1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: كرة نار بين ليبيا و"مثلث الموت" بتشاد.. من يكتوي بها؟

Moncef Slimi Kommentarbild App
منصف السليمي
٢٧ أبريل ٢٠٢١

يبدو أن هجوم قوات المتمردين التشاديين التي انطلقت من قاعدة عسكرية في وسط ليبيا، على العاصمة نجامينا أحدث مفاجأة من العيار الثقيل في عواصم أوروبية ومغاربية. فهل تتحول كرة النار من ليبيا إلى تشاد ومن سيكتوي بها أولا؟

يتواصل الكر والفر بين القوات الحكومية والمتمردين في شمال تشادصورة من: Abdoulaye Adoum Mahamat/AA/picture alliance

اندلاع النزاع المسلح بين متمردي "الجبهة من أجل التناوب والوفاق" والجيش التشادي، فاجأ العالم بتداعياته السريعة بدءا بمصرع الرئيس ادريس ديبي على جبهة القتال، وصولا إلى الاضطرابات الأمنية داخل البلد نفسه، ومخاوف من تداعياته في بلدان مجاورة مباشرة مثل ليبيا والسودان والنيجر أو قريبة جغرافيا مثل الجزائر ومصر.

وفيما سارعت فرنسا، البلد الأكثر نفوذا في تشاد بالتحرك سياسيا وميدانيا، تبدو تطورات الأوضاع في هذا البلد الوسط أفريقي حبلى بالتحديات والمخاطر على المنطقة المغاربية وأوروبا، اعتبارا لما تنطوي عليه الأوضاع هنالك من تعقيدات.

تشاد "العربي"

تشاد البلد الذي يوجد في قلب القارة الأفريقية ليس عضوا في جامعة الدول العربية وقد طلبت حكومته في سنة 2014 العضوية، واللغة العربية واحدة من لغاتها الرسمية وينطق بها حوالي 12 في المائة من سكان البلاد.

وتعتبر تشاد أكثر بلد أفريقي غير عربي متداخل مع العالم العربي عبر ملايين السكان ذوي الجذور الإثنية المشتركة في كل من السودان وليبيا، وخصوصا عبر قبائل التبو التي يمتد تواجدها في جنوب ليبيا وعلى طول دول الساحل والصحراء، وعبر الزوايا الصوفية السنوسية المنتشرة في ليبيا والسودان والتيجانية واسعة النفوذ في الغرب الأفريقي وصولا إلى المغرب.

 ولا تفصل مناطق النزاع في شمال وغرب تشاد بين الحكومة المركزية والمتمردين القادمين من ليبيا سوى بضع مئات الكيلومترات عن الجزائر ومصر رغم أن البلدين لا تربطهما حدود مباشرة مع تشاد.

وعلى إمتداد العقود الثلاثة التي حكم فيها البلاد بقبضة حديدية، كانت للرئيس ديبي علاقات عربية واسعة مع ثلاث دول عربية هي السودان عمر البشير وليبيا القذافي ومصر، وكانت تلك العلاقات شديدة التقلب. كما كانت تشاد منذ فترة حكم الرئيس الأسبق حسين حبري الخصم اللدود للقذافي، طرفا في مثلث النزاعات المسلحة الذي يشمل إقليم دارفور بالسودان ومناطق أوزو وتبيستي شمال تشاد الحدودية مع ليبيا والتي تطورت العلاقات المضطربة معها في عهد القذافي إلى حرب متقطعة دامت عقدا ونيف، وتكبد الجيش الليبي في نهايتها بمنتصف الثمانينات هزائم كبيرة.

ساحة الأمة التي أقيمت بها جنازة الرئيس التشادي المقتول إدريس ديبيصورة من: Christophe Petit/AFP

وفي منطقة النزاع الليبي التشادي برزت قصة الضابط الليبي خليفة حفتر رفيق درب العقيد القذافي. فقد كان حفتر قائدا في القوات اللليبية التي هاجمت منطقة أوزو التشادية، ولكن توقف الدعم والإمدادات العسكرية لوحداته من طرابلس، أوقعه في الأسر من طرف القوات التشادية وحكم عليه بالسجن.

ومن سجنه بتشاد تحول رفيق الدرب السابق إلى منشق عن نظام القذافي، وتفيد روايات عديدة بأن خروجه من السجن في أواخر الثمانينات تم بمساعدة المخابرات المركزية الأمريكية التي جندته ووفرت له إقامة في الولايات المتحدة.

بصمات حفتر

عاد حفتر إلى ليبيا إبان ثورة فبراير 2011 وشارك في المواجهات المسلحة في شرق البلاد ضد قوات نظام القذافي. وفي دوامة المشهد الليبي المضطرب بعد مقتل القذافي، سيشكل حفتر انطلاقا من بنغازي ما يسمى بـ"الجيش الوطني الليبي" وسيسمي الجنرال المتقاعد نفسه "ماريشال" ويقود "معركة الكرامة" ويزحف لاحقا على العاصمة طرابلس بهدف إسقاط حكومة التوافق الوطني المعترف بها دوليا، ودون جدوى من الهجوم سيضطر للعودة إلى قواعده بشرق البلاد.

ومن أجل تحقيق أهدافه بالسيطرة على الحكم في كامل ليبيا، رفع حفتر شعار الحرب على الجماعات الإسلامية المتطرفة والميليشيات المتحالفة مع الحكومة المركزية في طرابلس، وتمكن من نسج تحالفات إقليمية (مصر والإمارات) ودولية شملت روسيا بالإضافة إلى فرنسا.

وميدانيا اعتمد حفتر في حملاته العسكرية نحو غرب ليبيا وجنوبها على تحالفات مع مرتزقة من المقاتلين المتمردين في دارفور السودانية وعلى مقاتلي حركة التمرد في منطقة شمال تشاد التي خبرها أثناء حرب أوزو في الثمانينات من القرن الماضي.

لكن التسوية السياسية التي أشرفت عليها الأمم المتحدة في ليبيا في نهاية عام 2020 والتي تم بموجبها وقف إطلاق النار في ليبيا وتشديد المجتمع الدولي على ضرورة رحيل القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد، ستفتح صفحة جديدة في أدوار المقاتلين المرتزقة التشاديين.

زعيم المتمردين التشاديين مهدي علي داخل معسكر لقوات "الجبهة من أجل التناوب والوفاق"صورة من: Mahamat Mahdi Ali/Facebook

إذ لم تدم بطالة المقاتلين التشاديين طويلا، فسينظمون أرتالهم ويشكلون وحدات تحت لواء "الجبهة من أجل التناوب والوفاق" بزعامة مهدي علي، لتزحف في منتصف أبريل/ نيسان 2021 عبر مثلث حدود ليبيا والنيجر وتشاد المعروف بتواجد قبائل التبو والطوراق، نحو نجامينا بهدف إسقاط نظام الرئيس ديبي المتوج حديثا بولاية انتخابية سادسة.

هجوم المتمردين التشاديين تم تحت أنظار الجنرال حفتر، ولن يكون منطقيا بدون علم أو تنسيق مع داعميه العرب والروس.

ويعود تشكيل "الجبهة" التشادية المتمردة إلى سنة 2016 وقد أتاح تنقل أعضائها إلى ليبيا من تنظيم قواتها التي يتشكل عناصرها من قبائل التبو وإثنيات أخرى تتصارع مع الحكم المركزي بنجامينا.

أزمة جديدة في خاصرة ليبيا

رغم تمكن القوات التشادية مؤقتا من وقف هجوم المتمردين، وخصوصا بالاعتماد على دعم فرنسي، فان عدم الاستقرار السياسي في العاصمة نجامينا بعد مصرع الرئيس ديبي وتولي ابنه الجنرال محمد إدريس ديبي للحكم على رأس مجلس عسكري وسط انتقادات المعارضة (الشرعية) التي تطالب بانتقال ديمقراطي، يؤشر إلى أن الصراع قد يتواصل لفترة وفي أسوأ السيناريوهات قد يتحول إلى حرب أهلية مزمنة تعصف بالبلد الفقير الذي يغرق منذ سنوات في مديونية ثقيلة للصين ولفرنسا وأزمة إقتصادية زادت من حدتها جائحة كورونا.

ولهذه الاعتبارات يتوقع محللون بأن تواجه ليبيا مزيدا من التحديات الأمنية نتجية تحول الصراع المسلح من ليبيا إلى شمالي وغرب تشاد، واعتماد المتمردين التشاديين على الأراضي الليبية كقاعدة خلفية لهم.

إذ بإمكان قوات المتمردين دائما استخدام منطقة تيبستي الجبلية في مثلث حدود ليبيا ـ تشاد ـ النيجر كمنطلق استراتيجي في قتال القوات الحكومية التشادية، وتشكل هذه المنطقة التي يطلق عليها "مثلث الموت" بؤرة خارج سيطرة الدولة الليبية المفككة أصلا، وهي تخضع لنفوذ جماعات مسلحة وتهريب البشر والممنوعات والسلاح والمعادن ومنها الذهب.

ورغم أن الحكومة الليبية قد أمرت جيشها بالتأهب في مناطق الجنوب الحدودية مع تشاد، إلا أن الجيش الليبي الذي مزقت وحدة كيانه سنوات الحرب الأهلية، ليس بمنآى عن الاختراقات، ناهيك عن إمكانية استخدام الجنرال حفتر في أي وقت، نظرا لنفوذه وعلاقاته مع المتمردين التشاديين، كورقة للضغط على خصومه داخل ليبيا. إذ لا يزال الرجل القوي في شرق البلاد يتكتم على نواياه بشأن المستقبل.

ويعزز من هذه المخاوف أن التسوية السياسية التي أقرتها الأمم المتحدة لا تزال في مرحلتها الأولى وتقوم على توافقات هشة قد تنهار في أي وقت خصوصا في مراحل قادمة عندما يتعلق الأمر بإعادة هيكلة القوات المسلحة الليبية، في حال إحراز تقدم في بناء وانتخاب المؤسسات السياسية والدستورية.

كما أن توغّل الأدوار الخارجية في تضاريس الأزمة الليبية، يعرض التسوية السياسية في أي وقت لتحديات، إذ ما يزال مطلب الأمم المتحدة برحيل القوات الأجنبية والمرتزقة يشكل عقبة كأداء أمام التسوية السياسية.

دور روسي

ويبدو أن مؤشرات عديدة تفيد بدور روسي فيما يجري في خط الأزمات المشتعلة من شرق ليبيا إلى جنوبها وصولا إلى شمال تشاد. وبحسب تقارير نشرتها صحف ألمانية فان قوات المتمردين التشاديين انطلقت من قاعدة تابعة للجنرال حفتر بمدينة سوكنة الواقعة وسط ليبيا وهي مدينة استراتيجية في اتجاه سبها وباقي مناطق جنوب ليبيا، وبأن العناصر التشادية تلقت تدريبات من قبل قوات فاغنر الروسية المتمركزة في سوكنة. كما حصل المتمردون على معدات وأسلحة روسية ثقيلة من جبهة القتال الليبية.

صورة التقطتها أقمار اصطناعية أمريكية لطائرت مقاتلة روسية في شرق ليبيا (أرشيف)صورة من: DVIDS

ويرى خبراء غربيون بأن روسيا لها بصمات فيما يجري في تشاد بغرض تعزيز مطامعها في النفوذ بمنطقة وسط وغرب أفريقيا ومنافسة النفوذ الفرنسي الذي يواجه تحديات منذ سنوات.

وفي تقرير نشرته DW مؤخرا كشف خبراء تابعون للأمم المتحدة عن عمليات تسليح للقوى المتصارعة تقوم بها روسيا في جارة تشاد الجنوبية، دولة أفريقيا الوسطى التي تشهد بدورها حربا أهلية. كما أوفدت موسكو خبراء عسكريين ومقاتلين مرتزقة إلى أفريقيا الوسطى، وأدى الدور الروسي إلى تقويض مساعٍ أممية للتوصل إلى تسوية سلمية للأزمة المتفاقمة في هذا البلد الأفريقي. وخلال السنوات الخمس الأخيرة أبرمت روسيا صفقات أسلحة مع عدد مع الدول في المنطقة.

اختراق في منطقة نفوذ فرنسي ..من يسُدّه؟

وليست ليبيا البلد المغاربي الوحيد الذي تثير أحداث تشاد قلقه، بل تشاطره أيضا الجارة الكبرى الجزائر التي تربطها مئات الكيلومترات الحدودية مع النيجر، ولا تبعد كثيرا عن مناطق النزاع المسلح. ولطالما تأثرت مناطق جنوب الجزائر بحركة الجماعات المسلحة وتهريب السلاح على امتداد منطقة الساحل والصحراء، التي تنشط فيها جماعات إسلامية متشددة.

منصف السليمي خبير بالشؤون المغاربية في مؤسسة DW الألمانية

وقد تضطر الجزائر، التي توجه اهتمامها منذ بضعة أشهر إلى تطورات أزمة الصحراء الغربية وقام جيشها بمناورات على مقربة من الحدود مع المغرب، إلى أن تحول الاهتمام المركزي إلى النزاع المسلح الجديد الدائر على مقربة من حدودها جنوب شرق، ما قد يضطرها إلى تحريك مزيد من قواتها نحو الحدود الجنوبية لمراقبة الأوضاع المضطربة هناك خشية أن يصل لهيبها إلى جنوب البلاد التي تشهد من حين لآخر اختراقات من تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".

وهنالك وجه آخر للتحدي الأمني والسياسي بالنسبة للجزائر، في حال تطورت أزمة تشاد وتطلب الأمر إيفاد قوات دولية لحفظ السلام سواء في تشاد أو ليبيا، وطُلبت مشاركة الجزائر فيها. ولطالما تحفظت الجزائر عن إرسال جيشها خارج البلاد، لكن هذه العقيدة العسكرية تغيرت بعد إقرار تعديل دستوري في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بإمكانية مشاركة الجيش في مهام خارج البلاد.

وفرنسا التي تعرضت لخيبة كبيرة في ليبيا وخسرت نفوذها في مواجهة التدخل التركي، كما فقدت تأثيرها على الجنرال حفتر، ترمي حاليا بثقلها في الأزمة التشادية عبر توفير غطاء جوي ولوجستي للجيش التشادي في مواجهة التمرد، وتتوفر فرنسا على قاعدة عسكرية بتشاد منذ استقلالها في بداية الستينات،

 كما توجد قواعد فرنسية بشمال مالي ضمن عملية "برخان" التي أطلقتها سنة 2014 لمكافحة الإرهاب في المنطقة، ضمن بعثة أممية تشارك فيها دول الساحل الخمس مالي وبوركينافاسو وموريتانيا والنيجر وتشاد.

ويعتبر تشاد أهم حليف لفرنسا في المنطقة ويساهم بآلاف من جنوده في الجبهة المفتوحة ضد جماعات متشددة وخصوصا "القاعدة" و"بوكو حرام" على امتداد الحدود الصحراوية شمال وفي منطقة بحيرات تشاد في وسط القارة الأفريقية وصولا إلى نيجيريا غربا.

وتشاد ليست فقط حليفا عسكريا لفرنسا، بل هي أيضا مصدر ثروات معدنية نفيسة مثل الذهب واليورانيوم. ولذلك فإن ما يجري فيها يعتبر اختراقا كبيرا في منطقة نفوذ فرنسية بامتياز، ومن هنا يفهم التحرك السريع لباريس على الصعيدين العسكري والسياسي ومشاركة الرئيس إيمانويل ماكرون شخصيا في جنازة الرئيس ديبي.

لكن تعدد الجبهات التي يخوضها الفرنسيون في منطقة الساحل والصحراء ضد الجماعات الجهادية التي تسعى للاستفادة من التطورات الأخيرة في تشاد، يكشف من جديد ضعف سياسة الاتحاد الأوروبي الأفريقية والمعضلة التي تواجهها في منطقة الساحل والصحراء، وقد يدفع باريس للبحث عن دعم إضافي للدعم العسكري والمادي الذي تقدمه ألمانيا، سواء بالانحناء لدعم الأمريكيين والتخلي عن منطق وحساسيات المنافسة التاريخية معهم أو عبر توسيع التحالفات على الصعيد الأفريقي والمغاربي ولاسيما مع حلفاء تقليديين مثل المغرب ومصر، لتطويق أزمة قد تتحول إلى حرب أهلية شبيهة بما حدث في ليبيا، وسينتج عنها نزيف جديد في جسم القارة الأفريقية، يفرز حالة عدم استقرار جديدة واتساع بؤر تهريب السلاح وحدوث موجات جديدة من الهجرة غير الشرعية واللجوء نحو أوروبا عبر البلدان المغاربية.

منصف السليمي

منصف السليمي صحفي في مؤسسة DW الألمانية، خبير بالشؤون المغاربية
تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW