1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: حكومة "إشارة المرور" واختبار التقاطع المغاربي الصعب

Moncef Slimi Kommentarbild App
منصف السليمي
٣ ديسمبر ٢٠٢١

تخلو وثيقة اتفاق الائتلاف الحكومي الجديد من أي إشارة للمنطقة المغاربية في خارطة سياسة ألمانيا الخارجية. فهل تراجعت هذه المنطقة الحساسة بالنسبة لأوروبا استراتيجيا في المنظور الألماني، وما ثقل تركة حكومة ميركل فيها؟

حكومة "إشارة المرور" أمام تحديات كبيرة في إدارة ملفات السياسة المغاربية صورة من: Dwi Anoraganingrum/Geisler-Fotopress/picture alliance

تضع وثيقة الائتلاف الحكومي الجديد في ألمانيا، إحدى عشرة دائرة اهتمام جيو استراتيجي في خارطة السياسة الخارجية بدءا بالعلاقات الأطلسية ووصولا إلى العلاقات بدول الكاريبي وأمريكا اللاتينية، والمثير أن المنطقة المغاربية التي يقطنها أكثر من 100 مليون نسمة وتقع على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط في الجوار المباشر لأوروبا، لم يتم الإشارة إليها في الوثيقة. وليبيا هي البلد المغاربي الوحيد الذي تمت الإشارة إليه ضمن دائرة منطقة الشرق الأوسط والأدنى وأزماتها العديدة.

لكن قراءة متفحصة في مرتكزات ومحددات سياسة ألمانيا الخارجية من خلال وثيقة الاتفاق وفي ملامح الفريق الحكومي الذي يستعد لتولي الحقائب الوزارية التي تُعنى بقضايا السياسة الخارجية والتعاون، يقود إلى أن أهمية المنطقة المغاربية في استراتيجية حكومة "إشارة المرور"(ترمز إلى ألوان الأحزاب الثلاثة المشكلة للإئتلاف) تبدو أشبه ما يكون بتقاطع طرق، تُعرّف فيه مختلف الطرق دون أن يسمى التقاطع باسمه!

تركة ميركل الثقيلة

وهي تغادر منصبها تكون المستشارة المحافظة أنغيلا ميركل قد تركت لسلفها المستشار المقبل الاشتراكي أولاف شولتس تركة ثقيلة من الملفات الشائكة في علاقات ألمانيا بالدول المغاربية التي تعيش بدورها أزمات مركّبة محلية وثنائية وإقليمية. وفي صدارتها تأتي الأزمة الليبية التي "تلتزم الحكومة الألمانية الجديدة بالعمل على تحقيق الاستقرار في ليبيا قي إطار خطة الأمم المتحدة ومسار مؤتمر برلين الخاص بليبيا".

وعلى مدار السنوات العشر الماضية شكلت الأزمة الليبية اختبارا صعبا للتنسيق بين الدول الأوروبية التي كشفت تفاعلات الأحداث تبيانات كبيرة فيما بينها، كما انعكست سلبيا على علاقات الدول الأوروبية والمغاربية، الأمر الذي ساهم في إضعاف الدور الأوروبي في هذه الأزمة الواقعة على أبوابه، في مقابل تنامي نفوذ وأدوار قوى إقليمية وكبرى منافسة للاتحاد الأوروبي.

سياسة ألمانية الأفريقية ..سياسة المستشارة أنغيلا ميركل.. هل تستمر مع المستشار المقبل أولاف شولتسصورة من: picture-alliance/dpa/B. von Jutrczenka

أما الملف الثاني الذي أرّق الديبلوماسية الألمانية لعدة أشهر بل سنوات، فيتمثل في التعاطي معالأزمة المركبة بين الجزائر والمغرب وتداعيات ملف الصحراء الغربية. فبينما شهدت علاقات التعاون الجزائري الألماني تناميا ملحوظا في السنوات القليلة الأخيرة، تعرضت بالمقابل علاقات ألمانيا مع المغرب لأزمة بدأت صامتة في العام 2020 وظهرت على السطح بشكل حادّ منذ شهر مارس آذار الماضي. وتمحورت أبعاد الخلاف حول الملف الليبي وملف الصحراء وقضايا أمنية بين البلدين.

