تجربة العمل الجزئي في ألمانيا بعيون أمريكية
١٠ يناير ٢٠١٠تضاعفت نسبة البطالة في الولاية المتحدة الأمريكية لتصل إلى مستويات قياسية لتبلغ عشرة في المائة، وذلك في ظل أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ بداية القرن الماضي. أما ألمانيا فنجحت في احتواء هذا المشكل بفعالية، و لم ترتفع البطالة إلا بنسبة ضئيلة رغم قوة ارتدادات الأزمة العالمية. ويعود الفضل في ذلك إلى اعتماد سياسة العمل الجزئي الذي يقوم على تخفيض ساعات العمل، وتساهم الحكومة في تمويل هذه العملية لتقليص الأضرار لدى الموظفين وأرباب العمل على حد سواء، وبالتالي تفادي العواقب الاجتماعية والاقتصادية لموجات تسريح جماعية. وقد أثارت التجربة الألمانية في هذا الصدد انتباه عدد من الخبراء الاقتصاديين الأمريكيين الذين باتوا يتساءلون عن آفاق تطبيقها على نطاق واسع في الولايات المتحدة.
"العمل الجزئي عامل استقرار اقتصادي"
بات "العمل الجزئي" تعبيرا رائجا يردده عدد من الخبراء الاقتصاديين الأمريكيين الذين باتوا يرون في التجربة الألمانية نموذجا يمكن للاقتصاد الأمريكي أن يقتدي به لمواجهة ارتفاع معدلات البطالة. ومن بين هؤلاء الخبراء جون ميسينجر Jon Messenger الذي عمل سابقا لدى وزارة الخارجية الأمريكية، و يعمل حاليا مستشارا لدى منظمة العمل الدولية في جنيف. ويتحدث ميسينجر بحماس كبير عن التجربة الألمانية ويقول "بدأت ألمانيا تطبيق سياسة العمل الجزئي في أوج الأزمة حين كان الاقتصاد الأمريكي يفقد حوالي 700 ألف وظيفة في الشهر". واعتبر السياسة التي اتبعتها برلين "عامل استقرار اقتصادي"، فقد ساهمت بشكل فعال في حماية اقتصاد البلاد من عواصف الأزمة.
وذهب دين بيكر Dean Baker، المدير المساعد لمعهد الدراسات الاقتصادية والسياسية في واشنطن، في نفس الاتجاه مؤكدا انبهاره بالتجربة الألمانية. وتأسف لكون الولايات المتحدة لم تنتهج نفس السياسة، خصوصا وأن العمل الجزئي إجراء جاري به العمل في الولايات المتحدة منذ السبعينات من القرن الماضي. وأضاف بيكر "هذا برنامج موجود في 17 ولاية أمريكية بما فيها كاليفورنيا، لكن للأسف أرباب العمل يجهلون عنه كل شيء ونادرا ما يستعمل". ومن المتحمسين أيضا للعمل الجزئي، عالم الاقتصاد الأمريكي الحاصل على جائزة نوبل بول كروجمان Paul Krugman، الذي يرى فيه أداة لحفظ توازنات سوق العمل.
هل يصلح النموذج الألماني للولايات المتحدة؟
يبلغ عدد الأمريكيين المستفيدين حاليا من برامج العمل الجزئي 350 ألف شخص، بينما وصل عددهم في ألمانيا عام 2009، إلى أكثر من مليون شخص، وإذا تم أخذ عدد سكان البلدين بعين الاعتبار، فإن الفرق يبدو واضحا في مدى لجوء البلدين إلى برامج العمل الجزئي. والنتيجة هي أن عدد الألمان الذين فقدوا وظائفهم العام الماضي لا يتعدى 200 ألف شخص، بينما وصل عددهم في الولايات المتحدة إلى ثمانية ملايين.
إلا أن الأصوات المنتقدة للعمل الجزئي في الولايات المتحدة ليست نادرة، ومن بينها ستيفن دافيس Steven Davis أستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة شيكاجو، الذي يرى فيه "عاملا قد يؤثر سلبا على تطور مناصب العمل الفعالة"، ويعني بذلك أماكن العمل دائمة غير مؤقتة. بل ويذهب أبعد من ذلك حين يعتبر أن العمل الجزئي قد يؤدي إلى مناصب عمل مصطنعة لا تتوفر على مقومات المنافسة في السوق.
أما دين بيكر فدعا حكومة أوباما إلى تبني سياسة العمل الجزئي على نطاق واسع خصوصا وأن عدد العاطلين وصل إلى 15 مليون شخص، معتبرا أن "العمل أهم شيء عند الأمريكيين، لاسيما في ظل غياب نظام ضمان اجتماعي جيد". وبيكر مقتنع بأن الحفاظ على مناصب العمل بمساعدة مالية حكومية أفضل وأقل تكلفة من دفع تعويضات عن فقدان العمل.
أولريخ كلاوس/ حسن زنيند
مراجعة: طارق أنكاي