتزاع الاعترافات".
ضمان سلامة المشاركين في المؤتمر!
بعض المستائين من اختيار الأمم المتحدة لمصر كمكان لعقد مؤتمر مناهضة التعذيب برروا موقفهم الرافض لهذا الاختيار استناداإلى وقائع بعينها للتأكيد على صحة حديثهم. وجاء في مقدمة تلك الوقائع قضية مقتل باحث الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني، الذي عُثر على جثمانه عام 2016.
ووصل الهجوم الذي تعرضت له الأمم المتحدة بسبب اختيار مصر لعقد مؤتمرها حول التعذيب، لحد توجيه اتهامات مباشرة وغير مباشرة للمنظمة الدولية "بتورط عاملين بها" في وقوع الاختيار على مصر دون غيرها من دول الشرق الأوسط والعالم الثالث.
ويرد الخبير الإعلامي وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان ياسر عبدالعزيز على رفض استضافة مصر للمؤتمر قائلا: "هل إقامة المؤتمر يعتبر جائزة لمصر أو إبراء ذمة لها؟ فالمكسب في النهاية سيكون مناقشة القضية وتسجيل مواقف معلنة لجميع الأطراف والخروج بتوصيات، فالمؤتمر كان مناسبة جيدة بسبب عدم حسم دول كثيرة في المنطقة مسألة التعذيب فيها".
وهو ما اعتبره، محمد زارع، مدير برنامج مصر بمركز القاهرة لحقوق الإنسان، "أمرا لا يحتاج لمناقشة ومؤتمر" حيث يرى أن "مسألة تعريف التعذيب وتجريمه تحتاج إلى إرادة سياسية من جانب الدولة".
كما تساءل زارع حول ما وصفه بـ "قدرة الأمم المتحدة على ضمان سلامة حضور أعضاء المنظمات الحقوقية المصرية للمؤتمر"، موضحا: "الدولة المصرية تطارد المتعاملين مع الأمم المتحدة، فأنا شخصيا أثناء التحقيق معي عام 2017 تم استخدام تقرير الاستعراض الدولي الشامل للأمم المتحدة الذي شاركت في كتابته كدليل ضدي".
واستدعت النيابة المصرية الحقوقي محمد زارع للتحقيق معه بالقضية رقم 173 لسنة 2011 المرفوعة ضد منظمات المجتمع المدني لاتهامها بـ "تلقي أموال من الخارج للإضرار بالمصلحة الوطنية"، وفقا لبيان صادر عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في شهر مايو / أيار عام 2017، كما صدر قرار بمنع زارع من السفر خارج مصر بنفس القضية.
تسويق الدولة المصرية لصورتها؟
وفقا لتقرير صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" في سبتمبر/ أيلول عام 2017، وصفت المنظمة "التعذيب الذي تمارسه الأجهزة الأمنية ضد المعارضين" باعتباره في مصر "أمرا شائعا منذ عام 2013".
وفي تقرير حديث لوكالة "رويترز" للأنباء ما بين عامي 2014 و 2019 تم تنفيذ حكم الإعدام في ما لا يقل عن 179 شخصا، مقارنة بإعدام عشرة أشخاص فقط في السنوات الست السابقة لتلك الفترة.
أما بالنسبة لموقف الدولة المصرية، فهي دائما ما تنفي أو ترفض ما يوجه لها من اتهامات. ومنذ بضعة سنوات بدأت في القيام باستضافة عدة مؤتمرات إقليمية ودولية، يأتي في مقدمتها "منتدى شباب العالم"، الأكبر من حيث الحجم وعدد المشاركين. ويرى كثيرون أن الهدف من تنظيمها هو محاولة من جانب النظام لـ "تقديم صورة معينة لمصر في عهد السيسي" أو "لتعزيز شرعية النظام الحاكم".
ولا يرى الخبير الإعلامي ياسر عبدالعزيز مانعا في السعى إلى الإعلان عن ما يتم إنجازه مؤكدا على أنه لا توجد دولة راغبة في تحقيق تقدم بدون سياسية تسويقية لها، وأضاف: "الدولة المصرية لديها الرغبة في الترويج للنمو والاستقرار الحاليين في مصر من خلال تنظيم الندوات ذات الطابع الإقليمي والدولي، فالرابح الحقيقي هو من تربح قصته في وسائل الإعلام وليس الرابح في الميدان فقط".
دينا البسنلي