وفي ظل أزمة مفتوحة مع الرباط، لم يحدث فيها أي اختراق منذ حوالي سنة، وجدت برلين نفسها في الأشهر الأخيرة في وضع حرج جعلها تحجم عن أي دور في نزع فتيل حرب تكاد تشتعل بين المغرب والجزائر على أبواب أوروبا.

وتشكل الأزمة السياسية في تونس أحدث الملفات الشائكة التي تطرح على الحكومة الألمانية الجديدة تحديا جديدا يضاف إلى خارطة الأزمات في المنطقة المغاربية، وفي ظلها شكلت العلاقات المتنامية مع الجزائر في السنوات الأخيرة حجر الزاوية في سياسة ألمانيا المغاربية والأفريقية.

دماء جديدة في الديبلوماسية الألمانية

منذ عقدين من الزمن شهدت ألمانيا استقرارا حكوميا بفضل الإئتلاف بين الحزبين الكبيرين الإشتراكي الديمقراطي والمسيحي الديمقراطي، هيمنت فيه بصمات المستشارة أنغيلا ميركل على السياسة الخارجية، وتعاقب على رأس الديبلوماسية الألمانية وزراء ذوو انتماءات اشتراكية وليبرالية.

ويعود حزب الخضر إلى إدارة دفة السياسة الخارجية، لأول مرة منذ غادرها المخضرم يوشكا فيشر وزير الخارجية(1998-2005) ونائب المستشار السابق الاشتراكي غيرهارد شرودر.

آنالينا بيربوك وزيرة الخارجية الألمانية المقبلة..رافعة راية حماية المناخصورة من: Bernd Settnik/picture alliance/dpa

آنالينا بيربوك المرشحة لتكون أول وزيرة خارجية في تاريخ ألمانيا، من الجيل الشاب للساسة الألمان (41 عاما)، درست القانون الدولي في هامبورغ ثم لندن، وليس لها خبرة واسعة في المجال الديبلوماسي، لكنها انخرطت مبكرا في السجالات السياسية حول القضايا الدولية بحكم دورها القيادي في حزب الخضر.

ويشكل الدفاع عن القيم الديمقراطية وحقوق الانسان وقضايا المناخ حجر الزاوية في مواقف وزيرة الخارجية المقبلة، وهي توجهات تقليدية لدى حزب الخضر، ويضاف إليها تركيزها على التغيرات المجتمعية والاقتصادية الجديدة التي تعزز الاهتمام بها مع تصاعد أزمة جائحة كورونا وفي مقدمتها الاقتصاد الرقمي.

وبالإضافة إلى ذلك هناك الفريق المخضرم الذي يوجد في دائرة العلاقات المغاربية الألمانية بوزارة الخارجية ويعتقد أنه سيشكل عنصر استمرارية يُتوقع أن تُسند حقيبة وزير دولة بالخارجية إلى شخصية من حزب الخضر ذات أصول مهاجرة من منطقة الشرق الأوسط.

ورغم الأهمية المحورية لشخصية وزير الخارجية في إدارة ملفات السياسة الخارجية، إلا أن الأحزاب الثلاثة المكونة للإئتلاف الحكومي تتقاسم الحقائب الوزارية التي تشمل قضايا السياسة الخارجية مثل الدفاع والتعاون الدولي والتنمية والطاقة والاقتصاد والهجرة واللجوء والعلاقات الأوروبية، ويحظى ضمنها الحزب الاشتراكي بدور حاسم في كبريات قضايا السياسة الخارجية بحكم قيادته للحكومة والدور الأساسي المنوط بالمستشار أولاف شولتس إضافة إلى خبرته الطويلة.

احترام حقوق الانسان والديمقراطية معيار للتعاون

تتصدر معايير حقوق الانسان والقيم الديمقراطية بنود برنامج الحكومة الجديدة في القضايا المرتبطة بالسياسة الخارجية. وبينما يتولى حزب الخضر حقيبة الخارجية فان ملف التعاون الدولي والتنمية سيكون ضمن الحقائب التي يتولاها الحزب الاشتراكي.

منصف السليمي، صحفي خبير بالشؤون المغاربية في مؤسسة DW الألمانية

ووفقا لوثيقة الائتلاف الجديد ستكون هذه المعايير موجهة لسياسة التعاون الدولي والتنمية التي يخصص لها سنويا 13 مليار يورو، وتحصل منها البلدان المغاربية عادة على أكثر من 10 في المائة وهي نسبة هامة إذا تم الحفاظ عليها. ويعتبر المغرب وتونس المستفيد الرئيسي لحد الآن من المساعدات التنموية الألمانية الموجهة للمنطقة المغاربية.

وستكون قضايا حقوق الانسان والديمقراطية في صدارة أجندة التعاون والتبادل مع البلدان المغاربية التي بدأت تميل في السنوات القليلة الأخيرة إلى تنمية تعاونها ومبادلاتها مع الصين وتركيا التي لا تضع شروطا ومعايير سياسية، مثلا في بيع الأسلحة التي تنص وثيقة الإئتلاف الحكومي الجديد في برلين على تضييق بشأنها، وتعتبر الجزائر أهم سوق لبيع السلاح الألماني في المنطقة المغاربية.

هل تُراجع بيربوك تصنيف الدول المغاربية؟

خلال المناقشات الحكومية والبرلمانية الواسعة في العامين الماضيين، حول تصينف الدول المغاربية الثلاث: تونس والجزائر والمغرب، عارضت آنالينا بيربوك موقف حكومة المستشارة ميركل التي وضعت الدول الثلاث ضم لائحة الدول الآمنة التي يتعين عليها استعادة مهاجريها غير القانونيين الذين ترفض طلبات لجوئهم. وعللت الرئيسة السابقة لحزب الخضر موقفها آنذاك بأن هذا التصنيف يخرق مبدأ الحق الشخصي في اللجوء. كما اعتبرت أن الدول المغاربية الثلاث ما تزال تتعرض فيها حقوق الانسان مثل المثليين وبعض الفئات للتمييز.

ولم يرد في برنامج الحكومة الجديدة إشارة لمراجعة تصنيف الدول الآمنةالذي وضعته حكومة ميركل سنة 2019. لكن لا شيء يؤكد أن وزيرة الخارجية الجديدة لن تطرح الملف من جديد على البرلمان بمجلسيه (بوندستاغ وبوندسرات) الذي تحظى فيه حكومتها بالأغلبية، خصوصا أن أوضاع حقوق الانسان بالبلدان المغاربية شهدت، على الأقل في العام الحالي، تراجعات ملحوظة وبدرجات متفاوتة.

وبالمقابل يشدد حزب وزيرة الخارجية على ضرورة دعم الهجرة القانونية من هذه الدول لمساعدة شبابها على إيجاد فرص أفضل في الحياة. ويتضمن برنامج الحكومة الجديدة بنودا عديدة في هذا الإتجاه، وهو ما يساعد على تمويل برامج تعاون متعددة مع الدول المغاربية في مجالات التكوين والعمل، بموازاة التسهيلات المخصصة لاستقبال اليد العاملة الماهرة والكفاءات التي تحتاجها سوق العمل الألمانية.

