1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: يورو 2024.. كرة القدم تتقاذفها السياسة وحساباتها

Moncef Slimi Kommentarbild App
منصف السليمي
٢٩ يونيو ٢٠٢٤

لطالما شكلت كرة القدم رافدا أساسيا في قوة ألمانيا الناعمة. وعندما تتعرض ألمانيا للنقد في تنظيمها لبطولة يورو 2024 فكأنما تتعرض لوخزة في القلب. لكن هل كل الانتقادات وجيهة؟ وبالمقابل لماذا يشيد آخرون بالتجربة الألمانية؟

اهتمام كبير ببطولة كأس الأمم الأوروبية على كافة الصعد في ألمانياصورة من: Jens Krick/Flashpic/picture alliance

في الجولة الأولى من مباريات بطولة اليورو تلقت ألمانيا وابلا من الانتقادات، بيد أن نظرة فاحصة في طبيعة الانتقادات ومصادرها تدفع أولا إلى فحص وتشخيص مكامن الخلل التي سُلطت عليها الانتقادات، ثم التساؤل عن مصدر تلك الانتقادات وهل كانت كلها وجيهة. وبالمقابل كيف يرد عليها الألمان، وهل يحققون هذه المرة أيضا نجاحا جديدا رغم الظروف الصعبة والحساسة عالميا ومحليا والمختلفة كثيرا عن سياقات سابقة؟

وما هي نقاط القوة في التنظيم الألماني للبطولات الكبرى حتى تهتم بها دول أخرى مثل المغرب الذي يستعد لاستضافة مونديال 2030 بشراكة مع إسبانيا والبرتغال؟

ما نوعية الانتقادات؟

يمكن رصد بعض العناصر من الانتقادات التي وجهت لحد الآن لفعاليات تنظيم بطولة يورو 2024، في جولتها الأولى:

أولا: أن معظم الإنتقادات وُجهت لخدمات النقل وخصوصا شبكة القطارات والازدحام الذي حصل في محطاتها بمدن غيلزنكيرشن ولايبزيغ، وحتى ميونخ خلال مباراة الإفتتاح بين ألمانيا واسكوتلندا، كما طالت الانتقادات ضعف البنية التحتية في بعض الملاعب مثل كومرتسبانك أرينا فرانكفورت، وسيغنال إديونا بارك دورتموند، وخصوصا مع تهاطل أمطار غزيرة.

ثانيا: صدرت الانتقاداتأولا من الصحف الألمانية وصحف أوروبية وأمريكية ووسائل إعلام عربية. فمثلا سجلت صحف بريطانية وأمريكية صدمتها من أن مستوى الخدمات وحالة بعض البنية التحتية لا يتوافق مع الصورة المعروفة عن ألمانيا مثل دقة المواعيد وإتقان الخدمات.

ملعب ريد بول في لايبزغ يحتضن عددا من مباريات البطولةصورة من: Jan Woitas/dpa/picture alliance

ثالثا: ثمة مستوى آخر تجاوز الانتقادات العادية ليكتسي طابع حملات ممنهجة لانتقاد ألمانيا البلد المضيف للبطولة، أو لترويج معلومات وأخبار مزيفة عن فعاليات البطولة وما يجري على هامشها. مثل ترويج الأخبار الزائفة عن عقوبات تُفرض على من يرتدي قميص رياضي مقلّد، أو عن تذاكر تباع خارج الموقع الرسمي للويفا. وقد أظهرت سلسلة من التحقيقات وتدقيق المعلومات عل الأقل التي قام بها فريق "DW  تتحقق" Fact check خطأ وزيف تلك المزاعم.

"رجع صدى" مونديال قطر

ومن يتابع مصادر الانتقادات التي توجه لبطولة يورو 2024وألمانيا كبلد مستضيف، يرصد أن جزءا منها يعتبر بمثابة رجع صدى للأجواء الإعلامية المتوترة بين ألمانيا وقطر ووسائل إعلام قريبة منها، التي رافقت مونديال قطر الذي نظّم في ديسمبر/كانون أول 2022.

إذ يبدو ما يصدر اليوم من انتقادات أو بعضها على الأقل من وسائل إعلام قريبة من الدوحة، وكأنها ردود على الاإنتقادات التي وجهها الإعلام الألماني والغربي إبانها لقطر سواء فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان والعمال أو حقوق مجتمع الميم. وقد تؤشر إلى أن أعراض البرودة التي أصابت العلاقات الألمانية القطرية أثناء مونديل قطر وبعده، لم تزل بعد.

بيد أن العنصر الجديد هو دخول بعض الأصوات في وسائل إعلام عربية على الخط بإضافة شحنة سياسية إضافية من الغضب من الموقف الألماني الرسمي من الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة. وهذا الملف نفسه يشكل نقطة خلافية في سياسة ألمانيا وقطر.

ويرى محللون بأن هذه العناصر المتداخلة قد تستمر في شحن صورة سلبية باتت في السنوات القليلة الأخيرة تلاحق ألمانيا والإعلام الألماني في العالم العربي، وقد يتطلب تغييرها وقتا ليس قصيرا وجهودا خاصة من الجانب الألماني. خصوصا أن جانبا منها على الأقل ليس مستندا بالضرورة إلى حقائق ومعطيات موضوعية دائما.

رد على الطريقة الألمانية

يبدو أن الجهات الرسمية الألمانية ولاسيما الهيئة الألمانية المنظمة للبطولة اختارت الرد على "الطريقة الألمانية" التي تتسم بالهدوء والواقعية، ويمكن رصد مستويات متعددة في طريقة الرد الألماني:

  • مستوى أول، يتمثل في مبادرة الجهات المسؤولة عن بعض القطاعات التي سُجلت بها اختلالات، بالسعي لتصحيحها على الفور، على غرار شركة القطارات "دويتشه بان" التي ضاعفت عدد القطارات وعدد العاملين في المواقع التي وجهت لها سهام النقد. وبالتالي فإن جزءا من مكامن الخلل تم تجازها في الأيام الأولى للبطولة التي تمتد شهرا كاملا من 14 يوينيو حزيران إلى 14 يوليو تموز 2024.

  • مستوى ثان: بدل أسلوب دسّ النعامة لرأسها في التراب، بادرت الجهات المسؤولة بالإقرار بوجود مواطن خلل ومشاكل وخصوصا في البنى التحتية. فقد اعترف قائد المنتخب الألماني السابق، فيليب لام، وهو مدير اللجنة المنظمة لبطولة أمم أوروبا لكرة القدم "يورو 2024"، بصحة الانتقادات الموجهة للبنية التحتية المحيطة بالبطولة، كما انتقد أيضا نقص الاستثمار في العقود الأخيرة. وقال لام: "أعتقد أننا فشلنا كبلد في العمل قليلا على البنية التحتية في العقود الأخيرة". وكانت طريقة اعتراف لام أشبه ما يكون بالاعتذار للجماهير التي تكبدت عناء سفر طويل واصطدمت ببعض الصعوبات في النقل أو في الخدمات والبنى التحتية. وإضافة لرد مدير بطولة أمم أوروبا 2024 وإقراره بعدد من الأخطاء، تمت إحالة بعض المشاكل في التنظيم إلى الجهة الرئيسية المسؤولة عن تنظيم البطولة وهي الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (ويفا) الذي يتقاسم مع السلطات الألمانية مسؤولية التنظيم.

  • مستوى ثالث: لكن أبعد من إقرار فيليب لام بمواطن الخلل في تنظيم البطولة، هنالك نقاد ومحللون في وسائل الإعلام الألمانية ينطلقون من الاختلالات في تنظيم اليورو للدعوة إلى مراجعات عميقة في حالة البنيات التحتية بالبلاد خصوصا وسائل النقل وبعض المنشآت الرياضية القديمة. كما يشيرون إلى مشاكل أعمق ترتبط بالبطء الناتج عن تقاسم سلطة القرارات بين حكومات الولايات والحكومة الاتحادي، في بلد يسوده نظام فيدرالي. وفي هذا السياق لم تسلم حكومة المستشار أولاف شولتس من الانتقادات. ووجهت سهام النقد أيضا لظاهرة البيروقراطية في البلاد وعدم التكيف مع التحولات السريعة الجارية في العالم على أصعدة التكنولوجيا والرقمنة والصناعة، ويحذرون من تراجع العلامة التجارية الشهيرة "صنع في ألمانيا" في سباق المنافسة العالمية.

    منصف السليمي، صحفي متخصص بالشؤون المغاربية بمؤسسة DW الألمانية
  • أما المستوى الرابع لرد الفعل على الانتقادات، فقد جاء من أوساط ودوائر مختلفة، ويتمثل في وضع عدد من الاختلالات في نصابها وإضفاء الطابع النسبي عليها، عبر إبراز حجم التحديات التي تواجه البلد المنظم، مثلا تدفق المشجعين والسياح الإضافيين بنسبة تزيد عن 25 في المائة مقارنة بكأس العالم 2006 الذي نظم في ألمانيا. إذ يقدر معهد إيفو الألماني للأبحاث الاقتصادية، أن يزور البلاد أكثر من 600 ألف زائر إضافي (مشجعين وسياح) خلال ألأسابيع القليلة التي تجري فيها البطولة. وأن تسجل الفنادق مليون إقامة إضافية لليلة واحدة أثناء البطولة، حسب توقعات خبراء المعهد الذي يوجد مقره في ميونخ ويعتبر من أهم مركز الأبحاث الاقتصادية في ألمانيا.

وكمثال على طبيعة التحديات التي تواجه البلد المضيف، تستقبل ألمانيا يوميا عشرات الآلاف من الزوار والمشجعين الذين يفدون إليها من مختلف أنحاء العالم لمتابعة فعاليات البطولة، ويأتي التدفق الأكبر من حدود البلاد البرية مع ثمان دول كلها تشارك في البطولة، وتربطها بألمانيا حدود مفتوحة. كما تشهد البطولة الحالية ارتفاعا في عدد المنتخبات المشاركة (24 منتخبا).

وهو ما يطرح على السلطات الأمنية وعلى منظمي البطولة جهودا كبيرة، لضمان السلاسة في التنقل مثلا ووصول الجماهير إلى الخدمات الضرورية لمتابعة فعاليات البطولة الموزعة على عشرة ملاعب في مدن يفصل بعضها مئات الكيلومترات، مثلا ميونخ - هامبورغ حوالي 800 كيلومتر.

  • أما المستوى الخامس، في رد ألمانيا على الانتقادات، فيكمن في الرد الإيجابي عبر إبراز مظاهر النجاحات التي تتحقق بفعاليات البطولة، ويمكن رصد بعضها استنادا إلى مشاهدات حية وإلى تقارير عدد من وسائل الإعلام المحلية والعالمية: 1. كرنفالات جماهيرية في أجواء احتفالية، وخصوصا لجماهير بعض الأمم الكروية العريقة مثل هولندا وألمانيا، إضافة للمشاركة القوية والخاصة للجماهير التركية. 2. أجواء الترحيب وحفاوة الاستقبال والمبادرة للتطوع والمساعدة التي يبديها الألمان على نطاق واسع في تعاملهم مع الضيوف الوافدين أثناء البطولة التي وضعت لها ألمانيا شعار "ألمانيا ترحب بأوروبا". 3. التنوع الكبير في البلد على المستوى الجغرافي والمعماري والثقافي والإنساني بمختلف المناطق التي تجري فيها فعاليات البطولة. 4. استخدمات تكنولوجية متطورة ومبتكرة أثناء البطولة، سواء فيما يتعلق بإدارة المباريات وتحكيمها أو في تقنيات الإعلام الحديث التي تساعد على نقل تفاصيل مما يجري داخل الملاعب وخارجها عبر أنحاء العالم في لحظات قليلة.   5. الانتقادات لا تقلل من الكفاءة والخبرة الواسعة للألمان في التنظيم، ويتجلى ذلك في التظاهرات الكبيرة من هذا النوع التي تتسم بكثافة الحضور البشري وتنوعه ودرجة الحريات التي تسودها. ومن هنا تبدو بعض المقارنات غير دقيقة.

كيف يريد المغرب الاستفادة من الخبرة الألمانية؟

منذ بدايات التحضير لبطولة يورو 2024 لم يكن المنظمون الألمان والسلطات والاتحاد الأوروبي لكرة القدم (ويفا) يخفون قلقهم من تداعيات الأوضاع الجيوسياسة في العالم على الحالة الأمنية أثناء فعاليات بطولة يورو 2024. وحينما سئل ألكسندر تشيفرين رئيس الاتحاد الأوروبي في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) عن التحديات الأمنية قال: "لا أشعر بمخاوف أمنية ملموسة لكن المشكلة الأمنية بالنسبة لي هي الوضع الجيوسياسي العنيف في العالم". وبرأي تشيفرين فإن تنظيم البطولة في بلد واحد يساعد أكثر على إحكام تأمينها معللا ذلك بقوله: "من الأسهل لنا التعامل مع شرطة واحدة وجهاز مخابرات واحد مقارنة ببطولة تقام في عدة دول".

من جهتها وضعت السلطات الأمنية الألمانية سلّم مخاطر تواجه البطولة، يبدأ بالتهديدات الإرهابية من الجماعات المتطرفة مثل داعش وكذلك بعض المؤيدين لحماس التي تصنفها ألمانيا والإتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية، ومخاطر عمليات تخريب روسية، بالإضافة إلى إلى تهديدات الإختراقات التي يمكن أن تقوم بها عناصر أو جماعات يمينية متطرفة، مثلا شبكات الهوليغانز التي يسجل نشاطها وتأثيرها السلبي عادة في بطولة اليورو وكان أسوأها في بطولة سنة 2016 بفرنسا، عندما شهدت مرسيليا أحداث عنف وشغب كبيرة إثر مواجهات بين عناصر هوليغانز روسية وإنجليزية.

وفي هذه البطولة تُسلط الأضواء على مجموعات هوليغانز من منطقة البلقان (كرواتيا، ألبانيا، صربيا) بالإضافة للإنجليز. وباستثناء بعض الاشتباكات المحدودة مع قوات الأمن وفيما بين بعض المشجعين العنيفين، لم تسجل لحد الآن حوادث كبيرة تذكر.

لكن على مستوى الشبكة العنكبوتية سجلت محاولات بث أخبار وقصص تتضمن تضليلا وتزييفا للحقائق، منها مثلا نشر فيديو يتضمن صورا لمشجعين رومانيين يرفعون شعارات وأعلام مؤيدة للرئيس الروسي فلايدمير بوتين، كشفت تحقيق لـ DW بأنها قصة كاذبة.

وكانت وزيرة الداخلية نانسي فيزر قد أكدت نشر 22 ألف رجل شرطة يوميا من أجل اليورو فقط. واتخذت السلطات إجراءات صارمة لمواجهة أو محاولة لتوظيف التظاهرة الرياضية لأغراض سياسية، ناهيك إذا كانت تتسم بطابع عنيف أو تخريبي، سواء عبر ارتكاب أعمال عنف بشكل مباشر أو تحريض على العنف والكراهية أو تأييد الأعمال الإرهابية عبر شبكات الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي.

ويبدو أن الخبرة الألمانية الطويلة في تأمين التظاهرات الرياضية الكبرى تثير اهتمام دول أخرى، ضمنها المغرب الذي يستعد لاستضافة مونديال سنة 2030 بالتعاون مع إسبانيا والبرتغال.

إذ قام وفد أمني مغربي رفيع، يرأسه المدير العام للأمن الوطني المغربي، عبد اللطيف حموشي، بزيارة ألمانيا وأجرى محادثات مع رئيسي جهاز الشرطة الفيدرالية الألمانية، ديتر رومان والمكتب الفيدرالي للشرطة الجنائية، هولغر مينش. وزار الوفد المغربي مؤسسات أمنية ألمانية إضافة إلى قيامه بزيارة ميدانية للملعب الأولمبي في العاصمة برلين، ومعاينة طرق تأمين الملعب الذي يحتضن نهائي بطولة يورو 2024.

وزيرة الخارجية الألمانية آنالينا بيربوك مع نظيرها المغربي في أحد أجنحة وزارة الخارجية الألمانية في برلينصورة من: Pressestelle des marokkanischen Außenministeriums

وحسب موقع "هسبريس" المغربي واستنادا إلى مصادر قريبة من الوفد المغربي، فقد بحث الجانبان الألماني والمغربي "أشكال التعاون الممكنة بين المغرب وألمانيا في مجال الأمن الرياضي، وآليات تبادل الخبرات والمساعدة التقنية بين الجانبين في تأمين التظاهرات الكبرى"، مع الاطلاع على "الترتيبات الأمنية ومعايير الأمن والحماية التي تطبقها شرطة مدينة برلين لتأمين فعاليات يورو 2024، التي تجري دورتها الحالية في ألمانيا".

وجرت هذه الحادثات عشية انعقاد الدورة الأولى للحوار الاستراتيجي الألماني المغربي والتي ترأستها وزيرة الخارجية الألمانية آنالينا بيربوك ونظيرها المغربي ناصر بوريطة. وأعلن في ختامه عن تقارب وتعاون "وثيق" بين الجانبين لتحقيق الأمن والسلام في العالم ومواجهة التحديات الاستراتيجية والأمنية في منطقة الساحل وليبيا والشرق الأوسط. كما عبرت عن ذلك بيربوك في تغريدة لها على موقع وزارة الخارجية الألمانية، وصف فيها المغرب بـ"الشريك القوي".

وفيما يعتبر تكريسا لمواصلة مسلسل التفاهم و"التعاون الوثيق" بين الرباط وبرلين، بعد الأزمة التي طرأت على العلاقات سنة 2021، يبدو أن الفترة القريبة ستشهد انطلاق برامج ومشاريع تعاون كبيرة بين البلدين في مجالات الطاقة والأمن والهجرة وتأمين التظاهرات الرياضية.

وهكذا تؤكد الرياضة الشعبية الأولى في العالم، بأن سحرها يتجاوز المستطيل الأخضر.

خطر آخر يهدد الساحرة المستديرة !

تعتبر كرة القدم واحدة من أهم أعمدة "صنع في ألمانيا" ولطالما شكلت رافدا أساسيا في قوة ألمانيا الناعمة. كما لعبت كرة القدم تاريخيا دورا ثقافيا ومعنويا هائلا في إعادة اللحمة للشخصية الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية.

ويرى محللون بأن الانتقادات التي وجهت لألمانيا في تنظيم بطولة يورو 2024 وكذلك الانتقادات الحادة التي وجهت في السنوات الأخيرة لأداء المنتخب الألماني وخروجه المبكر من نسختي المونديال السابقتين، يثير شجونا خاصة في ألمانيا وتختلف عن أي بلد آخر، وهو يلقي بأعباء كبيرة مزدوجة من جهة على  المنتخب الحالي بقيادة مدربه الشاب يوليان ناغلسمان من أجل الذهاب بعيدا في البطولة الحالية، ومن جهة ثانية على الإدارة الألمانية المكلفة بتنظيم البطولة من أجل كسب الرهان في التنظيم بمواصلة النجاح في تنظيم البطولات الكبرى.

النجاح أو الإخفاق في تنظيم يورو 2024 له تأثير كبير على مستقبل الإئتلاف الحاكم في برلينصورة من: Bernd Elmenthaler/Geisler-Fotopress/picture alliance

فبعد مونديال 2006، الذي عرف إعلاميا بـ"أسطورة صيفية"، حيث ظهرت ألمانيا حينها كبلد مضياف من الدرجة الأولى، تريد ألمانيا هذه المرة أن تسير بطولة يورو 2024 بـ"أمان وسلاسة.

وأي إخفاق في هذه المهمة يتوقع أن تكون له تداعيات قاسية في المجتمع الألماني، وكارثية بالنسبة لحكومة المستشار أولاف شولتس الذي لا يتأخر في حضور مباريات المنتخب الألماني، وفي وقت صعب ومشحون على الصعيد الجيوسياسي العالمي وعلى صعيد محلي، حيث يعاني حزبه الاشتراكي الديمقراطي وشركاؤه في الإئتلاف الحاكم (الخضر والليبرالي الحر) تداعيات تراجع مدوِّ في انتخابات البرلمان الأوروبي، في مواجهة تقدم حزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي، الذي يستعد لحصد المزيد من المكاسب في انتخابات ثلاث ولايات في شرق ألمانيا في سبتمبر/أيلول المقبل.

ويرى البعض داخل ألمانيا أن الدولة والمؤسسات الرياضية خصصت اعتمادات مالية سخية للبطولة، إذ تقدر تكاليف تنظيم بطولة اليورو 2024 بحوالي 650 مليون يورو تتكفل بها الحكومة المحلية وحكومات الولايات ومجالس المدن. فيما يرى آخرون أن هذا الرقم يبدو زهيدا مقارنة بدول أخرى استضافت مناسبات كبرى وأنفقت عشرات الميارات.

وعلى العموم وبعيدا عن جدل الإنفاق، تنتظر ألمانيا من البطولة عائدات في السياحة والرياضة والاقتصاد بشكل عام يمكن أن تساهم بنسبة 0,1 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، حسب توقعات معهد إيفو. من جانبه يتطلع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لتحقيق عائدات تفوق ملياري يورو وهو أعلى رقم تحققة البطولة الأوروبية.

بيد أن اللعبةيبدو أنها تغرق منذ سنوات عديدة في مستنقع المال، وهو برأي عالم الاجتماع الرياضي الألماني، البروفيسور بجامعة برلين، غونتر غيباور، مصدر قلق. في حوار لمجلة "كيكرز" الرياضية المتخصصة، تحدث عن "شكل من أشكال الابتزاز الناعم الذي تستخدمه الأندية الكبرى منذ سنوات".

ففي الوقت الذي يُقبل فيه المشجعون على اقتناء تذاكر مباريات بأثمان مرتفعة ويسافرون من أجلها وينفقون أموالا في الاستهلاك، فإن عائدات التظاهرات الرياضية الكبرى تذهب في معظمها للاتحاد المنظم والمتمثل هذه المرة في ويفا، وللشركات الراعية المتحالفة معه، وهي تظهر في الإعلانات التسويقية كل لحظة من أطوار البطولة لمتابعيها على الشاشات العملاقة والقنوات التي تبث المباريات، وهذه المرة تشمل شركات طيران قطر وشركات صناعة سيارات كهربائية صينية وكورية، وبعض الشركات الألمانية.

منصف السليمي صحفي في مؤسسة DW الألمانية، خبير بالشؤون المغاربية
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW