1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تجربة ألمانية مثيرة ـ "راتب" شهري مجاني غير مشروط ودون عمل!

٢٧ أبريل ٢٠٢٥

تخيّل أنك تتلقى دخلا شهريا إضافيا دون مقابل سواء كنت تعمل أو لا تعمل! كيف سيكون سلوكك الاستهلاكي؟ وهل ستتوقف عن العمل؟ باحثون في ألمانيا أجروا دراسة واسعة حول تأثير الدخل غير المشروط على حياة الأفراد. النتائج كانت مثيرة.

 أحد أبطال الفيلم الوثائقي "الحلم الكبير"
سيرغيج، أحد أبطال الفيلم الوثائقي "الحلم الكبير"، قرر التدرب على تدريس اليوغا خلال السنوات الثلاث التي حصل فيها على دخل أساسي صورة من: ©rbb/DOK-WERK filmkooperative GmbH/Alexander Kleider

قد يبدو الدخل الأساسي غير المشروط أو كما يطلق عليه أيضاً "المال المجاني" للجميع دون الحاجة إلى العمل، حلماً بعيد المنال. غير أن خبراء الاقتصاد يدرسون بشكل جدي مزاياه ويطورون نماذج لكيفية تطبيقه على أرض الواقع. شخصيات عامة ادعت دعمها للفكرة، منهم مفكرون ماركسيون والبابا وإيلون ماسك.

منذ سبعينيات القرن الماضي يدور النقاش حول مفهوم الدخل هذا. تُقدّم البلاد بالفعل شكلاً من أشكال الدخل الأساسي للعاطلين عن العمل. وبحسب المعايير الدولية تُعتبر مزايا هذا الدخل مرتفعة نسبياً. لكن بخلاف أنظمة تعويضات البطالة الحالية، يُنظر إلى الدخل الأساسي غير المشروط على أنه دخل شهري يُمنح دون أي شروط، بغض النظر عن الدخل الذي قد يحصل عليه الفرد من مصادر أخرى. بمعنى آخر، يمكن للأفراد الاستمرار في العمل وفي الوقت نفسه كسب المزيد من المال إذا رغبوا في ذلك.

لكن هل سيستمر أي فرد في العمل مع هذه المزايا؟

هذا هو أحد الأسئلة الملحة التي سعى الباحثون الألمان إلى الإجابة عنها من خلال دراسة طويلة الأمد تسمى مشروع "الدخل الأساسي التجريبي" وهي واحدة من أوسع الدراسات في العالم التي تختبر عبر التجربة تأثير الدخل الأساسي غير المشروط على حياة الفرد. وقد تم الآن نشر نتائجها، إلى جانب سلسلة من الأفلام الوثائقية التي تتبع بعض المشاركين في الدراسة، بعنوان "الحلم الكبير: المال للجميع"، من إخراج ألكسندر كلايدر.

على حاسوب جانين بوش من منظمة "دخلي الأساسي" ملصق شطبت منه كلمتا "الاضطرار" و"السماح" تحت "العمل" واستبدلتا بكلمة "الرغبة في".صورة من: ©rbb/DOK-WERK filmkooperative GmbH/Alexander Kleider

كيف أجريت الدراسة؟

تقدم أكثر من مليوني شخص بطلبات للمشاركة في الدراسة التي بدأتها منظمة " دخلي الأساسي" الألمانية غير الربحية، وأجرتها مجموعات بحثية مختلفة، بما في ذلك المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (DIW Berlin). من بين المتقدمين، تم اختيار 122 فرداً بشكل عشوائي لتلقي 1200 يورو (1310 دولاراً أمريكياً) شهرياً لمدة ثلاث سنوات بدءًا من يونيو حزيران 2021، بينما أجابت مجموعة مكونة من 1580 شخصاً على نفس أسئلة البحث طوال الدراسة من أجل مقارنة كيفية تأثير الدخل على حياة هؤلاء الأشخاص. ولإنشاء قاعدة بيانات قابلة للمقارنة، كان جميع الأشخاص المشاركين في الدراسة تتراوح أعمارهم بين 21 و40 عاماً، ويعيشون بمفردهم في منزل، ويبلغ صافي دخلهم ما بين 1100 و2600 يورو شهرياً.

