1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: قضايا حقوق الإنسان في تونس .. اختبار مرير لأوروبا

Moncef Slimi Kommentarbild App
منصف السليمي
١٧ مارس ٢٠٢٣

ما دلالات توصيات البرلمان الأوروبي لأوضاع حقوق الإنسان في تونس؟ وهل ستتجاوز سقف الإدانة وتتحول إلى إجراءات عقابية؟ وبالمقابل ما هي هوامش التعامل معها من قبل الرئيس سعيّد الذي يواجه انتقادات بسبب "نزعته السلطوية"؟

الرئيس ماكرون زعيم أوروبي داعم للرئيس سعيّد صورة من: Chokri Mahjoub/ZUMA Press Wire/picture alliance

في يوم 20 مارس/ آذار 2023 عندما تحتفل تونس بالذكرى 67 لاستقلالها، سيخصص مجلس الاتحاد الأوروبي حيزا من قمته للتباحث حول الأوضاع في هذا البلد المغاربي، وهي المرة الأولى من نوعها منذ عشرين عاما.

مداولات مجلس الاتحاد الأوروبي لن تنطلق من فراغ، بل مهّد لها البرلمان الأوروبي بتوصيات حادة ضد "النزعة السلطوية" لدى الرئيس قيس سعيّد. وتشمل توصيات البرلمان الأوروبي مستويات عديدة من القضايا السياسية والحقوقية التي ترسم مشهدا مجسدا "للنزعة الاستبدادية" للرئيس سعيّد منذ قيامه في 25 يوليو/ تموز 2021 بحل البرلمان وإقالة الحكومة وحل عدد من الهيئات القضائية والدستورية وصولا إلى إيقاف العمل بدستور 2014 المتوافق عليه ديمقراطيا، وسنّ تدابير استثنائية ثم كتابته لدستور جديد وإقراره في يوليو/ تموز الماضي.

ومن أبرز توصيات البرلمان الأوروبي، أولا: إدانة الإجراءات التعسفية للتضييق على الحريات السياسية والنقابية والاعتقالات التي طالت سياسيين معارضين وإعلاميين ونشطاء من المجتمع المدني. وثانيا الدعوة لإطلاق سراح كافة المعتقلين "تعسفيا" والمطالبة بالإفراج الفوري عن الصحفي نورالدين بوطار، مدير عام إذاعة "موزاييك إف إم" الخاصة. وثالثا: مطالبة المفوضية الأوروبية بتجميد برامج دعم لوزارتي العدل والداخلية. ورابعا: إدانة البرلمان الأوروبي لخطاب الرئيس سعيد ضد المهاجرين الأفارقة، ووصفه بأنه "عنصري"، داعياً سلطات البلاد إلى الامتثال للقوانين الدولية.

مهاجرون أفارقة يغادرون عبر مطار تونس على خلفية تعرضهم لمضايقاتصورة من: Fethi Belaid/AFP/Getty Images

توصيات البرلمان الأوروبي تعتبر غير مسبوقة إزاء تونس، وتعيد للأذهان صورة البلد في ذروة حقبة الدكتاتورية في ظل حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، الذي أطاحت به ثورة 2011. لكن ما دلالات هذه الخطوة بالنسبة للاتحاد الأوروبي؟ وهل تتجاوز سقف توصيات الإدانة وتتحول إلى إجراءات عقابية من قبل الاتحاد الأوروبي ضد تونس؟ وما هي هوامش التعامل معها من قبل الرئيس سعيّد؟

اتحاد أوروبي بإيقاعات متفاوتة!

منذ يوليو/ تموز 2021 ظهرت ردود فعل المؤسسات الأوروبية بشكل متفاوت وأحيانا متباين إزاء التطورات التي شهدها مهد "الربيع العربي. إذ اتسمت مواقف البرلمان الأوروبي بخطاب إدانة صريح للتدابير الاستثنائية التي أقدم عليها الرئيس سعيّد والتي أدت إلى إيقاف مسلسل الانتقال الديمقراطي في "البلد الاستثناء" بالمنطقة، وقاطع البرلمان الأوروبي في مراقبة العمليات الانتخابية التي نظمت بدءًا بالاستفتاء على دستور جديد وانتخاب برلمان جديد. بينما تبَنّت المفوضية الأوروبية والدول الرئيسية ذات التأثير الأكبر في العلاقات الأوروبية التونسية وهي فرنسا وإيطاليا وألمانيا، نهجا حذرا يؤلّف بين الدعوة للحفاظ على المكتسبات الديمقراطية التي تحققت في البلاد بعد 2011، ومواصلة الدعم الاقتصادي لتونس ومساعدتها على تجاوز الأزمة المالية والاقتصادية التي تغرق فيها.

وعندما تنعقد قمة المجلس الأوروبي في الأيام القليلة المقبلة، يعود الملف التونسي إلى الواجهة ومعه سجل ثقيل من التراجعات عن عملية الانتقال الديمقراطي، وتوصيات غير مسبوقة من البرلمان الأوروبي، وهو ما سيضع رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد، جوزيب بوريل، في موقف أكثر حرجا إذا ما أرادا الحفاظ على نفس الإيقاع والصيغة الحذرة التي دأبا على التعاطي بها إزاء تطورات الأوضاع في تونس.

منصف السليمي، صحفي خبير بالشؤون المغاربية في مؤسسة DW الألمانية

فمن المنظور الأوروبي، تضع مقتضيات اتفاقية الشراكة الموقعة بين الاتحاد الأوروبي وتونس، هذه الأخيرة ملزمة باحترام الحريات والمكتسبات الديمقراطية كي تحافظ بروكسل من جهتها على إدامة الدعم الاقتصادي والمالي والذي بلغ خلال السنوات العشر الماضية حوالي 3 مليار يورو، وخلال السنتين الأخيرتين لم يتم تقليصه.

بيد أن مناقشة أوضاع تونس هذه المرة بالمجلس الأوروبي تأتي في سياق صعب، فالأوروبيون يوجهون بوصلتهم نحو الجوار الشرقي للاتحاد، ومعظم الاعتمادات المالية في المرحلة المقبلة ستكون موجهة لدعم أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي وإعادة إعمارها. وهو اتجاه أكدت عليه المفوضية الأوروبية وزاد المستشار الألماني أولاف شولتس التشديد عليه في خطابه أمام البرلمان الألماني "البوندستاغ". ومن شأن هذا التوجه أن يطرح إشكالات متزايدة على فرص الدعم الاقتصادي لتونس، ويرفع سقف الأصوات التي تدعو المفوضية لاتخاذ تدابير للضغط على الرئيس سعيّد. بيد أنه بالمقابل قد يثير انقسامات بين الأوروبيين نظرا لتفاوت نظرتهم ومصالحهم في تونس، وضمنها تأتي ملفات ساخنة مثل الهجرة والأمن.

إذ تدافع بعض البلدان الأوروبية على ضرورة الحفاظ على استقرار تونس كبلد شريك وجار لأوروبا، ودعم اقتصادها كي لا ينهار ولا يتسبب بالتالي في مزيد من الهجرة غير القانونية أو المشاكل الأمنية في منطقة مضطربة أصلا، ويتدفق منها سنويا عشرات الآلاف من المهاجرين غير القانونيين.

هل يكترث سعيّد بالتنبيهات الأوروبية؟

يبدو أن الرئيس سعيّد ماض في خطته التي أعلن عنها منذ اتخاذه التدابير الاستثنائية وجمعه للسلطات بيديه، ولم يبد في السنتين السابقتين ما يشير إلى أنه سيغير من نهجه بناء على التنبيهات التي جاءته من الولايات المتحدة والأمم المتحدة وأيضا من البرلمان الأوروبي.

فرغم اعتماد البلد على الشراكة مع أوروبا والمبادلات معها بحوالي 70 في المائة، لا تبدو التنبيهات السياسية، الصادرة عن المؤسسات الأوروبية، ذات أثر ملحوظ على العلاقات وتحديدا على نهج الرئيس سعيّد الذي سبق له في مايو/ أيار من العام الماضي أن طلب من مبعوثي اللجنة المعروفة باسم "لجنة البندقية"، أي "اللجنة الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون"، وهي هيئة استشارية تابعة لمجس أوروبا، بسبب انتقادها للتدابير الاستثنائية ومخالفتها للقواعد الديمقراطية والشرعية الدستورية.

وطالما دفع الرئيس سعيّد بشعار "عدم التدخل الخارجي" في مواجهة أية ملاحظات أوروبية أو غربية حول الأوضاع السياسية في بلاده، كما اتهم معارضيه بـ"التآمر والتخابر مع دول أجنبية" بسبب توجههم إلى منظمات أوروبية أو دولية. وقد اشتملت القضايا التي اعتقل بصددها مؤخرا عدد من المعارضين، على مثل هذه التهم.

وثمة مؤشرات أو اعتبارات أخرى يستخدمها الرئيس التونسي في مواجهة أي ضغوط وخصوصا الخارجية، ومنها توظيفه للأزمة الاقتصادية والاجتماعية لحشد - غالبا ما يتم بطريقة "شعبوية"- تأييد قطاع مهم من التونسيين الغاضبين على الطبقة السياسية وتحميلها مسؤولية تدهور الأوضاع والفساد المستشري في البلاد.

مظاهرات احتجاجية ضد تدابير الرئيس سعيّد .. هنا أمام مقر الاتحاد العام التونسي للشغلصورة من: Fethi Belaid/AFP

كما تساعد انقسامات قوى المعارضة الرئيس سعيّد على المضي في نهجه الذي بات يطال نخبا ومنظمات مختلفة من الطيف السياسي والفكري في البلاد.

وفي الوقت الذي يزداد اعتماد الحكم على أجهزة الأمن وأساليب تعسفية في مواجهة المعارضين السياسيين والإعلاميين والنقابيين، لا يخفي الرئيس سعيّد انتقاداته لهيئات أوروبية وللغرب "ومحاولات (هذا الأخير) إملاء قيمه وديمقراطيته". وفي المقابل يرى سعيد أن النهج الذي يريد هو إرساءه يحمل ملامح "مشروع جديد" يمكن أن يقدم حلولا تاريخية ليس فقط لتونس بل للإنسانية، كما يقول.

وكان سعيّد يتحدث في مناسبات عديدة عن نظام حكم " قاعدي نابع من الشعب"، يعتمد على مجالس حكم منتخبة مباشرة على الصعيد المحلي، ولا مكان فيها لوسطاء مثل الأحزاب أو منظمات المجتمع المدني.

وفي أول زيارة قام بها إلى مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل قبل نحو عام، ردّ سعيد على اتهامات له بالتوجه لإرساء حكم استبدادي، مستشهدا بعبارة شهيرة للجنرال ديغول: "لست في هذا السن أن أبدأ مسيرة دكتاتور!".

بيد أن منتقديه يقولون إن الإجراءات التي يتخذها الواحدة تلو الأخرى، بدءا من مراسيم التدابير الاستثنائية ووصولا إلى دستور يكرس حكما رئاسويا يجمع السلطات التنفيذية والتشريعية وحتى القضائية ويهمش مؤسسات البرلمان والقضاء، في غياب محكمة دستورية، كما يستبعد دور الأحزاب وهيئات المجتمع المدني، تصب في اتجاه إرساء نظام حكم فردي استبدادي.

وتتقاطع نزعة الرئيس سعيّد للنأي عن مسار الانتقال الديمقراطي الذي حظي بدعم سياسي وإعلامي كبير في الغرب، مع تزايد انتهاكات حقوق الإنسان وموجة عودة أنظمة حكم مستبدة ليس فقط بالمنطقة بل على الصعيد العالمي، في ظل الانشغال الدولي في البداية بتداعيات جائحة كورونا ثم بتطورات حرب أوكرانيا، وبالمقابل تراجع قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية في أجندة المؤسسات الإقليمية والدولية، وهو ما حذر منه أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في افتتاحه مؤخرا لدورة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وذكر الحالة التونسية في هذا السياق.

قضايا حقوق الانسان في ظل أجندات ومصالح متضاربة

تشكل الأوضاع في تونس، برأي محللين، مثالا على ضعف التنسيق بين الدول الأوروبية وتباين سياساتها، ففي الحالة التونسية تتقاطع ملفات عديدة مثل الهجرة والتحديات الأمنية وإشكالية ازدواجية المعايير في التعاطي مع قضايا حقوق الإنسان مقابل المصالح الاقتصادية.

وفي ظل موقف أوروبي حذر إزاء تطورات الأوضاع في السنتين الأخيرتين بتونس، وهو موقف تعتمده أيضا برلين، يوجه حقوقيون ومراقبون أوروبيون وتونسيون انتقاداتهم لباريس وإيطاليا، ويرون بأنهما تعتمدان موقفا "خجولا"  إذا لم يكن أحيانا "متواطئا" مع ما يعتبرونه "نزعة استبدادية" للرئيس سعيّد.

وثمة من لا يفاجئه نهج الدبلوماسية الفرنسية، على غرار فينسان غيسير الباحث في المركز الوطني للبحث العلمي، الذي يرى أنه باستثناء حالات نادرة على غرار مواقف حكومة الاشتراكي ليونيل جوسبان، "لطالما التزمت فرنسا الحذر الشديد واتبعت نهجا معتدلا مع انتقادات مبطنة للغاية للنظام التونسي أيّا كان". وتجدر الإشارة هنا إلى أن باريس في ظل حكم الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي ظلت هي آخر عاصمة غربية تدعم نظام الرئيس الأسبق بن علي حتى اللحظات الأخيرة من الإطاحة به من قبل ثورة 2011.

ويعزو الحقوقي المخضرم كمال جندوبي، الوزير السابق لحقوق الانسان في تونس، الدعم الذي يجده الرئيس سعيّد من باريس، إلى أن الرئيس إيمانويل ماكرون يرى بأن سعيّد "فعل ما لم يفعله أي مسؤول آخر ألا وهو تحييد الإسلام السياسي وهو ما يحسب له سياسا".

رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلونيصورة من: John Thys/AFP/Getty Images

ولا يقتصر الأمر على صمت عواصم أوروبية إزاء قضايا حقوق الإنسان والحريات التي تحدث في تونس، فعندما هاجم الرئيس سعيّد في خطاب له مؤخرا، مهاجرين أفارقة وحملهم مسؤولية انتشار الجريمة والتسبب بتغيير محتمل للتركيبة الديمغرافية في البلاد، كانت هناك ردود فعل منتقدة من الأمم المتحدة وعواصم غربية وأفريقية وصفت الخطاب بـ"العنصري ويحض على الكراهية"، وقرر البنك الدولي تجميد برامج تعاون مع تونس.

بينما كان موقف باريس وروما، أكثر نفعية، بالنظر لخلفية موقف الحكومتين الفرنسية والايطالية من مسألة الهجرة، طالما أن موقف الرئيس سعيّد المعلن بمناهضة الهجرة الأفريقية "غير القانونية"، يصب في اتجاه الرؤية الأمنية للبلدين الأوروبيين الجارين لتونس، وخصوصا إيطاليا التي ترأسها اليمينية الشعبوية جيورجيا ميلوني. وتستنتج الباحثة الفرنسية التونسية الأصل، خديجة فنان بأن الرئيس التونسي "استجاب بطريقة غير مدروسة لمطالب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بدءا بفرنسا وإيطاليا".

ولا يبدو أن مواقف إيطاليا وفرنسا إزاء تطورات قضايا حقوق الإنسان والهجرة بتونس، بمعزل عن حذر البلدين الأوروبيين إزاء حالة الاستقرار الهش التي تعيشها تونس تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة في محيط إقليمي مضطرب، وخصوصا في ليبيا.

ومن هنا يمكن قراءة سياق ارتفاع أصوات أوروبية مثل فرنسا وإيطاليا للمطالبة بمواصلة الدعم الاقتصادي لتونس، وكذلك مساعدتها في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قروض قيمتها 4 مليار يورو، لحل مشكل الديون والأزمة المالية المتفاقمة.

وتبدو تونس وفق هذا المنظور "الحذر" بمثابة منطقة رخوة يُخشى أن يؤدي تدهورها إلى انهيار إقليمي أوسع قد تدفع ثمنه دول الجوار في ضفة شمال المتوسط وفي مقدمتها إيطاليا وفرنسا، اللتان تواجهان معضلة إقليمية أوسع تتمثل في تراجع نفوذهما في منطقة شمال أفريقيا وعلى نطاق أوسع بالقارة السمراء، تحت وطأة المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة وخصوصا بفعل تداعيات حرب أوكرانيا.

منصف السليمي

منصف السليمي صحفي في مؤسسة DW الألمانية، خبير بالشؤون المغاربية
تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW