تبديل الملقي بالرزاز.. هل يعيد الهدوء للشارع الأردني؟
٤ يونيو ٢٠١٨بعد أكثر من أربعة أيام على اندلاع احتجاجات شعبية اعتبرت الأكبر في الأردن، ضد السياسيات الاقتصادية في البلاد، وخاصة مشروع قانون ضريبة الدخل، دخل الملك الأردني عبد الله الثاني على الخط واستدعى رئيس الوزراء، هاني الملقي إلى القصر، ليقدم الأخير استقالته ويتم تكليف عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة.
ويبدو أن القيادة الأردنية التقطت إشارة الشارع وتحركت للحيلولة دون أن تكبر كرة الثلج بشكل قد يصبح التحكم في تداعياتها أصعب مما هو عليه الآن. فاستقالة رئيس الحكومة هاني الملقي والتراجع عن مشروع قانون الزيادة في الضريبة عن الدخل كانت من الشعارات الأساسية التي رفعها المحتجون في مختلف المدن الأردنية.
ويعتبر مشروع قانون ضريبة الدخل، الذي أقرته حكومة الملقي مؤخرا وأرسلته للبرلمان للتصويت عليه هو الأحدث بين سلسلة تدابير حكومية شملت زيادات في الأسعار على السلع الأساسية منذ أن حصلت عمان على قرض ائتماني مدته ثلاث سنوات بقيمة 723 مليون دولار من صندوق الدولي لعام 2016. وقد أدت زيادة الأسعار ورفع الدعم عن الخبز وهو سلعة رئيسية بالنسبة للفقراء إلى تراجع شعبية رئيس الحكومة المستقيل هاني المقلي.
اقرأ أيضاً: خبيرة: أزمة الأردن وليدة تراكمات من الفشل الاقتصادي
وبالنظر للوضع الاقتصادي في الأردن يبقى التساؤل المطروح هو، هل تغيير شخصية رئيس الحكومة وإلغاء قانون ضريبة الدخل كفيل بحل المشاكل الاقتصادية التي يتخبط فيها الأردن؟
تغيير رئيس الحكومة مجرد خطوة أولى
يرى أحمد عوض مدير مركز الفنيق للدراسات الاقتصادية في حوار مع DWعربية، أن الملك الأردني وضع "المفتاح في الباب" عندما عين شخصية تحظى بإقبال لدى فئة عريضة من الشارع في منصب رئيس الوزراء. ويتعلق الأمر بعمر الرزاز، وهو خبير اقتصادي سابق في البنك الدولي و كان وزيرا للتعليم في الحكومة المستقيلة. ويتحدث الخبراء عن "إصلاحات" قام بها خلال إشرافه على قطاع التعليم.
لكن تغيير رئيس وزراء بشخص آخر يبقى في نظر عوض غير كاف لوحده في حل المشاكل الاقتصادية التي يتخبط فيها المواطن الأردني البسيط، فالمطلوب هو "تغيير النموذج الاقتصادي من خلال سن سياسيات تقوم على توفير العدالة وتمكين المواطنين من التمتع بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية بالإضافة إلى إشراك الهيئات المدنية والخبراء في صنع السياسة الاقتصادية للبلاد وعدم هيمنة السلطة التنفيذية لوحدها على التخطيط الاقتصادي الذي ظل في الكثير من جوانبه بعيدا عن الواقع" على حد تعبير أحمد عوض.
وبعد تعيين رئيس الوزراء الجديد يتوقع أن يقوم الملك بدعوة البرلمان لعقد دورة استثنائية في الأيام المقبلة حتى يقوم البرلمان بإرجاع مشروع قانون الزيادة في الضريبة إلى الحكومة. وهنا ينبغي فتح حوار حول مجمل السياسات الضريبية والاقتصادية وإعداد مسودة أخرى تقوم على توافقات بين مختلف الأطراف المعنية، يؤكد عوض.
الأوضاع الخارجية تعقد الموضوع أكثر
الظروف السياسية الإقليمية بدون شك ساهمت في تأزيم الوضع الاقتصادي في الأردن أكثر، حيث الحدود مغلقة مع سوريا ولم تفتح مع العراق سوى جزئيا في الأسابيع الأخيرة. فوجود أي اختلال في البيئة الإقليمية المحيطة بالأردن أو أي ظرف اقتصادي وسياسي في المنطقة يدفع الأردن إلى الدخول في دوامة البحث عن خيارات اقتصادية أخرى.
فعبد إعلان الرئيس الأمريكي ترامب مثلا، وقف المساعدات للأونروا تراجعت الكثير من الخدمات التعليمية والصحية التي كان يتلقاها اللاجئون الفلسطينيون في الأردن والذين يتجاوز عددهم المليونين. وأصبحت الحكومة مضطرة للتدخل لتغطية النقص الذي خلفه قرار وقف المساعدات على الأونروا، وهو ما يشكل عبئا إضافيا على الاقتصاد الأردني، كما يوضح مدير مركز الفنيق للدراسات الاقتصادية.
دول الخليج أيضا خفضت بشكل ملموس مساعداتها للأردن كما أن علاقة عمان الاقتصادية مع الدوحة تراجعت بشكل كبير، فالتصدير كان يتم عبر السعودية وبسبب مقاطعة السعودية والإمارات والبحرين لقطر بات التصدير يتم عبر البحر والجو وبنسبة أقل بكثير من السابق وهو ما أثر سلبا على الاقتصاد الأردني.
وترى جاين كيننمونت، نائب كبير الباحثين ببرنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمركز شاثام هاوس البريطاني أن ملك الأردن في موقف حساس، فهو سياسياً مطالب بأن يتواءم مع إسرائيل والولايات المتحدة واقتصادياً مطالب بتحسين الأوضاع الداخلية في وقت قد لا يجد فيه من يمد إليه يده بالمساعدة.
وتضيف جاين كيننمونت في حوار مع DW عربية "الأوضاع السياسية في الحقيقة وعلاقات الأردن المتشابكة تعقد الأمور بشكل أكبر فيما يتعلق بمواجهة التحديات الاقتصادية بدلاً من أن تساهم في الحل".
"الشعب مستعد للتظاهر في كل لحظة"
ومن أجل تفادي مثل هذه المشاكل مستقبلا، ينادي الخبير الاقتصادي أحمد عوض بضرورة البحث عن خيارات اقتصادية تعزز اعتماد الأردن على ذاته وتغيير مبدأ انتظار المساعدات الخارجية. ويشدد في النهاية على أن مشكل الأردن هو داخلي بالدرجة الأولى وليس خارجي، مشكل يكمن في بنية وهياكل الدولة الأردنية العميقة والنفوذ الكبير للمؤسسات الأمنية.
ويرى عوض، أن حل المشكل الاقتصادي في الأردن يتطلب إجراءات سياسية أيضا، مثل اعتماد مؤشرات حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية، وترسيخ مفاهيم العدالة الاجتماعية والمساواة وتمتيع المجتمع المدني والأحزاب بالعمل بحرية وعدم تدخل السلطة التنفيذية في عمل القضاء والبرلمان. ويؤكد عوض على أن "الحكومة القادمة عليها أن تعلم أن الشعب الذي خرج للتظاهر في الأيام الماضية، يمكن أن يخرج مجددا في أي لحظة".
هشام الدريوش