يتتبع المسلسل الوثائقي خمسة من هؤلاء المشاركين المحظوظين، وهم الباحثون الذين أجروا الدراسات النوعية والكمية، بالإضافة إلى نشطاء منظمة "دخلي الأساسي". وتنشط هذه المنظمة منذ أكثر من عقد من أجل توفير دخل أساسي، حيث تجمع التبرعات عبر التمويل الجماعي، وتعيد توزيع الأموال من خلال تجارب مختلفة. تبدأ الحلقة الأولى من المسلسل مع ميشائيل بوهماير، الذي أسس "دخلي الأساسي" في عام 2014.

رأى مخرج الأفلام الوثائقية ألكسندر كلايدر أن عمل بوهماير والدراسة التي استمرت ثلاث سنوات كانتا مادةً مُلهمة لمشروع فيلم: "لطالما رغبتُ في صنع فيلم وثائقي عن الدخل الأساسي غير المشروط، لأني مفتونٌ بالموضوع، ولأنه بدا لي حلاً، أو طريقًا ثالثًا بين الرأسمالية، ولنقل الاشتراكية. نهج جديد كليًا"، صرّح كلايدر لـ DW. وأضاف: "لم أُرِد صنع فيلم دعائي، كنتُ أبحث عن قصص شخصية. في مرحلةٍ ما، التقيتُ بميشائيل بوهماير وعلمتُ بالمشروع التجريبي، وعندها اتضح لي، بالطبع، أن ما يفعلونه استثنائي.

ميشائيل بوهماير (على اليمين) شخصية محورية في الفيلم الوثائقي "الحلم الكبير"صورة من: ©rbb/DOK-WERK filmkooperative GmbH/Alexander Kleider

حتى عام 2014، كان بوهماير المدير الإداري لشركة ناشئة ناجحة. بعد تركه المنصب، ظلّ أحد مالكيها فقط، حيث كان يحصل من خلاله على توزيع أرباح شهري قدره 1000 يورو. اعتبر بوهماير هذا بمثابة "دخله الأساسي الشخصي"، وكان يؤمن إيمانًا راسخًا بضرورة حصول الجميع على مصروف شهري، مما دفعه إلى الانخراط بحماس في هذه القضية. وفي الوقت نفسه، تم اختيار المشاركين الخمسة الذين تم تصويرهم في المسلسل الوثائقي لتمثيل أنواع مختلفة من الشخصيات وأنماط الحياة، حيث يعيش اثنان منهم في برلين وثلاثة منهم يعيشون في مدن ألمانية أصغر.

مع أن هذا لم يكن الهدف الرئيسي للفيلم الوثائقي، إلا أن السلسلة تُبرز التناقض بين المثالية التي تُحفز نشطاء مثل بوهماير والأولويات الاستهلاكية لبعض المشاركين. ففي النهاية، أصبح لديهم فجأةً 1200 يورو إضافية شهريًا تحت تصرفهم، وأنفق بعضهم هذا المال بسرعة كما لو كانوا فائزين في برنامج مسابقات. ويعترف بوهماير في الفيلم الوثائقي بأنه "سيشعر بالانزعاج" إذا كانت النتيجة الوحيدة للتجربة هي أن المشاركين يزيدون من "استهلاكهم الخام"، وهو أمر لا يتم التفكير فيه ويعمل بطريقة ما على تشتيت الانتباه عن قضايا أخرى.

نتائج الدراسة 

ومن أبرز نتائج الدراسة التي استمرت ثلاث سنوات أن الأشخاص الذين حصلوا على الدخل الأساسي استمروا في العمل بمعدل 40 ساعة في الأسبوع، وهو ما بدَّد الأسطورة القائلة بأن الدخل الأساسي من شأنه أن يجعل الناس كسالى. غير أن نسبة المشاركين في مجموعة الدخل الأساسي الذين غيّروا وظائفهم كانت أعلى بكثير مقارنةً بالمجموعة الضابطة أي المجموعة المنفصلة عن بقية التجربة. ولعلّ معرفتهم بخطة مالية احتياطية ساعدتهم على اتخاذ هذه الخطوة. إلى جانب هذا تبين أيضًا أن عددًا أكبر من الأشخاص في فئة الدخل الأساسي بدأوا في الدراسة، وأحياناً قام بعضهم بدلك إلى جانب عملهم.

استمتع المشارك في الفيلم الوثائقي" الحلم الكبير" دومينيك بعطلات في الخارج وهدايا فاخرةصورة من: ©rbb/DOK-WERK filmkooperative GmbH/Alexander Kleider

معظم التغييرات الوظيفية للمشاركين في الدراسة حدثت خلال الأشهر الثمانية عشر الأولى من فترة صرف الإعانات. بعد تلك الفترة، وصف الأشخاص في فئة الدخل الأساسي أنفسهم بأنهم "أكثر رضا" عن وضعهم الوظيفي بشكل ملحوظ، بغض النظر عما إذا كانوا قد غيروا مهنهم أم لم يقوموا بذلك.

وشعر المشاركون الذين حصلوا على الدخل الأساسي بارتفاع مستوى رضاهم عن الحياة بشكل عام، وهو أحد الجوانب التي تراها عالمة النفس سوزان فيدلر، رئيسة معهد الإدراك والسلوك، واضحة بشكل خاص.

كيف يمكن تمويل الدخل الأساسي؟

في الأول من مايو أيار، ستختار منظمة "دخلي الأساسي" بشكل عشوائي مجموعة أخرى من الأشخاص الذين سيحصلون على دخل أساسي لمدة عام. وستتبرع المنظمة بأكثر من 500 ألف يورو جُمعت من مساهمين مختلفين يؤمنون بالفكرة. لكن كيف يمكن تمويل الدخل الأساسي غير المشروط على أرض الواقع؟

بمساعدة الدخل الأساسي تمكنت جولييتا من الابتعاد عن وظيفتها في مركز الاتصال والشعور بالرضاصورة من: ©rbb/DOK-WERK filmkooperative GmbH/Alexander Kleider

يمكن تمويل ذلك عن طريق إعادة توزيع للثروة من خلال الضرائب. وحسب تقديرات النشطاء، سيُساهم أصحاب الدخول الأعلى في ألمانيا والذين يُمثلون 10 في المائة من السكان بجزء من دخلهم لصالح الجميع. ويُقدّرون أن 83 في المائة من السكان سيتمكنون من الحصول على دخل أكبر. أما أصحاب الدخل المتوسطة المتبقين، والذين يُمثلون 7 في المائة، فلن يتأثروا بخطة إعادة التوزيع.

في ظل تصاعد اليمين الشعبوي، يعتقد نشطاء الدخل الأساسي أن هذه طريقة تمكن من محاربة استياء السكان بسبب عدم المساواة في الثروة. كما أشاروا إلى أن الدراسة تُبيّن بوضوح أن الدخل الأساسي لا يدفع الناس إلى التوقف عن العمل. وخلال المؤتمر الصحفي الذي عُرضت فيه نتائج الدراسة، أوضحت كلارا سيمون، الرئيسة الحالية لمنظمة " دخلي الأساسي": "ما نراه هو أن الدخل الأساسي ليس تراجعًا، بل هو نقطة انطلاق للمجتمع. الدخل الأساسي يُمكّن الناس" وأضافت: "من يعلمون بهذه النتائج ولا يفعلون شيئًا، يقفون في وجه إمكانات هذا المجتمع، وضد القوة الابتكارية الكامنة فيه، وضد تكافؤ الفرص، وضد ديمقراطية أقوى".

أعدته للعربية: إيمان ملوك

تحرير: عبده جميل المخلافي

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW