1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

فرصة تاريخية لليورو إلى جانب الدولار واليوان

٥ يوليو ٢٠٢٠

يبدو الاتحاد الأوروبي ضائعا في تحديد مكانته بين بكين وواشنطن، غير أن كلام المستشارة ميركل حول مستقبل العلاقة مع واشنطن تشير إلى تحول في الدور العالمي للاتحاد. فهل يبدأ ذلك بجعل اليورو عملة عالمية تقارع الدولار واليوان؟

هل تنجح القارة العجوز في تجاوز خلافاتها وتصعد إلى مستوى قوة عالمية تقارع واشنطن وبكين؟
هل تدعم ألمانيا دور اليورو لمقارعة دور كل من الدولار واليوان على الصعيد العالمي؟ صورة من: picture-alliance/dpa/MAXPPP/Kyodo

نادرا ما تلفت انتباهي تصريحات المستشارة الألمانية ميركل التي تتسم بالضبابية والعمومية والتحفظ حتى في الرد على إهانات واتهامات كتلك التي يوجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو التركي رجب طيب أردوغان. غير أن قولها مؤخرا: "قد نضطر  إلى التفكير بشكل أساسي في علاقاتنا مع الولايات المتحدة" كان مفاجئا كونه يخرج عن تصريحاتها المألوفة والمملة.

كلام ميركل هذا جاء في مقابلة مع "زود دويتشته تسايتونغ" ووسائل إعلامية أخرى في 26 حزيران/ يونيو 2020 قالت فيه أيضا تعقيبا على قرار الرئيس ترامب سحب آلاف الجنود الأمريكان التابعين لقوات الناتو من ألمانيا إلى بولندا: "(...)إذا أرادت الولايات المتحدة اليوم وقف دورها كقوة عالمية، فعلينا أن نفكر جيدا في علاقاتنا معها".

وفي سياق متصل أضافت بأن على أوروبا أن تلعب "دوراً أكبر من الدور الذي لعبته في الحرب الباردة" على مختلف الصعد. وفي إشارة إلى الصين قالت المستشارة أمام المجلس الاتحادي الألماني في وقت لاحق أن على "الاتحاد الأوروبي التحدث بصوت واحد مع الصين إذا أراد التوصل إلى اتفاقات تضمن مصالحه معها".

 

دعم ألماني أقوى لصعود أوروبا

كلام ميركل هذا يمكن تأويلة بأن صبر أوروبا يكاد ينفذ، لاسيما من سياسات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إزاء ألمانيا وأوروبا والتي تجاوزت العقوبات الاقتصادية إلى الشأن الأمني والعسكري.

وهو في نفس الوقت إشارة إلى الصين بأن الاتحاد الأوروبي سيصر في أية مفاوضات معها على ضمان مصالحه من خلال تحقيق مطالب عدة من أبرزها مزيد من الانفتاح في السوق الصينية على الشركات الأوروبية.

ومن التبعات المرجحة لذلك أن الاتحاد وبدعم ألماني أقوى من ذي قبل يريد لعب دور اقتصادي عالمي أقوى إزاء القطبين الكبيرين اللذين يتنازعان على النفوذ الذي همينت عليه واشنطن عالميا منذ انهيار المعسكر الشيوعي سابقا.

ويدل على الدعم الألماني المذكور السخاء غير المألوف الذي أبدته المستشارة ميركل وحكومتها في موضوع التضامن المالي الأوروبي لتجاوز تبعات أزمة كورونا، والذي تمثل في مبادرات عدة آخرها المبادرة الفرنسية- الألمانية بقيمة 750 مليار دولار لمساعدة الدول المتضررة وفي مقدمتها إيطاليا وفرنسا. كما يدل عليه إدراج موضوع "أي مستقبل ينتظر الاتحاد الأوروبي؟" على قائمة الاجندة الألمانية خلال تولي ميركل رئاسة الاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من العام الجاري 2020.

وإذا ما تجاوزنا الغوص في تفاصيل التغيرات السياسية المطلوبة لضمان هذا المستقبل، فإن الدعم المالي الألماني المتزايد لأوروبا يشكل دعامة أساسية في الطريق إلى صعود أوروبا كقطب اقتصادي عالمي لا يقل قوة عن الولايات المتحدة والصين. ويزيد من أهمية هذا الصعود عوامل من أبرزها تراجع الدور الأمريكي وفشله على أكثر من صعيد وخاصة في إدارة أزمة جائحة كورونا مؤخرا.

كما تزداد أهميته على ضوء تزايد حدة النزاع التجاري الأمريكي الصيني وعشرات العراقيل التي وضعتها إدارة ترامب أمام الصادرات الأوروبية. ومما لا شك فيه أن أي صعود أوروبي إلى القطبية يتطلب تعزيز موقع اليورو في المبادلات التجارية العالمية إلى جانب الدولار، الذي ما يزال يسيطر على هذه المبادلات رغم مرور عقدين على التعامل بالعملة الأوروبية التي تشكل 20 بالمائة من العملات الاحتياطية على مستوى العالم. ومن المفارقة أن هذا الدور المتواضع يقابلة ناتج محلي إجمالي أوروبي يقارب مثيله الأمريكي بحدود 20 تريليون دولار عام 2018. 

ماهو نظام سويفت العالمي الذي تتعامل به أغلب بنوك العالم؟

01:35

This browser does not support the video element.

اليورو مؤهل لدور عالمي أقوى

عندما انسحب  ترامب من الاتفاق النووي الإيراني بشكل منفرد أنشأت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا آلية جديدة أطلقت عليها "انستكس" للتعامل التجاري مع إيران خارج منظومة التحويلات المالية العالمية الحالية التي تهيمن عليها واشنطن. غير أن هذه الآلية لم تعمل بشكل فعال لضعف الجدية في وضع مقومات نجاحها من جهة، وعدم تبنيها من جميع دول الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.

الآن ومع ضرورة تعزيز موقع اليورو يمكن لبرلين خلال رئاستها للاتحاد الأوربي أن تلعب دورا أساسيا في تعديل هذه الآلية وتعزيزها واعتماد اليورو وسيلة لها بهدف ضمان مصالح أوروبا التجارية بشكل أقوى على المستوى العالمي. ويزيد من أهمية ذلك ضرورة تحقيق مزيد من الاستقلالية عن الدور الأمريكي الذي يصبح الاعتماد عليه أصعب من يوم لآخر.

ابراهيم محمد: فرصة تاريخية لليورو إلى جانب الدولار واليوان، هل يتم استغلالها؟ صورة من: DW/P.Henriksen

ومن شأن ذلك أن يصعد باليورو إلى مرتبة عملة تحويل عالمية إلى جانب الدولار واليوان الصيني الذي بدأت بكين بطرحه كعملة بديلة في علاقاتها الثنائية مع دول كثيرة كروسيا وإيران. كما طرحته إلى جانب الدولار كعملة لتداول عقود النفط من خلال بورصة عالمية في شنغهاي اعتبارا من أوائل عام 2019.

ومما يعنيه هذا الصعود تدفق مزيد من الاستثمارات إلى أوروبا وتعزيز العلاقات التجارية معها بشكل يعوضها عن تراجع محتمل في علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة وبريطانيا، لاسيما بعد خروج الأخيرة من الاتحاد الأوروبي. وفي الحقيقة توفر الظروف الحالية الصعبة على الجميع فرصة تاريخية لليورو ينبغي عدم تضييعها، لاسيما وأن عشرات الدول ومن بينها الدول المغاربية ترحب بهذه الخطوة من زاوية أن علاقاتها التجارية مع دول الاتحاد الأوربي هي الأقوى مقارنة بعلاقاتها مع الدول الأخرى. 

 

برلين قادرة على دفع القاطرة الأوروبية

قد يقول معلق أو خبير أن قدرة ألمانيا على تعزيز دور اليورو ومعه الاتحاد الأوروبي على الصعيد العالمي محدودة بسبب البيروقراطية التي تحكم عمل المؤسسات الأوروبية وآلية الإجماع في اتخاذ القرار. ومما يعنيه ذلك أن دولا اعتادت على التغريد خارج السرب مثل هنغاريا أو بولندا يمكنه عرقلة وتعطيل مشاريع القرارات الجديدة كما كانت تفعل بريطانيا من قبل مدفوعة بحكم علاقاتها المتميزة مع واشنطن.

وهو دور يبدو أن بولندا ذاهبة إلى لعبه على ضوء النفوذ الأمريكي المتزايد هناك. غير أن قوة هذه العراقيل لا تنفي قدرة ألمانيا على تجاوزها  ودفع القاطرة الأوروبية بحكم الثقل المالي الألماني الأقوى في الصناديق والمشاريع والموازنات الأوروبية. وهو الأمر الذي يساعدها على تمرير قرارات لا تتعارض مع مصالح الاتحاد ككل كتلك التي تعزز موقع اليورو في التجارة العالمية.

ومن جهة أخرى، فإن حكومة التحالف الكبير التي تتزعمها المستشارة ميركل أظهرت قدرة نادرة وناجحة على إدارة الأزمات بطريقة تقوم على التوافق بين المصالح والحلول الوسط على الصعيدين الألماني والأوروبي. وهو الأمر الذي يعكسه نجاحها أكثر من أية دولة أوروبية أخرى في مواجهة التبعات الاقتصادية لجائحة كورونا، وقبل ذلك نجاحها في إدارة تبعات الأزمة المالية العالمية. 

ابراهيم محمد

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW