1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: الأزمة الأوكرانية.. العالم العربي وموقعه من الصراع؟

Moncef Slimi Kommentarbild App
منصف السليمي
١٥ فبراير ٢٠٢٢

يبعث تصاعد التوتر في الأزمة الأوكرانية على المخاوف في أوروبا والعالم بأسره، من نشوب حرب مدمرة تنتج عنها كارثة إنسانية. ماذا يعني ذلك لمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، فإلى أي حد هي معنية بتطورات الصراع بين الغرب وروسيا؟

تداعيات الأزمة الأوكرانية في العالم العربي قد تشمل الغذاء والطاقة والسلاحصورة من: Amr Nabil/AP/picture alliance

رغم بعدها الجغرافي تفيد قراءة في خارطة المصالح التي تربط الدول العربية بأطراف الصراع في الأزمة الأوكرانية، بأن تأثيرات الأزمة وتداعياتها في منطقتي شمال أفريقيا والشرق الأوسط يمكن أن تكون أكبر بكثير مما يتوقع، بسبب ارتباط تلك المصالح بمجالات حيوية في حياة الناس وفي علاقات دول المنطقة من الناحية الاستراتيجية.

لكن أوجه تأثير الأزمة على دول المنطقة ستكون مرتبطة إلى حد كبير بطبيعة السيناريوهات التي يمكن أن تتطور وفقها الأزمة الحالية. إذ يرسم الخبراء سيناريوهات متباينة لمآلات صراع القوة المفتوح بين الغرب وروسيا، وهي تترواح بين سيناريو حرب واسعة أو محدودة، وسيناريو استمرار التوترالحاد، وسيناريو اتجاه الأزمة نحو الانفراج بناء على تسوية مؤقتة أو بعيدة المدى.

بيد أن ما يلفت النظر في خضم تطورات الأزمة الأوكرانية، ظهور أبعاد جديدة في المواجهة بين الغرب وروسيا والتي تعتبر الأشد من نوعها منذ سقوط جدار برلين قبل ما يزيد عن ثلاثين عاما. فرغم هيمنة الحضور العسكري بمقوماته التقليدية، إلا أن خبراء يرصدون ظهور عناصر جديدة في الصراع، وهي مستمدة من التطورات التكنولوجية والسيبرانية ونوعية جديدة من أدوات الصراع لا تقتصر على الأسلحة التقليدية والاستراتيجية بما فيها النووية. وبحكم تأثيرها النوعي في طبيعة الصراع فهي تضفي على المواجهة هذه المرة طابعا غير تقليدي يختلف عما شهده العالم في العقود الماضية سواء في ظل الحرب الباردة أو بعدها، وهو ما يطلق عليه علماء الاستراتيجيات، بأجيال جديدة للحروب والصراعات.

ومن هنا فإن تداعيات الأزمة الأوكرانية على دول منطقتي شمال أفريقيا والشرق الأوسط ليست مرتبطة فقط بطبيعة المصالح التي تربط دول المنطقتين بأطراف الصراع أي روسيا وأوكرانيا ثم الولايات المتحدة وأوروبا، وهي مصالح متحركة ليس فقط بحكم التفاعل والتغير في العلاقات، بل أيضا بفعل الطبيعة المستجدة والمتطورة لأدوات التأثير في تلك العلاقات.

الأزمة كشفت أهمية أوكرانيا.. كسلة غذاء مهددة!

أظهرت التطورات الدراماتيكية في الأزمة بين الغرب وروسيا، مرة أخرى أهمية الموقع الاستراتيجي الذي تحتله أوكرانيا كمنطقة تماس حسّاسة بين روسيا من جهة وأوروبا وباقي دول حلف الناتو ودول أخرى من جهة ثانية.

وبقراءة مركّزة في علاقات هذا البلد الشرق أوروبي بالعالم العربي، يمكن رصد الدور التنافسي الذي تلعبه أوكرانيا مع روسيا كمصدر أساسي للمواد الغذائية الأساسية (حبوب، زيوت، لحوم) لعدد كبير من الدول العربية التي تعتمد على واردات القمح عبر البحر الأسود، والذي يوجد بدوره في قلب التوتر العسكري.

تشكل أوكرانيا سلة غذاء لعدد كبير من الدول العربية صورة من: WDR

تعد مصر من أكبر مستوردي القمح في العالم اشترت حوالي 50 في المائة من مشترياتها من القمح العام الماضي من روسيا وحوالي 30 في المائة من أوكرانيا. أي أن واردات مصر من القمح من البلدين تشكل 80 في المائة من احتياجاتها من هذه المادة الأساسية التي يعتمد عليها حوالي ثلثي سكان البلاد.

وتشكل أوكرانيا المصدر الرئيسي للقمح إلى لبنان بنسبة حوالي 50 في المائة من احتياجاته، و43 و22 في المائة من احتياجات كل من ليبيا واليمن. وتبلغ نسبة واردات المغرب من القمح 26 في المائة، وهي نسبة تضع أوكرانيا كمصدر رئيسي.

أما الجزائر فان روسيا هي المزود الرئيسي من القمح وتليها أوكرانيا، بينما تراجعت مكانة فرنسا مؤخرا كمزود بالقمح للسوق الجزائرية، بسبب التوتر في العلاقات.

وفي ظل ضعف الانتاج المحلي من الحبوب في دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وعوامل مناخية مثل الجفاف، إضافة إلى تأثر السوق الروسية أيضا، تأتي الولايات المتحدة وكندا وفرنسا في مقدمة البدائل التي يمكن أن تعزز حضورها في الأسواق العربية.

وقد حذر أليكس سميث الخبير الزراعي في معهد بريكثرو الأمريكي في مقال له نشر بمجلة "فورين بوليسي FP" الأمريكية، من أن التهديدات لصادرات القمح الأوكرانية تشكل"أكبر خطر على الأمن الغذائي العالم"، خصوصا أن معظم مناطقها المنتجة للحبوب والزيوت النباتية تقع على الجانب الشرقي المهدد أكثر من غيره بهجوم روسي محتمل.

وحسب تقارير رسمية، لدى كل من مصر والمغرب احتياطي من القمح يكفي 4 إلى خمسة أشهر. فيما تواجه تونس منذ العام الماضي أزمة حبوب بسبب تراجع قدرة البلد على الاستيراد والأزمة المالية والسياسية التي يواجهها.

وقد باشرت الجزائر ومصر والمغرب، سنّ تدابير طارئة للتكيّف مع احتمالات إرتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية، لطالما ارتبطت في دول عربية عديدة باضطرابات اجتماعية وسياسية.

ومن شأن هذه التطورات أن تضع الدول المعنية أمام خيارات صعبة، فإما اللجوء إلى ضخ اعتمادات إضافية للميزانية بمئات الملايين من الدولارات لدعم المواد الأساسية التي ستتأثر بارتفاع الأسعار. أو المضي في نهج سياسات رفع الدعم عن المواد الأساسية وبدرجات متفاوتة.

اختبار صعب لبعض الدول العربية

يشكل قطاعا الطاقة وتجارة السلاح من أهم الأدوات التي تعتمد عليها استراتيجية روسيا وتعزيز نفوذها في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتؤثر من خلالها أيضا على أوروبا.

منصف السليمي، صحفي بمؤسسة DW الألمانية، خبير بالشؤون المغاربية

وفي السنوات القليلة الأخيرة قامت روسيا بخطوات لاستعادة مكانتها في دول عربية كان لديها نفوذ فيها أيام الإتحاد السوفييتي سابقا، وشكلت صفقات الأسلحة الطريق المعبد لتحقيق هذا الهدف.

ففي الجزائر ضاعفت روسيا صادراتها من السلاح للبلد المغاربي الكبير، وحافظت على وضعها كأول مزود للجيش الجزائري الذي يُخصص له سنويا ما يناهز 10 مليارات دولار يذهب معظمها إلى صانع السلاح الروسي.

وفي العراق، استعادت روسيا دورها كمزود بالسلاح رغم ما حدث من تحولات بعد الغزو الأمريكي للبلد وإعادة بناء الجيش وتسليحه من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. وإذا حصلت عقوبات ضد روسيا، فإن العراق قد يستفيد ماديا من بيع كميات أكبر من نفطه لتعويض النقص في السوق، لكنه سيكون من ناحية أخرى مدفوعا إلى البحث في أسواق جديدة كبدائل للذخيرة والسلاح الروسي الذي كان يستخدمه في حربه الداخلية ضد الجماعات الإرهابية.

في مقال صدر منذ أسبوعين بمجلة "فورين أفيرز" الأمريكية بعنوان "اليوم التالي لهجمات روسيا..كيف ستبدو الحرب في أوكرانيا.. وكيف يجب أن تستجيب أمريكا" للخبير العسكري الأمريكي ألكسندر فيندمان والباحث دومنيك كروز بوستيوس، يرسم الخبيران، سيناريوهات متعددة ضمنها احتمال شن هجوم عسكري روسي "شامل" على أوكرانيا يحدث كارثة ويحويلها إلى "خراب" و"دولة فاشلة"، ويتوقع الخبيران مقابل ذلك حزمة تدابير عقابية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين على روسيا.

وفي ظل التشكيك في جدوى العقوبات الاقتصادية على روسيا واحتمال حصولها على دعم في السوق الصينية أو بعض مناطق نفوذها، يرى الخبيران بأن السبيل الملائم أمام الولايات المتحدة هو تمتين الاتحاد بين الشركاء الأطلسيين (أوروبا وأمريكا) مثلا بفصل روسيا عن نظام سويفت SWIFT، ولكن أيضا بالاعتماد على حلفاء الغرب في العالم، سواء في شرق آسيا أو في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لتوفير إمدادات الطاقة من النفط والغاز والمشاركة في العمليات الموجهة ضد روسيا سواء في مجالات مالية وإقتصادية أو في المجال السيبراني.

وقد باشرت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بالفعل اتصالات مع عدد دول في المنطقة، ومع شركات غربية عاملة في قطاعي الغاز والنفط هناك، لبحث فرص تزويد أوروبا بإمدادات من الطاقة كبدائل للغاز الروسي.

وضمن هذه الدول قطر وليبيا ومصر والجزائر. وقد أبدت بعض الدول منها قطر ومصر ملاحظات حول صعوبات قد تواجهها، بيد أن الضغوط فيما يبدو تتركز على الجزائر وليبيا القريبتين من أوروبا.

وكالة بلومبرغ: الجزائر توجد في مقدمة البدائل المطروحة لتغطية العجز في إمدادات الغاز لأوروبا

وبحسب تحليل لوكالة بلومبرغ الأمريكية فان الجزائر توجد في مقدمة البدائل المطروحة، باعتبارها مورد غاز رئيسي لكل من إيطاليا وإسبانيا، وثالث أكبر مصدر للغاز الطبيعي للاتحاد الأوروبي بعد روسيا والنرويج، وهو ما يعني أنها يمكن أن تكون وسيلة للتخفيف من حدة تأثيرات أي اضطراب محتمل في إمدادات الغاز الطبيعي الروسي. ورغم أن هذا الخيار يمكن أن يوفر للجزائر عائدات كبيرة تساعدها في مواجهة العجز المالي ويمنحها نفوذا ديبلوماسيا في أوروبا. فإنه يمكن أن يؤثر سلبيا على علاقاتها مع حليفها التقليدي روسيا.

ومن ثم يستنتج محللون، ضمنهم المحلل الاقتصادي سيريل فيدرشهوفن مؤسس شركة فيروكي للاستشارات بأن "الجزائر تواجه موقفا صعبا، فإذا أرادت الاستمرار كمصدر رئيسي للطاقة بالتالي مساعدة أوروبا، فهذا أمر منطقي، لكن في المقابل فإنه سيهدد خطط تعميق علاقاتها مع موسكو".

وناهيك عن اعتماد الجزائر في التسلح بشكل رئيسي على روسيا، فقد اتفقت في أيلول/سبتمبر الماضي شركة سونطراك الجزائرية الحكومية العملاقة للطاقة وشركة غازبروم الروسية العملاقة للغاز الطبيعي على العمل معا في مجال إنتاج ونقل الغاز. وسيبدأ الجانبان في تطوير حقل غاز وسيدخل حيز الإنتاج في 2025. ويرى فيدرشهوفن في هذا السياق بأن المحللين يحذرون من خطورة استمرار وجود معاقل الطاقة في روسيا وغيرها من الدول المحيطة بأوروبا، وأن هذه القضية يجب أن تكون محل تفكير الآن من جانب الأوروبيين.

وبقدر ما تطرح الأزمة الحالية على الأوروبيين في المدى القصير تحديات في مجال إمدادات الغاز والنفط، فإن مؤسسات أوروبية ودول أعضاء في الإتحاد الأوروبي، وضمنهم ألمانيا يراهنون في المدى البعيد على إيجاد بدائل للطاقة التقليدية، عبر مشاريع الطاقات المتجددة سواء الشمسية أو طاقة الهيدروجين الأخضر الواعدة، وبصددها انطلقت محادثات استراتيجية بين ألمانيا والمغرب منذ عامين، وتعثرت بسبب الأزمة التي شهدتها علاقات البلدين في العام الماضي، قبل أن يعود إليها الدفء مع تولي حكومة المستشار أولاف شولتس، ويتوقع أن يكون المشروع في صدارة أجندة محادثات مقبلة بين برلين والرباط.

خارطة الصراع.. من أوكرانيا إلى سوريا والخليج وليبيا

قد لا يكون من باب المصادفة أن التدخل الروسي في سوريا في سبتمبر أيلول 2015، حدث بعد عام من الهجوم على شرق أوكرانيا واحتلال شبه جزيرة القرم. ولم تكن الخطوة الروسية في سوريا مجرد تعزيز لنفوذها التقليدي هناك، بل كشفت عن ديناميكية جديدة في الدور الروسي عسكريا في مواجهة النفوذ الغربي.

فبعد بسط نفوذها شبه الكامل في سوريا، سواء عبر قواتها العسكرية أو عبر مرتزقة الفاغنر، اتجهت موسكو بعد ذلك نحو شمال أفريقيا ومنطقة جنوب الصحراء، من خلال نشرالآلاف من عناصر فاغنر، لتصبح لاعبا رئيسيا في الأزمة الليبية وفي أوضاع عدد من دول غرب أفريقيا ووسطها.

صاروخ اسكندر الروسي المتطور..حصلت عليه الجزائر صورة من: picture-alliance/dpaTASS/Y. Smityuk

وإذا كان توسع النفوذ الروسي في المنطقة قد حدث في فترة شهد فيها نفوذ دول أوروبية التراجع وخصوصا فرنسا وإيطاليا، فقد تزامن أيضا مع توجه الولايات المتحدة إلى إعادة ترتيب أولوياتها في العالم وتقليص دورها في المنطقة، باتجاه التركيز على الصين كعدو رئيسي.

فهل ستدفع حملات روسيا العسكرية واختراقاتها لمناطق نفوذ تقليدية لأوروبا والولايات المتحدة، القوى الغربية إلى إعادة النظر في حساباتها وهل يقود ذلك إلى إستعادة منطقة الشرق الأوسط لمكانتها في الاستراتيجية الأمريكية؟

إذا حدث ذلك، فربما يبدأ من منظور غربي، بسد بعض "الفجوات الاستراتيجية" التي ظهرت في السنوات القليلة الأخيرة في علاقات حلفاء تقليديين للولايات المتحدة مثل مصر والسعودية، التي فتحت قنوات تعاون عسكري واقتصادي كبيرة مع روسيا. إذ سجلت المبادلات الروسية المصرية في العام الماضي نموا بمعدل 10 في المائة، واستعادت روسيا حضورها كمزود أساسي للسلاح إلى مصر، لأول مرة منذ حرب الشرق الأوسط سنة 1973.

وفيما يبدو تحولا في موقف إدارة الرئيس بايدن، رفعت واشنطن تحفظاتها على صفقات سلاح كبيرة للسعودية والإمارات، بعد أن كانت الدولتان الخليجيتان وتحت وطأة ضغوط حرب اليمن والصراع مع إيران، قد فتحتا قنوات تعاون عسكري مع روسيا والصين اللتين لا تضعان شروط احترام حقوق الانسان في صفقات السلاح.  وهو عامل يغري عددا من المستبدين في الدول العربية بالتوجه لطلب دعم بوتين، في مواجهة الضغوط الغربية أو الاستحقاقات الشعبية والأمنية الداخلية.

أما منطقة شمال أفريقيا فقد حافظت على وضعها ضمن الترتيبات التي وضعت في عهد إدارة الرئيس السابق ترامب، وضمنها تعزيز اتفاقيات التعاون العسكري مع المغرب وتونس كحليفين رئيسيين من خارج الناتو، والتي أكدت أن هذه المنطقة توجد في صلب الإهتمام الاستراتيجي الأمريكي بالقارة الأفريقية كمنطقة تنافس ساخن مع الصين وروسيا. وهو توجه دعمه الرئيس بايدن، ويمكن أن تساهم الأزمة الأوكرانية في تعزيزه في أفق المرحلة المقبلة بالإعتماد على الزخم الذي تحقق بين الشركاء الأمريكيين والأوروبيين داخل حلف الأطلسي. بالإضافة إلى استمرار الاعتماد على الشراكة مع حلفاء إقليميين تقليديين في مقدمتهم إسرائيل وتركيا.

بيد أن النفوذ الأمريكي والأوروبي في شمال أفريقيا، تواجهه تحديات أخرى، وعلى رأسها ليبيا البلد المغاربي الذي ما يزال يشكل منطقة نزاع ملتهبة بين القوى الخارجية وأطراف المعادلة السياسية الداخلية. ويتابع المراقبون باهتمام مآلات الخطوة الجديدة التي أقدم عليها رجلا الغرب والشرق القويين: الجنرال خليفة حفتر ووزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، حيث حصل باشاغا على دعم البرلمان الذي يرأسه صالح عقيلة حليف حفتر من أجل تشكيل حكومة جديدة، على حساب رئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة، الذي يرأس حكومة وفاق وطني جاءت ضمن تسوية أممية في جنيف.

ويعتبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لحد الآن أبرز الداعمين لهذه الخطوة، ولم يظهر على الصعيد الإقليمي لحد الآن اعتراضات واضحة حتى من قبل الجزائر الجارة الغربية الكبرى لليبيا. فيما اكتفت الأمم المتحدة وواشنطن وعواصم أوروبية بالتأكيد على ضرورة الحفاظ على السلم والاستقرار واحترام التوافق الوطني وشفافية المسار وصولا إلى تنظيم انتخابات في أقرب وقت.

لكن هذه المعادلة لم تتضح بعد مآلاتها بشكل كامل ليس فقط بسبب استمرار التجاذبات الداخلية حولها وبحكومتين متنازعتين على الشرعية، بل أيضا لعدم اكتمال المشهد فيما يتعلق بقضايا حساسة كتوحيد القوات الأمنية والجيش ومصير الميليشيات، والمسألة الشائكة الأخرى: إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا. وهنا تكمن عقدة أساسية للأزمة الليبية بسبب تعقيدات الأدوار التي تلعبها قوى أجنبية وقي مقدمتها روسيا وتركيا.

إذ أن التطور الأخير في الملف الليبي، حدث بتزامن مع بوادر مصالحة بين أطراف الأزمة الخليجية وخصوصا بين الإمارات وقطر وتركيا، كما جرى هذا التطور بعيدا عن الأضواء المركزة على الأزمة الأوكرانية، فهل تم ذلك بتنسيق مع الروس أم من ورائهم؟

وهنالك مؤشر آخر قد يرمي بالملف الليبي في دوامة الأزمة الأوكرانية، ويتمثل في مساعي الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الإعتماد على الغاز الليبي كإحدى البدائل لإمداد أوروبا بالطاقة في حالة وقوع حرب وأوقفت روسيا امداداتها من الغاز.

 وقد لا يكون من باب المصادفة أن تعلن روسيا اليوم في خضم الاهتمام العالمي بأزمة أوكرانيا، اعتزامها إجراء تدريبات بحرية في البحر المتوسط، وأنها نقلت قاذفات وطائرات مجهزة بصواريخ أسرع من الصوت إلى قاعدتها الجوية في سوريا. ويعد هذا من المؤشرات الدالة على أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي بمثابة قطعة من رقعة شطرنج عالمية تتجاذب حولها الأدوار وصراع النفوذ بين القوى الكبرى.
 

منصف السليمي

 

منصف السليمي صحفي في مؤسسة DW الألمانية، خبير بالشؤون المغاربية
تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW