مع تصاعد التوتر في لبنان، اضطر الكثير من السوريين للعودة إلى ديارهم. وضع مأساوي استغلته قوات االنظام السوري لإجبار العائدين لدفع ما بات يعرف بـ "إتاوات المعابر". DW قابلت عائدين إلى سوريا تحدثوا عن معاناتهم في المعابر.
إعلان
لم تكن رحلة فرار السوري خالد مسعود من القتال والمعارك في لبنان، طويلة وشاقة فحسب، بل بذل الغالي والنفيس في سبيل عودته وأسرته إلى سوريا.
استغرقت الرحلة من لبنان إلى سوريا قرابة أسبوع واضطر إلى دفع 1300 دولار في سبيل الوصول إلى شمال سوريا ليستقر به الحال وأسرته المؤلفة من ستة أفراد فضلا عن أسرة ابنته، داخل مخيم للاجئين في معرة مصرين شمالي إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية.
وكانت عائلة خالد واحدة من العائلات السورية التي اضطرت إلى الفرار من لبنان والعودة إلى سوريا. فبحسب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، فقد عبر 220 ألف شخص الحدود بين لبنان وسوريا بينهم 80 بالمئة من السوريين. وتشير السلطات اللبنانية إلى فرار 400 ألف شخص إلى سوريا.
ولم تكن رحلة العودة إلى سوريا وعبور الحدود مع لبنان، سهلة على السوريين في ضوء المشاكل الأمنية المترتبة على العودة. فقد أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان باعتقال العشرات من السوريين بعد عبورهم الحدود اللبنانية.
وفي محاولة لتفادي ذلك، يضطر الكثير من السوريين العائدين إلى التوجه صوب مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، لكن هذا الخيار يعد محفوفا بالخطر؛ إذ يلزم عليهم اجتياز ثلاثة مناطق خاضعة لسيطرة ثلاث قوات أمنية مختلفة هي القوات السورية والقوات الموالية لتركيا والقوات الكردية قبل الوصول إلى مناطق المعارضة.
ورغم أن العائدين يقصدون طرقا غير رسمية، إلا أنه يتعين عليهم اجتياز معابر أمنية حيث يُجبرون على دفع أموال مقابل العبور. وقال خالد إنه دفع 1300 دولار مقابل عبور أسرته.
التربح من البؤس
ومع استمرار التصعيد في لبنان، باتت هذه التجارة مربحة للحكومة السورية.
إعلان
وفي مقابلة مع DW، قال هادي عثمان، سوري في عامه العشرين عائد للتو من لبنان إلى إدلب، إن "المبلغ الذي ندفعه عند كل نقطة تفتيش يحدده القائمون على هذه المعابر. الأمر أشبه بالتجارة فالمبلغ الذي يطلبونه يعتمد على مزاجهم".
وفي حديثهم إلى DW، أفاد عثمان وغيره من العائدين بأنهم اضطروا إلى دفع ما بين 300 دولار و 600 دولار مقابل العودة إلى مناطق المعارضة.
وأفاد مصدر محلي على دراية بما يقوم به النظام السوري، في مقابلة مع DW، بأن فروعا مختلفة من الجيش السوري تتعاون مع ميليشيات سواء موالية للحكومة أو للأكراد في المنطقة لتسهيل دفع هذه الأموال.
وقال المصدر، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا على سلامته، إنه يعتقد أن الفرقة الرابعة المدرعة التي تعد من كيانات النخبة داخل الجيش السوري بقيادة ماهر الأسد، متورطة في تجارة المعابر.
وأضاف المصدر أن السوريين العائدين يتم نقلهم إلى ساحات قرب نقاط التفتيش حتى اكتمال أعداد كبيرة منهم ثم يدفعون مئات الدولارات مقابل استكمال رحلتهم وهذا يعد السبب وراء ان رحلة خالد استغرقت أسبوعا.
وأشار المصدر إلى أن الأموال يتم تقاسمها بين مجموعات مختلفة تشرف على الطرق المؤدية إلى مناطق المعارضة.
ولم تتمكن DW من التحقق من ذلك بشكل مستقل.
السوريون العائدون.. شبح التخويف
وأضاف المصدر أن النازحين السوريين غالبا ما يتعرضون للإهانة أو الاعتداء أو حتى الاعتقال، مؤكدا أن السبيل الوحيد إلى استكمال رحلتهم يكمن في دفع أموال.
وقال المصدر إن "العائدين في حالة خوف وإرهاق شديد ويبحثون عن مكان آمن للإقامة. لو لم تكن الحرب في لبنان أسوأ من الوضع في سوريا، لكانوا بقوا في لبنان رغم تعرض البعض منهم إلى العنصرية هناك. يُنظر إلى العائدين باعتبارهم دولارات متحركة فضلا عن اتهامهم من قبل العناصر التي تقف عند المعابر، بالخيانة وبأنهم أغنياء".
وذكر المجلس المحلي لمدينة جرابلس بأن قرابة 470 أسرة تتألف من أكثر من ألفين وخمسمئة شخص بالإضافة إلى مائتي أعزب، قد وصلوا بالفعل إلى مناطق المعارضة.
ويقول مراقبون إنه في حالة صحة التقارير التي تشير إلى الأموال التي دفعها العائدون، فإن قوات الأمن المختلفة قد حققت مكاسب مالية بلغت أكثر من مليون دولار من النازحين السوريين القادمين من لبنان.
لكن رسوم عبور نقاط التفتيش تمثل عبئا يثقل كاهل العائدين الذين نزحوا إلى لبنان مع تفجر الأزمة في سوريا؛ إذ تشير التقديرات إلى أن 90٪ من السوريين الذين لجأوا إلى لبنان يعيشون في كنف الفقر فيما يحصل من تمكن من العمل المؤقت، على حوالي 95 دولارا شهريا، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
وبالعودة إلى هادي عثمان، فقال إن حياته في لبنان كانت "صعبة"، مضيفا أنه فر من قريته بنش الواقعة في شمال غرب سوريا، إلى لبنان عام 2012.
وفي حديثه إلى DW، قال إن "الظروف الاقتصادية (في لبنان) كانت مزرية. كنا نعمل مقابل الحد الأدنى من الأجور وكنا ننفق كل ما نكسبه"، مشيرا إلى أنه من أجل اجتياز معبر "عون الدادات" بين المناطق الكردية والمعارضة يتعين دفع عشرة دولارات.
وأضاف "تظاهرنا هناك ولم ندفع ثم اخترقت الحشود الغاضبة الحدود دون دفع أي رسوم. نشكر الله على عودتنا. نحن متعبون، لكن المهم هو أننا وصلنا إلى قريتنا وسنبقى في ديارنا".
أعده للعربية: محمد فرحان
سوريا.. خمسة عقود في قبضة عائلة الأسد
تحكم عائلة الأسد سوريا منذ أكثر من 5 عقود بقبضة من حديد، إذ يستمر الرئيس السوري بشار الأسد على نهج أبيه حافظ الذي تولى الحكم بانقلاب عسكري. هنا لمحة عن أبرز المحطات التي مرت بها سوريا في عهد عائلة الأسد.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Jensen
تولي الحكم بعد انقلاب "الحركة التصحيحية"
في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970، نفّذ حافظ الأسد الذي كان يتولّى منصب وزير الدفاع انقلاباً عسكرياً عُرف بـ"الحركة التصحيحية" وأطاح برئيس الجمهورية حينها نور الدين الأتاسي. في 12 آذار/مارس 1971، انتخب الأسد الذي كان يترأس حزب البعث العربي الاشتراكي، رئيساً للجمهورية ضمن انتخابات لم ينافسه فيها أي مرشح آخر. وكان أول رئيس للبلاد من الطائفة العلوية التي تشكل عشرة في المئة من تعداد السكان.
صورة من: AP
"حرب تشرين"
في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973، شنّت مصر وسوريا هجوماً مفاجئاً على إسرائيل من جهة قناة السويس غرباً، ومرتفعات الجولان شرقاً، في محاولة لاستعادة ما خسره العرب من أراض خلال حزيران/يونيو 1967، لكن تمّ صدهما. في أيار/مايو 1974، انتهت الحرب رسمياً بتوقيع اتفاقية فضّ الاشتباك في مرتفعات الجولان.
صورة من: Getty Images/AFP/GPO/David Rubinger
علاقات دبلوماسية بين واشنطن ودمشق!
في حزيران/يونيو 1974، زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون دمشق، معلناً إعادة إرساء العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، بعدما كانت مجمّدة منذ العام 1967. في الصورة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون مع وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأمريكي وقتها هنري كيسينجر.
صورة من: AFP/Getty Images
هيمنة على لبنان
في 1976 تدخّلت القوات السورية في الحرب الأهلية اللبنانية بموافقة أمريكية، وبناء على طلب من قوى مسيحية لبنانية. وفي 1977، بدأت المواجهات بين القوات السورية، التي انتشرت في معظم أجزاء البلاد ما عدا المنطقة الحدودية مع إسرائيل، وقوات مسيحية احتجت على الوجود السوري. وطيلة ثلاثة عقود، بقيت سوريا قوة مهيمنة على المستوى العسكري في لبنان وتحكمت بكل مفاصل الحياة السياسية حتى انسحابها في العام 2005.
صورة من: AP
قطيعة بين دمشق وبغداد!
في العام 1979، تدهورت العلاقات بين سوريا والعراق، اللذين حكمهما فرعان متنافسان من حزب البعث العربي الاشتراكي، بعد اتهام الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين الوافد حديثاً إلى السلطة، دمشق بالتآمر. وقطعت بغداد علاقتها الدبلوماسية مع دمشق في تشرين الأول/أكتوبر 1980، بعدما دعمت الأخيرة طهران في حربها مع العراق. في الصورة يظهر الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين (يسار) مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد (وسط).
صورة من: The Online Museum of Syrian History
"مجزرة حماه"
في شباط/فبراير 1982، تصدّى النظام السوري لانتفاضة مسلّحة قادها الإخوان المسلمون في مدينة حماه (وسط)، وذهب ضحية ما يعرف بـ"مجزرة حماه" بين عشرة آلاف وأربعين ألف شخص. وجاء ذلك بعد قرابة ثلاث سنوات من هجوم بالرصاص والقنابل اليدوية على الكلية الحربية في مدينة حلب، أسفر عن مقتل ثمانين جندياً سورياً من الطائفة العلوية. وتوجّهت حينها أصابع الاتهام إلى الإخوان المسلمين بالوقوف خلف الهجوم.
صورة من: picture alliance /AA/M.Misto
محاولة انقلاب فاشلة
في تشرين الثاني/نوفمبر 1983، أصيب الأسد بأزمة قلبية نقل على إثرها إلى أحد مشافي دمشق. ودخل في غيبوبة لساعات عدّة، حاول خلالها شقيقه الأصغر رفعت الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب فاشل، قبل أن يستعيد الأسد عافيته. وبعد عام، أُجبر رفعت على مغادرة سوريا. الصورة لحافظ الأسد (يمين) مع أخيه رفعت.
صورة من: Getty Images/AFP
تقارب مع الغرب!
بدأ الجليد الذي شاب علاقات سوريا مع أمريكا والغرب بالذوبان، عقب انهيار الاتحاد السوفياتي. انضمت سوريا إلى القوات متعددة الجنسيات في التحالف الذي قادته أمريكا ضد صدام حسين بعد غزو العراق للكويت. وفي تشرين الأول/أكتوبر 1994، زار الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الأسد في دمشق. بعد أربع سنوات، زار الأسد فرنسا في أول زيارة له إلى بلد غربي منذ 22 عاماً، واستقبل بحفاوة من نظيره الفرنسي جاك شيراك.
صورة من: Remy de la Mauviniere/AP Photo/picture alliance
الابن يخلف أباه في الرئاسة!
توفي الأسد في 10 حزيران/يونيو 2000، عن عمر ناهز 69 عاماً، وكان شيراك الرئيس الغربي الوحيد الذي حضر جنازته.
وبعد شهر، تولّى نجله بشار السلطة، بعد تعديل دستوري سمح له بالترشّح. وحاز في استفتاء لم يضم أي مرشح آخر سواه على 97 في المئة من الأصوات.
صورة من: picture-alliance/dpa
انفتاح نسبي ولكن..!
بين أيلول/سبتمبر 2000 وشباط/فبراير 2001، شهدت سوريا فترة انفتاح وسمحت السلطات نسبياً بحرية التعبير. في 26 أيلول/سبتمبر 2000، دعا نحو مئة مثقّف وفنان سوري مقيمين في سوريا السلطات إلى "العفو" عن سجناء سياسيين وإلغاء حالة الطوارئ السارية منذ العام 1963. لكنّ هذه الفسحة الصغيرة من الحرية سرعان ما أقفلت بعدما عمدت السلطات إلى اعتقال مفكرين ومثقفين مشاركين في ما عُرف وقتها بـ"ربيع دمشق".
صورة من: picture-alliance/dpa/Y. Badawi
احتجاجات تحولت إلى نزاع دامٍ!
في العام 2011، لحقت سوريا بركب الثورات في دول عربية عدة، أبرزها مصر وتونس، في ما عُرف بـ"الربيع العربي". ومع اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظامه، قمع الأسد المتظاهرين السلميين بالقوة، وتحولت الاحتجاجات نزاعاً دامياً، سرعان ما تعددت جبهاته والضالعين فيه. وأودى النزاع المستمر بأكثر من 388 ألف شخص وهجّر وشرّد الملايين داخل البلاد وخارجها، وسوّى مناطق كاملة بالأرض.
صورة من: AFP/O. H. Kadour
بقاء على رأس السلطة بدعم روسي
في سنوات النزاع الأولى، فقدت قوات الحكومة السورية سيطرتها على مساحات واسعة من سوريا بينها مدن رئيسية. لكن وبدعم عسكري من حلفائها، إيران ثم روسيا، استعادت القوات الحكومية تدريجيًا نحو ثلثي مساحة البلاد، إثر سياسة حصار خانقة وعمليات عسكرية واسعة ضد الفصائل المعارضة والتنظيمات الجهادية. ولعب التدخل الجوي الروسي منذ خريف 2015 دوراً حاسماً في تغيير موازين القوى لصالح دمشق. م.ع.ح/ع.ج.م