تحليل: تداعيات انهيار الائتلاف وفوز ترامب على اقتصاد ألمانيا
١٧ نوفمبر ٢٠٢٤كان من المفترض أن يؤدي فوز دونالد ترامب إلى تماسك الائتلاف الحكومي الذي قاده المستشار أولاف شولتس لنحو ثلاث سنوات من أجل مواجهة المخاوف والتحديات التي يفرضها هذا الفوز على العلاقات الأمريكية الأوروبية بشكل عام والأمريكية الألمانية بشكل خاص. ومما لا شك فيه أن تحديات الحرب في أوكرانيا والتحديات الاقتصادية على رأسها. غير أن المفاجأة الكبرى جاءت بانهيار هذا الائتلاف قبل مرور 24 ساعة على تأكيد الفوز عندما أعلن المستشار إقالة كريستيان ليندنر، وزير المالية ورئيس الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) الشريك في الائتلاف الذي ضم أيضا الحزب الاشتراكي الديمقراطي (حزب شولتس) وحزب الخضر.
جوهر النزاع بين أطراف الائتلاف المنهار
شكل النزاع على ما يسمى "فرملة الديون" جوهر النزاع بين الحزب الديمقراطي الحر من جهة وطرفي الائتلاف الآخرين أي الاشتراكيين والخضر من جهة أخرى. وفرملة الديون هي آلية ينص عليها الدستور وبموجبها لا يجوز أن يتجاوز العجز السنوي للميزانية في ألمانيا نسبة 0.35 من الناتج المحلي الإجمالي. ونظرا لحاجة الحكومة إلى مزيد من المال لمواجهة أزمة الاقتصاد الألماني وتقديم المزيد من الدعم إلى أوكرانيا أراد المستشار أولاف شولتس إعلان حالة طوارئ وتعليق فرملة الدين من أجل مزيد من الاقتراض وسد العجز في الموازنة الحكومية.
غير أن وزير المالية ليندنر رفض ذلك واقترح القيام بإصلاحات سريعة لتحفيز الاقتصاد من خلال تخفيض الضرائب وتبسيط النظام الضريبي وتقليص البيروقراطية والحد من تدخل الدولة المباشر في الاقتصاد. وكان رد المستشار على ذلك بالرفض وإقالة وزير المالية وإعفاء الوزراء الآخرين من حزب الوزير (الحزب الديمقراطي الحر). وبهذه الإقالة أضحت حكومة شولتش حكومة أقلية لا تتمتع بأغلبية برلمانية ما يعني طرح الثقة بها وحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة وتشكيل حكومة جديدة.
الخوف من مزيد من التشرذم
بعد انهيار الائتلاف تم الاتفاق بين الكتل البرلمانية على طرح الثقة أواسط ديسمبر/ كانون الأول 2024 وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في 23 فبراير/ شباط 2025. وهذا يعني أن حكومة جديدة من ائتلاف جديد النور قبل مايو/ أيار القادم على الأرجح بسبب الوقت الذي تتطلبه المشاورات والاتفاق بين أحزب الائتلاف القادم.
ويخشى مراقبون من أن يطول الوقت أكثر وقد يطول الأمر أكثر في حال خرجت الانتخابات بمزيد من التراجع للاشتراكيين والخضر لصالح الشعبويين من اليمين واليسار كما حصل مؤخرا في انتخابات البرلمان الأوروبي والانتخابات المحلية في بعض ولايات شرق ألمانيا. وفي حال حصل ذلك سيكون هناك مزيد من التشرذم في الخارطة السياسية الألمانية بشكل يجعل تشكيل ائتلاف حكومي أصعب من أي وقت مضى.
هل تزداد أزمة الاقتصاد حدة بعد فوز ترامب؟
تأتي الأزمة السياسية الحالية والمخاوف المرافقة لها في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية تختلف عن الأزمات التي مرت بها البلاد من قبل كالأزمة المالية العالمية وأزمة جائحة كورونا. فالأزمتان الأخيريتان حدثتا بشكل يمكن وصفه بأنه صاعق ليشكل صدمة دفعت الحكومات المعنية ومن بينها الحكومة الألمانية آنذاك برئاسة أنغيلا ميركل إلى الإسراع في تخصيص حزم مالية وإجراءات لمواجهتها. غير أن الأزمة الحالية تزحف بشكل بطئ وكأنها تسترق الوقت لتصيب رويدا رويدا عصب الاقتصاد الألماني المتمثل بالصناعات التحويلية وفي مقدمتها صناعة السيارات والصناعة الهندسية والكهربائية والمعدنية والكيميائية.
وحسب معهد إيفو/ IFO للبحوث الاقتصادية فإن نصف الشركات تقريبا، أي نحو 48 بالمائة منها تشكو من قلة الطلب على بضائعها. كما تشكو من الضرائب وتكاليف الطاقة المرتفعة ومن البيروقراطية المقيتة. ولا تبدو الصورة وردية أيضا خارج القطاعات الأساسية حسب معهد إيفو الذي أفاد بأنه لا يوجد في ألمانيا حاليا قطاعات باستثناء قطاع الاستشارات القانونية والضريبية لا تعاني من نقص الطلبيات.
ومؤخرا لخص رئيس معهد الاقتصاد العالمي في مدينة كيل الألمانية موريتس شولاريك الوضع بأنه "أصعب فترة في تاريخ الجمهورية الاتحادية" أيضا بسبب تحديات التجارة الخارجية والسياسة الأمنية التي تفرضها إعادة انتخاب ترامب. وفي حال نفذ الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب وعده بفرض رسوم جمركية تصل إلى 20 بالمائة على السلع الأوروبية فإن الاقتصاد الألماني سيشهد المزيد من الركود. وسيكون الوضع في غاية القسوة على المصدرين الألمان الذين يبيعون في السوق الأمريكية سلعا بقيمة أعلى من مثيلتها في أية من أسواق الدول الأخرى. وتصل القيمة السنوية لهذه السلع إلى نحو 170 مليار دولار حسب مؤسسة التجارة الخارجية والاستثمار الألمانية.
بدون حكومة قوية لا أمل في الإصلاح
في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا أعلن المستشار أولاف شولتس عن مرحلة "تحوّل تاريخي" بالنسبة لبلاده. وكان من المفترض أن يحصل هذا التحول في الاقتصاد إلى جانب السياسة لارتباط بعضهما ببعض. غير أن السنوات التي مرت من حكم شولتس حتى الآن لم تشهد سوى القليل من التغيرات على هذين الصعيدين لأسباب معروفة على رأسها الخلافات المستمرة بين أطراف الائتلاف الذي انتهى. وزاد الطين بلة تحول ألمانيا إلى ثاني أكبر مانح للمساعدات العسكرية لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة في ظل تعثر الاقتصاد وإعلان آلاف الشركات عن إفلاسها.
والآن وبعد أن أصبحت الحكومة الألمانية حكومة أقلية ليس بإمكانها القيام بأكثر من تسيير أمور البلاد اليومية ريثما تجري انتخابات مبكرة في فبراير/ شباط 2025 وتتشكل حكومة ائتلافية جديدة. ومما يعنيه ذلك أن اتخاذ القرارات المهمة على أصعدة مواجهة أزمات الشركات والاقتصاد والتحديات الأمنية التي تفرضها عودة ترامب إلى السلطة سيبقى مؤجلا إلى حين.
والسؤال المطروح هنا بقوة، هل تنعم ألمانيا بحكومة جديدة قادرة على القيام بالمهام المطلوبة منها وإزالة حالة عدم اليقين التي تضيف المزيد من السم لمناخ الأعمال والاستثمار في ألمانيا. ويأتي على رأس هذه المهام دعم قطاع صناعة السيارات وخفض أسعار الطاقة وتخفيف الأعباء الضريبية وتقليص البيروقراطية.