تحرير ليبيا بالكامل بتحرير معبر رأس جدير
٢٩ أغسطس ٢٠١١لم يكن الطريق إلى معبر رأس جدير الحدودي بين تونس و ليبيا مفتوحا ليلة السابع والعشرين من رمضان بعد أن استطاع الثوار الليبيون السيطرة في ساعة متأخرة من الليل على منفذ رأس جدير الذي يعد بوابة الهروب الوحيدة التي قد يلجا لها العقيد الليبي معمر القذافي وأتباعه. وعلى الفور أُعلنت المنطقة المحيطة بمعبر رأس جدير منطقة عسكرية، وقررت قوات الجيش التونسي عدم السماح للمواطنين والصحافيين الدخول للمعبر إلا في صباح اليوم التالي. وكانت الرحلة الصغيرة مع الثوار الليبيين في النقطة الحدودية بين تونس و ليبيا مثيرة بعد أن أحرز الثوار خلال الأيام الأخيرة تقدما كبيرا بسيطرتهم على أغلب المدن الليبية، لاسيما طرابلس العاصمة.
البحث عن القذافي وفلوله
عبّر الثوار عن فرحتهم بالنصر بصوت الرصاص المدوي في سماء منطقة رأس جدير. أطلقوا رصاصهم في الفضاء دون خوف من أن تنتهي ذخيرتهم. ولموقع دويتشه فيله قال أحد الثوار بنبرة الفرحة العارمة وبوجه بدا عليه الإرهاق: "لم نشهد مقاومة من جنود كتائب القذافي الذين كانوا يسيطرون على بوابة العبور. لقد هربوا جميعا، واتجه بعضهم نحو البحر من جهة شواطئ مدينة جرجيس، فيما سلم البعض الآخر نفسه لنا. لم نشهد مقاومة كبيرة لكن المعركة لم تنته بعد."
ثائر آخر من ثوار المدن الجنوبية بليبيا يكمل الحديث عن مرحلة ما بعد تحرير المعبر قائلاً:" هذا الانتصار يعتبر انتصارا عظيما لنا، فقد تم تحرير بوابة رأس جدير حتى يتم نقل الجرحى إلى تونس عبر البر وتأمين رجوع أهالينا من دولة تونس الشقيقة. سيتم تنظيم الإجراءات هنا في منفذ رأس جدير على شاكلة معبر ذهيبة."
لكن رغم تحرير المعبر يعلن الثوار في منفذ رأس جدير أن جبهات القتال مازالت مفتوحة في المدن المتاخمة لمعبر رأس جدير. ويقول ثائر ليبي وقائد ميداني في جبهة رأس جدير لموقعنا: "السيطرة على معبر رأس جدير هي كسرة قوية للدكتاتور القذافي وأعوانه. نحن متأكدون من أن القذافي وأتباعه في جحورهم في إحدى مدن ليبيا، وسوف نقبض عليهم واحدا تلو الآخر ونحاسبهم محاسبة قانونية وليست محاسبة همجية. نحن لا نريد التشفي لأننا نفهم القانون ونؤمن به، وسيُحاسب المتورطون ويُخلى سبيل من تثبت براءتهم."
أما القائد الميداني عبد الله سويري، وهو من الثوار الذين شاركوا في الثورة الليبية منذ يوم اندلاعها قبل قرابة نصف سنة، فيصف شعوره بالفرحة قائلاً: "منفذ رأس جدير هذا آخر خناق نضيقه على الدكتاتور القذافي وفلوله، وبالسيطرة على هذه النقطة الحدودية نكون قد حررنا بلادنا بالكامل. لقد حققنا انتصارا عظيما يوم 27 رمضان. لأول مرة نعيش شهر رمضان المبارك ونحن متحررون من الطاغية القذافي."
كيف ينظر الثوار إلى ليبيا ما بعد الثورة
يعتريك الإحساس وأنت تتحدث إلى الثوار الليبيين أنك في مواجهة أطفال صغار مازالوا لم يبلغوا بعد سن الرشد، لكنهم تعلموا بحكم الأحداث و ضرورات الثورة كيف تكون البندقية السبيل الأقصر لبلوغ النضج قبل الأوان.
فتيان تتراوح أعمارهم بين أربعة عشر و ثمانية عشر عاماً يحملون السلاح و يطلقون الرصاص في الهواء في فخر واضح وحب كبير لتجربة جديدة في دخول جبهات القتال. نظرة هؤلاء الشبان الصغار لليبيا الحرة نظرة ملؤها التفاؤل والرغبة في التغيير.
عن صغار الثوار هؤلاء يتحدث بفخر الثائر الليبي والقائد الميداني في جبهة رأس جدير، وهو موظف في الشركة العامة للكهرباء: "كلنا مدنيون. لسنا ضباط شرطة، بل موظفين ومهندسين وأساتذة وأطباء. هؤلاء الشبان من ثوار ليبيا هم مستقبل بلادنا الحرة، وسيعملون على تغيير وجه ليبيا بعد أن خلصوها من براثن الدكتاتور. لم نكن نعرف القتال، ولا عهد لنا بحمل السلاح، لكننا قمنا بواجبنا الآن على أحسن وجه."
ويقول الثائر الليبي إن الثوار سيواصلون مرحلة تمشيط المدن الليبية بحثا عن القذافي وسيسلمون مهامهم لأصحاب الشأن في الدفاع عن مستقبل ليبيا السياسي، ويضيف: "سنبني وطننا بناء جديدا بهؤلاء الشبان الذين ستفتح لهم مجالا التعليم والثقافة. لقد حرمنا الدكتاتور القذافي من التعليم ودمر بنية تحتية بأكملها وأدخلنا في دوامة الجهل والاستبداد لأكثر من أربعين سنة، أما الآن فالمجال مفتوح لنا لبناء ليبيا الجديدة المتحضرة. سنكون شعبا مسالما ومتحضرا، وسيرى العالم الليبيين بوجه ثاني غير وجه القذافي، وجه النفاق المزيف."
تسليم السلاح والعودة للحياة
المتأمل في عتاد الثوار الليبيين يدرك أن الثوار قد حصلوا على ذخيرة جيدة وأسلحة كثيرة ومتطورة، فلدى كل واحد منهم بندقية وذخيرة وسيارات مجهزة براجمات تجوب المدن الليبية للقضاء على كتائب القذافي. أما المواطنون الليبيون في معبر رأس جدير فيؤكدون أن من أسهل الأشياء في ليبيا اليوم هو الحصول على بندقية، لا من قبل الثوار فحسب، فالمواطن العادي أصبح قادرا على الاحتفاظ بالسلاح في بيته، إذ ربما يحتاج إليه للدفاع عن نفسه.
وأمام ما رأيناه من وفرة السلاح تبادر لنا السؤال عن مصير كل هذه الأسلحة. مسعود، الثائر الليبي من مدينة زنتان، يجيب قائلاً: "ستجمع كل هذه الأسلحة من الثوار في مكان واحد بعد انتهاء الصراعات وبعد التأكد من السيطرة على كل أذيال النظام الليبي الجائر، وستُسلم الأسلحة للمجلس الانتقالي."
ولعل أكثر ما يخيف الليبيين اليوم هو توفر السلاح عند الجميع بما لا يسمح بإحكام السيطرة على الأوضاع الأمنية في ليبيا. كما يتحدث الكثير من الليبيين عن الدور الذي يمكن أن تلعبه قوات حلف شمال الأطلسي؛ فبينما بدا بعض الثوار الليبيين شاكرين لما قدمته لهم قوات الناتو من دعم لوجستي ومادي وعتاد عسكري، أعرب عدد من اللاجئين الليبيين الوافدين على مخيمات اللاجئين عن حزنهم وغضبهم للقصف الذي تعرضت إليه منازلهم من قوات الناتو والذي أدى إلى مقتل أبرياء تحت الأنقاض. يقول أحد المواطنين الليبيين: "هذه الثورة يقودها الثوار ضد كتائب القذافي، ولا دخل لقوات حلف شمال الأطلسي فيها. كان عليهم أن يتركونا نسيّر ثورتنا بمفردنا. لسنا في حاجة لتدخل أحد في سبيل وضع نهاية للطاغية القذافي."
مبروكة خذير – معبر رأس جدير
مراجعة: سمير جريس