1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

كورونا وفرصها لإحياء الزراعة ومكافحة الفقر في الدول العربية

١٣ سبتمبر ٢٠٢٠

مع تدهور الزراعة في دول عربية غير نفطية ارتفعت نسبة البطالة واتسعت دائرة الفقر فيها. غير أن جائحة كورونا تفتح أمامها فرصة لإعادة إحياء زراعات محلية وسد جزء كبير من نقص الأغذية. أين تكمن هذه الفرص وما شروط استغلالها؟

صورة لمزارع العنب في لبنان
جائحة كورونا تفتح فرصا كبيرة أمام الزراعة، هل تستغل الدول العربية هذه الفرص؟ صورة من: picture-alliance/AP Photo/H. Malla

ألحقت جائحة كورونا أضراراً فادحة بالقطاع الزراعي والصناعات الغذائية التي تعتمد على منتجاته لأسباب من أبرزها الانقطاعات التي حصلت في سلاسل الإمداد التجارية واللوجستية ومستلزمات الإنتاج، إضافة إلى تعثر قدوم العمال الموسميين لجني المحاصيل الزراعية. 
وظهرت تبعات ذلك في رفوف متاجر الكثير من الأسواق الأوروبية والآسيوية التي عانت نقص منتجات الدقيق والمعكرونة والبيض ولحم الدجاج وعدد من أنواع الخضار والفواكه بنسب تتراوح بين 10 إلى 20 بالمائة. كما كشفت الجائحة عن أن إنتاج الكثير من اللحوم يتم في ظروف غير صحية حتى في بلد يتبع نظما صارمة للإنتاج الغذائي مثل ألمانيا. ولعل الحالة المزرية في مسلخ ومصنع تونيس الألماني للحوم خير مثال على ذلك.
وقد أدى نقص الإمدادات إلى ارتفاع أسعار الكثير من الأغذية بسبب تقليص تجارتها وقلة المخزون منها.

مخاطر نقل الأغذية من مسافات بعيدة

وفي بلدان نامية وفقيرة كالدول العربية غير النفطية زادت المخاوف من اتساع دائرة الفقر بسبب جائحة كورونا، وفي هذا السياق حذرت لجنة الأمم المتحدة لغرب آسيا "إسكوا" من ان تداعيات كورونا قد تلقي بأكثر من 8 ملايين نسمة إضافية من سكان المنطقة العربية في براثن الفقر والجوع. كما زادت المخاوف أيضاً من الأضرار الصحية. 

ويعود السبب في ذلك إلى أن المنتجات الزراعية والأغذية المستوردة تأتي في الغالب من بلدان صناعية أو صاعدة تبعد عنها آلاف الكيلومترات. ويسبب نقلها عبر هذه المسافات في ارتفاع أسعارها وتعرضها لأضرار وتغييرات أحد مصادرها بكتيريا وفيروسات وحشرات غريبة عن البيئة المستهلكة لها. يضاف إلى ذلك أن الأغذية المستوردة ينبغي أن تتمتع بشكل جذاب يخفي استخدام هؤمونات ومواد كيميائية ضارة بالصحة من خلال عمليات الإنتاج والتوضيب.

كورونا وإعادة الاعتبار للزراعة

دفع ارتفاع الأسعار وزيادة المخاوف الكثيرين ودول عديدة صناعية منها ونامية لإعادة النظر في أهمية الزراعة المحلية حتى في المدن المكتظة حيث يقيم ملايين الناس، لأن زراعة كهذه توفر أجور النقل من أماكن بعيدة وتزود المستهلك بمنتجات صحية وطازجة. ومن الأدلة الكثيرة على إعادة النظر هذه مثلاً ارتفاع نسبة الذين يمارسون أنشطة زراعية وأعمال بستنة في حدائقهم المنزلية أو في الأراضي الزراعية في إطار التعامل مع جائحة كورونا إلى ما يقارب 50 بالمائة من عدد السكان في ألمانيا.

وفي بريطانيا ارتفعت هذه النسبة إلى 42 بالمائة حسب مكتب الإحصاء الوطني هناك. وفي مدن كبيرة مثل برلين ومونتريال وشيكاغو تتوسع الزراعة العضوية لأنتاج أنواع متعددة من الخضار على أسطحة الأبنية بالآعتماد على تقنيات ذكية وعالية.

وتحظى منتجات هذه المشاريع بإقبال كثيف من المستهلكين. ومن الملاحظ في هذا الإطار التركير على زراعات عضوية صحية وصغيرة الحجم وعلى مشاريع متوسطة تعتمد على تقينات حديثة كتقنية الزراعة المائية التي توفر المياه بنسبة 90 بالمائة. كما أن قسماً كبيراً من هذه الزراعات يعتمد على المبيدات الحشرية بدلاً من المبيدات الكيميائية التي تسبب أمراض السرطان وغيرها.

نجاح محدود على الصعيد العربي

 أما في الدول العربية فإن المعطيات المتوفرة في بلدان مثل لبنان والأردن وفلسطين وتونس والمغرب وسوريا والعراق على قلتها تشير إلى إقبال متزايد على الزراعات المنزلية في قطع الأراضي الصغيرة بالاعتماد على طرق حديثة توفر المياه القليلة أصلاً في هذه البلدان باستثناء لبنان.

وحتى في مناطق صحراوية خليجية كصحراء دبي يتم تشجيع توسيع إقامة مزارع ذكية بتقنية الزراعة المائية مثل مزرعة "البادية" لإنتاج الخضار على مدار السنة في ظروف بيتوت زجاجية مكيفة. وفي مصر والعراق وسوريا تكثف الحكومة جهودها لتوفير مسلتزمات إنتاج أفضل لصغار المزارعين من خلال حماية السوق من المنافسة وتقديم بعض مستلزمات الإنتاج كالبذار والأسمدة بشروط ميسرة.

حققت دول عربية كمصر والعراق وتونس والمغرب مؤخرا قفزات نوعية في زيادة إنتاج الكثير من الأغذية كالتمور والحمضيات والزيتون والخضار الموسمية مثل البطاطس والطماطم والخيار وأنواع الخس وغيرها. كما شملت هذه الزيادة منتجات حيوانية كالآلبان والبيض ولحوم الدجاج على أنواعها. ويتم تصدير الفوائض من هذه المنتجات إلى بلدان عديدة بينها دول الاتحاد الأوروبي أيضاً.

وعلى الرغم من أهمية ذلك، فإن فجوة نقص الأغذية في هذه الدول ما تزال كبيرة لأسباب منها أن المشاريع الناجحة ما تزال محدودة. أما المعطيات التي تشير إلى ذلك فكثيرة. وعلى سبيل المثال أشار تقرير تقرير صادر عن منطمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو" هذا العام 2020 إلى أن نسبة اعتماد الدول العربية على استيراد الحبوب تتراوح بين 44 و80 بالمائة في مصر والعراق وتونس والجزائر، بينما تزيد هذه النسبة على 90 بالمائة في الأردن واليمن ولبنان ودول مجلس التعاون الخليجي. غير أن التبعية للخارج تتجلى أكثر يتجلى أكثر في اعتمادها شبه الكلي على استيراد البذار والتقنيات الزراعية من الخارج.

جائحة كورونا فرصة للزراعات الصغيرة

تشير الكثير من المعطيات إلى أن جائحة كورونا تشكل فرصة حقيقية لدول فقيرة ونامية كغالبية الدول العربية لإعادة إحياء الزراعات المحلية بدلاً من الاعتماد على المنتجات المستوردة التي يتم إنتاجها في مزارع مركزة وكبيرة وصناعية تعتمد على الهرمونات والمواد الكيميائية وتضر بالصحة.

وتكمن هذه الفرصة في إعادة الاعتبار بشكل متزايد للزراعات الصغيرة والمزارعين الصفار الذين يشكلون الغالبية الساحقة من العاملين في القطاع الزراعي لهذه الدول. ومن هنا فإن على حكومات الدول المعنية دعم هؤلاء بكل السبل المتاحة وخاصة في هذا المرحلة بهدف مساعدتهم على إنجاح مشاريعهم والمساهمة في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأغذية ورفع مستوى الأمن الغذائي في بلدانهم.

ويحتاج مثل هذا الدعم إلى حزم تحفيز متكاملة تتضمن قبل كل شيء تقديم مستلزمات الانتاج كالبذار والغراس ومواد بناء الحظائر الصحية لإنتاج اللحوم على أنواعها. كما يحتاج إلى المساعدة في تصريف وبيع المنتجات بأسعار مجدية تضمن للمزارعين والعاملين في الزراعة حياة كريمة بعيداً عن استغلال تجار الجملة الذين يتحكمون في السوق. وقد جرت العادة حتى الآن أن هؤلاء التجار يستغلون المزارعين ويجمعون الثروة على حسابهم من خلال بيع منتجاتهم لتجارة التجزية بأسعار تزيد على 100 بالمائة عن السعر الذي يدفعونه للمنتج.

ابراهيم محمد: كورونا تفتح فرصا كبيرة أمام المشاريع المحلية الصغيرة الحجم الأكثر صحية للناس من المشاريع الصناعية الكبيرة والمكثفةصورة من: DW/P.Henriksen

سبل الحد من تدهور الزراعة

مما لا شك فيه وعلى ضوء تجارب الكثير من الدول أن هناك علاقة متبادلة ووثيقة بين تدهور الإنتاج الزراعي وزيادة نسبة الفقر وانتشار الجوع. وعليه فإن وقف هذا التدهور وإعادة النهوض بالزراعة يحل الكثير من مشاكل سوء التغذية والبطالة في الدول العربية، لاسيما وأن القسم الأكبر من الفقراء والعاطلين عن العمل فيها من أصول ريفية وزراعية.

وتذهب التقديرات إلى أن عدد فقراء الدول العربية يزيد عن 100 مليون في هذه الدول. ومن متطلبات إعادة النهوض هذه أيضاً حماية المنتج المحلي من منافسة منتجات الدول الصناعية التي تدعمها حكومات هذه الدول بمبالغ ضخمة تجعل من استمرار الزراعات المحلية في الدول الفقيرة والنامية شبه مستحيل في ظل الأسواق المفتوحة. وبالنسبة للعالم العربي يتطلب هذا النهوض أيضاً تغيير نظرة الشباب الدونية للعمل الزراعي على أساس أنه لا يليق بهم، لأن غالبية الناس في مجتمعاتهم تنظر بنوع من السخرية للقيام بأنشطة زراعية.

إبراهيم محمد

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW