1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: طوق أزمات حول الدول المغاربية يشتدّ بانقلاب النيجر

Moncef Slimi Kommentarbild App
منصف السليمي
٩ أغسطس ٢٠٢٣

بينما تتزايد المخاطر من تداعيات أزمة النيجر المحتملة وخصوصا في حال تطورها إلى نزاع مسلح، يشتد طوق الأزمات حول الدول المغاربية. فكيف وإلى أين تجدّف سياسات العواصم المغاربية؟

على غرار التطورات الأخيرة في منطقة الساحل يستهدف انقلاب النيجر واحتجاجات مرافقة له النفوذ الفرنسي، فماذا بشأن الدول المغاربية؟صورة من: Balima Boureima/picture alliance/AA

تنطوي قصة النفوذ على النيجر تاريخيا على مفارقات كبيرة، ففي عام 1997 فاجأ العقيد الليبي معمر القذافي وسائل الإعلام العالمية وخصوصا الأوروبية منها، بزيارته إلى النيجر وإلقائه خطابا من على منبر مسجد نيامي الكبير، دعا فيه النيجريين إلى التمرد على النفوذ الفرنسي الموروث عن الاستعمار.

القذافي ألقى خطابه من المسجد الذي شُيّد قبل ثلاثة عقود من ذلك التاريخ بأموال ليبية، واتسم الخطاب بصبغة دينية متوجها إلى السكان المحليين الذين يشكل الإسلام ديانة أكثر من 99 في المائة منهم.

وكانت للقذافي جولات وصولات في التأثير على أوضاع النيجر وجيرانها من دول الساحل والصحراء، معتمدا على نفوذه على قبائل عربية والطوارق، التي تشكل عنصرا أساسيا في التركيبة السكانية للنيجر ومالي وبوركينا فاسو والتشاد.

وتوجت مساعيه تلك بتأسيس تجمع دول الساحل والصحراء المعروفة باختصار "س. ص"، في بداية سنة 1998، وضمت مالي وتشاد والنيجر والسودان وبوركينا فاسو، وأراده القذافي أن يكون تكتلا إقليميا يكرس من خلاله نفوذه بالقارة السمراء، حتى أنه كان يلقب نفسه بـ "ملك ملوك أفريقيا".

وضمن مساعيه للنفوذ، دعوته الدول الأعضاء في مجموعة غرب أفريقيا (تضم 14 دولة) إلى التخلي عن الوحدة النقدية المتمثلة في الفرنك الغرب أفريقي وفك ارتباطها بالبنك المركزي الفرنسي حيث يصكّ.

ولكن مساعي القذافي انهارت بسقوط نظامه إثر انتفاضة فبراير/ شباط سنة 2011، ولم يكن مفاجئا أن تكون النيجر أهم بلد يلجأ إليه عدد من مساعدي القذافي وأبنائه، قبل أن يتم تسليمهم إلى السلطات الجديدة في طرابلس.

ولم تكن محاولات إزاحة النفوذ الفرنسي على النيجر ودول الساحل والصحراء، مقتصرة على مساعي ليبيا القذافي، بل سبقتها تحركات سياسية قومية محلية وانقلابات عسكرية مدعومة من المعسكر السوفييتي، كما تعرض النفوذ الفرنسي بمنطقة غرب أفريقيا لحملات حتى من طرف بعض شركائها الأوروبيين، وأشهرهم رئيسة الوزراء الإيطالية الحالية جورجيا ميلوني.

فقد ركزت السياسية اليمينية الشعبوية في حملتها الانتخابية التي أوصلتها للحكم في روما، على مهاجمة الدور الفرنسي وانتقدت ما وصفته بـ "استغلال فرنسا لثروات القارة السمراء" وذكرت منها يورانيوم النيجر، وكيف تتسبب سياسة الرئيس إيمانويل ماكرون وأسلافه، في فقر شعوب المنطقة وهجرة شبابها بطرق مأساوية إلى القارة الأوروبية.

العقيد الراحل معمر القذافي كان وراء مبادرة تأسيس تجمع دول الساحل والصحراءصورة من: Sabri Elmhedwi/dpa/picture alliance

وليس من باب المصادفة اليوم أن تكون ليبيا أكثر الدول المغاربية المرشحة للتأثر بتداعيات أحداث النيجر، كما تبدو ردود فعل إيطاليا أكثر صدى من بين شركاء الدول المغاربية الأوروبيين.

وبقدر ما تبدو ردود فعل الدول المغاربية على الأحداث بهذا البلد الغرب أفريقي متفاوتة لحد الآن، فإن طبيعة وحجم تداعياتها مرشحة لتكون متفاوتة أيضا لكن بحسب سيناريوهات تطور الأوضاع، ويمكن رصد مؤشراتها الأولية من خلال بعض العناصر: الهجرة والتحديات الأمنية وأمن الطاقة، ثم سياقات علاقات الدول المغاربية بالنيجر على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

موجة هجرة جديدة؟

منذ إنقلاب المجموعة العسكرية بقيادة قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تياني، على الرئيس محمد بازوم، ارتفعت حدة التوتر بمنطقة دول ما وراء الصحراء الأفريقية الكبرى ولاسيما في ضوء احتمالات تدخل خارجي سواء من مجموعة إيكواس أو أطراف أخرى تسعى لإعادة النظام الدستوري الشرعي، تتزايد حدة المخاوف في الدول المغاربية من حدوث موجة هجرة جديدة.

فدولة النيجر التي تبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة ألمانيا، ويتجاوز عدد سكانها 26 مليون نسمة، كانت تشكل على امتداد السنوات الماضية معبرا أساسيا للاجئين والمهاجرين الفارين من أزمات مالي وبوركينا فاسو ونيجيريا ومخاطر الجماعات الإرهابية المنتشرة على امتداد منطقة الساحل.

وإضافة إلى أزمات دول الجوار، بات البلد الغرب أفريقي الذي يعد من أشد دول العالم فقرا، مهددا بأن يتحول بدوره في حال مزيد تدهور أوضاعه الأمنية والاقتصادية إلى أكبر مصدر للنزوح والهجرة نحو الشمال، حيث تقع ليبيا والجزائر بحدودهما التي تمتد لألف كيلومتر لكل واحدة منهما.

وبعدهما إلى موريتانيا وبالخصوص إلى تونس والمغرب المتاخمتين مباشرة للأراضي الأوروبية (إيطاليا وإسبانيا) التي تعتبر المقصد الرئيسي للاجئين والمهاجرين الأفارقة غير القانونيين.

وقدمت دول الإتحاد الأوروبي وفي مقدمتها ألمانيا، سنويا مساعدات سخية للنيجر لدعم التنمية ومكافحة الفقر مقابل جهود سلطات نظام الرئيس محمد بازوم في مكافحة الهجرة غير القانونية.

وتشكل الإطاحة بنظامه ضربة موجعة لاستراتيجية الاتحاد الأوروبي في هذا المجال. وتخشى الدول المغاربية وشريكاتها الأوروبية من موجة هجرة جديدة، تتضاعف من خلالها الأرقام المسجلة حاليا. إذ تقدر وزارة التنمية والتعاون الألمانية عدد المهاجرين غير القانونيين الذين يعبرون النيجر نحو أوروبا عبر الدول المغاربية، سنويا بحوالي 150 ألف شخص.

موجة هجرة جديدة من النيجر عبر الدول المغاربية؟صورة من: DW

ويبدو أن سيناريو وقوع موجة هجرة جديدة أمر غير مستبعد، لثلاثة عوامل على الأقل: أولها احتمال وقوع تدخل عسكري في النيجر واتساع حالة الفوضى بالمنطقة. وثانيها ألّا يستمر الانقلابيون في الالتزام باتفاقيات التعاون مع الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة على الأقل في ظل العقوبات الأوروبية المفروضة على نيامي. وثالثها أن تتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في النيجر.

ومن شأن أي موجة هجرة جديدة أن تثقل كاهل الدول المغاربية وتعرض برامج تعاونها المتعثرة مع الاتحاد الأوروبي إلى مزيد من المصاعب. وثمة عامل رابع تتأكد مؤشراته على أكثر من صعيد مع سائر الفرضيات المطروحة لتطور الأوضاع سواء بوقوع مواجهات مسلحة أو بدونها، ويتمثّل في تزايد التحديات والمخاطر الأمنية بالمنطقة.

مخاطر أمنية جمّة؟

بعد مرور عشر سنوات على إطلاق فرنسا لعملية "برخان" العسكرية في منطقة الساحل، لمكافحة الجماعات الإرهابية، ما تزال المنطقة التي شملتها العملية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر وصولا إلى موريتانيا وتشاد، تواجه مزيدا من التحديات الأمنية نتيجة تنامي أنشطة تلك الجماعات وتحولت المنطقة إلى مركز عالمي للإرهاب بعد مبايعة جماعات جهادية تنظيمي "القاعدة" و"تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)".

منصف السليمي، صحفي خبير بالشؤون المغاربية في مؤسسة DW الألمانية

وإلى جانب عملية "برخان" كلفت الأمم المتحدة بعثة "مينوسما" (تنتهي ولايتها في ديسمبر كانون الأول 2023) بتحقيق الاستقرار في مالي وجارتها النيجر. ورغم الدعم الأمريكي عبر "أفريكوم" والأوروبي (ألماني وإيطالي) للجهود الفرنسية والأممية لم تُحرز تقدما في تحقيق الأهداف الرئيسية التي رسمت لها، بل تضاعفت التحديات للنفوذ الفرنسي بالمنطقة. مما دفع باريس منذ سنتين إلى سحب تدريجي لقواتها على وقع مزيد من التدهور الأمني وانقلابات عسكرية متعاقبة بدول الساحل، وتمركز مرتزقة قوات فاغنر في مالي. ووسط تزايد المؤشرات على أدوار روسية بالمنطقة.

وحسب تقرير جديد عن مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023، تعتبر منطقة الساحل في أفريقيا أكثر مناطق العالم تأثراً بالإرهاب، وكانت مسؤولة عن 43 في المائة من الوفيات المرتبطة به، بزيادة قدرها 7 بالمائة مقارنة بالعام 2021. وسجلت بوركينا فاسو ومالي الزيادة الأكبر في عدد الوفيات المرتبطة بالإرهاب. بل وأصبحت المنطقة بشكل سريع مسرحاً حيوياً للمنافسة الجيوسياسية العالمية بين روسيا والقوى الغربية، كما يسجل التقرير.

وتكتسي المخاطر الأمنية في منطقة الساحل أبعادا معقدة، إذ تتجاوز المشاكل المرتبطة بنشاط الجماعات الجهادية، لتشمل أنشطة شبكات تهريب للسلاح والبشر والمخدرات. وتصنف بعض مراكز الأبحاث الأمنية والاستراتيجية منطقة الساحل الأفريقي بالأخطر عالميا، كونها باتت تشكل ملتقى طرق لشبكات تهريب عالمية تنشط بين القارات الأمريكية والأوروبية والآسيوية.

ويأتي الانقلاب العسكري في النيجر كأحدث حلقة في مسلسل تراجع النفوذ الفرنسي ومزيد تعقيد الأوضاع الأمنية بدول الساحل. وتبدو ليبيا والجزائر أكثر الدول المغاربية المرشحة لمواجهة التداعيات الأمنية المباشرة لتطورات الوضع في النيجر.

وبتفاوت في درجة معارضتهما لتهديد "إيكواس" بالتدخل العسكري، لا تخفي الجزائر وطرابلس مخاوفها في هذا الصدد، خصوصا في حال تطور الصراع إلى مواجهة عسكرية محليا أو إقليميا.

وأظهرت الجزائر موقفا حذرا من خلال عدم دعمها للانقلاب لكنها ترفض في الوقت نفسه أي تدخل عسكري أجنبي، سواء تقوم به دول مجموعة "إيكواس" أو فرنسا. وتخشى الجزائر التي تربطها اتفاقيات تعاون أمني مع النيجر لحماية حدودها وتسيير دوريات أمنية وعسكرية مشتركة، حدوث اختراقات من قبل الجماعات الإرهابية النشيطة في دول الساحل، لا سيما أن بعضها تضم عناصر جزائرية.

وثمة عامل آخر غير معلن، يُفسر القلق الجزائري من حدوث مواجهات مسلحة بالنيجر ومنطقة الساحل وتطوره إلى صراع مفتوح بين قوى غربية وروسيا، الأمر الذي يمكن أن يضع الجزائر في موقف حرج ومتأرجح بين تحالفها مع موسكو وشراكات استراتيجية تسعى لبنائها مع قوى غربية خصوصا فرنسا وإيطاليا.

 

أما ليبيا، فتبدو مخاوفها مضاعفة، إذ حذرت حكومة الوحدة الوطنية الليبية بطرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، من مخاطر الفوضى المحلية والإقليمية التي يمكن أن يتسبب فيها التدخل الخارجي في النيجر. وأعلنت حكومة طرابلس تأييدها "لمسار العودة إلى النظام الدستوري واحترام الشرعية المتمثلة في الرئيس بازوم" وترفض الاعتراف بالتغيير غير الدستوري لأنظمة الحكم المنتخبة.

وتكمن المخاوف الليبية المضاعفة، أولا من مخاطر عمليات تسرب جماعات إرهابية وشبكات تهريب البشر والسلاح عبر الحدود مع النيجر على الأوضاع الأمنية الهشة في البلاد. إذ جاءت ليبيا في المركز السابع من بين أكثر دول منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط تأثراً بالإرهاب رغم التحسن الملحوظ في الوضع الأمني منذ العام 2019 تقريباً، وفق مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023.

وثمة مصدر ثان للمخاوف الليبية، يتمثل في إدراك الساسة الليبيين في طرابلس بالخصوص، لصعوبة تنسيق العمليات العسكرية والأمنية على حدود صحراوية شاسعة تسيطر قوات خليفة حفتر على جزء كبير منها، في ظل انقسام القوى الأمنية بين شرق وغرب البلاد.

ويثير وجود عناصر مرتزقة فاغنر في شرق ليبيا هاجسا مستمرا لحكومة طرابلس التي تخشى من أدوارها الخطيرة المحتملة داخل ليبيا وخارج حدودها وخصوصا في الجارتين تشاد والنيجر.

وثمة أيضا مواقف حذرة في الرباط ونواكشوط إزاء تطورات الوضع في النيجر، فالدولتان اللتان كانت تربطهما علاقات وثيقة بنظام الرئيس بازوم خسرتا شريكا استراتيجيا مهما، وتبديان حيادا باردا إزاء التطورات الأخيرة.

 

ويُفسر الحذر المغربي باعتبارات تتعلق بمصالحه الاستراتيجية في الحفاظ على استقرار الوضع الأمني بالنيجر الشريك الأمني في مكافحة الجماعات الإرهابية والشريك الاقتصادي المهم في منطقة الساحل.

وكانت الرباط قد حذرت في وقت سابق من مخاطر وقوع تعاون بين عناصر جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه، وجماعات إرهابية وشبكات تهريب تنشط بمنطقة الساحل. وتؤيد النيجر الموقف المغربي في النزاع.

ومن جهتها أعلنت الحكومة الموريتانية رفضها للانقلاب في النيجر مؤكدة أنها "ضد أي تغيير غير دستوري بالقوة". وبدورها عانت موريتانيا تاريخيا من الاضطرابات الناتجة عن الانقلابات العسكرية، وفي ظل تحوّل مجموعة دول الساحل إلى نادٍ لأنظمة انقلابات عسكرية متضامنة فيما بينها، تعتبر موريتانيا الدولة الوحيدة التي يعتمد نظامها على مسار دستوري ومؤسسات منتخبة.

كما تخشى موريتانيا خسارة دور النيجر كشريك أساسي لها في قوة الساحل المشتركة وفي تبادل المعلومات الأمنية حول نشاط الجماعات الإرهابية وشبكات التهريب. وفيما قالت إنها تلقت طلبا من مجموعة "إيكواس" بالمشاركة في عملية عسكرية ضد النيجر، أبدت نواكشوط قلقها من أي مواجهات مسلحة في البلد المجاور.

تعتبر أحداث النيجر ضربة موحعة لمشروع أنبوب الصحراء الكبرى لنقل الغاز النيجيري إلى أوروباصورة من: Chahine Sebiaa /IMAGO

أمن الطاقة

لطالما كانت لفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، مصالح اقتصادية كبيرة في المواد الخام في النيجر. وتشكل خسارتها المحتملة لهذا المصدر الحيوي للطاقة في وقت حسّاس من الصراع بين الغرب وروسيا في أوكرانيا، ضربة موجعة ليس لفرنسا فقط بل لأوروبا أيضا.

ونقلت قناة "ntv" الألمانية عن الخبير الألماني في منطقة الساحل آلان أنتيل، بأن النيجر تشكل خامس أكبر مورد لليورانيوم لفرنسا خلال السنوات العشر الماضية. ويغطي الاتحاد الأوروبي ما يقرب من ربع احتياجات وكالة "أوراتوم"EURATOM   من إمداداته من اليورانيوم من واردات النيجر، كما يوجد فيها مناجم ذهب وفحم أيضا.

 

وتتعدى أهمية النيجر الاستراتيجية في تأمين الطاقة لأوروبا، كونها مصدرا للطاقة النووية، إذ تضع دول أوروبية وعلى رأسها إيطاليا النيجر كحلقة أساسية في مشروع "خط الصحراء الكبرى" الاستراتيجي لنقل الغاز من نيجيريا عبر دول الساحل والجزائر ومنها عبر خط الأنابيب المتوسطي إلى إيطاليا.

وتتفاوض رئيسة الحكومة الإيطالية الحالية جورجيا ميلوني، كما فعل سلفها ماريو دراغي، مع الجزائر ونيجيريا وعدد من دول الساحل، لتحقيق المشروع، ضمن "خطة ماتي" التي سميت على إسم إنريكو ماتي، الذي أسس في بداية خمسينيات القرن الماضي تكتل "إيني" النفطي الإيطالي.

 وتشكل الإطاحة بالرئيس بازوم مصدر خطر كبير على هذه الخطة، إذ يرجح أن تؤدي زعزعة الاستقرار الإقليمي إلى زيادة التهديدات التي تتعرض لها البنى التحتية الاستراتيجية للطاقة، وهي نتيجة ستكون إيطاليا الخاسر الأكبر فيها، بالنظر لحجم الاستثمارات التي تسعى "إيني" لضخها في المشروع الذي تسعى من خلاله إيطاليا للعب دور قيادي في منطقة البحر الأبيض المتوسط وتتحول إلى لاعب كبير في تأمين الطاقة لأوروبا.

ويرى محللون بأن الموقف الإيطالي الذي عبر عنه وزير الخارجية أنتونيو تاجاني بمعارضة التدخل العسكري ضد الانقلابيين في النيجر، بخلاف الموقف الفرنسي، تقف وراءه أهداف روما الطموحة في قطاع الطاقة ومشاريعها في نيجيريا وموزمبيق والكونغو وأنغولا. وتعتبر غازبروم الروسية منافسا رئيسيا لـ "إيني" الإيطالية في أسواق الطاقة الأفريقية.

 

انقسامات الدول المغاربية

تأتي الدول المغاربية في صلب استراتيجيات الإتحاد الأوروبي الأمنية والاقتصادية ولتأمين مصادر الطاقة سواء التقليدية من الغاز والنفط، أو الطاقة النظيفة. لكن الانقسامات والصراعات في البلدان المغاربية وبين دولها وخصوصا الجزائر والمغرب، تكبح فرصا واعدة في هذا المجال.

إذ تكشف المواقف الحذرة للعواصم المغاربية من أزمة النيجر حسابات معقدة سواء بسبب تضارب استراتيجيات الدول المغاربية أو بسبب تكتيكات تلك الدول وعلاقاتها الحذرة مع القوى الإقليمية والعالمية المؤثرة في الأحداث الجارية في منطقتي شمال أفريقيا والساحل والصحراء، وضمنها الولايات المتحدة والصين وروسيا وقوى أوروبية وتركيا وإسرائيل.

وتدفع المنطقة المغاربية ثمنا باهظا لانقساماتها وصراعاتها المزمنة، وتفوت عليها فرص الاندماج الإقليمي والاستفادة من خطط ومشاريع شراكة إستراتيجية واندماج إقليمي طرحها الأوروبيون على شركائهم المغاربيين منذ عقود.

وفي جوارها الجنوبي لم تحقق الدول المغاربية في تاريخها الحديث سياسة إقليمية منسجمة إزاء دول الساحل والصحراء. ففيما فشل الاتحاد المغاربي، الذي لم يعمر أصلا طويلا، في إرساء سياسة فعّالة مع جواره الجنوبي، سعى القذافي منفردا عبر تجمع "سين صاد" إلى بناء استراتيجية ونفوذ في المنطقة، لكنه اصطدم بقوى غربية وخصوصا فرنسا.

وتواجه الدول المغاربية اليوم تداعيات أزمة النيجر ومخاطرها الاستراتيجية وهي مفككة ومتضاربة التوجهات، مما يضعها تحت وطأة طوق من الأزمات يمتد على مسافات آلاف الكيلومترات من حدود موريتانيا حتى السودان.

منصف السليمي

منصف السليمي صحفي في مؤسسة DW الألمانية، خبير بالشؤون المغاربية
تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW