التفاوت في الوصول إلى الموارد من أهم مشاكل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والإعلام الجديد وجد في هذه المنطقة تحديداً جمهوراً متحمساً لهذا النوع الجديد من الصحافة. فهل يتمكن الإعلام الجديد من تقليص التفاوت في المجتمع؟
إعلان
منتدى الإعلام العالمي.. دور "الإعلام الجديد" و "المواطن الصحفي"
02:28
إن كانت مؤسسة DW قد خصصت أيام المنتدى العالمي للإعلام لموضوع غياب العدالة والتفاوت في الوصول إلى الموارد حول العالم، فإن هذا الموضوع هو القضية الأبرز على مدار العام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقبل ثمانية أعوام ومضت بارقة أمل عندما انطلقت احتجاجات الربيع العربي لتحصيل بعض من المساواة والعدالة الاجتماعية في البلدان التي شهدت حراكاُ في المنطقة، وقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد دوراً بارزاً في دعم الحراك من ناحية، وفي توجيه دفة الاحتجاجات من ناحية أخرى. فكيف أصبح دور الإعلام الجديد اليوم في التعاطي مع الأزمات والتفاوت وغياب العدالة في المجتمع؟ وهل مازال الإعلام الجديد جديداً؟
من يهدد الإعلام الجديد؟
في لقاء لها مع DW عربية على هامش مشاركتها في فعاليات منتدى الإعلام العالمي في بون قالت الصحفية المصرية عبير السعدي إن الإعلام الجديد لم يعد جديداً، وإن الصحفيين المواطنين باتوا يتعرضون لما يتعرض له الصحفيون التقليديون من ملاحقة وتضييق، وأضافت أن تحالفاً بين السلطة والثروة يطارد الإعلام الجديد حول العالم، سواء من خلال حجب الموقع وتكميم الأفواه في الديكتاتوريات، أو من خلال الضغوط الاقتصادية والتشريعية في الدول غير الدكتاتورية.
رأي لم يتفق معه الصحفي المغربي علي آنوزلا مدير موقع "لكم" المستقل، الذي أكد في مقابلة له مع DW عربية على أن الإعلام الجديد أعطى الجمهور وسيلة جديدة للاحتجاج تمكنت من الالتفاف على الصعوبات التي تعرضت لها الاحتجاجات في السابق، مستشهداً بحملة المقاطعة الأخيرة في المغرب.
"ديمقراطية الإنترنت" دعمت المقاطعة في المغرب
قبل حوالي شهرين ظهرت دعوات على شبكة الفيسبوك بدت عفوية ودعت المواطنين في المغرب إلى مقاطعة مجموعة من المنتجات لغلاء أسعارها بحسب دعوات المقاطعة. دعوات لم يعرف حتى اليوم من يقف وراءها ولم تتبناها جهة بعينها، ولكنها سلطت الضوء على قضية التفاوت في الوصول إلى الموارد في المجتمع، وسرعان ما تمكنت من إنتاج حركة احتجاج سلمية ألقت بظلالها مباشرة على الشركات المستهدفة بالمقاطعة، وتمخضت خلال ثمانية أسابيع فقط عن تقديم وزير مغربي لاستقالته على خلفية الاحتجاجات.
تنظيم المقاطعة في العالم الافتراضي أعطى المحتجين، بحسب الصحفي أنوزلا، وسيلة للالتفاف على جميع أنواع الرقابة والضغط والقمع الذي كانت تتعرض لها احتجاجات الربيع العربي عندما كانت تنزل إلى الشارع، والتي "تمكنت السلطات من قمعها واحتوائها" واعتبر آنوزلا المقاطعة في المغرب جيلاً جديداً من هذه الاحتجاجات أكثر فاعلية وأقل كلفة لأن مجاله هو الفضاء الأزرق وبسبب ما سماه "ديمقراطية الإنترنت" .
تفاوت في الوصول إلى المعلومات
التفاوت في الوصول إلى الموارد، لا يقتصر على مصادر الغذاء وضروريات الحياة. فقد برهنت الأحداث السياسية حول العالم في السنوات العشر الأخيرة على أن الإعلام الجديد قد يلعب دوراً في تفاوت ماهية الوصول إلى المعلومات. الصحفية المصرية عبير السعدي اعتبرت أن المشكلة تكمن في "طوفان في المعلومات بات اليوم متوفراً بدلاً من شح المعلومات في السابق" وأكدت على أن الجانب المظلم لوسائل الإعلام الجديد هو في تضارب المعلومات بالنسبة للمستخدمين وفي سرعة انتشار خطاب الكراهية وخاصة في مناطق الأزمات المشتعلة كسوريا وليبيا.
السعدي قالت إن ما أتى به الإعلام الجديد هو تمكين أي شخص يمتلك وسيلة التواصل من أن يصبح صحفياً، لذا رأت أن التحدي الأهم لدى صحافة اليوم هو تدريب المواطنين الصحفيين، وخاصة في مناطق الأزمات، على كيفية التحقق من موارد الأخبار وعلى أخلاقيات المهنة.
لكن آنوزلا بدى أكثر تفاؤلاً تجاه الإعلام الجديد ورأى أن المستقبل له خاصة وأن وسائل الإعلام عبر التاريخ لم تلغ بعضها البعض حسب قوله، وإنما تطورت جنباً إلى جنب، وقال آنوزلا إننا اليوم نعيش في عصر السرعة، لذا فمن المتوقع حدوث تطبيع سريع بين الإعلام الكلاسيكي والإعلام الجديد خلال فترة زمنية أقل مما نتوقعه اليوم.
ميسون ملحم
فيسبوك - من أيادي الطلبة إلى أداة للأنظمة
جعل العالم "قرية صغيرة" لم يعد هدف "فيسبوك" الوحيد. فمع السنين، صار الموقع الأشهر سلاحاً ذا حدين؛ يسمح بحرية التعبير، ولكنه يثير مخاوف خاصة فيما يخص البيانات الشخصية التي بات اختراقها ممكناً وتحويلها إلى أداة قمع وارداً.
صورة من: picture alliance/NurPhoto/J. Arriens
البداية من هارفارد
لم تكن نية مارك زوكربرغ ورفاقه في أول الأمر سوى إطلاق شبكة اجتماعية خاصة بتبادل المعلومات والصور والآراء بين طلاب جامعتهم هارفارد. أطلقوا على تلك الشبكة اسم: فيسبوك. وفي الرابع من فبراير/ شباط 2004 تم تأسيس الشبكة رسمياً، ليتوافد عليها طلبة من جامعات أخرى وتلقى رواجاً ونجاحاً مهمين. هذا النجاح دفع مؤسسي "فيسبوك" إلى فتح باب العضوية للجميع ابتداءً من نهاية عام 2006.
صورة من: Reuters/B. Snyder
إقبال متزايد
كان لـ"فيسبوك" قدرة خارقة على اختصار المسافات والربط بين أطراف العالم بضغطة زر، حيث زاد المقبلون على استخدامه إلى الملايين منذ إنشائه. وقد تجاوز مستخدموه الآن ربع سكان العالم، كان مارك زوكربرغ قد كتب في تدوينة له السنة الماضية (2017) على "فيسبوك" أن عدد المشتركين وصل إلى ملياري شخص، في حين كان عددهم مليون شخص عام تأسيسه (2004).
صورة من: Reuters/D. Ruvic
كوكب مواز
اختراق "فيسبوك" للعالم وحيازته لمساحة مهمة من حياة الناس لم يكن بمحض الصدفة. فقد أتاح لمستخدميه فرصة التواصل مع العالم الخارجي والتعارف كما التعرف على أشخاص وأماكن جديدة، بالإضافة إلى الانفتاح وتبادل المعلومات والإدلاء بالآراء والمواقف الشخصية، سواءً عن طريق نشر تدوينات أو صور أو حتى مقاطع فيديو. هذه الميزات والتقدم الذي عرفه الموقع جعل كثيرين يطلقون عليه "الكوكب الموازي".
صورة من: picture-alliance/dpa/J.W.Alker
"استحواذ" وشراكات
استطاع "فيسبوك" أن يكتسب شهرة عالمية ويعقد بذلك شراكات مع مؤسسات معروفة. كما مكنته الأموال التي حصل عليها عن طريق الإعلانات من "الاستحواذ" على برامج أخرى. وتعتبر شركة "مايكروسوفت" من بين الذين قدموا عرضاً لشراء "فيسبوك" عام 2007 بشراء حوالي خمسة في المائة من أسهم "فيسبوك". أما بالنسبة للمواقع التي ضمها إليه، فقد كان تطبيق "إنستغرام" أولها عام 2012، تلاها "واتساب" عام 2014.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Becker
"نافذة للرقابة والقمع"
اعترفت بعض المحاكم بـ"فيسبوك" منذ 2008. كما عوقب كثيرون بسبب نشرهم لمحتوى "لم يرق" لدولهم أو جهات أخرى. وكانت وزارة الداخلية المصرية عام 2014، مثلاً، قد ألقت القبض على سبعة أشخاص يستخدمون موقع "فيسبوك" "للتحريض" ضد قوات الأمن، حسب ما نقلت رويترز آنذاك. كما حُظر الموقع في بعض الدول كسوريا وإيران. لكن سرعان ما رُفع هذا الحظر. المنع لا يخص الدول، بل يشمل بعض الإدارات التي منعت موظفيها من استعماله.
صورة من: picture-alliance/empics/D. Lipinski
أفيون الثورات؟
شكل "فيسبوك" مساحة للإدلاء بوجهات النظر دون أي قيد قد يواجه المستخدم على أرض الواقع. الثورة في مصر عرفت طريقها نحو الواقع من "فيسبوك"، الذي لعب دوراً مهماً في تحويل قضية الشاب خالد سعيد إلى شرارة لإطلاق ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، وهو ما أشار إليه الناشط المصري وائل غانم في كتابه "ثورة 2.0". لكن الحرية بدأت تتراجع حين اعترفت المحاكم بالموقع وصارت الجرائم الإلكترونية ضمن ما تعاقب عليه هناك.
صورة من: picture alliance/AP Photo/M. Deghati
منصة للجيوش الإلكترونية
خلق "فيسبوك" أرضاً خصبة لمجموعة من الأنظمة التي سخرته لخدمة مصالحها السياسية. وكان الجيش السوري الإلكتروني، الذي ظهر إبان الثورة السورية (2011-2012) واحداً من أبرز هؤلاء، حسب ما ذكر بعض المراقبين. فقد شن انطلاقاً من الموقع حرباً إلكترونية، وذلك باختراقات أو إغراق الصفحات بتعليقات مؤيدة لنظام الأسد أو اتهامات بالخيانة للمعارضين. بالإضافة إلى إرسال بلاغات لـ"فيسبوك" بإغلاق حسابات لمعارضين.
صورة من: Vernon Manlapaz
انتقادات متكررة!
"انتهاكات خصوصية المستخدمين، تسريب البيانات وإمكانية استغلالها من طرف الاستخبارات، فضلاً عن نشر مواد تدعو إلى العنف والكراهية والتمييز..." كلها انتقادات وجهت لـ"فيسبوك". لكن كريس هيوز، المتحدث الرسمي باسم الشركة سابقاً، رد على هذه الانتقادات بقوله: "لم نقم من قبل مطلقاً بتزويد أطراف آخرين بالبيانات الخاصة بمستخدمي الموقع، ولا نعتزم القيام بذلك على الإطلاق"، حسب ما تناقلته عدة مواقع إلكترونية.
صورة من: picture alliance/dpa/epa/R. Khan
دعاوى قضائية متعددة
رفعت العديد من الدعاوى القضائية ضد "فيسبوك"، كما رفع هو الآخر ضد مستخدمين. كان أول الدعاوى ضد الشبكة عام 2004، إذ اتهمت شركة "كونكت يو" مارك زوكربرغ بسرقة الأفكار التي وضعوها حول الموقع واستخدام الكود الرئيسي الخاص بهم. كما رفع الموقع هو الآخر دعوة ضد ضد آدم جوربوز، وحصل على تعويض قيمته 873 مليون دولار.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Reinhardt
"إخفاق كارثي"
مسألة الحصول على بيانات المستخدمين جعلت "فيسبوك" محط محاسبة في مرات كثيرة؛ آخرها يوم 20 مارس/ آذار 2018. فقد دعت لجنة من المشرعين البريطانيين من مختلف الأحزاب رئيس "فيسبوك" إلى تقديم تفسير بخصوص "إخفاق شركته الكارثي" في حفظ البيانات الشخصية. كما قررت السلطات البريطانية التحقيق بشأن شركة "كامبريدج أناليتيكا" البريطانية، التي اتهمت بحيازة غير قانونية لمعطيات مستخدمي الشبكة. إعداد: مريم مرغيش