النفط والمال لا يكفيان لتنويع الاقتصاد السعودي
١ فبراير ٢٠١٥يواجه الاقتصاد السعودي أكبر التحديات منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في عام 2008. ويأتي هذا التحدي على ضوء تدهور سعر النفط الخام بنسبة زادت على 50 بالمائة منذ الصيف الماضي 2014. وتشكل إيرادات النفط ومشتقاته أكثر من 90 بالمائة من مجمل الصادرات وإيرادات الخزينة العامة للدولة في السعودية. وقد بدأ الانخفاض يلقي بظلاله السلبية على مستقبل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، لاسيما المرتبط تمويلها بنفقات الدولة. فالحكومة السعودية تتوقع عجزا في الموازنة بحدود 40 مليار دولار إذا بقي سعر النفط بحدود 60 دولارا للبرميل. وفي حال بقاء السعر دون 50 دولارا للبرميل فإن العجز سيتراوح بين 50 إلى 60 مليار دولار. ويتوقع تغطية العجز من الاحتياطات المالية التي تراكمت إبان الطفرات التي زاد فيها السعر على 80 دولارا للبرميل الواحد.
ودائع مالية مهددة وضعف في الهيكلية
تمتلك السعودية ودائع مالية كبيرة تزيد على 700 مليار دولار يمكن استخدامها لتمويل العجز في الموازنة إضافة إلى تمويل المشاريع والمساعدات الخارجية التي لا تدخل في بنودها. غير أن المشكلة في أن الاحتياطات ستتراجع بسرعة إذا استمر انخفاض سعر النفط وارتفاع الأسعار العالمية والنمو السكاني المرتفع بشكل يتطلب زيادة الإنفاق الحكومي بمعدلات عالية. ومن شأن هذا التراجع أن يجعل البلد أقل حصانة إزاء الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية غير المتوقعة. ومن هنا فإن اللجوء إلى الاحتياطات المالية ينبغي أن يتم بحذر شديد وفي حالات الضرورة.
إن مشكلة الاقتصاد السعودي لا تكمن حاليا في توفير مصادر التمويل للنفقات الحكومية، بل في ضعف بنيته التي ما تزال تعتمد بشكل أساسي على النفط كمصدر للدخل. وفي الوقت الذي يستوعب فيه القطاع العام 75 بالمائة من الوظائف، فإن القطاع الخاص ما يزال ناشطا بشكل أساسي في قطاعي السكن وبناء المكاتب والخدمات غير العامة. ولا يغير من ضعف البنية الاقتصادية التقدم الملموس الذي تحقق في إنتاج المحاصيل الزراعية كالقمح والشعير والتمور والخضار لسد جزء من حاجات السوق المحلية. كما لا يغيره إقامة صناعات تحويلية تعتمد بالدرجة الأولى على تصنيع النفط. فرغم هذا التقدم ما تزال السعودية تستورد ما لا يقل عن 70 بالمائة من حاجتها للأغذية. وهذا ويعتمد السوق السعودي بشكل أكبر على الاستيراد من أجل توفير مستلزماته من الألبسة والأدوية والإلكترونيات ومعدات البناء ووسائط النقل ومعدات البنية التحتية والصناعة.
غياب الأيدي العاملة السعودية الماهرة
وكغيره من اقتصاديات دول الخليج النفطية يعاني الاقتصاد السعودي من تدني مستوى الكفاءات البشرية الوطنية أو المحلية في مختلف المجالات. ويتجلي هذا الأمر في عدم توفر العمالة الماهرة اللازمة للأعمال والوظائف غير القيادية في الصناعة والتجارة والخدمات. الجدير ذكره أن المجتمعات الخليجية باستثناء المجتمع العُماني تزدري هذه الوظائف وتنظر إليها نظرة دونية. ويتم التعويض عن هذا النقص عن طريق استقدام الكفاءات والعمال الأجانب الذين يشكلون مع عائلاتهم ثلث سكان السعودية البالغ عددهم نحو 31 مليون نسمة. غير أن المشكلة تكمن في أن الكفاءات الأجنبية ليست مستقرة لا في السعودية ولا في عموم منطقة الخليج لأسباب عدة منها سوء معاملتهم الشديدة وامتهان حقوقهم الأساسية واستمرار تطبيق أنظمة الكفيل التي تضع العامل الأجنبي تحت رحمة صاحب العمل المحلي في الإقامة والسفر.
ويؤدي عدم استقرار الكفاءات الأجنبية في ظل عدم توفر العمال المهرة إلى ضعف الاستثمارات الطويلة الأجل في المجالات التي تتطلب نقل التكنولوجيا وتوطينها ومن ثم الانتقال إلى تطوير وإبداع تكنولوجيا محلية تناسب البيئة. على صعيد آخر فإن إقصاء المرأة عن ممارسة الكثير من الوظائف في سوق العمل السعودي، إضافة إلى منعها من العمل إلى جانب الرجل يعني تعطيل طاقات أساسية لفئة تشكل نصف المجتمع.
كيف السبيل لتنويع مصادر الدخل ؟
رغم مرور أكثر من نصف قرن على تسويق النفط السعودي بكميات تجارية متزايدة جلبت عائدات ضخمة بتريليونات من الدولارات، فإن الاقتصاد السعودي ما يزال بعيدا عن تنويع مصادر دخله بشكله يحصنه من الأزمات لفترات طويلة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن النفط ثروة ناضبة، وقد لا يعود سعره إلى الارتفاع بمعدلات عالية بسبب دخول النفط الصخري، لاسيما الأمريكي منه ميدان المنافسة، فإنه لا يوجد خيارات أمام الاقتصاد المذكور سوى تكثيف الجهود لتخفيف التبعية للعائدات النفطية بالسرعة الممكنة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف السبيل إلى ذلك، وما هي المجالات التي يمكن البناء عليها مستقبلا؟
تمتلك السعودية موارد مالية كبيرة لتمويل مشاريع مستقبلية، وإضافة إلى النفط فإنها تتمتع بالغاز وثروات طبيعية أخرى كبيرة كالحديد والفوسفات والنحاس والذهب والفضة والبلاتين والرصاص. كما أن لديها فرصا كبيرة لتعزيز دور السياحة، لاسيما الدينية منها حيث يمكن مضاعفة أعداد الحجاج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة في غضون سنوات قليلة. غير أن السؤال هنا، كيف يمكن القيام بتنمية متنوعة ومستدامة يتم من خلالها استغلال ثروات المملكة على أساس بناء صناعات تحويلية وخدمات مواكبة تستوعب قوة العمل الشابة في ظل وجود عمالة أجنبية غير مستقرة وغياب الكفاءات السعودية المطلوبة؟
إن الإجابة على هذا السؤال مرهون بتوجهات السياسة الاقتصادية السعودية اعتبارا من هذه السنة. وبعض النظر عن الخط الذي سيتم انتهاجه، فإن أي تنمية طويلة الأجل لا يمكن أن تحصل دون إصلاح جوهري لأنظمة إقامة وتشغيل العمال الأجانب بالشكل الذي يضمن حقوقهم الأساسية. وفي نفس الوقت لا بد من إصلاح أنظمة التعليم والتأهيل والدعم الحكومي بالشكل الذي يفسح المجال أمام الشباب السعودي للعمل في الوظائف غير القيادية. وفي الختام فإن الضمانة الأكبر لنجاح تنمية مستدامة تكمن في إصلاح النظام السياسي السعودي الذي يحرم المرأة حتى الآن من قيادة السيارة.