يشكل الصيف فرصة مهمة لإثارة النقاش حول لباس المرأة بالشواطئ المغربية، فبين البيكيني والبوركيني أو ما يُسمى بـ"المايوه الشرعي"، تُطرح علامة استفهام حول حرية المرأة المغربية في أن تلبس ما تريد بعيدا عن التحرش والانتقادات.
إعلان
في شاطئ الوداية بمدينة الرباط، حيث يغص المكان بالآلاف الأشخاص الذين أتوا بغرض الاستجمام، ووسط تلك الجموع الغفيرة، نجد نساء اخترن أن يلبسن لباس البحر المايوه أو البيكيني، فيما اختارت الأخريات أن يسبحن بملابسهن كاملة، أو ما يسمى باللباس الشرعي. وبين هذا وذاك تنكشف النظرة التي يرى بها المجتمع المغربي جسد المرأة، وتتجلى بوضوح أيضاً التناقضات التي تتعايش مع بعضها البعض في مكان واحد.
"عقلية المجتمع الذكورية"
سناء شابة مغربية، لم تقتنع بعد بجدوى البوركيني أو "المايوه الشرعي"، فاختارت لنفسها مايوه من قطعتين تسبح به كلما ذهبت إلى إحدى الشواطئ المغربية، ولكنها تصف نظرات الرجال لها بـ"المقرفة". وتضيف سناء في حديثها لـDWعربية: "ذهابي إلى الشاطئ للاستجمام، يعني أن أجد شباناً يلتفون حولي يميناً ويساراً، منهم من يلاحقني وأنا أسير على الرمال ومنهم من يتعمد السباحة معي ومحاولة التقرب مني، ولكثر مصادفتي لمثل المشاهد لم أعد كثيرة التردد على الشاطئ، غير أن هذا لا يثنيني عن ارتداء اللباس الذي أحب، دونما اكتراث بآراء الآخرين".
وتضيف سناء قائلة: "الوقت الوحيد الذي أحس فيه بالراحة والأمن في الشاطئ، هو عندما أكون برفقة أصدقائي الذكور، فما عدا ذلك أحس بأنني هدف متحرك لكل الرجال في الشاطئ، ولا أظن أن اللباس له علاقة بالتحرش، فالأمر يعود إلى عقلية المجتمع الذكورية".
حرية شخصية
"اختياري للبوركيني حرية شخصية" هكذا تبرر فاطمة الزهراء اختيارها لهذا اللباس للسباحة في البحر، وتستطرد في الحديث لـDWعربية بالقول: "ما يجب أن يعرفه الآخرون هو أن من تختار البوركيني ليست بالضرورة مضطهدة من المحيط الاجتماعي، بل قد يرجع الأمر لأسباب دينية تتعلق بتعاليم الإسلام".
و تضيف فاطمة الزهراء: "اختياري لهذا اللباس آتى عن قناعة راسخة، وقد مكنني هذا من كسب احترام الرجال أثناء استجمامي في الشاطئ، ولكن هذا لا ينفي وجود فتيات لجئن إلى هذا الحل لتفادي التحرش أو الاعتداء، خصوصاً في المناطق المحافظة من المغرب".
بالنسبة لفاطمة الزهراء المجتمع المغربي يحكم على المرأة كيفما كانت قناعتها."ارتدائنا للبيكيني سفور ومجون للبعض، وارتدائنا للبوركيني إخلال بقواعد الحجاب، لهذا انصح النساء بالقيام بما يرينه مناسباً وألا يستمعن لأراء الآخرين، فإرضاء الناس غاية لا تدرك"، حسب تعبير فاطمة الزهراء.
البكيني.. سبعون عاماً ومازال شاباً
فاضح ومثير، هذا ما قاله الناس عندما شاهدوا ملابس البكيني أول مرة. حول سر تسميته وتاريخه ومن اخترعه قصص مثيرة. حيث للبكيني علاقة بالقنبلة الذرية.
صورة من: AP Photo/Brooklyn Museum of Art
كانت بداية البكيني في الخامس من تموز/ يوليو 1946 في باريس. عرضت حينها الراقصة ميشلين بيرنارديني أول لباس بحر من البكيني. قطع صغيرة من القماش تغطي أجزاء من الجسد شبه العاري. والغريب في الأمر أن من صمم البكيني لم يكن مصمم ملابس، بل مهندس المحركات لويس ريارد، الذي لم يكن يعلم أن تصميمه قد فتح باب عهد جديد في صناعة ملابس البحر.
صورة من: picture-alliance/dpa
انتهت الحرب العالمية الثانية لتبدأ بعدها الحرب الباردة. وفي جنوب المحيط الهادي عند جزر مارشال أجرت الولايات المتحدة الأمريكية تجربة نووية في شعب حلقي من الجزر الصغيرة تدعى "بكيني"، ما ألهم المهندس الفرنسي لويس ريارد، بإطلاق اسم بكيني على تصميمه الجديد للباس البحر الذي شبهه بالقنبلة النووية.
صورة من: picture-alliance/Mary Evans Picture Library
فكرة البكيني ليست جديدة كما تظهر الصورة من حجر الموزاييك من القرن الرابع الميلادي في فيلا "رومانا ديل كاسلا" في جزيرة صقلية جنوب إيطاليا. حيث يعتقد أن نساء روما كن أول من اكتفين بتغطية الجسد بقطع قماش صغيرة أثناء السباحة، وربما يكون هناك من سبقهن إلى ذلك.
صورة من: picture alliance/ZB/W. Thieme
نجمة هوليوود مارلين مونرو كانت تعمل قبل دخولها عالم التمثيل عارضة أزياء لملابس البحر. الصورة تعود لعام 1949 ومعلقة بمتحف الفن ببروكلين تحت عنوان "مارلين على الشاطئ".
صورة من: AP Photo/Brooklyn Museum of Art
في خمسينات القرن الماضي عرضت هوليوود مشاهد عديدة بالبكيني في أفلامها. بعضها كان يتضمن مشاهد للعب والتزلج على الماء. في الصورة فتاتان تتزلجان على المياه، وكالعادة الجزء العلوي من البكيني صغير، فيما كان الجزء السفلي أكبر قليلا ورياضي الطراز حينها.
صورة من: picture alliance/AP Images
كان مشهد خروج النجمة اوزولا اندرس من البحر بالبكيني في فيلم "دكتور نو" من سلسلة أفلام جيمس بوند مع الممثل شين كونري، صادما لمشاهدي الفيلم وللنقاد. لكن المشهد لم يكن صادما لبيريز بروسنان ولا مشاهدي الفيلم بعد أربعين عاما، وحينها خرجت الممثلة هالة بيري من البحر على شاطئ كوبا.
صورة من: picture-alliance/dpa/UPI/Fox
تعددت التصميمات بعد طراز جيمس بوند من البكيني. الصورة لفتاتين بالبكيني عند ميناء هامبورغ عام 1963. على اليسار تصميم "كابري" المشابه لبكيني فتاة جيمس بوند، وعلى اليمين تصميم أكثر رياضية من طراز "سيسي بكيني".
صورة من: picture alliance/L. Heidtmann
لم يميز البكيني بين الغرب والشرق، ففي شرقي ألمانيا (جمهورية ألمانيا الديمقراطية سابق) ظهر موديل البكيني المحاك من القطن، مثلما في الصورة التي تعود لعام 1971. لهذا النوع من البكيني جمهور عريض خاصة من الهيبيز، لكن له ميزة أن القطن يزداد وزنه بعد تبلله بالماء فيصبح أثقل.
صورة من: picture alliance/akg-images
بعكس كل التوقعات ظهرت حملة ضد البكيني في خمسينات القرن الماضي في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية. وحتى منتصف السبعينات كانت لبكيني تانغا البرازيلي سمعة سيئة. بعدها أصبح من الموديلات المحببة لكثير من النساء حول العالم.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Lacerda
مصورو الباباراتزي الباحثون عن المشاهير ينتشرون على كل شواطئ العالم بحثا عن النجوم بملابس البحر. بعد عشرات اللقطات أظهرت الصورة أن جسد عارضة الأزياء والممثلة السويسرية ميشيل هونتزيكر في يسار الصورة مازال محافظا على رشاقته بعد ثلاث ولادات. فيما تظهر الصورة أن جسد نسيبتها نحيف جدا.
صورة من: picture alliance/Riccardo Dalle Luche Excl/IPA
إحدى أجمل الرياضات الصيفية، كرة الطائرة الشاطئية. وأكثرها إثارة حين تكون المباراة بين السيدات، بسبب ملابس البحر المثيرة والأجساد الرياضية الرشيقة التي تتمتع بها اللاعبات. كانت هناك قواعد صارمة لارتداء لباس البكيني عند ممارسة هذه الرياضة، لكن فيما بعد فتح الباب على مصراعيه لارتداء لأي نوع من ملابس البحر لممارسة هذه الرياضة، من الستنغ تانغا البرازيلية وحتى لباس قائدي الدراجات الهوائية.
صورة من: Getty Images/B. Kara
البكيني يعني "أرض ثمرة جوز الهند". وسكان أرض جزيرة بكيني قد غادروها منذ عقود، لكن اسم أرضهم انتشر في كل أنحاء العالم. في الصورة عارضات بلباس بكيني تقليدي في أسبوع برشلونة للأزياء.
صورة من: picture alliance/NurPhoto/M. Llop
12 صورة1 | 12
أماكن خاصة
المرتضى إعمراشا إعمارشا سلفي مغربي، لكنه اختار أن يصطف إلى جانب حرية المرأة في لباسها، إذ يرى بأنه يجب على المسؤولين أن يوفروا الحد الأدنى لسلامة المواطنات في الشواطئ، ويضيف في حديث لـDW عربية بالقول: "بالرغم من وجود مئات الكيلومترات من الشواطئ ببلدنا إلا أن النساء المحافظات لا يجدن أماكن خاصة لهن للسباحة، لكن أولاً يجب فك بعض القيود التي تعاني منها نساؤنا والتي يجب أن يعود القرار فيها إلى المرأة لا لوصاية الرجل".
ويوضح الشاب المغربي إعمارشا أن الهدف هو أن تجد المرأة المغربية التي تود الاستجمام في الشاطئ الاختيار الذي يناسبها، "سواء المرأة التي تختار المحافظة أي اللباس الشرعي، أو التي تود أن تتعرى دون أن يراها الرجال، أو من تريد أن لا تتعرض للأذى إن تصرفت بحريتها في أحد شواطئ بلدها الذي يكفل لها حق ذلك".
لا أحد يسلم من التحرش
لكن الواقع على الأرض يختلف في أحايين كثيرة، عن ذلك تقول خلود السباعي المختصة المغربية في علم النفس الاجتماعي بأنه "من النساء يعشن مضايقات وتحرشات في جميع الأحوال. فهناك من النساء من اخترن المايوه المتداول في الثقافة الغربية والذي يكشف عن الجسد الأنثوي، وهناك من اخترن مايوه يغطي ما أمكن هذا الجسد. إلا أن تعنت بعض الرجال، لا يمنعهم من التحرش بكلاهما. فلا تسلم من التحرش وتسلط النظرة الفاحصة والتعليق أي من المرأتين".
وتستطرد خلود في حديثها لـDWعربية بالقول: "التحرش هو سلوك لا أخلاقي ناتج عن تسلط العقلية الذكورية، التي تمنح لنفسها الحق في تعنيف المرأة، باعتبارها كائنا 'من الدرجة الثانية'، ومن حق النساء أن يستمتعن بالشمس والبحر والسباحة كما يفعل الرجال، ومن واجب الرجال احترام هذه الحقوق. وتلك مسألة تبدأ بالتنشئة الاجتماعية التي ينبغي أن تعزز احترام كرامة وحرية الإنسان، رجلا كان أم امرأة".