لكن إدارة ملف الهجرة مع البلدان المغاربية يتجاوز البعد الثنائي، نظرا لموقع هذه البلدان كمنطقة عبور بين القارتين الأفريقية والأوروبية. وهو ما يضفي تعقيدات على المفاوضات التي من المرتقب أن تتجدد حول التعاون في هذا الملف الذي يؤرق دول الإتحاد الأوروبي ويتسبب من حين لآخر في أزمات مع العواصم المغاربية. وأحدثها أزمة تأشيرات السفر بين فرنسا والدول المغاربية الثلاث، وأزمة تسلل المهاجرين عبر جيبي سبتة ومليلية بين إسبانيا والمغرب. كما أحدث دخول السفير الألماني في مدريد على خط هذه الأزمة عبر زيارة غير مسبوقة قام بها نهاية شهر نوفمبر تشرين الثاني الماضي إلى مدينة مليلية، مزيدا من الغيوم على العلاقات الألمانية المغربية المتأزمة أصلا.

منطقة واعدة بمشاريع الطاقات المتجددة

منذ سنوات أطلقت الحكومة الألمانية مشاورات ومبادرات عديدة مع الدول المغاربية لاطلاق مشاريع طاقات متجددة، شمسية أو من الرياح. ولكن تلك المشاريع وأبرزها "ديزرتيك" تعثرت سواء مع الجزائر أو مع ليبيا المضطربة.

وقد أبدى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مؤخرا في حوار أجرته معه مجلة "دير شبيغل" الألمانية رغبة حكومته في تجديد الحوار مع برلين حول مشاريع الطاقة الشمسية. إذ تدرك الجزائر أنه رغم كونها شريكا أساسيا في الوقت الراهن لأوروبا في الطاقة من البترول والغاز الطبيعي، فان موارد الطاقة التقليدية في تراجع، وبأن المستقبل للطاقات المتجددة.

يأتي هذا بينما قطعت بعض الخطوات في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مع المغرب، وكانت ستشهد قفزة كبيرة بعد توقيع حكومتي البلدين في يونيو حزيران 2020 اتفاقا لإقامة مشروع طاقة الهيدروجين الأخضر، بالاعتماد على طاقة الشمس والرياح. وكان من شأن هذا المشروع تحويل المغرب إلى أكبر مصدّر عالمي لطاقة الهيدروجين الأخضر الصديقة للبيئة أو ما يصطلح عليه "النفط النظيف".

ولكن بدخول العلاقات بين البلدين في أزمة بات هذا المشروع الواعد في حكم المجمد، وإذا أتيح له أن يرى النور سيحقق ما يعادل 2 إلى 4 في المائة من الحاجة العالمية إلى مواد الطاقة المتجددة. ويمكن أن يلبي حوالي 25 في المائة من احتياجات السوق الألمانية من الطاقات المتجددة التي سيزداد الاعتماد عليها بشكل مضطرد في ضوء ضرورة تقليص الطاقات المسببة لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، واتساع الاعتماد على على الطاقة النظيفة مثلا في قطاعات السيارات والقطارات والكهرباء.

وينص برنامج الحكومة الجديدة على العمل لمواءمة أهداف الطاقة المتجددة في البلاد مع ارتفاع إجمالي الطلب على الكهرباء 680- 750 تيراواط/ساعة في سنة 2030. ويتعين أن يأتي 80 في المائة منها، بالاعتماد على الطاقات المتجددة.

ولدى ألمانيا خيارات عديدة في البحث عن شركاء في مجال الطاقة المتجددة، وتفيد عده دراسات أن حوالي 80 في المائة من موارد الطاقة المتجددة تتركز في عشرة دول بأفريقيا وأوروبا وقارات أخرى، لكن خبراء وساسة في ألمانيا يتفقون على أن اختيار دول شمال أفريقيا وعلى رأسها المغرب كشريك استراتيجي في هذا المجال، يستند إلى معايير النجاعة الاقتصادية وفرص تصدير التكنولوجيا والصناعات الألمانية وعوامل القرب الجغرافي من أوروبا والاستقرار السياسي.

وخلال زيارتها إلى المغرب في إطار مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ الذي عقد بمراكش سنة 2016، أبدت بيربوك آنذاك اهتماما خاصا بمشاريع الطاقة الشمسية في المغرب وعلى رأسها مشروع "نور" بمنطقة ورزازات (جنوب البلاد).

تسوية النزاعات .."العين بصيرة واليد قصيرة"

أكدت وثيقة برنامج الائتلاف الحكومي أن الحكومة الجديدة ستواصل جهودها ودورها في العمل من أجل تحقيق الاستقرار في ليبيا، في إطار جهود الأمم المتحدة ومسار مؤتمر برلين.

بالمقابل لم ترد أي إشارة صريحة في برنامج الحكومة الجديدة، إلى دور ألماني في ملف الصحراء الغربية أو في الأزمة المزمنة بين الجزائر والمغرب. لكن وردت إشارة ضمن بند المساعدات الإنسانية المخصصة "للنزاعات المنسية" وهو وصف دأبت بعض الأدبيات السياسية والإعلامية الغربية على إطلاقه أيضا على نزاع الصحراء الذي عمّر لأربعة عقود ونصف.

بيد أن الحكومة الجديدة تجد أمامها تداعيات ملف الصحراء في مستويات عديدة، فعلى المستوى الرسمي يعتبر هذا الملف أحد القضايا الخلافية التي يرفعها المغرب ضد ألمانيا، وخصوصا بعد قيامها بدعوة مجلس الأمن الدولي للانعقاد في ديسمبر كانون أول 2020 إثر اعتراف إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بسيادة المغرب على الأقاليم الصحرواية، حيث أكدت برلين على ضرورة التوصل إلى تسوية على أساس خطة الأمم المتحدة.

وعلى المستوى الأوروبي، يتمثل أحدث تطور بقرار المحكمة الأوروبية في نهاية سبتمبر أيلول الماضي إبطال سريان الاتفاقيات التجارية المبرمة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب والتي تشمل منتجات زراعية وسمكية "بسبب إبرامها بدون قبول سكان منطقة متنازع عليها". 

ولم يؤثر القرار القضائي لحد الآن على تنفيذ اتفاقيات التعاون الأوروبي المغربي، في إنتظار بدء سريان القرار أو استئنافه أمام المحكمة الأوروبية. وفي غضون ذلك وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس الشهر الماضي في خطاب رسمي رسالة للأوروبيين مفادها أنه لن يرغب في تجديد اتفاقيات تعاون مع أي شركاء "إذا لم تكن تشمل الصحراء المغربية".

وألمانيا التي تقيم علاقات استراتيجية قوية مع الجزائر، وتقدم مساعدات إنسانية سخية للاجئين الصحراويين في مخيمات تيندوف جنوب غرب الجزائر، سبق لها عندما كان رئيسها السابق هورست كويلر يتولى مهمة المبعوث الدولي في الصحراء(استقال من مهمته سنة 2019)، أن حاولت لكن دون جدوى دفع المسار الأممي لحل النزاع.

بيد أن الديبلوماسية الألمانية تواجه الآن تحديا كبيرا في تعاملها مع التعقيدات الجديدة التي يشهدها ملف الصحراء وتداعياته على العلاقات المغربية الجزائرية والتي بلغت مستوى غير مسبوق بعد قطع العلاقات الديبلوماسية وظهور مخاطر اندلاع حرب. كما يضفي تباين مواقف العواصم الأوروبية، ذات النفوذ في المنطقة المغاربية (برلين وباريس ومدريد)، إزاء ملف الصحراء والعلاقات مع كل من الرباط والجزائر، مزيدا من التعقيدات في سبيل أي دور ألماني أو أوروبي محتمل في هذا النزاع.

على ضوء ذلك من غير الوارد على الأرجح أن تتمكن ألمانيا من لعب دورا ما في اتجاه تخفيف التوتر بين المغرب والجزائر، في ظل جمود علاقاتها مع المغرب. وفي انتظار حدوث اختراق ما، يرجح أن يقتصر الدور الألماني والأوروبي على دعم جهود الدبلوماسي الإيطالي السويدي ستافان دي ميستورا الذي عُيّن مؤخرا كمبعوث خاص للأمم المتحدة للصحراء الغربية. كما يتوقع  في هذا السياق، أن يزيد الاهتمام بتطوير التعاون مع موريتانيا تظرا لوضعها الحيادي في النزاع ولموقعها ضمن دائرة الإهتمام الجيوسياسي الألماني المتزايد بمنطقة الساحل والصحراء. 

ألمانيا وشركاؤها الأوروبيون تحت الضغط

يرى محللون بأن التحدي الأكبر بالنسبة لألمانيا وشركائها الأوروبيين يكمن في أن دورها في المنطقة المغاربية بات يتراجع فيما يتنامى نفوذ وأدوار قوى أخرى في المنطقة التي تتزايد أهميتها كجسر عبور رئيسي إلى أعماق القارة الأفريقية، التي تضعها الحكومة الألمانية الجديدة في سلم أولوياتها، لاعتبارات اقتصادية وأمنية استراتيجية. 

فإلى جانب الدور الأمريكي التقليدي في المنطقة، باتت الصين الشريك الأول للجزائر وتقيم علاقات شراكة مهمة مع المغرب. بدورها وسعت روسيا من أدوارها في المنطقة فبالاضافة إلى شراكتها التقليدية مع الجزائر تقيم علاقات تجارية مهمة مع المغرب، وباتت تلعب دورا حسّاسا في الأزمة الليبية وخصوصا بعد نشر آلاف من عناصر قوات فاغنر الروسية الخاصة بشرق ليبيا، ودعم الرجل القوي هنالك الجنرال خليفة حفتر.

كما دخلت تركيا واسرائيل على خط النفوذ بالمنطقة، إذ وقعت اسرائيل اتفاقيات تعاون غير مسبوقة مع المغرب في مجال الأمن والصناعات العسكرية. وشهدت مجالات التعاون بين تركيا والبلدان المغاربية في السنوات القليلة الأخيرة تناميا كبيرا، إضافة إلى دورها العسكري في ليبيا.

وفي ظل حالة الانقسام في المنطقة وثّقت الرباط تحالفاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل إضافة إلى تحالفها التقليدي مع فرنسا، بينما عززت الجزائر تحالفاتها مع روسيا والصين بالتوجه إلى تعميق شراكتها مع ألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة، وفق ما أكد ذلك الرئيس تبون في حوار له مؤخرا مع "دير شبيغل".

ورغم تشديد برنامج الحكومة الألمانية الجديدة على تنسيق السياسة الأوروبية الخارجية وفي مجال الدفاع ضمن ما يصطلح عليه "السياسة السيادية لأوروبا"، وتأكيدها على تفعيل معاهدة آخن للتعاون الاستراتيجي بين فرنسا وألمانيا، كقاطرة للتكتل الأوروبي، فان سياسة العواصم الأوروبية تتسم بتباينات واضحة إزاء العلاقات مع الجزائر والمغرب. وهو ما يتوقع أن يضع سياسة ألمانيا والاتحاد الأوروبي المغاربية أمام اختبار صعب، فإما التوصل إلى تفاهمات أوروبية حول الملفات الكبرى المطروحة فيها ومن ثم العمل على تطوير علاقات الشراكة المغاربية الأوروبية، أو أن العواصم الأوروبية الأكثر نفوذا بالمنطقة ستستمر في تكريس الأمر الواقع عبر سياسات انفرادية مع كل بلد مغاربي على حدة، ومن ثم استمرار حالة الانقسام والأزمات المزمنة بالمنطقة.

منصف السليمي

منصف السليمي صحفي في مؤسسة DW الألمانية، خبير بالشؤون المغاربية
تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW