1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: تحت حكم سعيّد..ماذا يعني انتخاب برلمان في ذكرى الثورة

Moncef Slimi Kommentarbild App
منصف السليمي
١٦ ديسمبر ٢٠٢٢

باختياره تنظيم انتخابات تشريعية يوم 17 ديمسبر كانون الأول في تونس، يسعى الرئيس قيس سعيّد لإصابة عصافير عديدة بحجر واحد في ذكرى الثورة. لكن هل يتحقق إقبال التونسيين بكثافة على صناديق الإقتراع وما الذي سيضيفه برلمان جديد؟

سيدة تونسية تشارك في تظاهرة وترفع لوحة بها شعار احتجاجا على الأوضاع الاجتماعيةصورة من: Chedly Ben Ibrahim/NurPhoto/picture alliance

منذ الوهلة الأولى بعد إقدامه في الخامس والعشرين من يوليو/ تموز 2021 على إقالة الحكومة وتعطيل العمل بجزء كبير من دستور 2014 ثم حل مجالس دستورية وقضائية، وصولا إلى حل مجلس النواب، برزت في أجندة التغييرات السياسية والدستورية التي أعلن عنها الرئيس قيّس سعيد، توجهاته لوضع بصماته الشخصية على محطاتها الأساسية، ليس فقط عبر جمع السلطات بيديه من خلال المراسيم التي يصدرها بل أيضا في الصلاحيات المطلقة التي يخولها له الدستور الجديد الذي كرّس ملامح نظام رئاسوي.

حيث اختار تاريخ 25 يوليو كموعد لإجراء استفتاء على دستور جديد، والذي يصادف  الذكرى التاريخيةلإقامة النظام الجمهوري في تونس على يد زعيمها التاريخي الراحل الحبيب بورقيبة. كما اختار تاريخ 17 ديسمبر/ كانون الأول  2022  موعدا لإجراء الانتخابات التشريعية.

معركة سحب الرصيد الرمزي من الأحزاب والنخب

أظهرت تلك الخطوات الرمزية محاولة مزدوجة لكسب قلوب التونسيين بتوجهاتهم المختلفة، سواء الأجيال التي تتعلق بالرصيد التاريخي لبورقيبة في بناء الدولة التونسية الحديثة، أو أجيال الشباب التي فتحت عينيها على زمني نظام الاستبداد في فترة حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وحقبة الثورة التي أشعلت شرارتها حادثة محمد البوعزيزي الشهيرة في سيدي بوزيد. وهو بذلك يحاول أيضا سحب الرصيد الرمزي للثورة. 

والرئيس سعيّد، أستاذ القانون وصل للرئاسة بأغلبية كبيرة في انتخابات  2019، اعتمادا على سمعته كرجل نظيف اليد في مواجهة نخب سياسية تلاحقها تهم الفساد، ولكنه وصل أيضا إلى قصر قرطاج بدعم غامض لحملته الانتخابية، سعى لوضع ملامح رمزية في عناوين أجندة التغييرات الدستورية والسياسية التي دشنها بعد الخامس والعشرين  من يوليو/ تموز 2021، بشعار "تصحيح المسار الثوري"، في محاولة لاستكمال خصائص يفتقدها في رصيده وفي سبيل تكريس هيمنته الشخصية على المشهد السياسي، وسحب الرصيد الرمزي لأجنحة المشهد السياسي التونسي بنخبه وأحزابه الرئيسية، سواء منها التي تنحدر من الإرث البورقيبي والتي كان يتصدرها الرئيس السابق الباجي قايد السبسي قبل وفاته في صائفة 2019، وبعده تتصارع أحزاب وشخصيات لتزعمها ومن أبرزها عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر، الذي كانت بعض استطلاعات الرأي تمنحه أغلبية نوايا التصويت على امتداد السنوات الثلاثة الماضية.

أو الأحزاب والنخب التي تعتمد على الثورة كمرجعية في رصيدها الرمزي، بتوجهاتها المتباينة من إسلاميي حزب النهضة الفائز في انتخابات 2019 بأغلبية نسبية، وأحزاب ليبرالية ويسارية.

في حملته ضد الأحزاب والطبقة السياسية لطالما انتقد الرئيس سعيد مظاهر الفوضى في جلسات البرلمانصورة من: Tunisian Presidency via AP/picture alliance

آليات شلّ قوى المعارضة

يشكل انتخاب برلمان جديد خطوة أساسية أخرى في أجندة الرئيس سعيّد في سبيل إرساء منظومة سياسية جديدة على أساس الدستور الجديد، وبالتالي دق آخر مسمار في نعش المؤسسات المنتخبة المنبثقة عن دستور 2014.

بعد سنة ونصف من تجميعه لكافة السلطات وإزاحته للطبقة السياسية وإسقاطه للمؤسسات الدستورية التي كانت تجسد عملية الانتقال الديمقراطي الذي أعقب الثورة، لم يواجه حكم الرئيس سعيّد تحديات كبيرة من جهة خصومه السياسيين، ويعود ذلك إلى عدة عوامل:

عامل أول: قدرته على توظيف الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية (كوفيد 19) التي شهدتها البلاد في السنوات الماضية، من أجل تحميل الأحزاب والنخب الحاكمة مسؤولية الانهيار الذي شهده الاقتصاد والمنظومة الصحية وتسبب في تضخم تاريخي ومعدلات بطالة كبيرة وأعداد كبيرة من الوفيات بسبب جائحة كورونا. وبالمقابل ظل الرئيس سعيّد يقدّم نفسه عبر خطاب شعبوي وشعار "الشعب يريد"، كمنقذ للبلاد وموحد للتونسيين في مواجهة "أشرار" و"متآمرين على الشعب".

عامل ثاني: استفادته من مظاهر الفساد والخلل والفوضى في المنظومة السياسية والأمنية بالبلاد، لإلقاء اللائمة على الطبقة السياسية برمتها أحزابا حاكمة ومعارضة، واتهامها بالفساد وعدم الكفاءة والصراع على السلطة على حساب الشعب. كما ساعده في ذلك الحملات الممنهجة التي كانت تقوم بها قوى سياسية وشبكات نافذة في الإعلام ومؤسسات الدولة العميقة وجماعات ضغط من خلف الستار محليا وإقليميا، لإظهار الثورة والديمقراطية كنتيجة لـ "مؤامرة" وبأنها لم تحقق سوى الفوضى السياسية والأمنية والانهيار الاقتصادي، ويتلخص ذلك في مقولات "العشرية السوداء" أو "عشرية الخراب" أو "مؤامرة الربيع العربي"، التي تتردد على نطاق واسع في وسائل الإعلام التقليدي وشبكات التواصل الاجتماعي واسعة الانتشار وتؤثر في المجتمع التونسي وخصوصا في أوساط الشباب.

عامل ثالث: كما تمكن الرئيس سعيّد من إبطال مفعول أي تأثير شعبي ضاغط من الأحزاب وهيئات المجتمع المدني المعارضة لحكمه، بالاعتماد على عنصرين مهمين، أولهما عدم قدرة الأحزاب الرئيسية الليبرالية واليسارية والعروبية والإسلامية على تجاوز انقساماتها الشديدة، وهي حالة ساهمت أصلا في شلل مؤسستي الحكومة والبرلمان وبالخصوص بعد انتخابات 2019، وتعمقت تلك الانقسامات بين الأحزاب بعد الخامس والعشرين من يوليو 2021، بداية حول الموقف مما حدث وهل هو "انقلاب" أم "تصحيح لمسار الثورة"، ثم على خلفية الاتهامات المتبادلة بالمسؤولية عما آلت إليه أوضاع البلاد في العشرية التي أعقبت الثورة، وعدم الإقرار بالأخطاء أو القيام بنقد ذاتي.

أما العنصر الثاني الذي اعتمد عليه الرئيس سعيّد لإضعاف تأثير المعارضة،  فيكمن في إصدار ترسانة مراسيم تضيّق على حريات التجمع والتعبير وإطلاق محاكمات عسكرية لنواب وإعلاميين وسياسيين ضمنهم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي رئيس البرلمان المنحل، تحت طائلة تهم مختلفة من قبيل الفساد أو "التخابر مع الخارج" أو "القيام بعمل موحش ضد رئيس الدولة".

ولم يكن للرئيس سعيّد أن يحقق كل ذلك دون اعتماده على قوات الأمن والجيش، بدءا بإغلاق بوابة البرلمان بدبابة ووصولا إلى محاصرة المحتجين في الشوارع، حتى عندما لا يكونون بأعداد كبيرة. ورغم ذلك استمرت احتجاجات أحزاب المعارضة ضد اجراءات الرئيس سعيّد، من الشارع التونسي منذ سنة ونصف، وكان أحدثها يوم العاشر من ديسمبر/ كانون الأول الحالي، مسيرة للاحتجاج على تدهور الأوضاع الاقتصادية وضد إجراءات الرئيس سعيد والمطالبة باستقالته، وذلك بدعوة من "جبهة الخلاص الوطني" التي يتزعمها السياسي اليساري الليبرالي المخضرم نجيب الشابي، وتضم كيانات ليبرالية وإسلامية ومحافظة، وضمنها حزب النهضة الإسلامي و"حركة أمل" و"حراك تونس الإرادة" و"إئتلاف الكرامة" "قلب تونس" ونشطاء مستقلين.

ورغم التقاء أحزاب المعارضة بجبهاتها المختلفة على الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات والتأكيد على ضرورة العودة إلى المسار الديمقراطي، فان تحركاتها ما تزال غير منسقة، فبينما دعت "جبهة الخلاص الوطني" وأطراف أخرى لتوحيد المعارضة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، نأى خماسي جبهة "الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية" المعارضة التي تضم أحزاب "التيار الديمقراطي" و"القطب" و"حزب العمال" و"الحزب الجمهوري" و"حزب التكتل"، عن تنظيم مسيرات في نفس الموعد، وأعلنت تأجيلها إلى يوم 14 يناير/ كانون ثاني من السنة الجديدة، والذي يصادف ذكرى هروب الرئيس الأسبق بن علي إلى المملكة العربية السعودية وسقوط نظامه.

مظاهرة شهدتها تونس العاصمة في اكتوبر/ تشرين أول الماضي 2022 ضد اجراءات الرئيس سعيّدصورة من: Hassene Dridi/AP/picture alliance

عامل رابع: وثمة عامل مهم يتمثل في تحييد دور بعض هيئات المجتمع المدني ذات النفوذ الاجتماعي والاقتصادي، ولاسيما الرباعي الذي حصل على جائزة نوبل للسلام لدوره في الحوار الوطني الذي قاد إلى توافق حول دستور 2014 وجنب البلاد السقوط في صدام إثر حوادث الاغتيالات السياسية في عام 2012. ويتعلق الأمر خصوصا بمركزية الإتحاد العام التونسي للشغل وهيئة أرباب العمل(اتحاد الصناعة والتجارة) وعمادة هيئات المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.

وقد فقدت هذه المنظمات في الآونة الأخيرة الكثير من دورها التاريخي المؤثر في الحركات الاحتجاجية بالبلاد، وذلك بسبب التجاذبات داخلها بين مؤيدين لإجراءات الرئيس سعيد ومعارضين له، من ناحية، ووقوع بعض قياداتها تحت وطأة ضغوط من السلطة السياسية وإمكانية تحريك ملفات قضائية ضدها بتهم تتعلق بالفساد أو قضايا أخرى. وهو ما يفسر مثلا تراجع دور مركزية الاتحاد العام التونسي للشغل في الدفاع عن قضايا الحريات والديمقراطية، وظهور المركزية النقابية العريقة والنافذة بشكل باهت في المفاوضات الجارية حاليا بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي حول الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد.

التونسيون وصناديق الاقتراع

تأتي الانتخابات التشريعية في يوم الذكرى الثانية عشرة لواقعة حرق البائع المتجول محمد البوعزيزي لنفسه في سيدي بوزيد، التي كانت شرارة للثورة، وأصبح هذا التاريخ بقرار من الرئيس سعيّد التاريخ الرسمي للاحتفال بالثورة بدل الرابع عشر من يناير/ كانون الثاني.

ويعتبر سعيّد السابع عشر من ديسمبر التاريخ "الشرعي" و"الشعبي" للثورة وأحلام مفجريها بالعدل والكرامة والحرية، مقابل الرابع عشر من يناير/ كانون الثاني الذي يرمز برأيه إلى "انقلاب" و"خيانة" الطبقة السياسية لثورة الشباب.

منصف السليمي، صحفي خبير في الشؤون المغاربية بمؤسسة DW الألمانية

وعندما يُنتخب البرلمان في ذكرى الثورة فإن ذلك لا يؤدي فقط إلى استكمال عملية بناء المؤسسات المنبثقة من الدستور الجديد، وإنما يهدف أيضا إلى طي صفحة المؤسسات الدستورية المنبثقة عن دستور 2014 ووصمها بـ"اللاشعبية".

لكن المعارك السياسية بين الرئيس سعيّد والمعارضة رغم طابعا المصيري حول مستقبل البلاد، لا تعدو في نظر قطاعات واسعة من المجتمع التونسي، كونها ضربا من ضروب الصراعات النخبوية البعيدة عن هموم الناس اليومية مثل تدهور المستوى المعيشي وارتفاع معدلات التضخم والبطالة. كما تشهد البلاد أكبر موجات هجرة نحو أوروبا بالخصوص، سواء عبر طرق الهجرة غير القانونية أو هجرة الكفاءات. وتفيد تقارير مراكز متخصصة بأن السنوات الخمس الماضية شهدت أعلى معدلات الهجرةفي صفوف الشباب وفقدت البلاد أكثر من 40 ألف مهندس و 33 ألف طبيب.

وهو ما يطرح السؤال حول نظرة معظم الفئات الاجتماعية للانتخابات وهل ترى فيها سبيلا لتحسين أوضاعها.

واستنادا إلى مؤشرات عديدة في وسائل الإعلام التونسية وهيئات المجتمع المدني، يرصد مراقبون فتورا واضحا في سلوك المواطنين إزاء حملات المرشحين للانتخابات. فناهيك عن دعوات المقاطعة التي أطلقها 12 حزبا من المعارضة، يبدو أن نظام الاقتراع القائم على ترشح الأفراد بدل اللوائح والذي يؤدي عمليا إلى إضعاف دور الأحزاب، يطرح أيضا صعوبات على مستوى الترشيحات لاسيما أن القانون الانتخابي يضع قيودا على الترشح إذ يشترط توفر كل مترشح على تزكية من 400 شخص في دائرته. وقد أدى ذلك إلى تأجيل الاستحقاق الانتخابي في سبعة دوائر انتخابية بالخارج بسبب عدم توفر شرط التزكيات. بينما يخوض مترشحون في عشر دوائر انتخابية داخل البلاد بدون منافسين، بسبب إسقاط الهيئة المستقلة للانتخابات لأسماء المترشحين المنافسين لعدم توفرهم على شرط التزكيات.

ويتنافس 1058 مترشحا  بينهم 16 في المائة فقط من النساء، على 161 مقعدا في مجلس النواب، ومعظم المترشحين هم من المستقلين بخلفيات اجتماعية مختلفة بينهم رجال أعمال أو أعيان مناطق إضافة إلى مترشحين عن جماعات مؤيدة لإجراءات الرئيس سعيّد مثل "حراك 25 جويلية" وحركة "تونس إلى الأمام" وحزب حركة الشعب القومي العروبي وحزب التيار الشعبي، إضافة إلى عدد محدود من نواب سابقين يعتبرون من الصف الثاني أو الثالث في أحزابهم (معارضة) .

ناخبة تونسية تتطلع إلى منشورات المترشحين للانتخابات صورة من: Yassine Gaidi/AA/picture alliance

وبموجب الدستور الجديد، سيكون انتخاب مجلس النواب الحلقة الأولى في مسلسل انتخابي قد يطول ثلاثة أشهر على الأقل لإفراز مجلس النواب بشكل نهائي. بينما يظل تاريخ بدء اشتغال البرلمان الجديد غير واضح في ظل عدم إعلان أجندة انتخابات المجلس الأعلى (الغرفة الثانية). ويتكون البرلمان من مجلس نواب ينتخب انتخابا مباشرا في دورتين، حيث تجري الأولى في السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول وتكون الثانية في نهاية شهر يناير/ كانون الثاني، بينما سيتم انتخاب المجلس الأعلى، الجمعية الوطنية للمناطق والمقاطعات، بشكل غير مباشر في تاريخ لم يتم تحديده بعد. ويتم تعيين أعضاء المجلس الأعلى من قبل المجالس الإقليمية المنتخبة بشكل مباشر.

وإضافة إلى قاعدة موالاة يتوقع أن تكون مرتفعة في مجلس النواب وفي غياب حضور حزبي بارز، يعوّل الرئيس سعيد على الغرفة الثانية للبرلمان(المجلس الأعلى) ليضع فيه على الأقل بعض ملامح نظام قائم على مجالس محلية، لتجسيد رؤيته الغامضة "لحكم الشعب بنفسه". وفي غضون ذلك لا ينتظر أن يشكل مجلس النواب المنتخب إضافة نوعية في النظام السياسي الذي يرسيه سعيّد خطوة فخطوة منذ إقرار دستور 25 يوليو/ تموز، لأن صلاحيات النواب المنصوص عليها في الدستور محدودة، إذ لا يمتلك سلطة حقيقية في مراقبة الحكومة التي يعود تعيينها وإعفاؤها لرئيس الجمهورية، وهي أصلا تعتبر جهازا تنفيذيا وظيفيا منبثقا من سلطة الرئيس.

لكن ما يبدو صعبا تحقيقه بالنسبة للرئيس سعيّد، هو مسألة الإقبال على صناديق الاقتراع، بعد سنوات من فشل الطبقة السياسية في تحقيق شعارات أساسية للثورة وأحلام الشباب بتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، والتشكيك في جدوى الانتخابات واتهامات بسيطرة المال الفاسد على العمليات الانتخابية وعلى عمل النواب.

إذ يشكل صعود الرئيس سعيّد نفسه للحكم بأغلبية كبيرة معتمدا على خطاب شعبوي، علامة دالة على عدم ثقة المواطنين في الأحزاب وفي البرلمان الذي كان يشكل قلب رحى السلطة وفق دستور 2014.

وفي ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ظل سنة ونصف من السلطة المطلقة بيد الرئيس سعيّد، ليس من الوارد أن تتغير نظرة الناس فجأة حيال الانتخابات البرلمانية. سواء بسبب عدم ثقة الكثيرين في جدوى الذهاب إلى صناديق الاقتراع الذي جربوه خمسة مرات على الأقل منذ تاريخ الثورة( في سنوات 2011 و2014 و2019). أو حتى على ضوء اعتقاد الكثيرين سواء المؤيدين للرئيس سعيّد أو معارضيه، بأن السلطة الحقيقية توجد بيديه ولن يكون للبرلمان دور حاسم في القرارات المؤثرة في حياتهم.

وعندما يقوم برلمان جديد حتى لو تأخر ذلك بضعة أشهر أخرى، لا يبدو أن ذلك سوف  يغير الكثير في المشهد السياسي في البلاد، فالصراع المفتوح بين الرئيس سعيّد والمعارضة سيظل قائما على شرعية مسار 25 يوليو/ تموز، الأمر الذي سيضع الرئيس سعيّد تحت ضغوط متواصلة من قبل  الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بشأن الاستحقاقات الديمقراطية.

وتكمن المعضلة الأكبر في استحقاقات التنمية وخصوصا في المناطق المهمشة والانتظارات الاقتصادية والاجتماعية لفئات واسعة من التونسيين التي تظل قائمة وربما تزداد حدّة، سواء في حالة استمرار تعثر مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي حول الاصلاحات الاقتصادية ومنح تونس قروضا طويلة الأمد. أو حتى في ظل اتفاق مع صندوق النقد يترتب عنه نهج تدابير قاسية على المستوى الاجتماعي.

كما أن أجيال الشباب التي فتحت عيونها في زمن الحريات والفضاءات المفتوحة، لا يبدو أنها ستقبل بالتخلي عن مكتسباتها في الحرية، حتى في ظل عدم تجذر قيم الحرية والديمقراطية في المجتمع، وتفشي مقولات التنمية والأمن أولا ولو على حساب الديمقراطية.

وهو ما يفتح أبواب المستقبل على فترة عدم يقين في مآلات الأوضاع وتطوراتها في بلد مهد "الربيع العربي".

منصف السليمي

 

 

منصف السليمي صحفي في مؤسسة DW الألمانية، خبير بالشؤون المغاربية
تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW