1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: فوز بايدن.. أوكسيجين لـ"الربيع" والترامبيون لم يخسروا

Moncef Slimi Kommentarbild App
منصف السليمي
١٠ نوفمبر ٢٠٢٠

شباب ونشطاء الحراك السياسي في البلدان العربية ابتهجوا لفوز جو بايدن.. وبالمقابل فان خسارة ترامب لا تعني أن الترامبيين في المنطقة خسروا تماما. وهذا ما يدعو إلى الحذر في قراءة تداعيات نتائج الانتخابات الأمريكية عربيا.

هل ينجح الرئيس المنتخب جو بايدن في نهج سياسة تضع حقوق الانسان كأولوية؟

أن يكون الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أول الزعماء العرب المهنئين للرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدين، حتى قبل أن يستفيق بعض النشطاء المدافعين عن الديمقراطية من نشوتهم بخسارة الرئيس دونالد ترمب، فتلك إشارة إلى أن قراءة متسرعة لتداعيات نتائج الإنتخابات الأمريكية في العالم العربي، قد تقود إلى استنتاجات خاطئة.

"أوكسجين للربيع العربي"

أحدث تقارير المنظمات الحقوقية تشير إلى أنظمة سياسية في العالم العربي تستخدم جائحة كورونا كذريعة لتصعيد انتهاكاتها لحقوق الانسان. ففي مصر ارتفع عدد التجاوزات، وفي الجزائر تتعرض حرية الصحافة ونشطاء الحراك الشعبي لعمليات خنق ملحوظة، وفي العراق نفذت أبشع انتهاكات بحق نشطاء الحراك وبلغت حد الاغتيالات في صفوفهم، دون أن يكشف عن الفاعلين.

"أخيرا شيئا من الأوكسجين"، هذه العبارة لا تعني ما يمكن أن يتبادر إلى حاجة ملايين يعانون الاختناق بسبب فيروس كورونا، بل كانت جملة قصيرة غرد بها الحقوقي المصري البارز جمال عيد، لحظة إعلان نتائج الإنتخابات الأمريكية، معبرا من خلالها عن توصيفه لوقع فوز الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الأمريكية على الأوضاع في مصر وبلدان عربية أخرى.

لكن مع رد فعل الحقوقي المصري النابع من بلد يوجد به عشرات آلاف المعتقلين السياسيين، صدرت ردود فعل أخرى تُظهر الابتهاج الكبير في أوساط نشطاء حقوقيين وسياسيين عرب بفوز بايدن.

الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي، ذكّر بصداقته القوية مع جو بايدن عندما كان نائبا للرئيس أوباما، الذي منحت إدارته نصف مليار دولار كائتمان نقدي للديمقراطية الناشئة في تونس، التي تواجه منذ سنوات صعوبات إقتصادية جمّة. و بالنسبة للمرزوقي فإن فوز بايدن على ترامب يعني "فوز الديمقراطية على الشعبوية".

منحت ادارة الرئيس أوباما دعما ماليا وسياسيا للانتقال الديمقراطي في تونسصورة من: Reuters/J. Ernst

ففي مهد الربيع العربي واستثناؤه الوحيد، وبعد مرور عشر سنوات من حادثة حرق محمد البوعزيزي لنفسه والتي أشعلت الانتفاضات والثورات في العالم العربي، ما تزال الديمقراطية الناشئة تواجه تحديات كبيرة, وتشير أحدث استطلاعات للرأي في البلد، بأن عبير موسي زعيمة الحزب الدستوري الحر أشد أنصار الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، تتصدر نوايا التصويت بالاضافة إلى الرئيس الحالي قيس سعيّد.

وقد كان لافتا أنه في اليوم الذي أعلن فيه فوز بايدن، كانت السياسية التونسية الشعبوية تحتفل مع نواب حزبها، بذكرى تولي زين العابدين بن علي للحكم، وجرى المشهد تحت قبة البرلمان المنتخب إثر الثورة. وقد أثار المشهد ردود فعل غاضبة في أوساط شبابية ونشاط سياسيين. وكثير منهم لا يخفون خشيتهم من استعادة بقايا النظام السابق لزمام السلطة في مهد الربيع العربي، وبعضهم يتهم "قوى مضادة للثورة" في الدولة العميقة وجماعات ضاغظة بالداخل، بموازاة أدوار دول عربية مثل الإمارات ومصر لدعم أنصار النظام السابق وعلى رأسهم عبير موسي، لإجهاض الديمقراطية الناشئة، عبر استغلال حالة التذمر في أوساط الشباب بسبب سوء الأحوال الاجتماعية والاقتصادية.

مصر بين ترامب وبايدن

فوز جو بايدن في مرحلة حساسة من تطور الأوضاع السياسية في بلدان عربية عديدة، حيث توجد مسارات حراك شعبي في مفترق طرق، كالجزائر والسودان ولبنان والعراق، وفي دول أخرى مثل سوريا واليمن يسود منطق الحسم العسكري. كما تكشف الحالة المتأزمة في ليبيا، سريالية المشهد السياسي العربي، حيث تتأرجح بين الحسم العسكري وجلسات حوار مارثونية بحثا عن حل سلمي مستعص.

وفيما يستعد الرئيس المنتخب بايدن لاستلام السلطة، فإن سجل مصر في حقوق الانسان مثقل بالانتهاكات، وقبل أسابيع فقط وجه 56 من أعضاء الكونغرس رسالة للرئيس المصري تطالبه بإطلاق سراح السجناء السياسيين.

حصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على دعم متواصل من الرئيس ترامبصورة من: Reuters/K. Lamarque

ويميل محللون للاعتقاد بأن بايدن سيكون أكثر حسما من سلفه ترامب إزاء قضايا حقوق الإنسان في مصر. وقد كان لافتا أن تظهر تغريدة سابقة لبايدن من جديد للتداول على منصة تويتر، مباشرة إثر إعلان فوزه، حيث غرد بايدن في يوليو تموز الماضي: "لا مزيد من الشيكات على بياض لـ'ديكتاتور ترامب المفضل‘."، وذلك في تعقيب منه على إفراج السلطات المصرية عن الناشط المصري الذي يحمل الجنسية الأمريكية، محمد عماشة، بعد قضائه 486 يوما في السجون على خلفية اتهامه بحمل لافتة تظاهر.

ومن المرجح أن يبعث فوز بايدن روحا جديدة في "مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط" Project on Middle East Democracy (POMED)، لكن من الصعب تخيل مشهد اللقاء الواعد بالتغيير الذي جمع طلاب جامعة القاهرة في مايو أيار 2009 بالرئيس الديمقراطي باراك أوباما الذي كانت مصر أول عاصمة شرق أوسطية يزورها - بعد انتخابه - حتى قبل اسرائيل، واستمرت إدارته في دعمها لثورات الربيع العربي التي أطاحت بزعماء كانوا حلفاء تقليديين لواشنطن وأولهم الرئيس الراحل حسني مبارك.

وكان أوباما يريد وقف المساعدات المالية والعسكرية لنظام الرئيس السيسي إثر إطاحته بحكومة الرئيس الإسلامي المنتخب محمد مرسي (توفي بالسجن في يوينيو 2019)، وهي مساعدات تقدمها واشنطن لمصر منذ توقيع هذه الأخيرة لمعاهدة كامب ديفيد للسلام سنة 1978.

اتفاقيات السلام بين اسرائيل ودول عربية برعاية ترامب خطوة لا يتوقع أن يتراجع عنها بايدن صورة من: Getty Images/A. Wong

ويعتقد مراقبون غربيون بأن سياسة بايدن إزاء مصر لن تكون نسخة مكررة لسياسة إدارة أوباما، لكنها لن تستمر في سياسة ترامب، ومن المرجح أن يكون عنصر الاستمرارية في كل الأحوال هو الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية مع مصر كداعم للسلام مع إسرائيل، وكشريك في الحرب على الإرهاب، ودون أن يتخلى عن قضايا حقوق الانسان.

وتتعزز هذه النظرة لمستقبل العلاقات الأمريكية المصرية، باستمرار الدور المصري في دعم اتفاقيات التطبيع مع إسرايئل التي وقعتها الإمارات والبحرين والسودان.

ولكن ملامح السياسة الأمريكية في المنطقة ستكتمل بعناصر أخرى وملفات متشابكة ترتبط بالملف الإيراني والعلاقة مع السعودية وتركيا، ولن يغيب عنها "دعم الديمقراطيات" كما جاء في مقال لبايدن نشره في مجلة فورين أفيرز الأمريكية بعددها الربيعي (مارس-أبريل) الماضي.

ذريعة أخرى لمحاصرة الديمقراطية الناشئة

بيد أن دعم الديمقراطيات في العالم، سيقتضي من إدارة بايدن المقبلة أن تقدم الديمقراطية الأمريكية كنموذج، وهنا تبدو الصورة مشوشة في طريق بايدن وإدارته المقبلة.

ذلك أن بايدن خرج من معركة انتخابية مريرة تلوثت فيها صورة الديمقراطية الأمريكية العريقة، ليس فقط بمشهد الرئيس الممتنع عن التسليم بهزيمته بحجة وجود تجاوزات في العملية الانتخابية، بل أيضا بما لحق ديمقراطية يتجاوزعمرها قرنين من الزمن، من انقسامات وفضائح تمييز عرقي وعنف.

لقد كشفت انتخابات 2016 التي فاز بها الرئيس ترامب وفترة ولايته، ثغرات وعيوب عديدة في النظام الاجتماعي والسياسي الأمريكي، وإلى أي حد كان النهج الشعبوي الذي انتهجه ترامب مضرا بالديمقراطية الأمريكية والغربية بشكل عام. ما حدا بنائب المستشارة أنغيلا ميركل، وزير المالية الاشتراكي أولاف شولتس للتحذير من مآل مشابه في ألمانيا. وكتب شولتس في مقال لصحيفة "بيلد أم زونتاغ" الألمانيةفي عددها ليوم الأحد (8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020)  لم يكن "مجرد إثارة سياسية استمرت لأيام، بل كان أيضاً تحذيراً قوياً لنا في ألمانيا مما يمكن أن يؤول إليه الأمر، عندما ينقسم مجتمع ما"، مشيرا إلى توظيف الرئيس ترامب و"بلا هوادة" خلال فترة رئاسته للانقسام في المجتمع الأمريكي وتعميقه.

منصف السليمي، صحفي خبير بالشؤون المغاربية بمؤسسة DW الألمانية

وفي مقاله المنشور قبل ستة أشهر يتحدث بايدن عن "تجديد الديمقراطية في الداخل" كأولوية في حالة فوزه بالانتخابات. ولاشك أن من أهم مقومات الديمقراطية الحديثة هو قدرة مؤسساتها على التصحيح الذاتي، لتجاوز الثغرات والمخاطر التي تهددها في السنوات الأخيرة جراء تنامي التيارات الشعبوية. وبالنسبة للولايات المتحدة، وفق منظور بايدن، فان المسألة تتعلق أيضا بـ"مصير القوة الأولى في العالم ودورها القيادي" الذي يهتز في العالم تحت وطأة المنافسة مع الصين وقوى أخرى.

لكن، تحذير زعيم سياسي مثل أولاف شولتس القيادي في أعرق حزب ألماني (الاشتراكي الديمقراطي) من قساوة دروس الانتخابات الأمريكية على ديمقراطيات أوروبية عريقة، يحمل معه محاذير أكبر بالنسبة لديمقراطيات ناشئة في تونس أو السودان أو لبنان، ناهيك عن بلدان عربية أخرى ما تزال في قلب صحراء الاستبداد.

ومن هنا تبدو خطورة الخطاب القومي الشعبوي والإسلاموي على الديمقراطية في العالم العربي، وكلاهما يتوفر على معول فعال في هدم الحريات والديمقراطية، ليس فقط في ظل غياب العدالة الاجتماعية وتفشي البطالة وانسداد الآفاق أمام الشباب وهزال حصيلة حكم أحزاب الاسلام السياسي، بل أيضا بتوظيف الثغرات التي ظهرت في الديمقراطية الأمريكية للتشكيك في النظام الديمقراطي نفسه، والترويج لنظريات المؤامرة في تفسير أحداث الربيع العربي.

وإذا كانت الانتخابات الأمريكية والأوروبية، قد أظهرت في السنوات القليلة الأخيرة إلى أي حد يمكن توظيف شبكات التواصل الاجتماعي وهجمات قراصنة الانترنت، من قبل الشعبويين ومن قبل قوى خارجية مناوئة للقيم الديمقراطيةلتهديد ديمقراطيات عريقة والتلاعب بأصوات ناخبيها، فان الأمر يمكن أن يكون أكثر فداحة بالنسبة للعالم العربي. إذ تفيد تقاريرمتخصصة عديدة بأن الديمقراطية الناشئة في تونس تعرضت وما تزال تتعرض لمحاولات إجهاض وإرباك ضخمة.

ومن يتصفح منصات مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام عربية عديدة حاليا في سياق الانتخابات الأمريكية، تطالعه عناوين من قبيل "أزمة الديمقراطية الأمريكية"، "انهيار الديمقراطية الأمريكية"، وهي ليست كلها قلقا على مستقبل الديمقراطية، بل يتم في غضون كثير منها تحميل الديمقراطية أوزار الفوضى والمشاكل البنيوية في المجتمعات العربية، ومن خلالها يتم استدعاء الحلول الأمنية والقبضة الحديدة كسبيل لـ"الخلاص" وكمسوغ لوأد أي حراك ديمقراطي وإجهاض الديمقراطية الناشئة!

 

منصف السليمي صحفي في مؤسسة DW الألمانية، خبير بالشؤون المغاربية
تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW