1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: "ترامب الثاني".. مفعول دومينو على نزاع الصحراء؟

Moncef Slimi Kommentarbild App
منصف السليمي
١٥ يناير ٢٠٢٥

مع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تتجه الأنظار إلى التأثيرات المتوقعة لسياسة إدارته الجديدة إزاء ملف الصحراء الغربية. فهل يكون عام 2025 حاسما في مآلات أقدم نزاع في القارة الأفريقية؟

يتولى الرئيس المنتخب دونالد ترامب في 20 كانون الثاني/يناير 2025 عهدته الثانيةصورة من: Evan Vucci/AP/picture alliance

هذا العام يكون نزاع الصحراء الغربية قد مضى عليه نصف قرن من الزمن، فهل يحمل 2025 معه بوادر لطيه في ذكرى مرور خمسين عاما على انسحاب إسبانيا من الإقليم وتنظيم المغرب للمسيرة الخضراء؟

لرسم ملامح للتطورات والسيناريوهات التي يمكن أن يشهدها هذا الملف الشائك في أفق السنة الجديدة، يمكن بداية رصد أبرز الأطراف والعوامل المؤثرة في تطوراته. بدءا بالأطراف المباشرة في النزاع وهي المغربوجبهة البوليساريو التي تطالب بالاستقلال بدعم رئيسي من الجارة الجزائر.

وفيما يُوكل للأمم المتحدة دور أساسي كإطار لتسوية النزاع في إطار القرارات الدولية التي تصدر منذ نصف قرن، تلعب أطراف إقليمية ودولية أخرى أدوارا مؤثرة، لاعتبارات متداخلة: جيوسياسية وتاريخية، ومن أبرزها إسبانيا وفرنسا بالإضافة للولايات المتحدة الأمريكية.

 

دور أممي محدود لكن لا غنى عنه

 

في أحدث تقرير للأمم المتحدة صدر في نهاية شهر أكتوبر تشرين الأول 2024 دعا مجلس الأمن الدولي إلى وجوب التوصّل إلى "حل سياسي واقعي وقابل للتحقيق ومستدام ومقبول من الطرفين" لوضع الصحراء الغربية. وتضمن القرار الأممي تمديدا لتفويض بعثة الأمم المتحدة فيها لمدة عام حتى 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2025.

وفي منظور الأمم المتحدة تعتبر الصحراء الغربية "منطقة غير متمتعة بالحكم الذاتي"، وتبلغ مساحة المستعمرة الإسبانية السابقة 266 ألف كيلومتر مربع وتحتوي على ثروات سمكية واحتياطات كبيرة من الفوسفات، وتقع في ملتقى طرق على الساحل الأطلسي والصحراوي بين شمال وغرب أفريقيا.

ويشكل الإقليم منذ عقود منطقة نزاع بين المغرب وجبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر. ويبسط المغرب سيطرته على أكثر من 80 بالمئة من هذا الإقليم ويقترح منحه حكما ذاتيا تحت سيادته، فيما تدعو بوليساريو (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) إلى استقلاله.

وتعثرت جهود الأمم المتحدة لتنظيم خطة استفتاء تقرير المصير التي نصّ عليها اتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 1991 وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 690. وبعد أن حالت الخلافات حول من يحق له التصويت دون إجراء الاستفتاء.

وكمخرج من المأزق، أقرت الأمم المتحدة سنة 2007 (القرار1783) صيغة تسوية "تفاوضية ومقبولة من طرفي النزاع" برعاية المبعوث الأممي الخاص بالصحراء، وعرض المغرب منذ ذلك الحين مشروع "الحكم الذاتي الموسع" تحت سيادته كحل وحيد لحل النزاع.

ستافان دي مستورا المبعوث الأممي في الصحراءصورة من: Riccardo De Luca/AA/picture alliance

وفي ظل جمود الملف على مستوى الأمم المتحدة يمكن رصد تطورين في الآونة الأخيرة: أولهما أنه مع مرور الزمن يحصل المقترح المغربي على مزيد من التأييد الإقليمي والدولي.

وثانيهما: معلومات كُشف عنها ضمن مداولات جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي حول ملف الصحراء، حيث ذكر أن المبعوث الأممي ستافان دي مستورا طرح فكرة تقسيم الصحراء، وبأن المغرب وجبهة البوليساريو رفضا الفكرة بشكل تام. وبحسب محضر اجتماع مجلس الأمن اعترف دي مستورا بأنه اصطدم بانسداد آفاق التفاوض بين أطراف النزاع.

