1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: اقتصاد السعودية سيبقى غربي الهوى والهوية

٢٧ أكتوبر ٢٠١٨

بعد موقف الغرب من مقتل خاشقجي، هناك خشية من دخول دول كروسيا والصين بقوة في مشاريع تحديث السعودية وتهديد مصالح الغرب. غير أن ذلك مستبعد ليس بسبب المصالح الاقتصادية الضخمة بين الرياض وعواصم الغرب وحسب، بل لأسباب أخرى أيضا.

Donald Trump in Saudi Arabien
صورة من: Reuters/Saudi Royal Court

قد تؤدي التحقيقات بفضيحة قتل الصحفي السعودي جمال خاشجقي بقنصلية بلاده في إسطنبول إلى إقالة مسؤولين سعوديين آخرين من مناصبهم ومحاكمتهم. غير أنه من المستبعد أن تؤثر بشكل جوهري على مجرى العلاقات الاقتصادية بين المملكة والغرب. ولا يقلل من أرجحية هذا الاستنتاج ضجيج الإدانات العالمية لهذه الجريمة ولا مقاطعة "مؤتمر مبادرة الاستثمار 2018" في الرياض من قبل مسؤولين غربيين ومديري شركات أوروبية وأمريكية.

مصالح هائلة متبادلة

المصالح المتبادلة بين الطرفين السعودي والغربي ضخمة لأسباب كثيرة، من أبرزها عوائد النفط الكبيرة والأهمية الجيوسياسية للسعودية في منطقتي الخليج والشرق الأوسط. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن واشنطن تراهن على المملكة أيضا في تنفيذ عقوباتها ضد إيران، من خلال ضخ المزيد من النفط لتعويض تراجع صادرات النفط الإيرانية بسبب العقوبات اعتبارا من نوفمبر/ كانون الثاني 2018.

أما السعودية فتستثمر من جهتها مئات المليارات من العوائد المذكورة في الولايات المتحدة. وقدرت قيمة الاستثمارات السعودية في سندات الخزينة الأمريكية لوحدها بأكثر من 140 مليار دولار في فبراير/ شباط من العام الجاري 2018. وهناك استثمارات وودائع سعودية كبيرة أيضا في بريطانيا وسويسرا وفرنسا وغيرها من بلدان غرب أوروبا. وتريد السعودية الاعتماد على الغرب بشكل أساسي في تنفيذ خطة التحديث الاقتصادية والإجتماعية التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان باسم "رؤية 2030"، التي تهدف إلى تخليص بلاده من التبعية للنفط. ويبرز من بين مشاريعها مشروع مدينة  "نيوم" بتكلفة 500 مليار دولار.

مؤتمر مبادرة الاستثمار في الرياض 2018: صفقات متواضعة مقارنة بالصفقات السعودية مع الرئيس ترامبصورة من: picture alliance/dpa/A. Nabil

ترامب: لاعقوبات على السعودية

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان الأكثر صراحة في مسألة مستقبل علاقات بلاده مع المملكة، فقد أعلن أنه لن يضحي بمصالح بلاده مع السعودية، على خلفية مقتل خاشقجي. ومن بين ما يعنيه قول ترامب هو أنه لن يفرض عقوبات ضدها لا في مجال الاقتصاد ولا في مجال مبيعات الأسلحة؛ لأن ذلك سيضر بواشنطن أكثر على حد تعبيره.

ويمكن وصف هذه المصالح بعد تولي ترامب للسلطة بأنها أضحت فريدة من نوعها في تاريخ العلاقات بين الدول، بعد زيارته للرياض ربيع عام 2017 وتوقيعه صفقات بنحو 450 مليار دولار تشمل مختلف القطاعات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية. وللمقارنة فإن حجم جميع الصفقات التي تم توقيعها خلال مؤتمر مبادرة الاستثمار 2018 لم تصل إلى 60 مليار دولار.

بالطبع ليست الصفقات وحدها هي التي تجعل العلاقات السعودية الأمريكية فريدة من نوعها، بل أيضا قيام السعودية ودول الخليج الأخرى بتسعير نفطها وبيعه بالدولار الأمريكي في السوق العالمية. ويشكل هذا الأمر أحد دعائم استمرار الدولار كعملة عالمية، لاسيما وأن السعودية أكبر مصدّر للنفط في العالم بطاقة تصدير تزيد على 7 ملايين برميل يوميا. وتعتمد المملكة في تسليحها وحروبها وأمنها على الأسلحة والخدمات والقواعد العسكرية الأمريكية بالدرجة الأولى. وخلال السنوات القليلة الماضية تحولت السعودية إلى ثاني أكبر مستورد للأسلحة والمعدات الدفاعية والأمنية بعد الهند. وتأتي معظمها من الولايات المتحدة تليها بريطانيا وكندا ثم ألمانيا وفرنسا.

تبعات مقتل خاشقجي و"أسلحة" السعودية في مواجهة الغرب!

01:45

This browser does not support the video element.

عين أوروبية على صفقات ضخمة

وعلى غرار الولايات المتحدة لا يختلف حال العلاقات الاقتصادية بين الدول الغربية الأخرى والسعودية، لأن الأخيرة سوق ضخمة للمنتجات الأوروبية. فالصادرات الألمانية إلى السعودية على سبيل المثال وصلت إلى نحو 8 مليارات دولار خلال العام الماضي، من قيمة صادرات أوروبية وصلت إلى نحو 40 مليار دولار. وهناك فرصة لمضاعفة الصادرات الألمانية في غضون 5 سنوات.

كما أن عشرات المليارات السعودية مودعة أو مُستثمرة في بنوك وشركات سويسرية وبريطانية وفرنسية وغيرها. وينظر مسؤولون ألمان وغربيون إلى السعودية ودول الخليج الأخرى كشريك استراتيجي لهم. وزاد من أهمية ذلك العقود الإضافية التي تنتظرها الشركات الأوروبية بعشرات المليارات للقيام بتنفيذ مشاريع "رؤية 2030" في مجالات البنية التحتية والصناعة. وفي هذا الإطار تأمل شركة سيمنس الألمانية لوحدها بعقود مع السعودية تصل قيمتها إلى 30 مليار دولار بحلول عام 2030؛ رغم مقاطعة رئيسها لموتمر مبادرة الاستثمار 2018 في الرياض. أما شركة توتال الفرنسية فوقعت عقودا بقيمة حوالي 12 مليار دولار خلال المؤتمر. وللمقارنة يقدر حجم الصفقات الموقعة مع روسيا في المؤتمر مليار دولار فقط.

بناء وتطوير البنية التحتية بمساعدة الشركات الألمانية والغربية بالدرجة الأولى من أولويات برامج تحديث السعوديةصورة من: Getty Images/AFP/B. Aldandani

الصين وروسيا ليستا البديل

رغم ذلك يتساءل كثيرون هذه الأيام عمَّا إذا كان قتل خاشقجي وموقف الغرب إزاء ذلك سيؤثر على العلاقات الاقتصادية إلى درجة دفع السعودية للتوجه شرقا بهدف الاعتماد على دول أخرى مثل روسيا والصين في تحديث اقتصادها على حساب العلاقات مع الغرب؟ وفيما إذا كانت دول كهذه تشكل بديلا عن الغرب للمملكة؟

الصين أضحت أكبر مستورد للنفط السعودي بواقع أكثر من مليون برميل يوميا. كما أنها أيضا أكبر مورد للسلع الاستهلاكية ومواد البناء وأجهزة الاتصال إلى السوق السعودية بقيمة وصلت إلى 18 مليار دولار عام 2017، مقابل ضعف هذا المبلغ للصادرات الأمريكية إلى المملكة. غير أن الاستثمارات الصينية في السعودية تعتبر حديثة العهد وبحدود 5.5 بالمائة من مجمل الاستثمارت الأجنبية. وعليه فإن تشابك العلاقات والمصالح بين الطرفين لايمكن مقارنته بمثيله مع الغرب، لأن الأخير يزود السوق السعودية بالسلع إضافة إلى أن بناء وتطوير البنية التحتية والصناعية السعودية يقع في يد الشركات الغربية منذ قيام المملكة في ثلاثينات القرن الماضي.

إبراهيم محمد: المصالح المتبادلة بين الغرب والسعودية تضمن استمرار العلاقات الوثيقةصورة من: DW/P.Henriksen

وحتى لو أرادت الصين تعزيز موقعها الاقتصادي في السعودية فإن ذلك سيواجه معارضة أمريكية وغربية مستميتة لأسباب جيوسياسية أولا وبسبب الصراع على مناطق النفوذ والحرب التجارية بين واشنطن وبكين ثانيا. ومن المرجح أن الغرب لن يتردد في الدفاع عن مصالحه المتشعبة في المملكة ودول الخليج الأخرى؛ حتى لو كان ثمن ذلك تغيير أنظمة وحكومات فيها.

أما العلاقات الاقتصادية بين روسيا والسعودية فما تزال ضعيفة على صعيدي التبادل التجاري والاستثمارات، مقارنة بمثيلتها مع الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوربي. وعلى سبيل المثال لم يتجاوز حجم التبادل المذكور نصف مليار دولار عام 2016. ورغم التحسن السريع في علاقات البلدين الاقتصادية على ضوء نجاح التنسيق بينهما في وقف تدهور سعر النفط ورفع هذا السعر خلال العامين الماضيين، إلا أن وصول العلاقات الروسية السعودية إلى مستواها مع بلدان أوروبية مثل فرنسا أو ألمانيا ما يزال بعيد المنال. كما أن فرص تعاون روسيا والسعودية خارج قطاع الطاقة ما تزال محدودة، لأن اقتصاد كلا البلدين ما يزال في طور النمو والتحديث.

إن علاقات الغرب الفريدة والتاريخية والعميقة مع السعودية والحماية والرعاية التي تتمتع بها في الإعلام ودوائر صنع القرار تجعل هذه العلاقات في مأمن من تحولات جوهرية باتجاه اعتماد المملكة على شركاء آخرين خارج المنظومة الغربية بشكل أساسي. ولا يغلق ذلك توسيع نطاق علاقاتها مع الصين وروسيا والهند وكوريا الجنوبية في إطار سعيها إلى تنويع مصادر دخلها وتحقيق هدفها القديم الجديد ألا وهو التخلص من التبعية للنفط.

الكاتب: ابراهيم محمد

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW