رغم اختلاف الظروف التي نشأت فيها كرة القدم بدول شمال أفريقيا، تشكل السياسة عنصرا متجذرا في نشأة وتطور كبريات الأندية ومنتخبات دول المنطقة. ولا يبدو أن التدابير وقواعد تنظيم اللعبة الشعبية الأولى في العالم من طرف الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) والاتحادات الإقليمية، القاضية بالنأي بها عن تدخلات السياسة، تنجح لحد الآن في إبعاد مكر السياسة عن الساحرة المستديرة.
لكن كيف يكون الوضع عندما تتراكم الإخفاقات الكروية مثلما يحدث حاليا للمنتخبات العربية الأفريقية(مصر، تونس، الجزائر، المغرب وموريتانيا) فيكأس أمم أفريقيا، وكيف يكون مفعول سحر كرة القدم عندما ينقلب على الساسة؟ وما هي الحالات التي تكون فيها المكتسبات واعدة خارج المستطيل الأخضر؟
الكرة نشأت في حضن السياسة
إذا كانت نشأة منتخبات كرة القدم في دول شمال أفريقيا جزءا من كيان الدولة حديثة الاستقلال، فإن قصة تأسيس المنتخب الوطني الجزائري مختلفة، حيث كان فريق "جبهة التحرير الوطني" صوت الثورة الجزائرية في ملاعب كرة القدم العالمية واضطر أعضاء الفريق إلى اللجوء في تونس بعدما منعتهم سلطات الاستعمار الفرنسي بالجزائر، وكانوا يتنقلون بجوازات سفر تونسية، حتى استقلت البلاد وعادوا إلى الجزائر.
وعلى غرار معظم دول العالم استخدمت منتخبات كرة القدم العربية والأفريقية لتعزيز اللحمة والشعور الوطني وخصوصا في مراحل الصراعات الداخلية أو مواجهة تحديات خارجية، وهذا ما حدث مثلا في حالة ألمانيا الغربية عندما فازت بكأس العالم فيما يعرف بـ"معجزة بيرن" سنة 1954، وكان لذلك أثره المعنوي تاريخيا في إحياء الشعور بالفخر الوطني وبداية الخروج من الإنهيار المعنوي الشامل في البلاد إثر الحرب العالمية الثانية.
بيد أن تأثير نتائج المنتخب الجزائري الذي يحمل لقب "المحاربون"، سرعان ما تذهب بعيدا خارج السياق الكروي، سواء في حالة الفوز أو الهزيمة بالخصوص. حيث تتحول إلى ما يشبه حالة "خيبة وطنية" يصعب تقبلها في الأوساط الشعبية ويُنظر إليها باعتبارها مسّا بالكرامة والنخوة الوطنية.
ضخ المال في الرياضة وتوظيفها سياسيا
شكلت حقبة السبعينيات من القرن الماضي بمثابة العقد الذي أعادت فيه أنظمة دول شمال أفريقيا اكتشاف الأثر الساحر لكرة القدم، ولم يحدث ذلك من باب الصدفة، بل تزامن مع أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية حادة ومتشابهة واجهتها دول المنطقة في سياق اتجاهها لتحرير الاقتصاد: مصر وتونس والمغرب، ثم أعقبتها الجزائر في الثمانينات مع أزمة إنهيار أسعار النفط.
ففي هذا السياق تحولت كرة القدم من لحظة ارتباطها بالمشاعر الوطنية إثر الاستقلال إلى وسيلة تستخدمها أنظمة الحكم في كسب ود الجماهير. ومن هنا برزت جهود ملحوظة للإستثمار في كرة القدم والسعي لتوظيف مكاسبها في سياق تعويض الشعوب، معنويا على الأقل، "عما تفتقده من مكتسبات في التنمية والسياسة" كما يلاحظ الباحث المغربي المتخصص في سوسيولوجيا كرة القدم، الدكتور منصف اليازغي في حوار لموقع "صوت المغرب" (يوم 14 يناير/ كانون الثاني 2024).
وفي تونس عندما بدأت تظهر مؤشرات أزمة اقتصادية واجتماعية وتصاعدت الانتقادات في مجال حقوق الإنسان ضد نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، نزل بثقله سياسا وماليا من أجل دعم قطاع كرة القدم وتوجت تونس بنيل كأس أمم أفريقيا التي احتضنتها سنة 2004.
وعندما كانت دول المنطقة تغلي باحتجاجات "الربيع العربي"سنتي 2011 و2012، أعلن الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة "خطة شاملة للنهوض بكرة القدم تشمل دعم النوادي الكبرى والمنتخب الوطني" واٌعتمدت لها موارد مالية تناهز 250 مليون يورو، وذلك في سياق استراتيجية سياسية يطلق عليها خبراء في الجزائر بـ"سياسة شراء السلم الإجتماعي" والتي ترتكز على ضخ أموال من عائدات النفط والغاز في شكل دعم مالي للشباب والشرائح الاجتماعية التي يمكن أن تكون مصدرا لأي احتجاجات محتملة. وخصوصا فئات الألتراس التي لطالما شكلت خميرة للاحتجاجات الاجتماعية في بلدان شمال أفريقيا.
وبالفعل نأت الجزائر بنفسها عن انتفاضات "الربيع العربي"، لكن استشراء الفساد في النسق الاجتماعي ومؤسسات الدولة، سيفجر احتجاجات "الحراك" الشبابية غير المسبوقة في البلاد سنة 2019. وعندما تُوّج المنتخب الجزائري بكأس أفريقيا في صيف نفس العام، حدث تجاذب مثير حوله بين قادة النظام العسكريين والمدنيين وقوى الحراك الشبابية. وعندما أُخمد الحراك وفاز المنتخب الجزائري بـ"كأس العرب" في قطر سنة 2021، وبينما كانت تسود أجواء التذمر من قمع للاحتجاجات، سارعت قيادة الجيش القوة الصلبة في النظام السياسي الجزائري، لاقتناص الفرصة وتوظيف الحدث، حيث لم يقتصر استقبال أعضاء المنتخب الوطني من قبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بل كان لافتا ظهور رئيس هية الأركان الجنرال سعيد شنقريحة وهو يحمل بيده الكأس.
وكما تعتبر كرة القدم المصرية بانجازاتها التاريخية على الصعيد الأفريقي، قد حققت تفوقا تاريخيا على نظيراتها المغاربية والأفريقية، فإن العقد الأخير من سنوات حكم الرئيس الراحل حسني مبارك، الذي تُوّج فيه المنتخب المصري أربع مرات بكأس أفريقيا، سجلت درجة عالية من توظيف كرة القدم سياسيا.
وسيأخذ التوظيف السياسي مداه مع دخول علاء نجل الرئيس مبارك مباشرة في المشهد الكروي عبر محاولاته استقطاب تعاطف الجماهير الكروية والشباب بشكل عام، في مرحلة كان يُراهن فيها والده الرئيس مبارك على توريثه الحكم.
وتشكل خيبات المنتخب المصري في السنوات الأخيرة انتكاسة كبيرة لخطط الرئيس عبد الفتاح السيسي بتحقيق انجازات رياضية في مرحلة يواجه فيها نظامه صعوبات اجتماعية واقتصادية جمة.
إذ قام الرئيس السيسي بخطوات غير مسبوقة في مجال كرة القدم مقارنة مع أسلافه، ومنها اجتماعه بأعضاء المنتخب الوطني قبل سفرهم في المسابقة الأخيرة إلى كوت ديفوار. وتضخ المؤسستان العسكرية والأمنية التي تعتبرعصب النظام السياسي في مصر، موارد ضخمة لكرة القدم عبر مراقبتها لشبكة وكالة إعلانية تحتكر الإعلانات والصفقات في كبريات أندية كرة القدم والمنتخب الوطني. كما توجد في مصر أكبر شبكة قنوات وبرامج خاصة بالرياضة في وسائل الإعلام المختلفة، مقارنة بباقي الدول العربية والأفريقية.
"الفوز له ألف والد أما الهزيمة فهي طفل يتيم"
يبدو أن المثل الشعبي العربي القائل:"الفوز له ألف والد أما الهزيمة فهي طفل يتيم"، هو أبلغ صيغة تعبر عن حالة كرة القدم في معظم الدول العربية.
المنتخبات العربية الأفريقية الخمس في كأس أمم أفريقيا، منيت بأسوأ الخيبات، حيث لم يبلغ أي منها ربع نهائي البطولة وذلك للمرة الأولى منذ عقود، وبما فيها المنتخب المغربي المرشح فوق العادة حتى للفوز بالكأس، وذلك استنادا إلى انجازاته التاريخية في كأس العالم الأخيرة في قطر.
وفور عودتها إلى بلادها، تعرضت منتخبات مصر والجزائر وتونس، إلى حملات جلد إعلامي وسياسي كبيرة، ونال المدربون نصيب الأسد عبر الإقالات وحملات إعلامية وتنمر واسع في السوشيال ميديا، وخصوصا المدربان المحليان الجزائري جمال بلماضي والتونسي جلال القادري، ولم يسلم من ذلك نجوم مثل المصري محمد صلاحوالجزائري رياض محرز.
إذ تحولت صورة بلماضي، أسطورة الكرة الجزائرية الذي حقق لها كأس أفريقيا والفائز بلقب أفضل مدرب في القارة الأفريقية لسنة 2019، إلى "مدرب فاشل" وهاجمه مشجعون غاضبون، وكاد أن يتعرض لاعتداء جسدي في كوت ديفوار، ونأى عنه الساسة والعسكريون الذين كانوا يعتبرونه رجلهم الأول في الرياضة الجزائرية.
وفي تونس التي تعيش منذ سنوات أزمة اقتصادية وسياسية متفاقمة، بينما كانت صورة بطلة التنس أنس جابر تُقدم وتوصف بـ"وزيرة السعادة"، فقد كيلت للمدرب جلال القادري أسوأ النعوت وحملات التنمر. وفيما كان السّاسة والإعلاميون يتهافتون على "وزيرة السعادة" لالتقاط صور سلفي معها، ومنحها الرئيس قيس سعيّد أعلى وسام استحقاق في الجمهورية، عاد المدرب جلال القادري وبعض أعضاء المنتخب من كوت ديفوار عبر مطار تونس قرطاج في حال بائسة تلاحقهم الشتائم والاتهامات بالفشل.
أما في مصر فقد استبقت وسائل الاعلام والجماهير إقصاء المنتخب، بأن تصب جامّ غضبها مبكرا على محمد صلاح الملقب بـ"الفرعون" و"الملك" و"فخر العرب"، واتهمته بالتخلي عن المنتخب رغم أنه كان مصابا. ولأن مدرب المنتخب أجنبي، البرتغالي روي فيتوريا، فقد كان نصيبه الإقالة أيضا لكن الحملة عليه لم تكن بنفس الشراسة التي وجهت ضد المدربين الجزائري والتونسي.
ورغم الدعوات الصاخبة في وسائل الإعلام بضرورة القيام بمراجعة شاملة لأوضاع كرة القدم في الدول الثلاث، لم تذهب إجراءات "المحاسبة" أبعد كثيرا من المدربين، بينما تواصل الجدل حول أوضاع اتحادات كرة القدم ومكاتبها التنفيذية.
أما المسؤوليات السياسية فقد اختفت من قاموس المراجعة والتقييم، كما لم تذهب أبعد مثلا في الكشف عن ملفات فساد مالي، بما أن كرة القدم كانت تخصص لها موارد مالية ضخمة في هذه الدول. وحتى في تونس، التي تتصدر شعارات مكافحة الفساد الخطاب الرسمي، كانت محاكمة رئيس اتحاد كرة القدم سابقة لكأس أفريقيا، وبسببها كادت أن تتعرض تونس للإقصاء من الدورة الحالية، حيث اعتبر الاتحاد الدولي لكرة القدم أن السياسة تتدخل كثيرا في أزمة اتحاد كرة القدم التونسي.
وبرأي الكاتب الصحفي التونسي مختار الدبابي فإن "ربط الرياضة بالتوظيف السياسي، يمنع المسؤولين في الدولة أو في اتحادات كرة القدم من الوقوف على حقيقة الأزمة لتفكيكها ثم البحث عن حلول لها". وفي مقال له بصحيفة "العرب" اللندنية في عددها (28 يناير/ كانون الثاني 2024) اعتبر أن اللجوء إلى تحميل الحكام مسؤولية الفشل وتفشي فرضيات المؤامرة، إنما هي أشكال لمحاولات التهرب من المسؤولية والمحاسبة على الفشل.
كرة القدم أكثر من لعبة!
وفي غياب تقييم ومراجعات مهنية واحترافية للأسباب العميقة والهيكلية التي أدت إلى الخيبات التي آلت إليها كرة القدم التونسية مثل نظيرتيها في الجزائر ومصر، كان لافتا تسليط الباحث التونسي في علم الإجتماع الدكتور علي الجويلي، الأضواء على "أبعاد كرة القدم كظاهرة اجتماعية وليس مجرد لعبة".
وفي حوار أجرته معه قناة تونس الثقافية قال الدكتور الجويلي: إن دراسات في علم الاجتماع تبيّن أن طريقة لعب كرة القدم تعبر عن نمط للسلوك الاجتماعي السائد في مرحلة معينة بالمجتمع، موضحا أن أسلوب "اللعب الدفاعي القائم على الخبث الكروي" الذي ينتهجه المنتخب التونسي له خلفيات اجتماعية وعوامل تفسره مثل نهج التحايل واقتناص الفرص من الخصم لتعويض النقص في المهارات. مشيرا إلى أن هذا الأسلوب الكروي معتمد في إيطاليا والأوروغواي. بينما توجد أساليب أخرى مثل أسلوب "المراوغة" البرازيلي الذي تفسر دراسات علم الاجتماع خلفياته في سلوك المجتمع البرازيلي، إضافة لأساليب "التمريرات" الإسبانية والهولندية.
وأشار الباحث إلى أن حدة التعبير عن المشاعر الوطنية في الكرة الجزائرية مثلا يعود إلى ظروف نشأة المنتخب الوطني وارتباطه بحركة التحرير الوطني، وبالتالي فإن فوز أو هزيمة المنتخب يخرج عن السياق الكروي ويتحول إلى مسألة تتعلق بالمشاعر العاطفية الوطنية. بينما تجد مسألة تقبل الهزيمة أمرا عاديا نسبيا في الثقافة الكروية في تونس أو المغرب.
بيد أن تطور تأثيرات وسائل التواصل الإجتماعي وتوظيفها في أجواء المنافسات الكروية، باتت تطرح برأي خبراء، تحديات أكبر تتعلق بتوظيف كرة القدم وأجواء الشحن العاطفي الذي يرافقها إلى أداة لتأجيج الصراعات ونشر الكراهية.
وهنالك أمثلة عديدة في كرة القدم العربية الأفريقية، وأبرزها حملات كراهية متبادلة بشكل غير مسبوق بين الجزائر ومصر إثر خسارة المنتخب المصري أمام نظيره الجزائري في مباراة أقيمت في أم درمان بالسودان (كأرض محايدة) سنة 2009 ضمن مباريات التأهل لكأس العالم في جنوب أفريقيا (2010).
وتحولت خسارة المنتخب الجزائري أمام نظيره الموريتاني إلى أشبه ما يكون بمعركة إعلامية وخصوصا على مواقع السوشيال ميديا. ما حدا بوزير الاعلام الجزائري محمد لعقاب إلى التحذير من الانزلاق عن وظيفة الإعلام الرياضي إلى حد "تهديد الأمن القومي للجزائر".
وفي دفاعه عن فوز المنتخب الموريتاني اعتبر مدرب منتخب ” المرابطون” أميرعبده أن الإنتصار التاريخي الذي تحقق على منتخب “محاربي الصحراء” الجزائري بهدف نظيف في الجولة الثالثة من دورالمجموعات ببطولة كأس الأمم الأفريقية المقامة حالياً في كوت ديفوار: “لقد انتصرنا على الذين نظروا إلى منتخبنا “نظرة دونية قبل المباراة”. وفق ما جاء في تصريحه لـ"كنال بلوس" الفرنسية.
وتعتبر حملات الكراهية والتنمر المتبادلة بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي من الجزائر والمغرب، أحدث وأسوأ أمثلة في هذا السياق. وقد باتت تكتسي خطورة متزايدة مع انتشار مظاهر العنف اللفظي والإساءات والتنمر حتى عبر وسائل إعلام مثل صحف وقنوات.
وفي ظل القطيعة بين البلدين منذ إعلان الجزائر في صائفة سنة 2021 قطع كامل العلاقات الدبلوماسية، يُخشى أن تساهم مثل هذه الظواهر في تعميق الخلافات من المستوى السياسي إلى مستويات شعبية ومجتمعية. ورغم وجود مبادرات من بعض الفعاليات الاعلامية وفي المجتمع المدني للتخفيف من منسوب العداء بين البلدين اللذين تربطهما أواصر مشتركة كثيرة، إلا أنها تبدو لحد الآن وكأنها صيحة في وادٍ.
وفي مقال للمدون المغربي سامي المودني بصحيفة "العربي الجديد" اللندنية (29 يناير/ كانون الثاني 2024) قارن ما يحدث بين الجزائر والمغرب حاليا، بأجواء مونديال 1974 عندما دارت مباراة بين المنتخبين بهامبورغ، في ظل صراع سياسي محتدم بين الألمانيتين الغربية والشرقية، لكنه لاحظ الفارق وكيف أنه رغم حدة الصراع السياسي إبانها، فقد "كانت(المبارة) فرصة لتأكيد الوحدة بين الألمانيتين، من خلال الروح الرياضية التي سادت خلالها."
كرة القدم قوة ناعمة للسياسة
ورغم المشهد القاتم الذي يخيم بدول المنطقة بعد خيبات منتخباتها في كأس أفريقيا، تلوح بعض بوادر الأمل والتفاؤل بمستقبل كرة القدم بفضل وجود كفاءات ومهارات شابة صاعدة، والفرص الواعدة في توظيف التطور الرياضي كرافد في التنمية، كما تشكل كرة القدم بحكم طابعها الشعبي وسيلة ناجعة كمصعد اجتماعي لفئات الشباب الفقراء والمرأة، كما تلعبه مثلا في اندماج أبناء المهاجرين في الدول الأوروبية.
ففي عام 2019 استثمرت الحكومة الجزائرية موارد هامة لتوظيف نجاحات منتخب كرة القدم ضمن إظهار البلاد "كقوة ناعمة"، في سياق جهودها لإعادة حضورها الدبلوماسي على الساحة الدولية وتحسين صورة البلاد، بعد عقود من الغياب وهيمنة الصورة السلبية عن الجزائر بسبب الإرهاب والاضطرابات.
ويعتبر الاختراق التاريخي الذي حققه المنتخب الموريتاني بتأهله لثمن نهائي كاس أفريقيا في دورتها الحالية، خطوة غير مسبوقة في البلاد، وبقدر ما تبرز مظاهر نجاح في استراتيجية موريتانيا الرياضية، فمن شأنها أن تساهم في لفت الأنظار إلى إمكانيات التطور في هذا البلد الشمال أفريقي المنسي إعلاميا.
أما المثال الأبرز في صدد توظيف كرة القدم كقوة ناعمة، فيجسده حاليا المغرب، إذ أبان بلوغ "أسود الأطلس" لنصف نهائي كأس العالم في قطر، عن وجود استراتيجية شاملة للنهوض بكرة القدم عبر التكوين ونظام الاحترافية والبنيات التحتية.
وناهيك عن المكتسبات التي جناها المغرب من نجاحه التاريخي في مونديال قطر على صعيد تحسين صورته عالميا في السياحة وعالم الأعمال، فمن المتوقع أن يترسخ ذلك في المرحلة المقبلة باستضافته مع إسبانيا والبرتغال لمونديال 2030.
ويفيد تقرير صادر عن الفيفا بأن قيمة الاستثمارات المتوقع أن ينفقها المغرب لتطوير بنيته التحتية في النقل والاتصالات والمرافق السياحية وغيرها، ستفوق 7 مليارات يورو، وهي تشكل حوالي 50 في المائة من مجموع الاستثمارات المتوقع أن تنفق لمونديال 2030.
وبحسب دراسة أنجزها خبراء مغاربة، فمن شأن تنظيم كأس العالم سنة 2030 وتحقيق البنى التحتية المخططة أن تكسب المغرب 14 سنة في سلم التنمية. وسيكون مشروع الرباط القاري عبر مضيق جبل طارق بين إسبانيا والمغرب، مشروعا واعدا لربط القارتين الأفريقية والأوروبية. ولاسيما أن المغرب يسعى لتعزيز دوره الدبلوماسي والاقتصادي في القارة السمراء وترسيخ صورته كبلد مستقر وكحلقة وصل اقتصادي وحضاري بين القارتين.