وسيكون الديبلوماسي الإيطالي السويدي المخضرم (79 عاما) الذي يعتبر المبعوث الأممي الثامن منذ إقرار خطة الاستفتاء سنة 1991، أمام اختبار نهائي في غضون الأشهر القليلة المقبلة، وإذا لم يحقق خلالها اختراقا في الحوار باتجاه التفاوض على "حل توافقي" لا يستبعد محللون أن يقدم استقالته.

بيد أنّ فشل المبعوث الأممي في حال حدوثه، قد لا يعني بالضرورة نهاية لدور الأمم المتحدة في تسوية النزاع، إذ سيتعين على الأطراف دائما الاعتماد على المنظمة الأممية كمظلة لطي الملف.

 

مواقف القوى الإقليمية والدولية المؤثرة

 

منذ قرار إدارة الرئيس دونالد ترامب (في نهاية ولايته الأولى) في ديسمبر/ كانون الأول 2020 الاعتراف بسيادة المغرب على الإقليم، بات المحللون ينظرون باهتمام متزايد للدور الأمريكي.

وخلال أربعة أعوام حافظت إدارة الرئيس جو بايدن المنتهية ولايته، على موقف الإدارة السابقة، لكنها لم تحدث فيه أي اختراق يذكر. وهو ما يثير السؤال من جديد عما إذا كانت إدارة ترامب الثانية ستضفي زخما جديدا عبر مبادرات وتحركات جديدة وفي أي اتجاه ستكون؟

اعتراف الرئيس دونالد ترامب (2020) بسيادة المغرب على الصحراء..بتزامن مع اتفاق ثلاثي أمريكي مغربي إسرائيلي

في غضون ذلك تحصد الدبلوماسية المغربية تأييدا متزايدا لاقتراح الحكم الذاتي الموسع، أبرزها وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في يوليو/ تموز 2024 تحت قبة البرلمان المغربي في الرباط بأن بلاده ستنشط "دبلوماسيا" في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لدعم المقترح المغربي حلا وحيدا للنزاع حول الصحراء الغربية. وقال ماكرون "بالنسبة لفرنسا، يندرج حاضر هذه المنطقة ومستقبلها في إطار السيادة المغربية".

وجاء الموقف الفرنسي بعد إعلان مدريد تأييدها لخطة الحكم الذاتي التي طرحتها الرباط، فيما اعتبر تحولا تاريخيا في الموقف الإسباني، وأبدت الجزائر انزعاجا كبيرا من مواقف فرنسا وإسبانيا. وبدورها أبدت برلين وعواصم أوروبية أخرى تأييدها لمقترح الحكم الذاتي الموسع كأساس "واقعي وبناء" لتسوية نزاع الصحراء في إطار الشرعية الدولية.

وفيما كانالمغرب ينتظر موقفا مشتركا من التكتل الأوروبي يدعم اقتراحه، صدر قبل نهاية العام الماضي قرار من محكمة العدل الأوروبية يعتبر أن المفوضية الأوروبية "انتهكت حق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير"، بإبرامها اتفاقات تجارية مع المغرب تتعلق بالصيد والزراعة عام 2019، شملت أيضا منتجات من الصحراء الغربية.

وتفيد مؤشرات عديدة بأن الرباط وبروكسل تبذلان مساع للحفاظ على زخم العلاقات وعدم تصدعها إثر قرار المحكمة، إذ شدّد الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية السابق، جوزيب بوريل، في منتصف أكتوبر/ تشرين أول الماضي، التأكيد على "القيمة الكبيرة" التي يوليها الاتحاد الأوروبي للشراكة الاستراتيجية مع المغرب.

 

عقدة العلاقات المغربية الجزائرية

 

رغم أنالعلاقات المغربية الجزائرية شهدت أزمات مزمنة على خلفية نزاعات حول الحدود الموروثة عن الاستعمار الفرنسي وتسببت في حرب الرمال (سنة 1963) وقطع للعلاقات الديبلوماسية، إلا أن المنعطف الأسوأ في تاريخ علاقات البلدين يرتبط بنزاع الصحراء الغربية.

فقد كان خروج المستعمر الإسباني من الإقليم بناء على اتفاقيات مدريد الثلاثية (نوفمبر/ تشرين الثاني 1975) وتقاسم المغرب وموريتانيا نفوذهما عليه، وأعقبه صدور توصية من الأمم المتحدة في مايو/ أيار 1975 بشأن تقرير المصير في الإقليم.

وشكل إعلان المغرب تنظيم المسيرة الخضراء في السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني 1975 منعطفا في تاريخ النزاع حول الإقليم وخصوصا بين المغرب والجزائر التي انخرطت بشكل أعمق في أدوار ديبلوماسية وعسكرية داعمة لمطالب جبهة البوليساريو بالاستقلال.

وبعد عقد ونيف من نزاع مسلح راح ضحيته عشرات الآلاف من الجانبين، تم التوصل في سبتمبر/ أيلول 1991إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين جبهة البوليساريو والمغرب. وتزامن ذلك بتقارب جزائري مغربي وتأسيس الإتحاد المغاربي (1989).

بيد أنّ فترة التقارب لم تدم طويلا، إذ عادت أجواء التوتر وإغلاق الحدود منذ سنة 1994 ثم إعلان الجزائر في صائفة سنة 2021 قطع علاقاتها الديبلوماسية مع المغرب، بعد أشهر قليلة من حادث معبر الكركارات سنة 2020، واعتراف إدارة ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

وفي الوقت الذي ضاعف فيه المغرب جهوده الديبلوماسية على أصعدة إقليمية (خصوصا القارة الأفريقية) ودولية لكسب مزيد من الدعم لاقتراحه بإقامة حكم ذاتي موسع في الصحراء، صعّدت الجزائر سياستها ضد المغرب والدول التي تؤيد خطته في الصحراء.

وبات ملف الصحراء في دائرة "الأمن القومي" في المنظور الأمني والاستراتيجي الجزائري. إذ ضاعفت الجزائر من استعراضها للقوة العسكرية عبر مناورات على حدود المغرب، ما حدا بوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة للقول في نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، أمام برلمان بلاده، بأن "هناك مؤشرات تدل على رغبة الجزائر في إشعال حرب بالمنطقة والدخول في مواجهة عسكرية مع المغرب".

وإثر إعلان مدريد موقفها المؤيد لاقتراح الحكم الذاتي الموسع أعلنت الجزائر تجميد معاهدة الصداقة والعلاقات التجارية بين البلدين، كما شهدت علاقات الجزائر بباريس تصعيدا ملحوظا إثر إعلان الرئيس ماكرون دعمه لسيادة المغرب على الصحراء.

الجزائر تعتبر ملف الصحراء ضمن "الأمن القومي" الجزائريصورة من: Fateh Guidoum/AP Photo/picture alliance

وجدد وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف مؤخرا رفض بلاده مقترح الحكم الذاتي كأساس لتسوية نزاع الصحراء واعتبره "خرافة.. ومماطلة ومناورة لكسب الوقت".

كما تراجعت فرص احتواء التدهور في علاقات الجارين المغاربيين، رغم مساعٍ أوروبية وعربية للتوسط بين البلدين، رفضتها الجزائر كما رفضت دعوات من العاهل المغربي الملك محمد السادس للحوار والتصالح.

ولتطبيع علاقاتها مع الرباط تشترط الجزائر تسوية خلافات أمنية واقتصادية وحدودية وترفض التنازل في موقفها من ملف الصحراء الذي يعتبره المغرب حجر زاوية في سياسته. وزاد الوضع تعقيدا بين البلدين منذ قرار المغرب استئناف علاقاته الديبلوماسية مع إسرائيل وتوقيع اتفاقيات أمنية وعسكرية.

 

سيناريوهات متباينة في تطورات ملف الصحراء

 

فيما تشتد الصراعات بمناطق عديدة من العالم بدءا من حرب أوكرانيا والتوتر الصيني الأمريكي حول تايوان وصولا إلى حرب غزة وتداعياتها الإقليمية، يزداد الاستقطاب والتنافس شراسة بين القوى الغربية وكل من روسيا والصين في القارة الأفريقية التي تشهد مزيدا من الاضطرابات وحروبا بالوكالة وانقلابات عسكرية.

منصف السليمي، صحفي بمؤسسة DW الألمانية، خبير بالشؤون المغاربية

وبحكم موقعها الاستراتيجي كمنطقة تقاطع بين أوروبا والشرق الأوسط والقارة الأفريقية، تتعرض المنطقة المغاربية لضغوط متزايدة وحالة استقطاب غير مسبوقة بين القوى العالمية المتنافسة. وبقدر ما تشكله موارد ومؤهلات هذه المنطقة من حوافز للتبادل وتنمية التعاون الإقليمي والدولي، تُهدد وضعها الجيوسياسي مخاطرُ جمّة يمكن أن تتحوّل بانقساماتها وتوتراتها إلى صدامات بين قوى محلية وخارجية. وهو ما يثير لدى عدد من الخبراء قراءات وتوقعات متباينة لمستقبل الصراع حول الصحراء.

 

1. سيناريو تسوية قريبة: دور ألماني أو أمريكي؟

 

يتوقع محللون بأن تشهد السنة الجديدة تزايدا في عدد الدول التي تؤيد مقترح الحكم الذاتي الذي يقدمه المغرب لتسوية نزاع الصحراء، وخصوصا منها الدول المؤثرة داخل التكتلات الإقليمية والمؤسسات الدولية، مثل الإتحاد الأوروبي والإتحاد الأفريقي ومجلس الأمن. وهو ما يمكن أن يهيئ الأجواء لتسوية للنزاع.

ويعزز هذه التوقعات الحاجة إلى إنهاء هذا النزاع الذي عمر طويلا وتسبب في معاناة إنسانية على إمتداد عقود، ووجود مصالح لدى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحتى الصين في تشجيع الدول المغاربية على الاستقرار ومساعدتها على التحول إلى قاعدة اقتصادية واعدة وحلقة وصل أساسية بالعمق الأفريقي.

وفي ظل تراجع دور الوساطات العربية (المغاربية والخليجية) لتقريب وجهات النظر بين المغرب والجزائر، يرى محللون بأن القوى الغربية التي طالما لعبت دورا سلبيا في تعميق الانقسامات بين الدول المغاربية، تتزايد حاجتها الآن إلى منطقة مغاربية مستقرة، خصوصا بعد تراجع النفوذ الفرنسي والأوروبي في القارة الأفريقية.

وفيما يشكل الموقفان الإسباني والفرنسي الداعمان لمقترح الحكم الذاتي عنصر ضغط باتجاه اعتماده رسميا من قبل التكتل الأوروبي والمجتمع الدولي كقاعدة لتسوية النزاع، يرى وزير الخارجية التونسي الأسبق والأمين العام السابق للإتحاد الأوروبي، حبيب بن يحي، أن موقف ألمانيا وعلاقاتها "المتوازنة" مع كل من المغرب والجزائر، يرشحها للعب دور الوسيط.

في ندوة نظمها مجلس العلاقات الخارجية التونسي (هيئة تفكير غير حكومية) بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية(القريبة من الحزب المسيحي الديمقراطي) مؤخرا في تونس، حول مستقبل "الشراكة الأوروبية المغاربية"، أعرب بن يحي عن اعتقاده بأن برلين تمتلك أوراقا قوية تمنحها فرص نجاح إذا قامت بمبادرة للتوسط بين المغرب والجزائر، وبالتالي مساعدة المنطقة المغاربية على نزع فتيل التوترات التي تعرقل فرص الاندماج المغاربي وتهدد الأمن الأوروبي أيضا.

لاجئات صحراويات في مخيمات تيندوف جنوب غرب الجزائرصورة من: Toufik Doudou/AP/picture alliance

لكن أهمية المنطقة المغاربية بالنسبة لأوروبا قد تبدو في تراجع على الأقل في المرحلة الحالية، بسبب انشغال العواصم الأوروبية بقضايا الأمن في شرق أوروبا وأطوار حرب أوكرانيا وبالتحديات الداخلية وخصوصا التجاذبات التي يفرضها اليمين المتطرف.

وفيما تبدو فرص الأدوار العربية والأوروبية محدودة في التأثير على تطورات الصراع الإقليمي حول الصحراء الغربية، يرجح خبراء أن تكون لعودة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، دورا أكثر تأثيرا باتجاه طي ملف الصحراء.

فـ"ترامب الثاني" الذي كان عرّاب الاتفاق الثلاثي بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة، وبموازاته أعلن اعترافه بسيادة المغرب على الصحراء، وبما تملكه بلاده أوراق ضغط على أطراف النزاع، يمكن أن يقدم على خطوات جديدة تكرس تسوية نهائية للنزاع.

بيد أنّ دورا محتملا من ترامب سيكون مرتبطا بأجندة سياسته وتحالفاته في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وضمنها اعتبار المغرب كحليف استراتيجي من خارج حلف الناتو، من ناحية. وحسابات وتوازنات جيوسياسية مع قوى إقليمية وعالمية منافسة مثل روسيا والصين، من ناحية ثانية.

 

2. سيناريو تفاقم الصراع

 

ثمة مؤشرات عديدة يطرحها خبراء كعناصر ترجح سيناريو تفاقم الصراع واحتمال انفجار الأوضاع بالمنطقة المغاربية. وأول هذه المؤشرات تفاقم سباق التسلح بين الجزائر والمغرب، والذي بلغ مستوى غير مسبوقا في تاريخ المنطقة.

المؤشر الثاني، يكمن في مظاهر التوتر الأمني سواء في المنطقة العازلة بالصحراء أو في مناطق حدودية أخرى بين الجزائر والمغرب.

وكان انطونيو غوتيريش أمين عام الأمم المتحدة قد حذّر في تقرير أممي يغطي الفترة من 1 تموز/يوليو 2023 لغاية 30 حزيران/يونيو 2024، من أن "استمرار الأعمال العدائية وغياب وقف لإطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو يمثّلان انتكاسة واضحة في البحث عن حلّ سياسي لهذا النزاع الطويل الأمد".

وكان لافتا خلال الأشهر الماضية صدور تقارير استخباراتية من ثلاث دول أوروبية: فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، تحذر من سيناريو نشوب حرب بين الجزائر والمغرب.

ومن جهته حذر وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة من إشعال حرب ضد بلاده، قائلا: "هناك مؤشرات تدل على رغبة الجزائر في إشعال حرب بالمنطقة والدخول في مواجهة عسكرية مع المغرب"، مشيرا إلى أن "الجزائر تسعى حاليًا إلى التصعيد" والدخول في "مواجهة مع المملكة".

وأوضح بوريطة أن "الحرب المحتملة قد تكون ردًّا جزائريًّا على المكاسب التي حققها المغرب على الساحة الدولية في قضية الصحراء، من بينها الاعتراف الفرنسي بمغربية الإقليم، وهو يمثل تحولًا عن التصريحات المغربية التقليدية".

المؤشر الثالث، يكمن في وجود إقليم الصحراء الغربية على تخوم منطقة الساحل والصحراء الرخوة حيث ينتشر تهريب السلاح ونشاط الجماعات المتطرفة وميليشيات مرتزقة مثل فاغنر الروسية، على إمتداد منطقة الساحل والصحراء وليبيا.

وكانت تقارير غربية قد حذرت من مخاطر اختراقات جماعات متطرفة وإرهابية أو نفوذ بعض الجماعات الموالية لإيران داخل مخيمات اللاجئين الصحراويين في جنوب غرب الجزائر، وكان هذا الملف من بين أسباب قطع الرباط علاقاتها الديبلوماسية مع طهران منذ سنة 2018.

تقوم بعثة مينورسو بحفظ السلام ومراقبة وقف إطلاق النار بناء على قرار مجلس الأمن الدولي سنة 1991صورة من: Fadel Senna/AFP/Getty Images

3. سيناريو إدامة النزاع

 

في ظل التعقيدات والأطراف العديدة المتداخلة في ملف الصحراء على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، يرى محللون بأن حلا نهائيا له سيتطلب حيزا من الزمن. ويحتمل هذا السيناريو اتجاهات تطور متباينة سواء باتجاه إيجابي نحو التقارب المغاربي أو باتجاه تكريس منحى صراع طويل الأمد وبلا أفق.

إذ يمكن لعامل الزمن أن يتحقق في غضونه تخفيف عوامل التوتر ونضج شروط حوار شامل بين المغرب والجزائر، يكون نتاج رغبة متبادلة من الطرفين، وربما أيضا نتيجة تغييرات سياسية داخلية مثل تنامي الضغط المحلي من المجتمع المدني والهيئات الأكاديمية ورجال المال والأعمال باتجاه تبني مقاربات تقوم على الديمقراطية والتنمية المندمجة مغاربيا.

لكن عامل الزمن يمكن أن ينطوي أيضا على تأثير عوامل خارجية سلبية، يمكن أن تساهم في ترجيح سيناريو إدامة النزاع، ويكمن في وجود قوى عديدة إقليمية وعالمية مستفيدة من الصراع مثل تجارة السلاح والحصول على امتيازات اقتصادية جمة تقدمها الجزائر والمغرب لكسب مواقف هذه الدولة أو تلك.

وعلى غرار زمن الحرب الباردة، يمكن أن تساهم حالة الاستقطاب والمنافسة الشرسة بين القوى الغربية وكل من روسيا والصين في إبقاء الأوضاع بالمنطقة المغاربية في حالة جمود "ستاتيكو". ويمكن لهذا المنحى أن يتكرس أيضا في ظل ضعف التنسيق داخل التكتل الأوروبي واحتمال ظهور تضارب في سياسات إدارة ترامب مع الشركاء الأوروبيين، وهو سيناريو لا تخفي عواصم أوروبية قلقها إزاء وقوعه.

منصف السليمي صحفي في مؤسسة DW الألمانية، خبير بالشؤون المغاربية
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW