تحرك أوروبي لحماية التجارة مع إيران في ظل عقوبات واشنطن
١١ مايو ٢٠١٨
تبذل دول أوروبية كبرى جهوداً حثيثة لحماية استثمارات شركاتها في إيران، ساعية للحفاظ على تطبيق الاتفاق النووي مع طهران بعد انسحاب واشنطن منه. ويسود القلق لدى الاقتصاديين من حصول خسائر مالية جراء القرار الأمريكي
إعلان
اتخذت دول أوروبية كبرى خطوات الجمعة (11 مايو/ أيار 2018) لحماية مصالحها التجارية والسياسية في إيران في مسعى للإبقاء على الاتفاق النووي مع طهران إثر انسحاب واشنطن منه وإعلانها فرض عقوبات على إيران بعد الانسحاب.
ولكل من ألمانيا وفرنسا علاقات تجارية مهمة مع إيران. وأبقى البلدان مع بريطانيا على التزامها بالاتفاق النووي في حين يعتزم وزراء خارجية الدول الثلاث عقد اجتماع الثلاثاء المقبل لبحث الأمر.
يأتي ذلك في إطار سلسلة من الأنشطة الدبلوماسية بعد انسحاب الولايات المتحدة بشكل أحادي يوم الثلاثاء الماضي من الاتفاق. ووصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتفاق بأنه "مريع ومن جانب واحد". وترافقت الخطوة مع تهديد بتوقيع عقوبات على أي شركات أجنبية تقوم بأنشطة في إيران.
وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إن هناك حاجة لمناقشة سبل إنقاذ الاتفاق دون وجود واشنطن فيه مع طهران، فيما قال وزير المالية الفرنسي برونو لو مير إن دول الاتحاد الأوروبي ستقترح على المفوضية الأوروبية إجراءات تحول دون توقيع العقوبات.
وتوقعت معظم الشركات الألمانية العاملة في الخارج عقد صفقات جيدة خلال العام الجاري، لكن القلق بشأن السياسة الأمريكية تجاه روسيا وإيران عكرت صفو هذه التوقعات.
وفي هذا السياق قال نائب المدير العام لمجلس الغرفة التجارية الصناعية الألمانية، فولكر ترير الجمعة في برلين واصفاً هذه السياسة: "إنها سيف مسلط علينا". وتكمن المشكلة في أن العقوبات ستضر أيضاً بالشركات الألمانية وفقاً لقانون العقوبات الأمريكي، وذلك في حال عقدها مثلاً صفقات مع إيران في الوقت الذي تكون فيه عاملة أيضاً في الولايات المتحدة.
مسائيةDW : بين حليفين - موسكو مع إيران أم إسرائيل؟
33:36
وأسفر استطلاع أجرته غرفة الصناعة والتجارة بين حوالي خمسة آلاف شركة ألمانية تعمل في 92 دولة عن توقعات إيجابية للعام الجاري: فهناك 40 بالمائة من هذه الشركات تتوقع نتائج نمو أفضل، كما توقعت 50 بالمائة منها البقاء على المستوى الذي تحقق العام الماضي، بينما قال 10 بالمائة إنهم يتوقعون تراجع معدلات النمو لديها.
من جهة أخرى، قالت أكبر مجموعتين لشحن الحاويات في العالم، ميرسك لاين وإم.إس.سي، إنها تراجعان عملياتهما في إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق نووي دولي مع طهران وإعلانها عن إعادة فرض عقوبات أمريكية على الجمهورية الإسلامية.
وقالت مجموعة إم.إس.سي التي مقرها سويسرا في بيان الجمعة "إم.إس.سي تراجع خدماتها وعملياتها وعلاقات العمل لترى ما إذا كان أي منها سيتأثر، وستتقيد بالجدول الزمني الذي تحدده الحكومة الأمريكية".
يُشار إلى أن رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي توصلت اتصال هاتفي اليوم (الجمعة) مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على ضرورة إجراء محادثات لمعرفة مدى وكيفية تأثير العقوبات الأمريكية على الشركات الأجنبية العاملة في إيران.
وقالت متحدثة باسم ماي "تحدثت رئيسة الوزراء عن التأثير المحتمل للعقوبات الأمريكية على تلك الشركات التي تقوم حالياً بأعمال في إيران". وأضافت "اتفقا على إجراء محادثا".
وفي برلين قال وزير الاقتصاد بيتر ألتماير إن ألمانيا مستعدة لتقديم المساعدة للشركات الألمانية المتضررة بما في ذلك تقديم المشورة القانونية لمواصلة عملها في إيران.
كذلك أكد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أن العلاقات عبر الأطلسي تضررت تدريجياً بالتغييرات التي تطرأ على السياسة الأمريكية. وقال لمجلة دير شبيغل "نحن مستعدون للتحدث... لكننا أيضاً (مستعدون) للقتال دفاعاً عن مواقفنا عندما تقتضي الضرورة".
ويخشى الأوروبيون من أن انهيار الاتفاق النووي بالكامل سيزيد من مخاطر تفاقم الصراعات في الشرق الأوسط.
ع.أ.ج/ ع غ (د ب ا، رويترز)
البرنامج النووي- محطات من الشد الإيراني والجذب الغربي
لعبة القط والفأر مع الغرب. بداية البرنامج النووي الإيراني في نهاية خمسينات القرن الماضي كانت واعدة. ثم جاءت القطيعة مع وصول الخميني للحكم لتتوالى فصول الترغيب والترهيب: اتفاق عام 2015، ثم انسحاب أمريكي وعقوبات قاسية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Iranian Presidency Office/M. Berno
البداية النووية
كان العام 1957، بداية البرنامج النووي الأيراني حين وقع شاه إيران اتفاق برنامج نووي مع أمريكا، ليتم الإعلان عن "الاتفاق المقترح للتعاون في مجال البحوث ومجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية" تحت رعاية برنامج أيزنهاور "الذرة من أجل السلام". وفي1967، أسس مركز طهران للبحوث النووية. لكن توقيع إيران معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في 1968، جعلها تخضع للتفتيش والتحقيق من قبل الوكالة الدولية للطاقة.
صورة من: gemeinfrei
إنهاء التدخل الغربي في البرنامج النووي
الإطاحة بحكم الشاه وقيام جمهورية إسلامية في إيران سنة 1979، جعلت أواصر العلاقات بين إيران والدول الغربية موسومة بقطيعة، فدخل البرنامج النووي في مرحلة سبات بعد انسحاب الشركات الغربية من العمل في المشاريع النووية وإمدادات اليورانيوم عالي التخصيب؛ فتوقف لفترة برنامج إيران النووي .
صورة من: Getty Images/Afp/Gabriel Duval
البحث عن حلول
سمح خميني عام 1981 بإجراء بحوث في الطاقة النووية. وفي 1983، تعاونت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية لمساعدة طهران على الصعيد الكيميائي وتصميم المحطات التجريبية لتحويل اليورانيوم، خاصة في موقع أصفهان للتكنولوجيا النووية، لكن الموقف الغربي عموما كان رافضا لمثل هذا التعاون. ومع اندلاع الحرب بين إيران والعراق تضرر مفاعل محطة بوشهر النووية فتوقفت عن العمل.
صورة من: akairan.com
روسيا تدخل على الخط، والصين تنسحب!
في التسعينات تم تزويد إيران بخبراء في الطاقة النووية من طرف روسيا. وفي 1992، انتشرت مزاعم في الإعلام الدولي بوجود أنشطة نووية إيرانية غير معلنة، مما جعل إيران تستدعي مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لزيارة المنشآت النووية، وخلصت التفتيشات حينها إلى أن الأنشطة سلمية. في 1995، وقعت إيران مع روسيا عقدا لتشغيل محطة بوشهر بالكامل، في حين انسحبت الصين من مشروع بناء محطة لتحويل اليورانيوم.
صورة من: AP
إعلان طهران وزيارة البرادعي لإيران
طلبت الوكالة الدولية، في 2002، زيارة موقعين نوويين قيل أنهما غير معلنين، لكن إيران لم تسمح بذلك حتى مرور ستة أشهر على شيوع الخبر. وفي 2003، زار محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إيران للحصول على إيضاحات في ما يخص استئناف أنشطة تخصيب اليورانيوم، واصدرت الوكالة تقريرا سلبيا تجاه تعاون إيران.
صورة من: AP
شد وجذب
أصدرت الوكالة الدولية، في 2004، قرارا يطالب إيران بالإجابة عن جميع الأسئلة العالقة، وبتسهيل إمكانية الوصول الفوري إلى كل المواقع التي تريد الوكالة زيارتها، وبتجميد جميع الأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم بمستوى يتيح إنتاج الوقود النووي والشحنة الانشطارية. لكن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد وبعد انتخابه، عمل على تفعيل البرنامج النووي ولم يكترث للتهديدات الغربية، كما أسس مفاعل "أراك" للماء الثقيل.
صورة من: AP
فصل جديد
في 2006، صوت أعضاء الوكالة الدولية على إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن، الذي فرض حظرا على تزويد إيران بالمعدات اللازمة لتخصيب اليورانيوم وإنتاج صواريخ بالستية. وردت إيران على هذا الإجراء بتعليق العمل بالبروتوكول الإضافي وجميع أشكال التعاون الطوعي. وفي نفس السنة، أعلن الرئيس الإيراني؛ أحمدي نجاد، عن نجاح بلده في تخصيب اليورانيوم بنسبة 3,5 بالمائة. الصورة لوفد قطر أثناء التصويت على القرار.
صورة من: AP
مفاعلات نووية سرية
في عام2009 ، تحدث بعض المسؤولين الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين، عبر وسائل الاعلام، عن قيام إيران ببناء مفاعل نووي في ضواحي مدينة قم، كما قال هؤلاء بأنه تحت الأرض ويبنى بكل سرية، دون أن تخبر به إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في حين نفت طهران ذلك واعتبرته مجرد ادعاءات.
صورة من: AP
على مشارف حل
في عام 2014، تم الاتفاق على وقف تجميد الولايات المتحدة لأموال إيرانية قدرت بمليارات الدولارات، مقابل توقف إيران عن تحويل اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمائة إلى وقود. وفي نفس السنة، قامت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية باجراء تعديلات على منشأة "أراك" لضمان إنتاج حجم أقل من البلوتونيوم.
صورة من: ISNA
الاتفاق التاريخي
في عام 2015، وبعد سلسلة من الاجتماعات، في فيينا، أعلن عن التوصل لاتفاق نهائي؛ سمي اتفاق إطار، بخصوص برنامج إيران النووي. الاتفاق جمع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وألمانيا بإيران. وكان من المرجح أن ينهي هذا الاتفاق التهديدات والمواجهة بين إيران والغرب.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Wilking
طموحات حدها الاتفاق!
كان باراك أوباما، الرئيس الأمريكي السابق، واحدا من رؤساء الدول المتفقة مع إيران، فيما يخص البرنامج النووي، من الذين رأوا في الخطوة ضمانا لأمن العالم، بالمقابل قال نظيره الإيراني؛ حسن روحاني، إن بلاده حققت كل أهدافها من خلال الاتفاق. لكن الأمور لم تعرف استقرارا، خاصة مع رغبة إيران في تطوير برنامجها نووي، دون أن تلفت اليها الأنظار.
صورة من: Getty Images/A. Burton/M. Wilson
أمريكا تنسحب
آخر التطورات في الاتفاق النووي، كانت يوم الثلاثاء 8 أيار/مايو 2018، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قرار الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، متعهداً بأن تفرض بلاده "أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني". وفي هذا الصدد، عبرت طهران عن عدم رغبتها في الدخول في جولات جديدة من المفاوضات الشاقة مع أمريكا.
صورة من: Imago/Zumapress/C. May
شروط أي "اتفاق جديد"
بعد الانسحاب الأميركي، أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو 12 شرطاً أميركياً للتوصل إلى "اتفاق جديد". وتضمنت هذه الشروط مطالب شديدة الصرامة بخصوص البرنامج النووي وبرامج طهران البالستية ودور إيران في الشرق الأوسط. وهدّد بومبيو إيران بالعقوبات "الأقوى في التاريخ" إذا لم تلتزم بالشروط الأميركية.
صورة من: Getty Images/L. Balogh
واشنطن تشدد الخناق
فرضت إدارة ترامب أول حزمة عقوبات في آب/أغسطس ثم أعقبتها بأخرى في تشرين الثاني/نوفمبر. وشملت هذه العقوبات تعطيل معاملات مالية وواردات المواد الأولية إضافة إلى إجراءات عقابية في مجالي صناعة السيارات والطيران المدني. وفي نيسان/أبريل من عام 2019، أدرجت الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني على لائحتها السوداء لـ"المنظمات الإرهابية الأجنبية"، وكذلك فيلق القدس المكلف بالعمليات الخارجية للحرس الثوري.
صورة من: picture-alliance/U. Baumgarten
أوروبا تغرد خارج السرب
في 31 كانون الثاني/يناير 2019، أعلنت باريس وبرلين ولندن إنشاء آلية مقايضة عرفت باسم "إنستكس" من أجل السماح لشركات الاتحاد الأوروبي بمواصلة المبادلات التجارية مع إيران رغم العقوبات الأميركية. ولم تفعل الآلية بعد، كما رفضتها القيادة العليا في إيران. وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أكدت على "مواصلة دعمنا الكامل للاتفاق النووي مع إيران، وتطبيقه كاملاً"، داعية إيران إلى التمسك به.
صورة من: Reuters/S. Nenov
طهران ترد
في أيار/مايو الماضي، قررت طهران تعليق بعض تعهداتها في الاتفاق النووي التاريخي المبرم عام 2015 مع الدول الكبرى بعد عام على القرار الأميركي الانسحاب من الاتفاق. وحذرت الجمهورية الإسلامية من أنها ستستأنف تخصيب اليورانيوم بدرجة أعلى من المسموح بها في الاتفاق خلال 60 يوماً، إذا لم يوفر لها الأوروبيون الحماية من العقوبات الأمريكية. مريم مرغيش/خالد سلامة