تحديات تواجه فرنسا وألمانيا مع تولي ترامب الرئاسة
٢١ يناير ٢٠٢٥قبل تنصيب دونالد ترامب في 20 يناير/كانون الثاني، هدد الرئيس الأمريكي المنتخب بفرض رسوم جمركية مرتفعة على المنتجات الأوروبية، وتقليص الدعم لأوكرانيا، وإعادة تقييم تمويل حلف شمال الأطلسي.
وفي خطاب تنصيبه أعلن الرئيس ترامب الاثنين بأنه قد يفرض رسوما جمركية بنسبة 25% على الواردات من كندا والمكسيك في موعد أقربه الأول من شباط/فبراير، بينما تعهّد بإجراءات ضد بلدان أخرى كجزء من سياسة واشنطن التجارية الجديدة.
مع التحديات المقبلة، يصبح من الضروري أن تتحد دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرون وتتكلم بصوت واحد. لكن مع تولي ترامب منصبه، ستواجه ألمانيا وفرنسا، أكبر دولتين في الاتحاد من حيث السكان والاقتصاد، غياب الحكومات المستقرة، مما قد يعقد اتفاق قادتهما الحاليين على كيفية التعامل مع سياسات ترامب.
هاتان الدولتان، اللتان تُعتبران "محركي النمو في ا لاتحاد الأوروبي"، هما الأكبر من حيث عدد السكان وأكبر اقتصادات الاتحاد.
القادة في نهاية ولايتهم
في ألمانيا، فقدت حكومة المستشار أولاف شولتز، التي تضم الديمقراطيين الاشتراكيين والخضر، أغلبية البرلمان. وتستعد البلاد لإجراء انتخابات مبكرة في 23 فبراير/شباط.
تشير الاستطلاعات الأخيرة إلى أنه لا يوجد حزب سيحقق أغلبية مطلقة، مما يعني أن المفاوضات بين الأحزاب ستكون ضرورية بعد الانتخابات. ومن المتوقع أن يستغرق تشكيل حكومة فعّالة في ألمانيا شهرين على الأقل بعد تنصيب ترامب.
أما في فرنسا، فمن المتوقع أن يستمر عدم الاستقرار لفترة أطول. وفقًا للدستور الفرنسي، لا يمكن إجراء انتخابات جديدة قبل يوليو 2025، مما يعني أن مستقبل الحكومة الحالية غامضا.
تتكون الجمعية الوطنية الفرنسية من ثلاث تكتلات رئيسية، ولا يمتلك أي منها أغلبية حاكمة: التجمع الوطني اليميني ، الجبهة الشعبية الجديدة اليسارية، وكتلة الرئيس إيمانويل ماكرون المنتمي لتيار الوسط.
قالت كلير ديميسماي، عالمة السياسة في معهد العلوم السياسية بباريس والباحثة في المركز الفرنسي الألماني للعلوم الاجتماعية في برلين، لـDW إن الوضع السياسي في فرنسا "غير مستقر للغاية". وأوضحت أنه "لا توجد أغلبية في البرلمان الفرنسي، والكتل الثلاث ترفض التعاون". وأضافت أن السياسة الفرنسية تفتقر إلى تقاليد تشكيل حكومات ائتلافية متعددة الأحزاب كما في ألمانيا، وأن "الثقافة السياسية في فرنسا تميل إلى المواجهة، مما يجعل من الصعب تشكيل حكومة أغلبية".
النزاعات حول الديون والإنفاق تعيق النمو
دخلت ألمانيا وفرنسا العام الجديد بدون ميزانيات معتمدة بسبب الخلافات المالية. في ألمانيا، انهار الائتلاف الحاكم بقيادة شولتز بسبب الخلافات حول الميزانية. في فرنسا، فشل رئيس الوزراء ميشيل بارنييه في تمرير الميزانية وخسر تصويت الثقة في 4 ديسمبر\ كانون الاول 2024. بعدها، عين الرئيس ماكرون فرانسوا بايرو رئيسًا للوزراء في 13 ديسمبر لتشكيل حكومة جديدة.
يقول كارستن برزيسكي، كبير الاقتصاديين في بنك ING، لـ DW إن ألمانيا وفرنسا تتبعان سياسات مالية مختلفة، مما يزيد الوضع تعقيدًا. فرنسا تعاني من ديون كبيرة وتحتاج لتقليل الإنفاق، بينما يجب على ألمانيا زيادة الإنفاق على بنيتها التحتية القديمة. وأضاف: "يجب على فرنسا تبني سياسات شبيهة بتلك التي تتبعها ألمانيا، وفي المقابل، يجب على ألمانيا أن تتبع سياسات مماثلة لتلك التي تنتهجها فرنسا".
الآن، فرنسا هي ثالث أكبر دولة في منطقة اليورو من حيث الديون بعد اليونان وإيطاليا، بينما ألمانيا تتجاوز قليلاً الحد المسموح به للديون في الاتحاد الأوروبي، وهو 60% من الناتج المحلي الإجمالي.
من المتوقع أن يصل عجز الميزانية الفرنسية لعام 2024 إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ضعف الحد المسموح به في منطقة اليورو الذي يبلغ 3%. وقد دفع هذا الاتحاد الأوروبي إلى بدء إجراءات ضد العجز، مما وضع رئيس الوزراء الفرنسي الجديد في نفس المأزق الذي واجهه سابِقُه. للامتثال لقواعد المالية للاتحاد الأوروبي ، يجب تقليص الإنفاق، ولكن من غير المرجح أن يحصل على موافقة البرلمان على هذه التخفيضات قبل صيف 2025.
وصفت كلير ديميسماي، عالمة السياسة، الوضع المالي في فرنسا بأنه "مهمة صعبة". كما ارتفعت المخاطر على الديون الفرنسية إلى أعلى مستوى منذ أزمة الديون في 2010. وفي ديسمبر، خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لفرنسا بسبب المشاكل السياسية والمالية.
على عكس ذلك ، ألمانيا لديها عجز في الميزانية أقل من 3% من الناتج المحلي الإجمالي بسبب قانون يحد من حجم الديون. بعض المنتقدين يرون أنه يجب تعديل هذا القانون أو إلغاؤه لتوفير الأموال اللازمة لتحديث البنية التحتية القديمة في البلاد. لكن هذا التعديل يحتاج إلى موافقة الحكومة القادمة.
اقتصادات أوروبا تتعثر مع اقتراب ترامب
يشير البنك المركزي الفرنسي إلى ان نمو الاقتصاد الفرنسي خلال العام المنصرم سيصل الى بنسبة 1.1% ، لكنه خفض توقعاته لعام 2025 إلى 0.9% بسبب تزايد الشكوك. أما في ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، فيتوقع ان تستمر الأزمة مع نمو ضعيف بنسبة 0.2% في 2025. وأشار البنك إلى أن التهديد الأكبر للاقتصادين هو "زيادة السياسات التجارية التي تحمي الأسواق المحلية من المنافسة العالمية".
اما بالنسبة للاقتصاد الألماني الذي يعتمد بشكل كبير على التصدير، يمكن أن يتعزز من خلال اتفاقيات جديدة. وقد تم اتخاذ خطوة أولى في ديسمبر/كانون الأول عندما وقعت مفوضية الاتحاد الأوروبي وكتلة التجارة في أمريكا الجنوبية "ميركوسور" معاهدة ستؤدي إلى إنشاء أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، تضم نحو 700 مليون شخص.
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الدول الأعضاء ستصدق على الاتفاقية، خاصة بعد أن أظهرت فرنسا معارضتها لها.
وقالت ديميسماي: "إن التجارة نقطة خلاف تقليدية بين ألمانيا وفرنسا. ففي فرنسا، تُنتقد الاتفاقيات التجارية الكبرى بشكل أكبر مقارنة بألمانيا، وهناك شعور متزايد بأن مستقبل البلاد أصبح بعيدًا عن السيطرة، وهو ما يشكل خطرًا سياسيًا".
عدم وحدة الرؤى للدولتين الرائدتين في أوروبا قد يشكل عقبات لهما مع بداية ولاية دونالد ترامب الثانية. خلال ولايته الأولى (2017-2021)، كان الأوروبيون غالبًا في حالة من الحيرة وغير متأكدين من كيفية التعامل مع تصريحاته السياسية ومنشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي.
يرى كارستن برزيسكي، الذي يوصي بعدم الاكتفاء بالرد على تصرفات ترامب، أن الأوروبيين أصبحوا اليوم أكثر استعدادًا مما كانوا عليه قبل ثماني سنوات.
وأوضح: " أن بدلاً من التركيز على ردود الفعل، يجب أن ينصب اهتمامهم على تعزيز اقتصاداتهم، والاستثمار في البنية التحتية، وإجراء الإصلاحات الضرورية". وأكد على ضرورة التنسيق الوثيق بين السياسات في ألمانيا وفرنسا، مشددًا: "من خلال التجارب السابقة، نعلم أنه إذا لم يتعاون أكبر اقتصادين في أوروبا لدفع المشروع الأوروبي قدمًا، فإن التقدم سيكون بطيئًا جدًا".
أعده للعربية: ندى فاروق