1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: خطة بن سلمان الطموحة بعد هجمات أرامكو الموجعة

٢٢ سبتمبر ٢٠١٩

أصابت الهجمات المرعبة على شركة أرامكو الاقتصاد السعودي في القلب ووضعت تنفيذ خطط الأمير محمد بن سلمان لتحديثه على كف عفريت لأسباب لا تقتصر على تراجع الإيرادات النفطية. ما مصير هذه الخطط في بلد يعيش على النفط منذ نشأته؟

Saudi-Arabien Feuer in der Aramco-Ölaufbereitungsanlage in Abkaik
صورة من: Reuters

من كان ليصدق حتى في الأحلام أن الأمر سيصل إلى حد توجيه ضربات تعطل في غضون ساعات أكثر من نصف الانتاج السعودي من النفط؟ وإذا ما تجاوزنا الخوض في الجدل والإشاعات والاتهامات حول من يقف وراء الضربات الأخيرة على معامل ومنشآت شركة أرامكو السعودية في بقيق وخريص، لا يبالغ المرء إذا ما وصفها بأنها صادمة ومرعبة، لاسيما وأنه لا يوجد ضمانات تمنع تكرارها.

فالضربات التي كشفت عن مواطن خلل وثغرات أمنية خطيرة سمحت بإصابة القلب النابض للسعودية واقتصادها الذي يعتمد في صادراته على النفط ومنتجاته بنسبة تزيد على 95 بالمائة حسب مؤسسة التجارة والاستثمار الألمانية. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الشركة تستحوذ على إنتاج النفط السعودي الذي يزيد على 10 ملايين برميل يوميا، فإن الضربات التي تعرضت لها أواسط سبتمبر/ أيلول 2019 الجاري قد تكون بداية يتجاوز الانهيار الاقتصادي في مملكة يعتمد استقرارها ونفوذها على عائدات الذهب الأسود منذ خمسينات القرن الماضي.

والشركة التي قُدرت قيمتها السوقية بنحو تريليوني دولار قبل الهجمات حسب ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، تعد المصدر الأساسي لإيرادات الموازنة السعودية وثروات أمراء وملوك العائلة المالكة التي تقدر بأكثر من تريليون دولار حسب مصادر عدة كموقع "سي ان بي سي" الأمريكي. كما أن أرباح أرامكو وصلت إلى 111 مليار دولار خلال العام الماضي، أي أكثر من أرباح أبل وشركات عالمية أخرى مجتمعة. ومن هنا فإن الهجمات غير المسبوقة والتي قد تكون قابلة للتكرار على الشركة الأكبر من نوعها على مستوى السعودية والعالم يمكن أن تُدخل السعودية في حقبة جديدة سوداوية تضعها أمام مستقبل مجهول لا ينبئ بخير.

الخبير الاقتصادي ابراهيم محمد: أرامكو ليست شركة عادية والفشل في حمايتها يعني ضربة في قلب اقتصاد السعوديةصورة من: DW/P.Henriksen

خطط بن سلمان على كف عفريت

في عام 2016 أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن خطته الطموحة "رؤية 2030" القاضية باستثمار مئات المليارات من الدولارات لتنويع مصادر دخل الاقتصاد السعودي وإلغاء تبعيته للنفط، إضافة إلى إصلاحات اجتماعية تجعل المجتمع السعودي أكثر انفتاحا وتعطي للمرأة بعض الحريات.

وتشكل العائدات النفطية من أرباح أرامكو إلى جانب بيع قسم منها على شكل أسهم المصدر الأساسي لهذه الاستثمارات التي تم البدء بتنفيذ بعضها في مشروع مدينة "نيوم" للعلوم والتكنولوجيا وأماكن أخرى. وكمرحلة أولى كان من المفترض البدء بطرح الأسهم لجني نحو 100 مليار دولار تشكل 5 بالمائة من قيمة الشركة السوقية.

غير أن الهجمات الأخيرة لن تؤجل الطرح على ما يبدو وحسب، بل ستقلص أيضا العوائد المتوقعة منه، لأن المستثمر إما سيتردد في الشراء أو أنه لن يدفع السعر المتوقع سابقا. كما أوقفت الهجمات كذلك صادرات النفط السعودي ولو مؤقتا بنسبة زادت على 50 بالمائة مع توقف إنتاج 5.7 مليون برميل يوميا. ولن يعوض عن ذلك ارتفاع سعر برميل النفط بنسبة 20 بالمائة قبل أن يتراجع إلى مستوى 65 دولارا للبرميل، وهو سعر قريب من أسعار ما قبل الضربات. وتصدر السعودية عن طريق أرامكو يوميا أكثر من 7 ملايين طن يوميا، أي ما يعادل أكثر من 7 بالمائة من الاستهلاك العالمي.

وعلى ضوء ذلك يبدو توفير المال اللازم لتمويل خطط بن سلمان في خطر، لاسيما وأن البلاد تشتري أسلحة أكثر من أية دولة في العالم عدا الولايات المتحدة والصين. ومما لا شك فيه أن الضربات الأخيرة ستدفعها الى المزيد من التسلح والاعتماد على المزيد من القوات الأمريكية والغربية. وهو أمر يطلب الرئيس ترامب مقابله عشرات المليارات الإضافية من المملكة. كما أن الأخيرة تخوض وتمول حربا مرهقة على اليمن خلفت وراءها واحدة من أسوإ الأزمات الإنسانية في التاريخ المعاصر.

هل تبقى السعودية لاعبا أساسيا في سوق النفط؟

ولا تكمن المشكلة في نقص تمويل تمويل رؤية الأمير بفعل هذا التراجع، بل أيضا في توجه زبائن رئيسيين للسعودية إلى البحث عن مصادر أخرى للنفط بعيدا عنها، ما يعني تراجع عائدات السعودية النفطية وركود اقتصادها. ويعود سبب هذا التوجه إلى عدم ضمان منع تكرار الهجمات على أرامكو ومنشآت حيوية ونفطية أخرى رغم ضخامة الميزانية العسكرية السعودية التي تصل قيمتها السنوية إلى نحو 80 مليار دولار. وبذلك فإنها ثالث أكبر ميزانية من نوعها في العالم بعد الميزانيتين الأمريكية والصينية.

ويدل على التوجه الجديد سعي الهند لزيادة وارداتها النفطية من روسيا حسب وزير النفط الهندي. كما لجأت أكبر شركة صينية لتكرير النفط "سينوبيك" إلى شراء أربع ناقلات نفط أمريكي كخطوة أولى لتعويض النقص بعد الهجمات. وكانت الولايات المتحدة على لسان الرئيس ترامب أعلنت استعدادها لتعويض نقص الامدادات السعودية من احتياطاتها الضخمة من النفط والغاز. ومن المتوقع زيادة الطلب على مصادر الطاقة الأمريكية بشكل مضطرد، لأن إنتاجها يرتفع ولا يوجد من يتجرأ على شن هجمات عليها كما هو عليه الحال في الدول النفطية المستضعفة كالسعودية.

ويزيد من أهمية النفط الأمريكي العقوبات والحروب والهجمات وتراجع مستوى أمن وأمان الدول النفطية وحولها في الخليج وإيران وفنزويلا ونيجيريا وليبيا. وإذا ما استمر الانتاج الأمريكي بالارتفاع كما حصل في السنوات الخمس الماضية، فإن صادرات الغاز والنفط الأمريكية مرشحة لاحتلال حصة وازنة في سوق الطاقة العالمية. ومن شأن ذلك أن يؤسس لحقبة جديدة في سوق الطاقة لن يكون النفط السعودي اللاعب الأساسي في سوق النفط العالمية كما حصل خلال العقود الستة الماضية.

الجدير ذكره أن السوق الرئيسي للنفط السعودي تحوّل بشكل تدريجي من الغرب إلى الشرق بحيث أضحت الصين والهند إلى  جانب اليابان وكوريا الجنوبية تستورد أكثر من 50 بالمائة منه في الوقت الحالي. وتعد السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم. 

هروب رأس المال والمستثمرين

تبدو الهجمات على أرامكو وتبعاتها كارثية بالنسبة إلى اقتصاد السعودية أولا ورؤية محمد بن سلمان ثانيا. ويزيد مرارة ذلك الفشل الذريع في التصدي للهجمات رغم إنفاق سعودي بعشرات المليارات على أنظمة الدفاع الجوي التي تشكل صواريخ باترويت الأمريكية عمادها. ويزيد الوضع تشاؤما عدم قيام أو عجز القواعد الجوية الأمريكية وسفن الأسطول السادس المحيطة بالمناطق التي تعرضت للهجمات بالكشف عن طائرات الدرون والصواريخ وتدميرها قبل وصولها إلى الهدف.

وبما أن الاستثمارات والبورصات تنتعش وتزدهر في أجواء الثقة بالأمان والأمن، فإن ما حصل سيدفع الكثير من المستثمرين والاستثمارات إلى الهروب أو تجنب السعودية ودول الخليج الأخرى المجاورة بسبب عجزها عن حماية أمنها، لاسيما مع تزايد التوترات مع إيران.

وسبق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن كرر أكثر من مرة بأن العائلة المالكة السعودية لا تستطيع الاستمرار في الحكم أكثر من أسبوعين دون الحماية الأمريكية. وإذا ما أخذ رجال الأعمال والمستثمرون هذه الكلام على محمل الجد والقناعة، فإن خطط بن سلمان لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي تصبح في مهب الريح إلى أجل غير مسمى.

وإذا ما تثنى له التفكير لاحقا بتنفيذها، فإن المشكلة التي تواجهه لن تكون على الأرجح في نقص المال بقدر ما هي في غياب الأمن والاستقرار اللازمين لأي تنمية أو ازدهار اقتصادي يقوم على استغلال الموارد النفطية وغير النفطية في باطن السعودية.

ابراهيم محمد

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW