1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: حقول الغاز وأحلام أردوغان بوقف تدهور الليرة والاقتصاد

٣٠ أغسطس ٢٠٢٠

يتحدى الرئيس التركي أردوغان الجميع ويواصل بحثه عن الغاز في مناطق متنازع عليها شرق المتوسط. لماذا يخاطر الرئيس الحالم بذلك رغم أن اكتشاف الغاز لا يعني بالضرورة وقف تدهور الليرة وحل مشاكل الاقتصاد التركي المتفاقمة؟

 هل تتطور الأمور إلى حرب بين اليونان وتركيا بسبب بحث الأخيرة عن حقول غاز في مياه تعتبرها اليونان تابعة لها؟
مغامرات أردوغان في مناطق بحرية متنازع عليها قد تشعل حربا تحرمه من الثروة التي يحلم بها.صورة من: picture-alliance/dpa/Turkish Presidency

تواجه تركيا أزمات اقتصادية كثيرة تبدأ بمديونية خارجية عالية ولا تنتهي باستمرار تدهور سعر الليرة التركية مرورا بنسبة بطالة عالية وتبعات كارثية لفيروس كورونا على السياحة. وهو الأمر الذي يهدد باندلاع أزمة تقضي على ما تبقى من مكاسب الاقتصاد التركي خلال عهد الرئيس أردوغان.

وقد أضحت هذه الأزمة قاب قوسين أو أدنى في حال فشل الرئيس التركي في الاستمرار بألاعيبه بين القوى الإقليمية والدولية. وتخفي هذه الألاعيب مطامع اقتصادية وطموحات سياسية بإعادة إحياء مجد الدولة العثمانية.

نجاح أردوغان في اللعب على تناقضات القوى المذكورة والمصالح المتبادلة بينه وبين بعضها ساعده حتى الآن بالحصول على المال اللازم لخدمة الديون الخارجية المتراكمة بقيمة تصل إلى نحو 170 مليار دولار مقابل احتياطات بحدود 91 مليار دولار فقط.

كما ساعدته على منع انهيار أسوأ لليرة التي فقدت منذ بداية السنة خمس قيمتها ليزيد سعر الدولار على 7 ليرات منها.

انكشاف آلاعيب أردوغان

حصل الرئيس أردوغان حتى الآن على الكثير من المال تارة عن طريق المساعدات والقروض والاستثمارات الغربية والعربية وخاصة القطرية منها وتارة بالتهديد والوعيد والابتزاز. غير أن انكشاف ألاعيبه بشكل تدريجي وتزايد الخشية من الإفلاس المالي وعدم القدرة على خدمة الديون يدفعه إلى البحث الحثيث عن بدائل لضمان استمرار سياساته التي تزيد التوترات بينه وبين جيرانه.

ويبدو أنه وجد ضالته في حقل الغاز الذي أعلن عن اكتشافه في البحر الأسود واستمرار السفن التركية بالبحث عن مزيد من الحقول والسيطرة عليها في مياه شرق البحر المتوسط المتنازع عليها مع اليونان وقبرص.

وإذا ما طوينا الاحتمال الجدي لمواجهات عسكرية بسبب هذا البحث وخاصة مع اليونان، فإن السؤال هنا، هل تحل الآمال التركية المعلقة على الغاز مشاكل الليرة التركية والاقتصاد التركي المتفاقمة، أم أنها دعاية سياسية لإشغال الرأي العام بوعود تساعد على وقف تدهور شعبية الرئيس التي تراجعت إلى مستويات لم تبلغها من قبل؟

غاز البحر الأسود عالي التكلفة وضعيف المنافسة

حتى الآن تم الإعلان عن اكتشاف حقل غاز في البحر الأسود باحتياطي يصل إلى 320 مليار متر مكعب. هذا الاحتياطي الكبير نسبيا رافقه ضجيج إعلامي تركي غير مسبوق ووصفه الرئيس أردوغان بأنه "كشف تاريخي ونقطة تحوّل لتركيا". وذهب صهره وزير المالية بيرات البيرق إلى القول أن بلاده "تريد التحول من دولة مستوردة إلى دولة مصدرة للغاز وأنها ستدخل نادي الكبار فيه!".

في حال كان الاحتياطي المتوقع متوفر بالفعل وتم استغلاله، فإن من شأنه تقليص فاتورة مستوردات الطاقة التركية التي تصل إلى 35 مليار دولار سنويا. كما من شأنه توفير مصادر مالية بالعملة الصعبة تدعم الاحتياطي منها وتساعد على تحقيق استقرار الليرة التركية. غير أن تأثير الاكتشاف سيبقى محدودا نظرا إلى أن تركيا تستورد 95 بالمائة من حاجتها للطاقة.

ويتراوح استهلاك البلاد حاليا من الغاز بين 45 إلى 50 مليار متر مكعب سنويا، ما يعني أن حجم الاكتشاف الجديد في أحسن الأحوال يعادل مجمل الاستهلاك  لأٌقل من 6 سنوات إذا أخذنا الزيادة السنوية في الطلب. من جهة أخرى قد لا يكون الاستثمار في الحقل المكتشف مجديا من الناحية الاقتصادية لأنه يحتاج من 6 إلى 10 سنوات وإلى استثمارات قد تصل إلى 3 مليارات دولار قبل البدء باستغلاله.

وفي ظل عدم قدرة الدولة التركية على ضخ استثمارات كبيرة في الوقت الحاضر، تكمن المشكلة حاليا في صعوبة إيجاد مستثمرين بسبب تخمة السوق وكثرة المنافسين ورخص أسعار الغاز القطري والروسي والإيراني وغيره من دول أخرى. ونظرا إلى وجود الغاز المكتشف على أعماق سحيقة، فإن استغلاله صعب وعالي التكلفة. ومما يعنيه ذلك أنه ضعيف القدرة على المنافسة في السوق الدولية.

جدوى اقتصادية ضعيفة لغاز المتوسط حاليا

إضافة إلى احتياطات الغاز في البحر الأسود يسعى الرئيس التركي للحصول على حصة من حقول الغاز الضخمة المكتشفة في شرق المتوسط. غير أن هذه الحقول تقع في مناطق بحرية متنازع عليها مع اليونان وقبرص ومصر. وفي حال استمر أردوغان في البحث عن الغاز هناك متحديا الجميع، فإن الأمور قد تتطور إلى حرب إقليمية تشارك فيها اليونان وقبرص ومصر وفرنسا وربما دول أخرى ضد تركيا، ما يعني ضياع فرص الاستفادة من الثروة هناك إلى أجل غير مسمى.

وحتى في حال عدم نشوب الحرب فإن التنقيب عن الغاز واستخراجه في شرق المتوسط لم يعد مجديا في الوقت الحالي بسبب تراجع الطلب وزيادة العرض في ظل استمرار جائحة كورونا. ومن الأدلة على ذلك أن عدة شركات متخصصة في استخراج الغاز أجلت مشاريعها في هذه المنطقة حتى إشعار آخر.

ورقة الغاز للدعاية أكثر منها لدعم الليرة

إضافة إلى تقليص فاتورة مستوردات الغاز التركية، فإن الاكتشاف التركي في البحر الأسود يزيد من أهمية تركيا في سوق الطاقة ويساعد في حصولها على عقود استيراد مصادر الطاقة بشروط أفضل من روسيا وإيران وأذربيجان التي تزودها بالغاز عبر أنابيب تعبر أراضي تركيا.

ابراهيم محمد: الحكومات الفاسدة والشمولية تبدد الثروات الباطنية التي لا تعني بالضرورة حل المشاكل الاقتصاديةصورة من: DW/P.Henriksen

أما الحديث عن تحقيق الاكتفاء الذاتي والتحول إلى لاعب مهم في سوق الغاز الدولية فأمر غير وارد في المدى المنظور حتى لو تمكنت أنقرة من وضع قدم لها في غاز شرق المتوسط. ومن أسباب ذلك أن كميات الغاز المتوقعة ليست بهذه الأهمية التي يروج له الرئيس أردوغان وحكومته، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن تركيا أحد أكبر مستهلكي الغاز في العالم وأن الاستهلاك الأوروبي السنوي لوحده يصل إلى نحو 350 مليار متر مكعب، أي أكثر من مجمل احتياطي الحقل التركي المكتشف في البحر الأسود.

كما أن استغلال احتياطات الغاز في البحرين الأسود والمتوسط يحتاج إلى استثمارات ضخمة وتكاليف عالية تجعل قدرتها على المنافسة ضعيفة أمام اللاعبين الكبار في السوق وفي مقدمتهم روسيا وقطر وأستراليا وإيران وحتى الولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال فإن احتياطي كل من روسيا وإيران يزيد على 30 تريليون متر مكعب.

على ضوء ذلك فإن الوعود العسلية للرئيس أردوغان وحكومته قد تساعد على وقف تدهور شعبيتهما وشحذ النزعة القومية الشوفينية الخطيرة، غير أنها لن تساعد مجمتع المال والأعمال في تركيا على مواجهة المشاكل المتفاقمة وإعادة الاستقرار لليرة التركية. ومن الأدلة على ذلك استمرار تراجعها رغم إعلان أردوغان عن الاكتشاف الذي وصفه بالتاريخي.

إبراهيم محمد

 

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW