1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: خيارات صعبة تهدد نجاح مؤتمر برلين حول ليبيا

Moncef Slimi Kommentarbild App
منصف السليمي
٢٢ يونيو ٢٠٢١

أمام مؤتمر ليبيا الثاني في برلين مهمة أولى تتمثل في مساعدة الليبيين على تنظيم العملية الانتخابية قبل نهاية العام الجاري. لكن المؤتمر تواجهه قضية شائكة هي إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، والخيارات إزاءها صعبة للغاية.

أرشيف: ليبيون يتظاهرون أمام مقر مؤتمر برلين الأول ( 19 يناير كانون الثاني 2020) ضد دور الجنرال خليفة حفترصورة من: picture-alliance/dpa/P. Zinken

ألمانيا كانت من الدول الأعضاء القليلة في حلف الناتو التي عارضت تدخل الحلف العسكري سنة 2011 للإطاحة بالزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، تستقبل عاصمتها في برلين الأربعاء (23 يونيو/ حزيران 2021) ثاني مؤتمر حول ليبيا.

أمام المشاركين في المؤتمر مهمة أولى تتمثل في مساعدة الليبيين على تنظيم الانتخابات في موعدها المقرر بتاريخ 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل وفقا لاتفاق الحوار الليبي الذي تم برعاية الأمم المتحدة، وملف ثانٍ شائك هو إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة.

وفي حقائب وفود الدول المؤثرة في الأزمة الليبية أوراق أخرى تنتظر وضعها على طاولة المفاوضات حالما تبدو الطريق سالكة أمامها، ويتعلق الأمر بحصتها في خطط إعادة إعمار البلد بعد حوالي عقد من الفوضى.

وإذا كان إحراز تقدم في المهمة الأولى لمؤتمر برلين الثاني يقع ضمن سقف التوقعات ولو بنسبة معقولة من النجاح، فإن المهمة الثانية تبدو صعبة التحقيق.

فبقدر ما تتوفر عملية تنظيم الانتخابات على خيارات وفرص لتحقيقها رغم عدد من الصعوبات، تبدو الخيارات المتاحة لإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة محدودة.

فما هي إذن المخرجات الممكنة في مؤتمر برلين التي لخصت وزارة الخارجية الألمانية الهدف منه في "بحث العملية الانتقالية الليبية منذ مؤتمر برلين (19 يناير/ كانون الثاني 2020) والمراحل المقبلة لفرض استقرار دائم" للوضع في البلاد؟

طريق سرت ما تزال غير سالكة!

منذ تعيينها في العاشر من مارس/ آذار الماضي، قطعت حكومة رجل الأعمال المستقل عبد الحميد الدبيبة خطوات بطيئة في سبيل الإعداد لتنظيم الإنتخابات التشريعية والرئاسية ومن شأن المؤتمر الدولي الذي تحتضنه برلين أن يمنح الحكومة الانتقالية دفعة جديدة في توفير مزيد من شروط النجاح.

فبعد جولة الحوار الليبي التي احتضنها المغرب في بداية شهر يونيو/ حزيران الجاري، والتي تم فيها إحراز تقدم في توزيع المناصب السيادية التي تشمل حاكم المصرف المركزي، والمدعي العام ورؤساء هيئة الرقابة الإدارية، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والمفوضية العليا للانتخابات والمحكمة العليا، ما تزال فرصة أخرى أمام الحكومة الانتقالية عندما يجتمع فرقاء الأزمة الليبية برعاية الأمم المتحدة قبل نهاية الشهر الحالي في سويسرا.

رياح التسوية السلمية للأزمة الليبية هل تهب بما لا تشتهيه سفن الجنرال حفتر؟صورة من: picture-alliance/dpa/A. Tzortzinis

وناهيك عن الصعوبات التي ظهرت في وضع أجندة العملية الانتخابية، تحتاج أطراف الأزمة الليبية للاتفاق على قاعدة دستورية قانونية للانتخابات، فبدونها سيكون الباب مفتوحا للطعن في الاقتراع.

وقبل أن يتوجه إلى برلين أعطى رئيس الحكومة الإنتقالية الإشارة لفتح الطريق الساحلية بين مصراتة وسرت التي تربط بين شرق وغرب البلاد، بعد إغلاق دام حوالي سنتين منذ هجوم قوات الجنرال حفتر على العاصمة طرابلس.

ورغم أهمية هذه الخطوة على درب التقارب بين طرفي الأزمة بطرابلس وبنغازي (شرق)، فان الطريق يبدو أنها ما تزال غير سالكة بشكل تام إلى سرت ومنها إلى بنغازي عاصمة شرق البلاد التي تتمركز فيها قوات الجنرال خليفة حفتر. بل إن سرت التي احتضنت في مارس/ آذار الماضي اجتماع مجلس النواب الذي منح الثقة لحكومة الدبيبة، ما تزال المدينة محاطة بالألغام العسكرية والأمنية والسياسية. فعلى تخومها ترابط من جهة وحدات عسكرية موالية لحكومة طرابلس وتدعمها قوات تركية وضمنها مرتزقة سوريون، ومن جهة ثانية تتمركز قوات تابعة لـ"الجيش الوطني" الذي يقوده حفتر وتساندها من الخلف فرق من مرتزقة فاغنر الروسية.

وبعد أن بعث بإشارات عديدة على حذره إزاء الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة، كان لافتا للأنظار أن الجنرال حفتر قد توخى عشية انعقاد مؤتمر برلين أن يوجه رسائل جديدة في نفس الاتجاه، فقد عرقلت قواته فتح الطريق بين مصراتة وسرت، كما قامت وحدة عسكرية تابعة له بإغلاق معبر حدودي مع الجزائر بعد انتشار كثيف في جنوب ليبيا والقيام بتحركات ميدانية.

وتنشر خطوات حفتر مزيدا من الغيوم الداكنة في أجواء المشهد الليبي، ما يهدد بوضع عراقيل جديدة أمام العملية السياسية التي قد يكون حفتر يرى أنه لا موقع له فيها. وهو ما يفسر رد فعل المجلس الرئاسي الليبي الذي يرأسه محمد المنفي (من شرق البلاد) وإصداره بأنه بصفته القائد الأعلى للجيش، قرارا بحظر إعادة تمركز الوحدات العسكرية مهما كانت طبيعة عملها "مطلقا"، أو القيام بأي تحركات لأرتال عسكرية لـ"أي غرض كان".

الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان يتصافحان خلال مؤتمر برلين الأول (أرشيف)صورة من: picture-alliance/AP Photo/Turkish Presidency Press Service

تفكيك العُقد الروسية والتركية

ينعقد مؤتمر برلين على وقع اتصالات ومساع حثيثة لتفكيك عُقد ملف القوات الأجنبية والمرتزقة الشائك، والذي توجد أوراقه الرئيسية بأيدي موسكو وأنقرة، ولذلك شددت المستشارة أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في لقائهما قبل المؤتمر بأيام قليلة على أن أوروبا تواجه "تحديات كبيرة " في التعامل مع كل من روسيا وتركيا.

فالبلدان باتا يشكلان بمثابة طوق حول أوروبا من خلال أدوار عسكرية وأمنية تخلط أوراق الأمن الأوروبي من أوكرانيا إلى القوقاز ثم في شرق المتوسط وسوريا وصولا إلى ليبيا.

ويبدو أن تركيز اجتماعات قمة الناتو التي شارك فيها لأول مرة الرئيس الأمريكي جو بايدن على التحدي الاستراتيجي الصيني، جعل ملف إدارة العلاقات الصعبة مع الجارين الروسي والتركي يأتي في درجة أقل أهمية أو بالأحرى تحكمها قاعدة "العصا والجزرة". ويتطلع الأوروبيون إلى ما يحمله وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من دعم إلى برلين في تفكيك العقدتين الروسية والتركية بليبيا، في أفق إستعادة الأوروبيين لزمام المبادرة التي فقدوها في ملف ملتهب على مشارف أوروبا، في ظل الفجوة التي حصلت في العلاقات مع الولايات المتحدة إبان إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.

وعلى هامش قمة حلف الناتو، عقد الرئيسان ماكرون وأردوغان في بروكسل لقاء حمَل بوادر تحسن في علاقات البلدين، وتفاؤل ماكرون بانعكاسات إيجابية في الملف الليبي. كما أجرت وزيرة الدفاع الألمانية أنيغريت كرامب - كارنباور محادثات في برلين مع نظيرها التركي خلوصي آكار حول تطبيق قرارات قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) والوضع في منطقة البحر المتوسط ومنطقة البحر الأسود. في محاولة لتبديد الخلافات مع تركيا، الشريك في الناتو. وكان أشدّها خلاف مفتوح وقع العام الماضي عندما فتشت القوات المسلحة الألمانية سفينة تركية كجزء من عملية الاتحاد الأوروبي "إيريني". واعتبرت تركيا هذا التصرف من ألمانيا، الشريكة في الناتو، غير قانوني واتهمت الحكومة الألمانية والاتحاد الأوروبي بالاستخدام غير المصرح به للقوة. ومع ذلك، أعلنت قيادة المهمة أن هناك أسبابا كافية للاعتقاد بأن السفينة التي خضعت للتفتيش ربما تنتهك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا.

منصف السليمي، صحفي بمؤسسة DW الألمانية خبير بالشؤون المغاربية

وتشكل مسألة سحب القوات الأجنبية من ليبيا ملفا مركزيا في مؤتمر برلين، إذ تغذي قوى خارجية بشكل واسع النزاع في البلاد كما تضع عقبات أمام تنفيذ تفاهمات الأطراف الليبية على درب تسوية الأزمة.

وفي كانون الأول/ ديسمبر قدرت الأمم المتحدة بنحو 20 ألفا عدد المرتزقة والمقاتلين الأجانب في ليبيا من روس في مجموعة فاغنر الخاصة وتشاديين وسودانيين وسوريين وغيرهم. وينتشر مئات من العسكريين الأتراك بموجب اتفاق ثنائي مبرم مع حكومة طرابلس السابقة.

وفي حوار مع صحيفة "دي فيلت" الألمانية قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أمس الاثنين إن "الأطراف التي تعهدت خلال اجتماع برلين الأخير (19 يناير/ كانون الثاني 2020) بسحب قواتها لم تف بوعدها" في إشارة مبطنة إلى روسيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة. وأضاف "إذا أردنا أن يتمتع الليبيون بحق تقرير المصير يجب أن ترحل القوات الأجنبية".

أدوار لدول الجوار الليبي

ينعقد مؤتمر برلين أيضا في ظل تحسن في أجواء العلاقات بين أطراف إقليمية لطالما شكلت ليبيا مسرحا لصراعاتها. فقد شهدت علاقات القاهرة بأنقرة تحسنا غير مسبوق منذ القطيعة بين البلدين على خلفية الإطاحة بحكم الرئيس الإسلامي الراحل محمد مرسي في صيف سنة 2013.

فمصر المحاطة بالنزاعات على حدودها (غزة-إسرائيل، وضع غير مستقر في السودان، أزمة مفتوحة مع أثيوبيا)، ترى من مصلحتها ترسيخ الاستقرار في الجبهة الليبية، عبر اتخاذ مسافة من الدور العسكري الإماراتي في ليبيا مقابل تقارب مع تركيا وقطر. لكن مصر تعايشت على مر عقود مع النزاعات المسلحة، بل أصبحت لها خبرة في لعب أدوار وساطة وإدارة الأزمات.. ولذلك فإن إعطاء دور لمصر في الملفات الأمنية والعسكرية الشائكة في ليبيا قد يكون من الأمور التي لن تتردد القاهرة في الاضطلاع بها، خصوصا إذا كان ذلك يمنحها تحقيق مزيد من المصالح.

جلسة من الحوار الليبي في اجتماع بمدينة بوزنيقة بحضور وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة (أرشيف)صورة من: AFP/F. Senna

كما ضاعفت الدبلوماسية الألمانية جهودها لتأمين حضور الجار المغاربي الذي كان ضعيفا في مؤتمر برلين الأول. فقد وجهت برلين دعوات لدول الجوار المغاربي: تونس والجزائر والمغرب أيضا هذه المرة رغم حالة الفتور في العلاقات وكان الملف الليبي واحدا من مسبّباته، ومن شأن حضور المغرب الذي احتضن جولات حوار ليبي ناجحة، إضفاء مزيد من الزخم الدبلوماسي للعملية السياسية والانتخابية.

كما تعدّ مشاركة الجارة الجزائر ورقة استراتيجية مهمة في أفق الترتيبات الأمنية والعسكرية التي يمكن التوصل إليها. إذ تشترك الجزائر بحوالي ألف كيلومتر من الحدود مع ليبيا، وتشكل حدود البلدين منطقة حساسة تربط شمال أفريقيا بمنطقة الساحل والصحراء، التي تشكل مجالا رئيسيا للهجرة غير القانونية وتهريب البضائع والأسلحة وعبور الجماعات المسلحة.

وتبدي الدول الغربية مزيدا من الاهتمام بدور الجيش الجزائري في تلك المنطقة، ولاسيما بعد التطورات الدراماتيكية في شمال تشاد في أبريل/ نيسان الماضي إثر هجوم قوات متمردين تشاديين قادمين من معسكرات قوات حفتر في جنوب وشرق ليبيا، والتي أدت إلى مصرع الرئيس التشادي ادريس ديبي.

ودور الجيش الجزائري خارج حدود البلاد، لم يعد من المحظورات بعد التعديلات التي أدخلت على الدستور الجزائري، وكشف الرئيس عبد المجيد تبون النقاب لأول مرة عن سيناريو "تدخل جزائري" كان سيحدث قبل عامين لمنع سقوط العاصمة طرابلس من قبل قوات مرتزقة، كما قال مؤخرا في حوار مع قناة "الجزيرة" القطرية.

خيارات صعبة

تعتمد الأمم المتحدة والقوى الغربية بشكل رئيسي على بعثة "إريني" العسكرية لتأمين الحدود البحرية والجوية الليبية ومراقبة عمليات التسلح، ويكتسي إدماج دول الجوار الليبي أهمية خاصة في الترتيبات الأمنية والعسكرية لجهة تثبيت وقف إطلاق النار. ولكن تظل مسألة إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة الملف الأكثر صعوبة في سبيل إنهاء الأزمة الليبية.

ويبدو مؤتمر برلين الثاني كحلقة حاسمة في مسارات إخراج هذا البلد الشمال أفريقي من نفق أزمة عمرت لأزيد من عقد من الزمن. فما هي الخيارات المتاحة في مؤتمر برلين في ضوء التطورات والسياقات التي ينعقد فيها المؤتمر، ولاسيما في التفاوض مع اللاعبين الروسي والتركي؟

الخيار الأول: لم تظهر روسيا وتركيا لحد الآن استعدادات عملية لسحب قواتهما من المرتزقة. ومن بين الفرضيات أنهما قد تقبلان بمقايضة الحضور العسكري أو على الأقل تقليصه، بمصالح اقتصادية في ليبيا ضمن خطط إعادة البناء أو عقود الطاقة.

الخيار الثاني: فرض عقوبات دولية على الدول أو المجموعات أو الشخصيات غير المتعاونة في ملف سحب القوات الأجنبية والمرتزقة، وتدعيم عمليات مراقبة أمنية وعسكرية ميدانية عبر عمليات "إريني".. لكن يظل هذا الخيار مهددا بالإحباط في مجلس الأمن مثلا عبر فيتو روسي. كما أنه حتى في حالة تبنيه من الاتحاد الأوروبي وواشنطن، فهنالك شكوك حول فرص نجاحه في ضوء تجارب لم ينجح فيها خيار العقوبات في زحزحة روسيا في أوكرانيا ولا تركيا بين أرمينيا وأذريبجان.

ولذلك ربما يظهر خيار ثالث تحدثت عنه مصادر بريطانية، وهو الإعداد لمؤتمر آخر  في لندن بعد برلين يركز على ملف المرتزقة. وسيكون المؤتمر غربيا بالأساس يكون هدفه مباشرا في ممارسة ضغط ميداني وخطط عسكرية لإخراج المرتزقة.

لكن هذا الخيار قد تواجهه صعوبات كبيرة. لأنه يحتاج إلى توافق أطلسي (أوروبي أمريكي) وهو ليس مضمونا.. إذ يمكن أن يظهر تململ في المعسكر الأوروبي الذي لا يريد أي مواجهة مباشرة خصوصا مع روسيا على مشارف أوروبا. ومن شأن تجدد الأعمال العسكرية في ليبيا أن يعيد الأمور إلى نقطة الصفر، ويضع أوروبا على أبواب موجة هجرة جديدة.

وبصرف النظر عن فرص تحقق أحد الخيارات المطروحة في برلين، فإن عنصر الزمن سيكون حاسما في ضوء الأجندة الزمنية التي وضعتها الأمم المتحدة للعملية الانتخابية والسياسية.

منصف السليمي

منصف السليمي صحفي في مؤسسة DW الألمانية، خبير بالشؤون المغاربية
تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW