1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: هل تحمل الانتخابات تحولا في مشاركة مسلمي ألمانيا؟

Moncef Slimi Kommentarbild App
منصف السليمي
١٧ سبتمبر ٢٠٢١

يبلغ عدد النواب المسلمين في البوندستاغ حاليا ثلاثة فقط، وهذا مؤشر على ضعف المشاركة والترشيحات، لكن الاهتمام المتزايد بقضايا الإسلام والمهاجرين في انتخابات 26 سبتمبر 2021 قد يأتي بمتغيرات جديدة، ما هي أبرز ملامحها؟

قرار المستشارة ميركل استقبال اللاجئين سنة 2015 يشكل تحولا في تاريخ الهجرة بألمانياصورة من: Getty Images/S. Gallup

يعيش في ألمانيا حوالي خمسة ملايين ونصف مليون مسلم، يحق لنصفهم المشاركة في الانتخابات العامة التي تجري يوم 26 سبتمبر/ أيلول الحالي 2021، لكن معدل مشاركتهم في الانتخابات السابقة كان ضعيفا مقارنة بالمعدل العام للمشاركين من المجتمع الألماني. وطبقا للقوانين الألمانية يشارك المواطنون في الانتخابات العامة (البوندستاغ) وانتخابات برلمانات الولايات، فيما تقتصر مشاركة المهاجرين (الذين لا يحملون الجنسية الألمانية) على الانتخابات المحلية.

بيد أن السياق الذي تجري فيه الانتخابات هذا العام تحمل متغيرات عديدة سواء فيما يتعلق ببروز اهتمام متنام لدى فئات من الناخبين المسلمين بالمشاركة في العملية الانتخابية، أو بحضور قضايا تهم وضع الاسلام وحياة المسلمين بألمانيا في برامج الأحزاب الانتخابية.

فهل ستشكل الانتخابات المقبلة تحولا في تاريخ مشاركة المسلمين في الحياة السياسية بألمانيا؟ وما هي العوامل التي يمكن أن تكون مؤثرة في هذا الاتجاه؟

منعطف تاريخي؟

غالبا ما يرصد المهتمون بأوضاع المسلمين ودور الإسلام في ألمانيا ظهور مقولة "الإسلام جزء من ألمانيا" التي أطلقها الرئيس الأسبق كريستيان فولف في ذكرى عيد الوحدة في اكتوبر/ تشرين أول 2010، كمؤشر على تحول في نظرة المجتمع الألماني للمسلمين واعترافه بدورهم واندماجهم، على الأقل على مستوى نظرة الإعلام وتصورات فئات من المجتمع الألماني. إلا أن سنة 2015 ستسجل كمنعطف مهم على المستويين السوسيولوجي والسياسي في تاريخ ألمانيا وأوضاع المهاجرين بها وخصوصا المنتمين لبلدان مسلمة.

فقد كان لقرار المستشارة أنغيلا ميركل التاريخي باستقبال مليون ونصف المليون لاجئ معظمهم من سوريا، تأثير ملموس على البنية الديمغرافية للسكان في ألمانيا ولاسيما المنحدرين منهم من أصول مهاجرة. إذ قفز عدد المسلمين في البلاد بحوالي 20 في المائة، كما تضاعف عدد المهاجرين المنحدرين من منطقة الشرق الأوسط، مقابل تراجع نسبة الأتراك من عدد السكان المسلمين الإجمالي في ألمانيا من 67 إلى 50 في المائة، بحسب احصاءات المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (بامف BAFM).

بيد أن فترة سياسة الترحيب باللاجئين من بلدان مسلمة شهدت تصاعد موجات العداء للأجانب وللإسلام، وظهر ذلك في مرحلة أولى من خلال احتجاجات واسعة في الشوارع خاضتها حركة "بيغيدا"، اختصار "وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب"، وفي مرحلة ثانية اتخذت شكلا منظما داخل المشهد السياسي عبر حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي الذي حقق اختراقات غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية في انتخابات برلمانات الولايات وفي البوندستاغ سنة 2017.

ورغم تأثير قضايا الهجرة وأوضاع المسلمين على أجواء الانتخابات السابقة فان نسبة المشاركة والترشيحات من سياسيين من أصول مسلمة كانت محدودة، الا أن التأثير الأعمق ربما يأخذ مداه في الانتخابات الحالية سواء على مستوى الجاليات المسلمة أو على مستوى حجم اهتمام المرشحين والأحزاب بهذه القضايا.

مبادرات جديدة

المتتبعون لأجواء الحملة الانتخابية هذه المرة في ألمانيا، يرصدون فعاليات ومبادرات جديدة. فعلى مواقع التواصل الاجتماعي وهيئات المجتمع المدني النشيطة في أوساط الناخبين من أصول مهاجرة ومسلمين، تطلق شخصيات ومنظمات مبادرات وفعاليات لتشجيع هذه الفئة من الناخبين على المشاركة بكثافة في اقتراع يوم 26 سبتمبر/ أيلول الجاري 2021.

ففي مؤشر على انخرط اتحادات وهيئات إسلامية مؤثرة، أطلق المجلس الأعلى للمسلمين في بداية السنة الحالية حملة تحت شعار "صوتي يؤثر" ويدعو من خلالها عبر الندوات ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، المواطنين المسلمين إلى المشاركة المكثفة في انتخابات البوندستاغ.

كما أطلقت ناشطات مسلمات حملة عنوانها "كل صوت له أهميته" تهدف إلى تحفيز النساء المسلمات بشكل خاص على المشاركة في التصويت. وتقول نعيمة نيازي مديرة مبادرة "من أجل مشاركة أكبر للمرأة المسلمة"، في حوار للقناة الألمانية الأولى بشمال ألمانيا (إن دي إر) إن مسؤولية الأحزاب كبيرة في تشجيع المسلمات على المشاركة في الانتخابات، وتقترح أن يتم التركيز في البرامج الانتخابية على قضايا معينة تشغل اهتمام هذه الفئة من الناخبين، مثل دور الأسرة في الرعاية الاجتماعية واعتراف الدولة بالمجتمعات المسلمة وتوسيع حقوق التصويت للأجانب، وترى بأن هذه القضايا تهم المسلمين أكثر من غيرهم من سائر المواطنين ذوي الخلفيات المهاجرة.

ويشكل حضور وجوه شبابية ونسائية من أصول عربية ومسلمة في لوائح مرشحي عدد من الأحزاب، مؤشرا جديدا على الاهتمام المتزايد الذي توليه تلك الأحزاب لكسب أصوات الناخبين من أصول مهاجرة. فقد ترشحت على لوائح حزب الخضر الباحثة والناشطة الليبرالية لمياء قدور (من أصل سوري). وعلى لوائح الحزب الاشتراكي الديمقراطي ترشحت الناشطة (من أصل مغربي)، سناء عبدي. وأعادت أميرة محمد علي (من أصل مصري) رئيس كتلة حزب اليسار النيابية، ترشيح نفسها في الانتخابات الحالية.

وعلى مستوى البرامج الانتخابية وفي صفحات المرشحين على مواقع التواصل الإجتماعي مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب، يتباين حجم واتجاهات الاهتمام فيها بموضوع الإسلام والقضايا التي تهم المسلمين.

وحسب تقرير نشر قبل أسبوعين من اقتراع 26 سبتمبر/ أيلول 2021 على موقع قناة "بي. إر" العمومية بولاية بافاريا، فان قضايا المرأة والمساجد وتدريس الدين الإسلامي تستأثر بالنقاشات ضمن حملات الأحزاب الانتخابية.

وتطرح أحزاب " الاشتراكي الديمقراطي" و"الخضر" و"اليسار" ضرورة مكافحة العنصرية والكراهية ومعاداة الإسلام والخوف منه. كما تدعو إلى سياسة "تضامنية" مع اللاجئين والمهاجرين.

 وتهتم برامج الأحزاب المحافظة مثل "المسيحي الديمقراطي" وحليفه "المسيحي الاجتماعي" بضرورة احترام قيم وهوية المجتمع الألماني وتقوية سياسة الاندماج، لكنها تتضمن تحذيرات من مظاهر التطرف والتشدد الإسلامي.

من جهته يدعو الحزب الليبرالي الحر إلى تشجيع ثقافة تقدمية في أوساط المسلمين لدعم اندماجهم.

وبالمقابل فان حزب "البديل" الشعبوي يرفض سياسة استقبال اللاجئين والمهاجرين ويحذر من خطر "أسلمة المجتمع الألماني" وانتشار "التطرف والإرهاب الإسلامي"، كما يدعو مثلا إلى منع رفع المآذن ورفض تدريس الدين الإسلامي في المدارس العمومية والجامعات.

أسباب ضعف المشاركة

باستثناء الحضور التاريخي للأتراك، فقد ظل تأثير المسلمين بصفة عامة على امتداد عقود من الزمن محدودا في المؤسسات السياسية الألمانية، ويظهر ذلك بشكل بارز في ضعف المشاركة في الترشيح إلى عضوية البوندستاغ الذي يضم فقط ثلاثة نواب مسلمين من إجمالي 709 نائبا. وتؤكد خبيرة الاندماج الباحثة ببرلين جيهان سنان أوغلو  استنتاجات أبحاث عديدة بوجود "عجز أو نقص في تمثيل المسلمين، ويمكن أن أسميه أيضا بالعجز الديمقراطي"، كنا تقول الباحثة في حوار لموقع "إن دي إر" التابع للقناة العمومية الأولى بشمال ألمانيا، نشر في فاتح سبتمبر أيلول الحالي.

منصف السليمي، صحفي خبير بالشؤون المغاربية في مؤسسة DW الألمانية

ويعزو خبراء ضعف مشاركة المسلمين في الحياة السياسيىة بألمانيا إلى ثلاثة عوامل على الأقل:

أولها، عامل تاريخي يرتبط بطبيعة الهجرة من البلدان المسلمة إلى ألمانيا، حيث كانت في بدايتها بحكم طبيعة طلب السوق الألماني لليد العاملة والهجرة، تهيمن عليها فئات اجتماعية ذات مستويات تعليمية محدودة مقابل ضعف حضور الكفاءات والنخب الذي سيظهر في العقدين الأخيرين بالخصوص.

ثانيا، ضعف ثقافة المشاركة السياسية والاندماج في هيئات المجتمع المدني والمؤسسات السياسية، وهو عامل يتداخل فيه التطور البطيء لنموذج الاندماج في المجتمع الألماني مقارنة مثلا بنماذج بلدان غربية أخرى مثل بريطانيا وهولندا وأمريكا، من جهة، مع محدودية الوعي لدى فئات المهاجرين والمواطنين المسلمين بأهمية دور المؤسسات السياسية في تحسين ظروف حياتهم، من جهة ثانية.

فعلى امتداد عقود سابقة كانت فعاليات وأنشطة المسلمين تميل للانغلاق في دوائر اجتماعية أو طائفية ضيقة وتنحصر مثلا في الجمعيات الخاصة بالجاليات أو بمراكز دينية ومساجد، وتتركز اهتماماتها حول قضايا اجتماعية على نطاق فئوي ضيق أو المسائل المرتبطة بممارسة العبادات والطقوس والمناسبات الاجتماعية والأعياد والزواج إضافة إلى موضوع لباس المرأة.

ثالثا: يرى خبراء ألمان كثيرون أن مسألة تنظيم مشاركة المسلمين وتمثيلهم في الحياة السياسية والعامة بألمانيا، تعتبر أهم معضلة تواجه في نفس الوقت الدولة والمواطنين والمهاجرين ذوي الخلفيات المسلمة.

فبخلاف الوضع بالنسبة للمواطنين ذوي الديانتين المسيحية واليهودية حيث يخضع تمثيلهم إلى تقاليد وقواعد قانونية ودستورية، تمنح الكنيسة والمؤسسات الدينية امتيازات وإمكانيات مادية ولوجستية تؤهلها لرعاية الشؤون الدينية والشخصية للمؤمنين، يتسم وضع المسلمين بتعدد المرجعيات المذهبية والطائفية والهيئات التي ينضوون تحتها وغياب مخاطب موحد يمثلهم لدى الدولة. وبحسب دراسة احصائية للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين نشرت سنة 2020، فان المسلمين ذوي الأصول الأجنبية ينحدرون من 23 دولة مسلمة، وتتسم بنية مجتمعاتهم بتنوع شديد على المستوى الاجتماعي والديني المذهبي إذ ينتمون إلى عشرات المذاهب والطوائف ومعظمهم من السنّة.

ومنذ سنة 2006 اطلقت مبادرة "مؤتمر الإسلام في ألمانيا" برعاية وزارة الداخلية الإتحادية كمحاولة من الدولة لبلورة قاعدة للحوار والتعاون بين مؤسسات الدولة والمسلمين في قضايا الاندماج والسعي لإيجاد حلول مثلا لمسألة تدريس الإسلام.

بيد أن هذه المبادرة فضلا عن كونها ما تزال تبحث عن مخرجات للقضايا الأساسية التي انشئت من أجلها، سواء تعلقت بالاندماج أو بمسألة تمثيل المسلمين. فقد أثارت إشكاليات تتصل بطبيعة مشاركة المسلمين وأشكال تنظيمها وتوجهات النخب والهيئات المؤثرة داخل أوساط المسلمين. فبينما توجد فئة ترى أن قضايا اهتمامها تتركز في المسائل الدينية والاجتماعية المرتبطة بالهوية وبتوجهات محافظة في أغلبها، وهي فئة تعتمد على المساجد والمركز الدينية والاتحادات الإسلامية كشكل لتنظيم فعالياتها،

فإن هناك قطاع واسع من المسلمين لا تخضع أنشطته وفعالياته إلى هياكل تقليدية أو مؤسسات منظمة، وهؤلاء يشكلون الغالبية العظمى وهم يعيشون حياتهم وفق أنماط وتوجهات ليبرالية، ورغم أنه يفترض أنها أكثر توافقا مع قيم المجتمع الألماني والأقرب ليكون اندماجها أكثر فعالية، الا أن غياب قنوات التأطير السياسي في صفوفهم وضعف حضورهم في الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، يجعل اندماجهم منقوصا ويضعف تأثيرهم في الحياة العامة وفي السياسة. 

تسجل أحدث استطلاعات للرأي تقدم المرشح الاشتراكي أولاف شولتس على منافسه المسيحي أرمين لاشيت ومرشحة الخضر أنالينا بيربوكصورة من: Michael Kappeler/AFP/Getty Images

فرص واعدة ..ومحاذير!

قبل شهر فقط من الانتخابات نشرت صحيفة "فرانكفورته ألغماينه"(2021.08.25) نتائج استطلاع يظهر مؤشرات جديدة على تحول في نظرة المواطنين الألمان ذوي الخلفيات المسلمة للنظام السياسي والمؤسسات الديمقراطية بألمانيا. وبحسب نتائج الاستطلاع الذي أنجزه معهد "ألنسباخ" بتكليف من الصحيفة الألمانية الرصينة، فان 81 في المائة من المواطنين المسلمين يعتبرون الديمقراطية أفضل طريقة للحكم مقارنة بـ 70 في المائة من باقي أطياف المجتمع الألماني.

لكن نظرة المسلمين لأهمية النظام الديمقراطي والتحول الإيجابي الذي تشهده وفق مؤشرات الاستطلاع، سيكون على المحك عندما تجري انتخابات 26 سبتمبر/ أيلول الجاري، وسيتبين ما إذا كان نمو الوعي لدى المسلمين سيتجسد أيضا عبر المشاركة في الانتخابات وبمستوى يفوق سلوكهم الانتخابي في المحطات الانتخابية السابقة.

وقد سُجل ارتفاع ملحوظ في عدد المرشحين من خلفيات مهاجرة ومسلمة في لوائح الأحزاب السياسية الرئيسية في الانتخابات الحالية، كما شهدت التنظيمات الحزبية في السنوات الأخيرة وبدرجات متفاوتة صعود كفاءات شابة مسلمة، بالإضافة إلى بعض الوجوه من الأجيال الأولى والمتوسطة.

ولم يعد ذلك مقتصرا على الأحزاب التي تتبنى تقليديا قضايا المهاجرين واللاجئين مثل الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزبي الخضر واليسار، بل باتت أحزاب ليبرالية مثل الحزب الليبرالي الحر والمسيحي الديمقراطي، بدورها تشجع قيادات مسلمة شابة على تولي مسؤوليات في تنظيماتها الحزبية.

وتفيد الدراسات الإحصائية التي انجزت في أوساط المسلمين بألمانيا بأن نسبة الشباب تعتبر مرتفعة قياسا للمعدل العام في البلاد، وهو ما يؤشر إلى فرص أفضل بالنسبة للمستقبل، في ظل تعدد المبادرات للتوعية بأهمية مشاركتهم في الحياة السياسية. إذ تسجل مثلا مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات النقاشات عبر مؤسسات المجتمع المدني، الحقل المفضل للتواصل بالنسبة لفئات الشباب، اهتماما متناميا لدى الأجيال الجديدة من أبناء المسلمين في القضايا التي تناقش في الرأي العام الألماني مثل قضايا الاندماج والهوية ومكافحة العنصرية ومعاداة السامية ومشاكل سوق العمل والمشاركة في الحياة الاقتصادية بالإضافة إلى قضايا المناخ.

لكن تطور مشاركة المسلمين وخصوصا فئات الشباب في الحياة العامة والإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، يتم لموازاة بعض الظواهر المثيرة للقلق بالنسبة للدوائر السياسية والأمنية. ويمكن رصد ثلاثة معطيات في هذا الصدد:

أولا: ارتفاع معدل خطاب كراهية وعنصرية ومعاداة للسامية وأعمال عنف تستهدف مهاجرين ذوي خلفيات مسلمة ومؤسساتهم، وهو مؤشر تؤكده تقارير سنوية يصدرها المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة BKA، كما أظهرت مداولات البوندستاغ في الأشهر الأخيرة إثر سؤال طرحه نواب حزب اليسار على الحكومة الإتحادية بخصوص مدى استشراء "عداء المسلمين" في ألمانيا، أن حجم الجرائم ضد المسلمين، وكذلك التمييز العنصري ضدهم يتزايد باضطراد، ويستشري على نحو "ينذر بالخطر". وهي ظاهرة لا تقتصر على المسلمين فقط بل أيضا تشمل معتنقي الديانة اليهودية، كما تشمل معظم البلدان الأوروبية.

في يوم الوحدة الألمانية ينظم المسلمون فعاليات "يوم المسجد المفتوح" كإشارة على الانفتاح والاندماج. صورة من: Henning Kaiser/dpa/picture-alliance

وكلفت الحكومة الألمانية في الآونة الأخيرة مفوضا خاصا لدى المجلس الأوروبي مكلفا بملف مكافحة معاداة السامية والعنصرية. كما أعلن وزير الداخلية الاتحادي هورست زيهوفر عن تأسيس مجموعة خبراء مستقلة "ضد الاسلاموفوبيا"، وذلك استجابة لمطالب عدد من الهيئات الإسلامية، كما صرح بذلك زيهوفر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 على هامش "مؤتمر الإسلام بألمانيا".

ثانيا: يعتقد خبراء في ألمانيا أن الجمعيات والمراكز الأكثر نشاطا في أوساط المسلمين هي فضلا عن كونها لا تمثل سوى 20 إلى 25 في المائة من المسلمين، فهي تتسم بتوجهات محافظة ويتوق معظمها إلى نشر "إسلام محافظ للغاية" يصطدم بقيم المجتمع الألماني الليبرالية، ومفاهيم الاندماج التي تسعى المؤسسات في ألمانيا إلى ترسيخها في أوساط المهاجرين.

وتثير هذه الإشكالية نقاشات واسعة في أوساط الجاليات المسلمة وخصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي، وارتفعت في السنوات الأخيرة أصوات ليبرالية مسلمة مثلا عبر المجتمع المدني والنشاط النسوي وفعاليات الشباب. كما لوحظ أن عددا من الاتحادات والهيئات الإسلامية بدأت تؤكد على تمسكها بقيم الجمهورية الألمانية وعلى مفهوم "الإسلام الألماني" ونأيها عن التوجهات المحافظة أو المتشددة التي ترتبط بجماعات الإسلام السياسي أو بتأثير بعض المرجعيات أو البلدان التي ينحدر منها مهاجرون مسلمون، وذلك عبر تمويل مراكز دينية أو مساجد وإيفاد أئمة. وقد أثار هذا الملف إشكاليات منذ سنوات في علاقة بعض المراكز الإسلامية بدول خليجية أو إيران، كما نشبت خلافات حادة في السنوات القليلة الأخيرة بين ألمانيا وحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان بسبب نفوذها على اتحادات إسلامية كبيرة بألمانيا.

ثالثا: تشير أحدث تقارير هيئة حماية الدستور (المخابرات الداخلية) إلى وجود خطر كامن في حقل النشاط الحركي بين المسلمين سواء عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر الهيئات الدينية والأيديولوجية. وبحسب إحصاء قامت به مؤسستا "إس في إر" و"بي إر" الإعلاميتين العموميتين، اعتمادا على تقارير وشهادات خبراء "هيئة حماية الدستور" بمناطق مختلفة من ألمانيا، يوجد في البلاد حوالي  13 ألف عضو نشيط في جماعات الإسلام السياسي "المعترف بها".

 وبحسب تقرير نشره موقع "تاغس شو" التابع للقناة العامة الألمانية الأولى، فان تأثير النشاط الحركي الإسلاموي يمكن أن يشمل عشرات آلاف آخرين من المتعاطفين أو المؤيدين لبعض المواقف المتشددة. وبرأي بروكهارد فراير رئيس هيئة حماية الدستور بولاية فستفاليا شمال الراين، كبرى الولايات الألمانية والتي تضم أكبر نسبة مهاجرين في البلاد، فان "الإسلاميين - المصنفين ضمن أحزاب أو جماعات معترف بها قانونيا - ليسوا أقل خطرا من السلفيين أو المتطرفين العنيفين"، ويوضح فراير بأن خطر هذه الفئة تكمن في محاولتهم التسلل إلى مؤسسات المجتمع والسياسة والتأثير والنفوذ فيها، و"بالتالي لا يقتصر خطرهم على التأثير على ديمقراطيتنا على المدى الطويل، بل يمكنهم أن يلحقوا بها الضرر بشكل خطير".

وإضافة إلى فئة المنضوين في إطار جماعات الإسلام السياسي، تصنف السلطات الأمنية فئة أخرى تضم حوالي 700 شخص كعناصر "خطيرة" وتشتبه في أنهم قد يكونون أشخاصا لهم أدوار قيادية أو داعمة لجماعات إرهابية أو حتى عناصر اتصال ومساعدة لأشخاص خطيرين، ويشكل المتشددون العائدون من سوريا والعراق حوالي 50 في المائة من هؤلاء، بحسب تقرير لوزارة الداخلية الألمانية صدر في نهاية العام الماضي.

وتكمن خطورة فئة المصنفين "جهاديين" أو" إسلاميين عنيفين" برأي خبراء ألمان، في قدرتهم على اختراق النسيج المجتمعي للجاليات المسلمة، والتأثير الأيديولوجي فيها مثلا عبر شعارات "تطبيق الشريعة"، والذي يطال عشرات الآلاف خصوصا من الشباب عبر شبكات الانترنت.

وهو ما يطرح تحديات كبيرة على المؤسسات السياسية وخصوصا الأحزاب بالإضافة إلى هيئات المجتمع المدني والنخب النشيطة في أوساط الجاليات المسلمة لتوعيتها وخصوصا فئات الشباب منها، بتشجيع ثقافة المشاركة السياسية والإندماج مع اليقظة إزاء اختراقات الجماعات المتشددة والنفوذ الأجنبي.

منصف السليمي

ما سبب عدم إقبال مهاجرين مجَنسين على انتخابات ألمانيا؟

03:29

This browser does not support the video element.

منصف السليمي صحفي في مؤسسة DW الألمانية، خبير بالشؤون المغاربية
تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW