تحسين الوضع البيئي في الجزائر: توظيف الدين وإعادة الاعتبار لعامل النظافة
١٩ مارس ٢٠١٢يعاني الوضع البيئي في الجزائر من مشاكل متعددة، تقلق المواطنين والمشرفين على الشأن البيئي. في إطار النهوض بالمشهد البيئي الجزائري، قامت الهيئة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) بشراكة مع وزارة البيئة الجزائرية بإنشاء مشروع لتحسين المشهد البيئي العام في مدينة عنابة الجزائرية الواقعة شمال شرق الجزائر. المشروع الذي بدأ سنة 2005، كان محط نقاش في لقاء نظمته الجمعية المغاربية الألمانية في مدينة بون الألمانية. حيث استضافت الجمعية المهندس أحمد فكايري مدير مشروع عنابة ومستشار البرنامج التقني الألماني الموجه لقطاع البيئة (GIZ)، وذلك لتقييم المشروع بعد مرور سبع سنوات على إحداثه.
اختيار مدينة عنابة للمشروع، جاء نظرا للوضع البيئي المتدهور الذي كانت تعيشه المدينة، رغم توفرها على إمكانيات بشرية مهمة في مجال جمع النفايات. وكانت المدينة البالغ عدد سكانها النصف مليون تنتج في اليوم 300 طن من النفايات، مع العلم أن الطن الواحد يكلف للتخلص منه – دون احتساب تكاليف التخلص النهائي من النفايات- 35 يورو. فإلى جانب الدعم المادي ارتكز المشروع على تطوير الإمكانيات البشرية في مجال البيئة في عنابة.
إعادة الاعتبار لعامل النظافة في المجتمع الجزائري
من المؤكد أن الإمكانيات المالية واللوجيستيكية تساهم بشكل كبير في تحسين الوضع البيئي في مدينة عنابة، غير أن المشرفين على المشروع، وبعد دراستهم للوضع قرروا القيام بعدد من الإجراءات الضرورية والتي من غيرها، قد يتعثر المشروع. فكانت إحدى أولى الخطوات هي إعادة الاعتبار إلى عمال التنظيف، الذين يُعتبرون أساس العمل ويُنظر إليهم نظرة دونية في المجتمع. فقام المشرفون على المشروع بتحسين ظروف عملهم، وصار بإمكان العامل أن يكون له مكان خاص للحلاقة وأخذ الحمام...كما يتم بشكل دوري تكريم أفضل عاملي النظافة، حيث يقوم عمدة المدينة باستقبالهم استقبالا رسميا، ويسلم لهم بعض الهدايا، وخاصة لزوجات العاملين. كما يتم نشر صور أفضل العاملين في الجرائد المحلية والتنويه بعملهم.
كما تم الاهتمام بإعادة تكوين العاملين في هذا المجال، فتم استقدام عاملي نظافة من ألمانيا، أشرفوا على تكوينهم، خاصة فيما يدخل في كيفية الاشتغال على بعض عربات النظافة الألمانية، والتي يتطلب تشغيلها تعلم بعض المهارات. إضافة إلى الاهتمام بالجانب المعنوي والتكويني للعاملين، تم الانتباه إلى ضرورة تغيير الفكرة، التي تجعل من الاهتمام البيئي شأنا رسميا متوقفا على تدخل الدولة. فتم الترويج لثقافة بيئية ترتكز على دور المواطن في الحفاظ على البيئة ولو بإمكانياته البسطية. هذا بالإضافة إلى إشراك مؤسسات من المجتمع المدني وعقد لقاءات مستمرة يشترك فيها كل الأطراف، لمناقشة أساليب تطوير العمل البيئي في المنطقة. ويقول أحمد فكايري عن أهم منجز للمشروع في رأيه:"الشيء الذي حققناه هو إعطاء الأمل للكثير من المؤسسات المحلية، حتى تكون عندها القدرة والطموح للتغيير المستديم."
مشاكل اعترضت المشروع
لم تكن أرضية الاشتغال معبدة للمشرفين الجزائريين أو الألمان، فقد اعترضتهم عدة مشاكل. يقول أحمد فكايري:" كان صعبا إقناع الناس أنه يمكنهم بقدراتهم الخاصة تغيير الوضع" ويتابع المسؤول عن المشروع:"لكن هذا الأمر تغلبنا عليه، فبفضل التشاورات والتكوين والتوعية صارت المهمة أكثر سهولة، لأن جميع الأطراف من مجتمع مدني ومنتخبين محليين وسياسيين وتقنيين استطاعوا تكوين إرادة موحدة كل على حسب طاقاته و إرادته".
ونظرا للصدى الإيجابي الذي تركه المشروع الألماني الجزائري في مدينة عنابة، تم البدء في تعميم المشروع على مدن جزائرية أخرى، وهي مدن: غرداية وتلمسان و جلفا ثم مدينة الواد ومدينة سطاوالي. يقول أحمد فكايري:" يأتي بعض المسؤولين من المدن الأخرى إلى عنابة، ليأخذوا الخبرة ويسألوا عن الطريقة والتصور المتبعين".
الدين في خدمة شؤون البيئة
يوجد في مدينة عنابة حوالي 41 مسجدا، وكل هذه المساجد موزعة على أحياء المدينة الساحلية. لم يكن مقررا في بداية المشروع توظيف الجانب الديني في إطار توعية المواطن، لكن المشرفين انتبهوا إلى هذه النقطة أثناء محاولاتهم نشر الثقافة البيئية لدى الأوساط الاجتماعية الفقيرة، ويقول المهندس أحمد فكايري:" لاحظنا عندما كنا نشتغل على المستوى المحلي في ذلك الوقت أن الخطاب الديني والمسجدي بالخصوص، كان يطغى عليه الجانب السياسي الخارجي، كمشكل العراق وحقوق الإنسان... فقلنا مادام لرجال الدين هذه قدرة التوعوية والقدرة على التعبئة والتغيير في المجتمع، لما لا نوظفها في حل المشاكل المحلية؟ ويصير هناك تطابق بين الإيمان والعمل".
ولم يكن سهلا إقناع رجال الدين بالاشتغال لفائدة العمل اليومي، وهو ما تطلب وقتا في البداية لإقناعهم. لكن المشرفين على المشروع استطاعوا بعد مشاورات وبعد تكوين الأئمة من النجاح في هذه الخطوة. ويقول أحمد فكايري:"استطعنا كسب ثقتهم وإقناعهم بضرورة تغيير صورة المسجد وصورة الإمام التي كانت متضررة بعد السنوات الصعبة التي مرت بها الجزائر في الفترة السابقة". وذلك في إشارة منه إلى السنوات الدامية التي عرفتها الجزائر في التسعينيات من القرن الماضي، والتي شهدت أعمال عنف من طرف جماعات دينية مسلحة.
ريم نجمي
مراجعة: هبة الله إسماعيل