1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: ألمانيا والغاز القطري الموعود وخطر خسارة المنافسة

٢٣ مايو ٢٠٢٢

سعي ألماني غير مسبوق لاستبدال الغاز الروسي بغاز من قطر ودول أخرى، غير أن المشكلة ليست في قلة العرض وحسب، بل وفي صعوبة الخضوع للشروط القطرية والتخلص من العقود الروسية، فما المخاطر المحتملة لذلك على الاقتصاد الألماني؟

المستشار الألماني أولاف شولتس وعلى يساره أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني- برلين في 20 مايو/ ايار 2022
هل تكتسب قطر أهمية استراتيجية لألمانيا في مجال الطاقة خلال السنوات القادمة كما يرى المستشار أولاف شولتس؟صورة من: Abdulhamid Hosbas/AA/picture alliance

رغم الانتقادات الألمانية للنظام السياسي في قطر، فإن علاقة دافئة تسود بين النخب الألمانية والعائلة الحاكمة في الإمارة الخليجية التي تعوم فوق أحد أكبر احتياطات الغاز الطبيعي في العالم. وتعود خلفيات هذه العلاقة إلى أكثر من سبب لعل أهمها تربع قطر على رأس الدول العربية والشرق أوسطية التي تستثمر في الشركات الألمانية. وتأتي زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قبل أواخر الأسبوع الفائت لتحتل أهمية استثنائية وربما استراتيجية في تعزيز علاقة الطرفين في ضوء تبعات الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد الألماني. وتنبع هذه الأهمية من سعي ألمانيا الحثيث لتقليص اعتمادها على الغاز الروسي واستبدال القسم الأكبر منه بغاز مسال من قطر ودول أخرى بحلول عام 2024. ومن هنا جاء التوقيع خلال الزيارة على إعلان نوايا يمهد لاتفاقية شراكة ألمانية قطرية في مجال الطاقة. ووصل  المستشار الألماني أولاف شولتس في تقييم علاقة البلدين المستقبلية على ضوء ذلك إلى حد القول أن "قطر ستلعب دورا محوريا في استراتيجية ألمانيا للتنوع بعيدا عن الغاز الروسي".

ألمانيا لا تملك حتى الآن أية محطة لاستقبال الغاز المسال، فكيف لها أن تسبدل الغاز الروسي بسرعة؟صورة من: Sina Schuldt/dpa/picture alliance

استبدال الغاز الروسي رغم التكلفة العالية

تعتمد ألمانيا على روسيا بنسبة تزيد على 50 بالمائة أو ما يعادل 55 مليار متر مكعب سنويا في تزويدها بمصادر الطاقة التي يشكل الغاز القادم عبر الأنابيب عمادها الرئيسي. وجاء هذا الاعتماد كثمرة تعاون وثيق على مدى عقود لم يتخللها مشاكل تُذكر بين البلدين بحكم حاجة روسيا الماسة لعائدات الغاز وحاجة الاقتصاد الألماني الماسة لمصادر طاقة موثوقة ورخيصة. وتحصل ألمانيا على معظم احتياجاتها من الغاز الروسي مباشرة من روسيا عبر بحر البلطيق حيث يمر نورد ستريم 1، ومن ميزات الغاز الروسي العابر عبر الأنابيب انخفاض أسعاره مقارنة بالغاز المسال الذي يتم ضغطه من الغاز الطبيعي ونقله عبر البحار والمحيطات بأسعار عالية إلى الأسواق الأوروبية من الولايات المتحدة ونيجريا وقطر ومؤخرا مصر. غير أن الجانب الألماني لا يركز على التكلفة بقدر تركيزه على الاستقلال عن روسيا في مجال الطاقة. وعلى ضوء ذلك قلبت الحكومة الألمانية سياستها في مجال الطاقة رأسا على عقب بعد تدهور العلاقة بين روسيا والغرب إلى مستويات غير مسبوقة. ومن أبزر معالم هذا التغيير سعي حكومة المستشار أولاف شولتس الحثيث إلى استبدال أكثر من ثلثي الغاز الطبيعي الروسي القادم إلى ألمانيا بالغاز المسال من دول أخرى وعلى رأسها قطر، رغم التكلفة العالية لذلك. غير أن المشكلة لا تبدو في التكلفة، بل في عدم استطاعة قطر شأنها شأن الدول الأخرى المصدرة للغاز المسال على إرسال إمدادات إلى السوقين الألمانية والأوروبية بكميات كبيرة تحل محل جزء معتبر من الغاز الروسي. 

غالبية الغاز القطري يتم شحنه إلى شرق آسيا، هل تنجح قطر في زيادة صادرات الغاز المسال إلى ألمانيا؟ صورة من: ConocoPhillips

قطر تحتاج إلى سنوات لزيادة إنتاجها

وحسب صحيفة تاغسشبيغل الألمانية بتاريخ 1 فبراير/ شباط 2022، فإن قدرة قطر على تزويد الاتحاد الأوروبي بالغاز لا تتجاوز حاليا كمية 60 ألف متر مكعب يوميا، في الوقت الذي يحتاج فيه الاتحاد إلى مليار متر مكعب في اليوم. ويعود السبب في ذلك إلى أن أكثر من 90 بالمائة من صادرات الغاز القطرية التي تزيد على 140 مليار متر مكعب تذهب إلى شرق آسيا وجنوبها وفقا لعقود طويلة الأجل. وتذهب جميع التقديرات إلى أنه لا يمكن لقطر تزويد أوروبا بكميات كبيرة من الغاز تعوض عن جزء من الغاز الروسي قبل حلول عام 2026. إلا إذا نجحت خطتها في ضخ استثمارات كبيرة وزيادة الإنتاج من 170 مليار متر مكعب في الوقت الحالي إلى أكثر من 275 مليار متر مكعب بحلول عام 2026. وينبغي لهذه الخطة المحفوفة بالمخاطر بسبب التوترات السياسية في الخليج، أن تأتي من حقل "القبة الشمالية" الذي تتقاسمه قطر وإيران، لاسيما وأن علاقات الأخيرة بالغرب ليست على ما يرام.

هل تخضع ألمانيا للشروط القطرية؟

وإلى أن تأتي الصادرات القطرية إلى ألمانيا بكميات كبيرة لا بد من عقد اتفاقية، الطريق إليها ليست معبدة حسب ما رشح من معلومات في أكثر من وسيلة إعلام ألمانية. فالقطريون يضعون شروطا يصعب على الحكومة الألمانية قبولها. ومن هذه الشروط التزام ألمانيا بعقود شراء طويلة الأجل وربط مؤشر سعر الغاز بتغيرات أسعار النفط، ما يعيني على الأرجح تكاليف إضافية لألمانيا. وهو أمر يتعارض مع برامج الحكومة الألمانية التي يشارك فيها حزب الخضر القاضية بتنويع مصادر الطاقة والتخلص من التبعية لجهة واحدة وزيادة حصة الطاقات المتجددة في السوق إلى نحو 45 بالمائة في غضون السنوات العشر القادمة. وفي هذا السياق حذر معلقون وخبراء من أن الوفاء بالشروط القطرية يحمل في طياته خطر التبعية للغاز القطري بدلا من الغاز الروسي. ومما لا شك فيه أن قطر تريد أيضا ثمنا سياسيا لتزويد ألمانيا بالغاز، لأنها خبرت جيدا أهمية التجارة والاستثمار في دعم موقف الحكومة القطرية خلال فترة المقاطعة السعودية والإماراتية والمصرية والبحرينية لقطر. كما خبرت هذه الأهمية في التخفيف من الانتقادات الغربية الموجهة للحكومة القطرية بسبب ملفها في مجال حقوق الإنسان والحريات، لاسيما ما يتعلق بحرمان العمال الأجانب من حقوقهم واستغلالهم في بناء منشآت كأس العام 2022 في الدوحة. 

ابراهيم محمد: التكلفة العالية للغاز المسال تهدد الصناعة الألمانية بخسارة المنافسةصورة من: DW/P.Henriksen

المنافسة وخطر تراجع الصادرات الألمانية

تبدو خيارات ألمانيا محدودة في بحثها عن مصادر بديلة للغاز الروسي لأسباب عديدة لعل من أبرزها: زيادة الطلب العالمي على الغاز وقلة الدول القادرة على زيادة صادراتها خلال فترة قصيرة. وعلى ضوء ذلك ولاعتبارات أخرى تبدو مضطرة للاعتماد على قطر التي تربطها بها علاقات اقتصادية وسياسية وثيقة أكثر من دول أخرى مرشحة لزيادة صادرتها كالجزائر. غير أن تكلفة الاعتماد على الغاز المسال من قطر ودول أخرى كالولايات المتحدة ستكون أعلى من تكلفة الاعتماد على غاز الأنابيب الروسي بنسب تتراوح بين 30 إلى نحو 50 بالمائة إذا أخذنا بعين الاعتبار تكاليف تجهيز البنية التحتية. وما يزيد الطين بلة، أن عقود الغاز الألمانية مع روسيا في غالبيتها طويلة الأجل وسارية المفعول حتى عام 2030. وبموجب هذه العقود فإن على الشركاء الألمان الالتزام باستيراد أكثر من ثلثي كميات الغاز المتفق عليها كحد أدنى حتى انتهاء فترة العقود. وحتى في حال استنكافهم عن الاستيراد فإن عليهم دفع ثمن الغاز الروسي حتى لو لم يحصلوا عليه وفقا لتقرير مجلة "فرونتال" التلفزيونية الألمانية بتاريخ 26 أبريل/ نيسان 2022. 

ومما يعنيه حصول سيناريو كهذا زيادة تكلفة إنتاج السلع الصناعية الألمانية وتراجع قدرتها التنافسية أمام السلع الصينية والهندية والأمريكية وغيرها. كما يعني ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وتراجع مستوى المعيشة، لأن ارتفاع تكاليف مصادر الطاقة يرفع أسعار جميع السلع. وتكمن خطورة سيناريو كهذا في أن ألمانيا أحد أبطال العالم في التصدير وهي بلد يعتمد في رفاهيته على الصادرات بدرجة عالية.  وعليه فإن تراجع التصدير سيعني تراجع الإنتاج وإغلاق خطوط إنتاج وتسريح العاملين فيها.

إبراهيم محمد

ما مدى واقعية الاستقلال عن الغاز الروسي؟

04:24

This browser does not support the video element.

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW