تحليل: أمل العراق في زراعته بعدما أودت كورونا بسعر نفطه
٢٦ أبريل ٢٠٢٠
يصيب تدهور أسعار النفط في زمن جائحة كورونا الاقتصاد العراقي في الصميم. ومع استمرار الجائحة تشكل الزراعة وصناعات استهلاكية أمل العراق في النجاة من عجز غذائي ودوائي يزحف بسرعة، فهل ينجح في تجسيد هذا الأمل بشكل فعلي؟
إعلان
كان التمر العراقي وخبر تنور أمي زوادتي المفضلة إلى المدرسة أواخر ستينات وحتى أواسط سبعينات القرن الماضي. بعد ذلك الوقت اختفت التمور العراقية من السوق السورية وبدأ المرحوم جدي يسألني بتكرار وعصبية وكأنني خبير زراعة بالولادة، لماذا اختفى التمر العراقي من سوقنا وماذا حل به؟ لماذا اختفت الأغطية الصوفية العراقية من سوقنا، ولماذا ولماذا ولماذا؟
يومها أيضاً غاب عني وعن جدي أن العراق كان يتحول من بلد زراعي- صناعي إلى بلد نفطي بسرعة تحبس الأنفاس على حساب زراعته وصناعته التي أصابها الإهمال والخراب والجفاف والحروب والزحف العمراني وتجريف الأراضي والفساد وقلة الحوافز المقدمة للمنتج الزراعي.
وقد وصل الأمر إلى حد أن هذا البلد الذي كان بطل العالم في إنتاج وتصدير التمور برصيد أكثر من 30 مليون نخلة تحول إلى مستورد لها في الوقت الحالي. ولعل المفارقة أن بلاد النخيل تستورد التمور من دول كانت تعتمد عليه في توفير تمورها على مدى عقود كالسعودية والإمارات.
تطور اقتصادي شاذ في العراق
هذا التحول الشاذ للاقتصاد العراقي افقده هويته الزراعية والحرفية التي راكمت خبرات بشرية وعمرانية وحرفية نادرة تعود إلى أقدم الحضارات الإنسانية. وقد عبر مؤخراً عما وصل إليه حال هذا الاقتصاد المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي مظهر محمد صالح بشكل مبسط وجلي، ففي تصريح لوكالة الأنباء الألمانية قال المستشار "إن صادرات العراق النفطية تشكل نسبة 98 بالمائة من تدفقات العملة الأجنبية إلى العراق و93 بالمائة من إيرادات موازنة الدولة".
وهكذا فإن سعر برميل النفط وصل إلى أقل من 20 دولاراً مؤخراً مقابل أكثر من 65 دولاراً في يناير/ كانون الثاني الماضي.
مشكلة تتحول إلى مأزق؟
ويزيد من حدة المشكلة التي تهدد بالتحول إلى مأزق مستعصي الحل أن هذا التدهور يأتي في زمن جائحة خطيرة ومستمرة في بلد لا يستطيع اتخاذ قرارت مهمة بسبب التشرذم السياسي والخلافات المستمرة بين الحكومة المركزية في بغداد وسلطات الأقاليم. وزاد الطين بلة استقالة حكومته التي رأسها عادل عبد المهدي منذ أشهر وهو حتى الآن بدون حكومة بديلة. وجاءت الاستقالة في ظل احتجاجات شعبية ضد فساد النخب الحاكمة وتردي مستوى الخدمات العامة وفي مقدمتها الكهرباء والصحة.
ومن سوء الحظ أن التدهور يأتي أيضاً في وقت وضعت فيه الحكومة ممثلة بالهيئة الوطنية للاستثمار خططاً طموحة لتنويع مصادر الدخل من خلال عشرات المشاريع التي ينبغي أن تساعد على النهوض بالخدمات المذكورة وصناعة البتروكيماويات وزراعات الحبوب والنخيل والخضار والصناعات الغذائية والدوائية.
الجدير ذكره على سبيل المثال أن فاتورة استيراد الأغذية والمشروبات والأدوية استهلكت وحدها نحو 15 مليار دولار من مجمل واردت العراق التي بلغت 32.2 مليار دولار عام 2017 حسب المؤسسة الألمانية المذكورة. ويغطي العراق حاجاته من الأدوية عن طريق الاستيراد بنسبة 85 بالمائة.
دروس جائحة كورونا بالنسبة للعراق
يواجه العراق هذه الأيام إلى جانب الفوضى السياسية، تحديات اقتصادية تصل إلى حد العجز عن دفع رواتب موظفي الدولة وحصول نقص خطير حتى على صعيد توفير مستلزمات عيش أساسية لمواطنيه. ومع استمرار جائحة كورونا وتبعاتها الكارثية على سوق النفط يصبح استيراد الأغذية والأدوية صعباً، لا بل غير ممكن حتى ولو توفر المال اللازم لذلك بسبب العراقيل المتزايدة أمام التجارة الدولية وتوجه الكثير من الدول إلى تخزين منتجاتها من الحبوب والزيوت والأغذية الأخرى والأدوية ووسائل الوقاية الصحية وغيرها بدلاً من تصديرها في زمن جائحة كورونا.
ولعل أهم درس تعلمه الجائحة بالنسبة إلى جميع الدول أن إنتاج السلع الضرورية من أغذية وأدوية ووسائل الوقاية من الأمراض والأوبئة ينبغي أن يتم بشكل محلي دون إعطاء عاملي الربح والخسارة الأولوية. ومما يعنيه ذلك أن دوراً أكبر للدولة في الاقتصاد قادم لا محالة على حساب نماذج الرأسمالية المتوحشة وما أكثرها.
تطورات إيجابية ينبغي البناء عليها
حقق العراق رغم الظروف السياسية والتحديات الأمنية التي واجهها خلال السنوات القليلة الماضية تطورات إيجابية في المجال الزراعي لا تقلل من أهميتها استمرار تجريف الأراضي الزراعية وحقول التمر بسبب التوسع العمراني وحقول النفط الجديدة في أكثر من منطقة وخاصة في الجنوب وحول البصرة.
ويدل على هذه التقدم الحاصل على سبيل المثال توقع وصول إنتاج الشعير إلى 4 ملايين طن والقمح إلى 6 ملايين طن للموسم الحالي ما يعني أكثر من تحقيق الأكتفاء الذاتي من هاتين السلعتين. وهناك تقدم مشابه في إنتاج التمور المخصصة للعلف والبيض والخضار وبعض الفواكه بفضل تشجيع الدولة للإنتاج الزراعي عن طريق تقديم الأسمدة والبذور ومستلزمات إنتاج أخرى بأسعار مدعومة، إضافة إلى شراء الحبوب المنتجة محلياً بأسعار تشجيعية تزيد على السعر العالمي.
ولا يقلل من أهمية هذه الانجازات عمليات الاحتيال وسوء استخدام الدعم الحكومي من قبل نافذين وفاسدين في مؤسسات الدولة المعنية وجهات أخرى تمكنت من الحصول على منتجات ليست عراقية الأصل. لكن ورغم هذه التجاوزات التي يمكن القضاء عليها أو الحد منها على الأقل عن طريق تفعيل دور مؤسسات الرقابة والمحاسبة، فإن على العراق في في كل الأحوال وخاصة في هذه الظروف البناء على زراعته وإعادة صناعاته الاستهلاكية الخفيفية بأسرع وقت ممكن بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية على الأقل.
ويساعد على ذلك وجود الخبرات البشرية المحلية والأراضي الزراعية الخصبة. كما أن الأموال اللازمة لدعم المنتج الزراعي العراقي لا تشكل سوى جزء يسير من الأموال التي تم تخصيصها لإقامة مشاريع أخرى كمشاريع الكهرباء دون تحسن ملموس خلال السنوات القليلة الماضية. والآن تبقى الكرة في ملعب الدولة العراقية التي ينبغي عليه تجاوز عمليات الفساد التي تطال الزراعة وتقديم الدعم لمن يستحقه من المنتجين دون غيرهم.
ابراهيم محمد
العراق - قصة النخيل المحارب في "أرض السواد"
طالما افتخر العراقيون بأنّ بلدهم يضم ثلاثين مليون نخلة، رغم عدم وجود إحصاء رسمي بذلك، لكنهم يذكرون من يسمعهم بعبارة "أرض السواد" التي تصف غطاء النخيل الذي يسود العراق. ولكن ماذا حل بالنخل اليوم؟ الجواب في ملف صور التالي.
صورة من: Wisam
نخيل ديالى.. "فوق النخل فوق"
احتفظ نخيل ديالى في أغلب الأماكن برونقه، وبقي باسقاً يانع الخضرة يظلل بساتين الحمضيات التي تميّز هذا الجزء من أرض الرافدين. معارك الحرب العراقية الإيرانية في هذه المنطقة أهلكت بالخصوص بساتين منطقة مندلي، فيما احتفظت البساتين الأخرى البعيدة عن خط التماس بيناعها. الصورة من بساتين منطقة شهربان، حيث حافظ توفر المياه على بساتين النخيل.
صورة من: Muhsin
بساتين النخيل مظلات للحمضيات
يزرع فلاحو ديالى النخيل ليوفر مظلة لأشجار الحمضيات التي تنتشر بكثافة في هذه المنطقة المجاورة للعاصمة بغداد. تضم بساتين الحمضيات أشجار البرتقال، والليمون الحلو، والليمون الحامض، وغريب فروت (السندي بلهجة أهل العراق)، واليوسفي (لالنكي). وهي أشجار تحتاج الحرارة، ولكنها تحتاج الرطوبة أيضاً، ولا تحب مساقط الشمس العمودية عليها، لذا توفر لها بساتين النخيل الظلال، ولا يهتم المزارع هنا بجني النخيل.
صورة من: Muhsin
النجاة من الحروب
منطقة ديالى في العراق من المناطق التي شهدت عمليات قتالية فيها كر وفر مع تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، حتى أنّ الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي قُتل في بساتين النخيل بمنطقة هبهب من محافظة ديالى متخفياً في كثافة البستان. لكنّ المعارك الموزعة هنا وهناك لم تدمر بساتين النخيل، كما جرى في مناطق أخرى من العراق. الصورة لبستان نخيل في ناحية ضباب، وسط ديالى.
صورة من: Muhsin
اليناعة رغم الإهمال
يحتاج النخل إلى الماء والسقي الصيفي خاصة، لكنّ عمليات إعداد النخلة للإثمار معقدة، وتتطلب رعاية وزيارات متكررة من الفلاحين المختصين بتسلقها وتقليمها وتلقيحها وحفظ اللقاحات ثم جني المحصول مرات عدة. روح النخلة في رأسها كما يقول العراقيون. الصورة لنخيل من منطقة السعدية شمال شرق ديالى، حيث لم يقم الفلاح برعاية النخل وحافظ على بقائها يانعة فحسب.
صورة من: Muhsin
نخيل البصرة المُحارب!
يصدق الوصف على هذا النخيل بالمحارب، لأنّ مصيره تشابك مع الحروب، الحرب العراقية الإيرانية، غزو الكويت وتحريرها، وحرب إسقاط صدام حسين عام 2003. أوسع عمليات تخريب طالت هذه الغابات الشاسعة في سنوات الحرب الثمان مع ايران، حين أمر صدام بحرق وتجريف بساتين النخيل خوفاً من تسلل قوات إيرانية إلى داخلها، وإمعاناً في حرب سكان مناطق الأهوار المتمردين. الصورة على ضفة شط العرب المواجهة لإيران.
صورة من: Wisam
نخيل الأهوار المنسي
أدت عمليات تجفيف الأهوار، في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين إلى تدمير ألوف الهكتارات من غابات النخيل في المنطقة الممتدة من هور الحمار إلى هور الصحين والجبايش اتصالاً بغابات نخيل البصرة. التجفيف جاء لتجريد عشائر الهور المتمردة على سلطة صدام حسين عن محيطها الطبيعي. الصورة لأطراف غابات النخيل الهالكة على نهايات هور الجبايش.
صورة من: Wisam
تدني أسعار التمر
أهمل فلاحو البصرة العناية بنخيلهم لأسباب عدة أخرى لا تتعلق بالحروب، بل تتعلق بتدني أسعار التمور في أسواق العراق، مقارنة بأسعارها في أسواق بلدان الجوار. رعاية النخلة حتى تؤتي جناها، تتطلب عمليات طويلة مستمرة ومكلفة، وفي البصرة يشكو الفلاح من أنّ عائد التمر لا يسد تكاليف زراعته، لذا أهمل الفلاحون بساتين النخل، وبدأ القصب والعلف يزحف عليها. الصورة لنخل منطقة السيبة.
صورة من: Wisam
التمور المستوردة تغزو أسواق "أم النخيل"
بسبب تدني حاصل التمور في البصرة، تدفقت على أسواقها تمور إيرانية وسعودية وخليجية. المستهلك يقول إنّ تمور العراق غير معتنى بتسويقها، تغليفاً وتعليباً وتنظيفاً، وتعرض في الأسواق بشكل بدائي، لذا لا تحظى برضا المشترين. الصورة لتمور إيرانية في أسواق البصرة "أم النخيل" ما يشكل مفارقة محزنة.
صورة من: Wisam
نخيل بغداد خسر الحرب مع الفساد
نخيل العاصمة بغداد تساقط ضحية حروب من نوع آخر، فالعاصمة تتسع منذ عام 2003 بشكل عشوائي غير مسيطر عليه، ويتدفق عليها العراقيون من كل ناحية، حتى بات مُلاك البساتين الأثرياء يقتلون غابات النخيل بسكب النفط في قلب كل نخلة حتى تهلك، لتجريف أراضيها وتحويلها إلى أراضٍ سكنية تباع بملايين الدولارات. الصورة من بساتين نخيل الدورة في قلب بغداد.
صورة من: DW/A. Malaika
بساتين الدورة - كيف تُباع اليوم؟
طبقاً للقانون، فإنَّ أراضي البساتين في عموم العراق مملوكة للدولة، ومؤجرة لمدد تصل إلى 99 عاماً للفلاحين الذين يزرعونها، وتسمى الأراضي الأميرية. لكنّ هذا القانون لم يعد فعالاً بعد عام 2003 حيث ضعفت الدولة. بساتين الدورة الهالكة الظاهرة في الصورة لا يمكن بيع أراضيها رسمياً، لكنّ سعر المتر المباع بشكل غير قانوني هنا يصل اليوم إلى 3 آلاف دولار حسب مكاتب بيع العقارات في العاصمة.
صورة من: DW:A. Malaika
الحرب على النخيل في شرق العاصمة!
شهدت مناطق جنوب وجنوب شرق العاصمة عمليات تجاوز على بساتين النخيل المملوك بعضها للدولة، والمملوك قسم منها لأشخاص. وهكذا يجري قتل النخيل في مناطق، بسماية، جسر ديالى، بوب الشام، والحسينية، وأطراف الراشدية. الصورة في أطراف منطقة محمد السكران، حيث تتلف البساتين لتحويل أراضيها إلى قبور تباع بأسعار باهظة للناس.
صورة من: DW/A. Malaika
تشجير قناة الجيش.. ذهبت الأموال ومات النخيل
منذ عام 2011 أطلقت أمانة العاصمة حملة لتشجير قناة الجيش التي تربط دجلة بنهر ديالى. بلغ طول مشروع التشجير بالنخيل 23.5 كم. أنفقت الأمانة مبلغ 146 مليون دولاراً، وأحالت المشروع إلى شركات متعاقبة فشلت كلها وهربت دون حساب. وحسب الصحافة العراقية، شُتلت أكثر من 20 ألف نخلة على ضفتي القناة، هلكت كلها بسبب عدم سقيها. الصورة لجزء من المشروع بمنطقة الشعب.
صورة من: DW/A. Malaika
نخيل بابل الذي لم يخض حرباً!
بساتين النخيل الشاسعة اليانعة العامرة في منطقة بابل جنوب بغداد وسط العراق، لم تطلها الحروب، ولم تطلها أيدي الفساد والتخريب غالباً. هذه البساتين احتفظت بيناعها وترتبط عادة ببساتين كربلاء وعين تمر. الصورة لبساتين النخيل قرب آثار بابل.
صورة من: DW/Samir
نخيل بابل الباسق
يتوفر الماء في بابل عبر نهري الحلة والفرات، وهكذا فإنّ بساتين النخيل تحصل على حصص مائية منتظمة تحفظ لها يناعها، وتمكنها من الحياة. النخل هنا مثل ديالى يظلل بساتين البرتقال، وبساتين الرمان.
صورة من: DW/Samir
الزحف السكاني
يعزو المختصون في بابل احتفاظ المدينة ببساتينها من النخيل إلى توفر المياه أولاً، وإلى حرص دوائر المحافظة على حماية البساتين. كما كشف مصدر في المحافظة حصريا لـDW عربية عن تخصيص ملايين الدولارات سنوياً، لزراعة التالات الشابة وتكثيرها مختبرياً ميدانياً. الصورة في طرف منطقة سكنية بمدينة الحلة، حيث لم تقاوم تالات النخيل اليافعة والنخلات الباسقة الزحف السكاني.
ملهم الملائكة - العراق