1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مصر.. ارتفاع حدة التعاسة رغم معدلات النمو العالية!

٤ أغسطس ٢٠١٩

عادة ما تأتي معدلات النمو العالية بنسب فقر منخفضة. غير أن نسب النمو التي زادت في مصر على 5 بالمائة جاءت بمزيد من التعاسة بعد الكشف عن ارتفاع نسبة المصريين الفقراء بنحو هذه النسبة. كيف ذلك، وهل من سبيل لحل هذه المعضلة؟

Armut in Ägypten
صورة من: picture-alliance/M.Toedt

عندما تنجح خطوات الإصلاح الاقتصادي في زيادة الاستثمارات وتخفيض عجز ميزانية الدولة ورفع معدلات النمو، ينتظر المرء في العادة تراجع نسبة الفقراء وتعزيز دور الطبقة الوسطى التي تعيش في رفاهية. غير أن الوضع في مصر يبدو على خلاف ذلك، فمؤشرات الاقتصاد الكلي الجيدة، وفي مقدمتها نسبة النمو التي تزيد على 5 بالمائة، لم تنجح في تقليص نسبة الفقر، بل زادت الوضع تعاسة.

آخر بيانات الجهاز المركزي المصري للإحصاء تفيد أن نسبة المصريين تحت خط الفقر ارتفعت بنحو 5 بالمائة، من قرابة 27.8 بالمائة عام 2015 إلى نحو 32.5 بالمائة عام 2018، وهي أعلى نسبة منذ نحو عقدين. ويشمل ذلك الأفراد الذين يقل دخلهم الشهري عن 45 دولارا في الشهر. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الذين يتقاضون شهريا بين 45 إلى مائتي دولار في الشهر ولا يعيشون حياة رغيدة يشكلون أكثر من ثلث المصريين على الأقل، فإن نسبة الفقراء الذين لا يستطيعوا توفير حاجاتهم الأساسية اليومية تزيد على الثلثين.

ما نفع معدلات النمو العالية للاقتصاد الكلي في ظل ظروف حياة كهذه بإحدى عشوائيات القاهرة؟صورة من: picture-alliance/NurPhoto/F. El-Geziry

ارتفاع نسبة الفقر رغم النمو

السؤال المطروح، كيف يحصل ذلك في بلد وعد فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومته المصريين مرارا وتكرارا بالرفاهية من خلال تحسين مستواهم المعيشي بعد البدء بإصلاحات قاسية ومؤلمة، من أبرزها تعويم الجنيه المصري في خريف عام 2016؟

وبعد نحو ثلاث سنوات على ذلك هناك مؤشرات من مصادر متعددة مصرية ودولية تشير إلى أن ثمار ذلك بدأت بالظهور على أكثر من صعيد مثل تراجع معدلات التضخم وزيادة احتياطات العملات الصعبة إضافة إلى ارتفاع معدلات النمو بنسب تتراوح بين 3 إلى أكثر من  5 بالمائة خلال السنوات الثلاث الماضية. غير أن بيانات الجهاز المركزي الأخيرة المتعلقة بمعدلات الفقر تدل على أن هذه الثمار لايتمتع بها غالبية المصريين، ولا يدل على ذلك ارتفاع معدلات الفقر وحسب، بل أيضا معدلات البطالة العالية رغم الإعلان عن مشاريع واستثمارات كبيرة برعاية الدولة في أكثر من منطقة في البلاد.

العاصمة المصرية الجديدة تلتهم مليارات الدولارات، لكنها لا تحل مشكلة ملايين المصريين العاطلين عن العملصورة من: picture-alliance/Zumapress/Xinhua/A. Gomaa

إشكالية استثمارات الدولة

وإذا كانت ثمار الإصلاح لا تصل إلى الغالبية، فأين تذهب إذا؟ بداية لا بد من القول أن ارتفاع معدلات النمو العالية وثمار الإصلاح الأخرى جاءت بشكل رئيسي بفعل استثمارات حكومية في قناة السويس وقطاعي الغاز والنفط وقرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، إضافة إلى قروض ومساعدات عربية وتعافي إيرادات السياحة بشكل ملحوظ.

وقد تركزت الإيرادات والعوائد الناتجة عن ذلك في يد الدولة التي ضخت القسم الأكبر منها في مشاريع قومية تكلف مليارات الدولارات، مثل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة، وقبله مشروع توسيع قناة السويس ومشاريع الكهرباء والطاقة. وعلى الرغم من أهمية مشاريع كهذه على المدى الطويل، إلا أن مشكلتها تكمن في اعتمادها على كثافة رأس المال أكثر من اعتمادها على كثافة اليد العاملة. وهو الأمر الذي يفسر بشكل جزئي استمرار ارتفاع نسبة البطالة ومعها الفقر.

ومن مشاكل مشاريع بتكاليف ضخمة كهذه، تسهيل عمليات الفساد واختلاس وغسيل الأمول في بلد ينخر فيه الفساد في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص معا. وهنا يأتي دور تجار ووسطاء ورجال أعمال يستوردون مستلزمات البناء والتشييد والمواد الاستهلاكية اللازمة للسوق. ومن المعروف أن فئات من هؤلاء تتحكم بشكل واسع في سوق السلع استيرادا وتوزيعا وتسويقا. ويٌخص بالذكر منها فئات التجار الذين ترسخت مصالحهم وتشابكت مع مسؤولين في الدولة وأجهزتها الأمنية خلال فترة حكمي الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك.

ابراهيم محمد: مطلوب تغيير وجهة الاستثمارات الحكومية في مصر نحو مشاريع الانتاج الصغيرة والمتوسطةصورة من: DW/P.Henriksen

الإصلاحات تفترس القوة الشرائية

بالمقابل فإن الإصلاحات القاسية بشروط صندوق النقد الدولي والتي مضى عليها نحو 3 سنوات خفضت قيمة الجنيه إلى أكثر من مائة بالمائة إزاء الدولار الأمريكي، وهو الأمر الذي أدى إلى تآكل القوة الشرائية للرواتب والأجور في وقت تضاعفت فيه قيمة ثروات الفئات الغنية التي تملك العقارات والعملات الصعبة والأصول الأخرى. وزاد الطين بلة ارتفاع اسعار السلع الاستهلاكية التي يتم استيراد غالبيتها من الخارج بالدولار والعملات الصعبة الأخرى.

أما زيادة الأجور التي حصلت مؤخرا والتي جعلت الحد الأدنى للمرتبات الشهرية بحدود ألفي جنيه، أي حوالي 120 دولارا، فلا يمكن لها تعويض ارتفاع الأسعار وخفض الدعم عن السلع الأساسية بهدف ترك العرض والطلب يتحكم في اسعارها لاحقا. وشملت آخر حزمة من هذا الخفض أنواع البنزين التي ارتفعت اسعارها بنسب تتراوح بين 18 إلى نحو 23 بالمائة. ومع استمرار عملية الإصلاح على هذا المنوال فإن الوضع يسير نحو مزيد من تدهور القوة الشرائية لغالبية المصريين.

ما العمل لوقف التدهور؟

مما لا شك فيه أن الإصلاحات الاقتصادية القاسية ضرورية في بلد كمصر، غير أن ثمار الإصلاح الناجح ينبغي أن تأتي بشكل أساسي لصالح ترسيخ دور الطبقة الوسطى التي تساهم في محاربة الفقر والبطالة من خلال أنشطتها في مشاريع إنتاجية وخدمية بعيدة عن البرستيج والضخامة. ومن هنا، فإن وجهة جديدة لهذه الآصلاحات تبدو ضرورية أكثر من أي وقت مضى. ومن أبرز معالم هذا الوجهة التي ينبغي أن تحصل دون تأخير الإسراع في دعم قطاعات الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي من قبل الدولة بهدف توفير المنتج المحلي بأسعار تناسب الأجوار والرواتب وتوليد فرص العمل في مؤسسات صغيرة ومتوسطة تعتمد على كثافة العمالة وليس على تكاليف بمليارات الدولارات. وفيما عدا ذلك فإن مستوى معيشة غالبية المصريين يتجه إلى مزيد من التدهور وهو أمر لا تحمد عقباه ليس فقط على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، بل والسياسي أيضا.

ابراهيم محمد

دول الخليج ستستمر في مساعدة مصر

01:05

This browser does not support the video element.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW