1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

اقتصاديات العجز في العالم العربي- "مكانك راوح"

١٢ يناير ٢٠٢٠

تبدو آفاق كسر حلقة الفقر والبطالة في العالم العربي معدومة في ظل العجز وتراكم الديون والفساد والمحسوبية. ولا يقلل من صحة هذا القول نجاح هنا وآخر هناك، لأن جميع الحكومات فشلت باستنهاض طاقات الموارد البشرية الشابة.

أطفال مغاربة يحاولون بيع منتجات محلية بسيطة لكسب قوتهم ومساعدة عائلاتهم
أطفال مغاربة يحاولون بيع منتجات محلية بسيطة لكسب قوتهم ومساعدة عائلاتهمصورة من: picture-alliance/blickwinkel/H. J. Igelmund

في تقريره الأخير "الآفاق الاقتصادية العالمية" الصادر في الشهر الجاري يناير/ كانون الثاني 2020، يتوقع البنك الدولي بعض التحسن في النمو والتجارة على المستوى العالمي وخاصة في الدول الصناعية على ضوء قرب التوقيع على اتفاق تجاري بين بكين وواشنطن. بالنسبة للعالم العربي ورغم مسارات دوله المتباينة لا يبدو الوضع ورديا في أغلبية الدول لأسباب كثيرة مرتبطة قبل كل شيء بالفساد والحروب والتوترات الجيوسياسية والاحتجاجات الشعبية طويلة الأمد وارتفاع معدلات النمو السكاني. ولا يقلل كثيرا من صحة هذا الاستنتاج وجود استثناءت تعكس نجاح مشاريع تنموية تشمل الطاقة والنقل وقطاعات أخرى محدودة في بعض الدول مثل مصر والمغرب وسلطنة عُمان وجيبوتي. وفي هذه الدول الأربعة يتوقع وصول نسب النمو إلى 6 و 3.5 و 7.5 و 3.7 بالمائة على التوالي خلال العام الجاري. أما في بقية الدول فإن معدلات النمو التي تتراوح بين 0.3 و 2.5 بالمائة أضعف من أن تواجه تحديات البطالة المستشرية في صفوف الشباب وتردي المستوى المعيشي والخدمات الأساسية التي تدفع إلى احتجاجات شعبية متزايدة كتلك التي يشهدها لبنان والعراق هذه الأيام. ومما يجدر ذكره هنا أن هذه الاحتجاجات لا تعود إلى ضعف معدلات النمو والموارد بقدر ما تعود إلى تفشي الفساد في صفوف النخب والعائلات الحاكمة ونهبها للمال العام وهدرها لموارد الدولة وعدم قدرتها على استنهاض القدرات الكامنة في القطاع الخاص.

العجز والديون أسياد الموقف

منذ عام 2014 تتفاقم معاناة الدول العربية الفقيرة منها والنفطية باستثناء النخب الفاسدة فيها مع تراجع مواردها وتزايد العجز في موازناتها لأسباب أبرزها الفساد وتراجع إيرادات النفط والتجارة الخارجية. وهو الأمر الذي يدفعها إلى مراكمة الديون والأٌقساط والفوائد المترتبة عليها. ولا يقتصر ذلك فقط على دول اعتادت على الاقتراض من صندوق النقد الدولي ودائنين آخرين منذ عشرات السنين كتونس ومصر ولبنان والأردن، فقد انتقلت عدوى العجز والاقتراض أيضا إلى دول كانت تتمتع بفوائض مالية كالسعودية والجزائر. ففي السعودية مثلا يتوقع وصول إجمالي العجز في الموازنات منذ عام 2014 إلى نحو 370 مليار دولار بحلول العام الجاري. وفي الجزائر التي لم تعرف العجز في موازناتها على مدى عقود هناك توجه متزايد إلى الاقتراض الخارجي بعد عجز وصل العام الماضي لوحده إلى نحو 6 مليارات دولار. ولم تسلم من هذه العدوى حتى دولة صغيرة مثل قطر كانت حتى وقت قصير تتمتع بفوائض سنوية ضخمة بمليارات الدولارات.

آلاف الشباب العرب وجدوا طريقهم إلى العنف والتطرف بسبب الفقر والبطالة وغياب آفاق المستقبل أمامهمصورة من: picture-alliance/AP Photo/H. Mohammed

شبح الإفلاس

ويدفع تراكم الدين وأعبائه بعض الدول إلى حافة الإفلاس كما هو عليه الحال في لبنان. وإذا لم تحصل دول أخرى كتونس على قروض إضافية فإن الوضع يسير بسرعة نحو هذه الحافة مع خطر استمرار تدهور مستوى البنية التحتية. ومنذ عام 2011 لم تستطع الأخيرة تخفيف الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الناتجة أيضا عن ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب إلى أكثر من 15 بالمائة ووصول معدلات التضخم إلى أكثر من 6 بالمائة سنويا. ولا يبدو الوضع أفضل في الأردن الذي يعيش على الديون وإعادة جدولتها. وفي دول أخرى مثل سوريا وليبيا والعراق واليمن فإن الأمر لا يقتصر على التدهور، بل وعلى تدمير الجزء الأكبر من بنى الدولة والبنى التحتية والاجتماعية بسبب الحروب والإرهاب.

غياب الميكنة وطرق الانتاج الحديثة تكرس عجز الزراعة في الدول العربية عن تلبية حاجات السوق المحليةصورة من: picture-alliance/robertharding/D. Beatty

مناخ طارد للنمو والاستثمار

تٌسمم التوترات الجيوسياسية والضربات العسكرية المتبادلة بين إيران والولايات المتحدة من جهة، والانقسامات السياسية والحروب الاحتجاجات الشعبية المستمرة من جهة أخرى، المناخ السياسي ومعه الاقتصادي. وهو الأمر الذي يقوض قدرة الحكومات العربية على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية، لاسيما وأن الاستثمارات تهرب في مناخ كهذا. أما أسعار النفط فلا تتجه إلى الارتفاع بسبب زيادة إنتاج الغاز الصخري والاحتياطات النفطية. وعلى ضوء ذلك تتوقع وكالة الطاقة الدولية بقاء معدل سعر البرميل بحدود 65 دولارا. ويزيد المخاوف أكثر فأكثر قول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكثر من مرة  بأن بلاده لم تعد بحاجة إلى نفط الشرق الأوسط. ويعكس هذا القول حقيقة تراجع  أهمية النفوط العربية بالنسبة للسوق الأمريكية لصالح الاعتماد على نفطها الصخري وعلى الاستيراد من كندا والمكسيك والنرويج بالدرجة الأولى. كما يعكس توفر احتياطات أمريكية من الذهب الأسود والغاز المسال جاهزة للتصدير إلى الأسواق العالمية. ومما يعنيه ذلك أن التوترات التي تؤدي إلى تعطيل ضخ النفط عبر الخليج ومضيق هرمز لا تعني الإدارة الأمريكية الحالية كسابقاتها، لا بل إنها فرصة للشركات الأمريكية لتعويض النقص في السوق العالمية على حساب النفوط السعودية والإيرانية والعراقية وغيرها.

الخبير الاقتصادي ابراهيم محمد: اقتصاديات الدول العربية - مكانك راوحصورة من: DW/P.Henriksen

آفاق ضعيفة لمواجهة الفقر والبطالة 

تطرح حكومات الدول العربية منذ سنوات شعار تنويع مصادر الدخل والإنتاج المحلي لتخفيف فاتورة المستوردات ودفع عملية التنمية. وتشير المعطيات إلى نجاحات لابأس بها في مصر والمغرب ودول الخليج من خلال دعم الانتاج الزراعي ورفع الدعم عن أسعار الاستهلاك لسلع أساسية. غير أن تعميم هذا النجاح يتطلب حكومات أقل فسادا وأكثر قدرة على استنهاض قدرات الكفاءات الشابة والموارد المحلية الخاصة في الريف والمدينة والتي لا تحظى باهتمام يذكر حتى الآن. كما يتطلب موارد مالية إضافية من الصعب حشدها في ظل تراجع الواردات المحلية وتشديد شروط صندوق النقد الدولي والجهات المانحة لتقديم قروض جديدة. وتكمن أحد المشاكل هنا في أن الأخيرة تطالب بإصلاحات أكثر راديكالية وإيلاما، قبل توفير بدائل تمنع من سقوط المتضررين منها في فخ الفقر والبطالة. ومن هنا بمكن القول أن الوضع الاقتصادي في العالم العربي لا يسير نحو التحسن وتنطبق عليها مقولة "مكانك راوح" الشائعة الاستخدام في بلاد الشام.

ابراهيم محمد

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW