1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: هل تكون ليبيا حقلا مبكرا لتداعيات حرب أوكرانيا؟

Moncef Slimi Kommentarbild App
منصف السليمي
٢٦ مايو ٢٠٢٢

فيما تتسارع التطورات الميدانية والسياسية للأوضاع في ليبيا، يبدو إيقاع تحركات القوى الإقليمية والدولية هناك على وقع تداعيات حرب أوكرانيا، فهل يشكل البلد المغاربي حقل إختبار مجددا لصراع قوى خارجية في ظل غياب مبادرة محلية؟

رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد المجيد الدبيبة (يمين) في صراع على الشرعية مع فتحي باشاغا (يسار)

شمالا في ضواحي العاصمة طرابلس وجنوبا في المناطق الحدودية مع تشاد، عادت أصوات الرصاص تُسمع بعد هدوء دام سنتين تقريبا، منذ بدء سريان الهدنة بين قوات الجنرال المتقاعد  خليفة حفتر  والقوات الموالية لحكومة طرابلس المعترف بها دوليا، التي تمكنت بدعم تركي من إخماد هجوم قوات حفتر على العاصمة طرابلس ودحرها إلى ما وراء خط سرت شرقا.

وإذا كانت الاشتباكات التي وقعت مؤخرا بين ميليشيات مسلحة في ضواحي طرابلس، يمكن أن تُفهم في سياق الصراع على الشرعية بين حكومة عبد المجيد الدبيبة المعترف بها دوليا والحكومة المكلفة من قبل برلمان طبرق برآسة وزير الداخلية الأسبق في حكومة الوفاق الوطني فتحي باشاغا، فإن تزامنها مع حصار حقوق وموانئ النفط في شرق ليبيا، ومع التوتر الأمني الذي تشهده مناطق حسّاسة في جنوب ليبيا بدءا من منطقة فزان ووصولا إلى الشريط الحدودي مع تشاد، يثير تساؤلات حول أبعاد هذه التطورات، وماذا تعني في سياق الحرب الدائرة في أوكرانيا.

سوء تقدير لقدرات حكومة الدبيبة؟

بعد فشل أجندة  الأمم المتحدة بتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في نهاية السنة الماضية وفي غياب توافق على قاعدة دستورية بين القوى المتنافسة، شكلت المصافحة بين الغريمين السابقين حفتر وباشاغا في بنغازي واتفاقهما بتكليف هذا الأخير تشكيل حكومة جديدة وحصوله على ثقة البرلمان الذي يتزعمه المخضرم صالح عقيلة حليف الجنرال حفتر، محاولة غير مسبوقة لكسر الجليد بين معسكري الشرق والغرب الليبيين.

المبعوثة الأممية إلى ليبيا ستيفاني ويليامز صورة من: Martial Trezzini/KEYSTONE/picture alliance

لكن لم تمض بضعة أسابيع حتى ظهرت عقبات كبيرة في طريق هذه المبادرة. فعلى الصعيد الإقليمي ظهرت إشارات دالّة على أن القاهرة تقف وراء هذه المبادرة، وتواترت الإشارات في الإتجاه المعاكس، من أنقرة والجزائر وصولا إلى ردود فعل باردة إزاء المبادرة من قبل الأطراف الأوروبية والأمريكية.

ومحليا، تبيّن أن من يقفون وراء فكرة التحالف الجديد أساؤوا التقدير فيما يتعلق بقدرة الدبيبة على المناورة وتوظيف قوى الغرب الليبي المناوئة تقليديا لحفتر، وبقدرة حكومته على الإستمرار بدعم من أطراف إقليمية (تركيا بالخصوص) وحذر أطراف أخرى أوروبية أو مغاربية (الجزائر بالخصوص).

وفي ظل انشغال دولي بتطورات الأزمة الأوكرانية، ظهرت محاور تحرك من قبل الدول العربية المجاورة والمؤثرة في المعادلة الليبية في إتجاهات متباينة، فبينما تحركت الجزائر باتجاه أنقرة، ظهر تقارب لافت بين القاهرة والرباط.

بين فكي الكماشة التركية والروسية

في ظل انشغال اللاعب الروسي بحرب أوكرانيا، وتركيز الأطراف الأوروبية على مواجهة أولويات استحقاقات الطاقة، تبدو ليبيا في الظرف الراهن غير قادرة على المساهمة بشكل أساسي في تلبيتها، بسبب صعوبة زيادة الإنتاج لأسباب لوجستية وأمنية ووجود حقول وموانئ النفط في منطقة ملغّمة بالقوى المسلحة المتصارعة، وخصوصا منها قوات الفاغنر الروسية الداعمة للجنرال حفتر.

ويذهب بعض الخبراء مثلا في مجموعة"جلف إنتليجنس" للاستشارات الاستراتيجية في الشرق الأوسط، للاعتقاد بأن الوضع الليبي المتأزم "يقلل الإهتمام بأزمة ليبيا رغم تداعياتها على النفط والغاز.. وبدون وساطة في الأزمة الحالية بليبيا سنحتاج غالبا للتفكير في أن نفط ليبيا لن يكون متوفرا لموازنة السوق" لتعويض النفط الروسي. فالإيطاليون مثلا أقرب الشركاء الأوروبيين لليبيا اتجهوا لإبرام صفقة مع الجزائر التي "تحقق لهم إمدادات أكثر استقرارا ووفرة" يقول خبراء "جلف إنتليجنس"في تقريرهم الشهري.

تشهد طرابلس اشتباكات بين فصائل مسلحة صورة من: Mahmud Turkia/AFP/Getty Images

لكن هذا التحليل يُغلِّب معادلة البحث عن إمدادات الطاقة، بينما تشكل مصالح أمنية واستراتيجية واقتصادية مختلفة دوافع تحرك قوى أخرى مثل تركيا التي يبدو أنها تسعى بشكل مبكر لتكون مستفيدا من نتائج حرب أوكرانيا حتى قبل أن تضع الحرب أوزارها.

ويمكن رصد ملامح التحرك التركي من خلال محاور عديدة بدءا بمساعيها كوسيط بين الروس والأوكرانيين وتكثيف تحركاتها ضد الأكراد في الجوار السوري والعراقي وممارسة ضغوط على حلفائها التقليديين داخل  حلف "الناتو"  في وقت حساس من الصراع مع روسيا.

في مقال افتتاحي بعنوان"طموحات السياسة الخارجية التركية المتنامية" نشر بتاريخ 19 مايو أيار 2022، على موقع "مجلس العلاقات الخارجية" ترى الباحثة كالي برونسون أن تركيا توسع تحركاتها خارج تحالفاتها التقليدية، من خلال رسم خطوط وتقاطعات مع القوى المنافسىة للغرب وخصوصا مع الصين وروسيا.

وفي تعليقه على الاعتراضات التركية على انضمام فنلندا والسويد للناتو ، يلاحظ الكاتب الصحفي أوزان ديمركان في تعليق بصحيفة"هاندلسبلات" الألمانية القريبة من أوساط المال والأعمال في دوسلدورف، بأن "الناتو تجاهل لفترة طويلة قوة تركيا المعطلة". وفي مقاله الذي نشر بتاريخ 17 مايو أيار 2022، يسجل ديمركان وجود تناقضات في سياسة  أردوغان إزاء روسيا بوتين، محذرا من أن استخدام الفيتو ضد انضمام البلدين الاسكندنافيين للحلف لا يعرض أمنهما للخطر وحسب، بل يقدم هدية غير متوقعة للرئيس الروسي.

أما في منطقة شمال أفريقيا فإن خطوط التحرك التركي تتم على حساب النفوذ التقليدي الفرنسي والأوروبي. ولكنها في نفس الوقت تلعب مع واشنطن ورقة معاكسة للتحرك الروسي، وتظهر ملامح هذا الدور بالخصوص في ليبيا. وفي ظل تسوياتها مع السعودية والإمارات العربية وحوارها مع مصر، تسعى أنقرة ضمن أهدافها إلى الحفاظ على مصالحها في ليبيا التي حققتها عبر تدخلها العسكري لدعم حكومة الوفاق الوطني واتفاقها معها على ترسيم الحدود البحرية، وتأمين دورها مستقبلا في خطط إعادة إعمار ليبيا.

دور أوروبي متأخر

بعد زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى برلين مباشرة بعد انتخابه لولاية ثانية، وفي أول زيارة لها خارج فرنسا بعد تعيينها على رأس الديبلوماسية الفرنسية، قالت كاترينا كولونا أن قدومها إلى برلين كخطوة أولى "كان بديهيا والتعاون الفرنسي الألماني ضروري أكثر من أي وقت مضى في وقت الأزمات".

منصف السليمي صحفي متخصص في الشؤون المغاربية بمؤسسة DW الألمانية

وناهيك عن التحديات الكبيرة التي تواجهها أوروبا بسبب حرب أوكرانيا، فإن حصيلة السياسة الأوروبية في المنطقة المغاربية وخصوصا في ليبيا تقدم مثالا قويا على الإخفاق. فقد تراجع النفوذ الأوروبي في ليبيا بسبب سياسات الدول الأوروبية المنفردة في التعامل مع الملف الليبي بدءا بمشاركة حلف الناتو في إسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي ووصولا إلى تضارب الأدوار الفرنسية والإيطالية والبريطانية في التعامل مع أطوار الأزمة التي عصفت بليبيا طيلة السنوات الماضية.

وفي العامين الأخيرين من حكمها سعت حكومة المستشارة أنغيلا ميركل برعاية الأمم المتحدة عبر مؤتمر ليبيا في برلين إلى تنسيق أدوار الدول الأوروبيةمع الولايات المتحدة ولاسيما في ملفات نزع السلاح وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، وتأمين مناطق إنتاج الطاقة. لكن التحرك الألماني والأوروبي جاء متأخرا، وبات مفعوله على أرض الواقع أقل تاثيرا، وخصوصا في مواجهة اللاعبين الروسي والتركي.

واليوم تبدو حكومة المستشار أولاف شولتس في سباق مع الزمن من أجل تأمين إمدادات النفط والغاز، فقد هيمن ملف الطاقة على أجندة جولته الأفريقية الأولى، والتي توجه خلالها إلى منطقة الساحل والصحراء وغرب وجنوب أفريقيا.

وفي الشهر الماضي أقر البونسدتاغ تمديد مهمة القوات الألمانية المشاركة في مهمة بعثة"ايريني" الأوروبية المكلفة بتنفيذ الحظر الأممي على الأسلحة إلى ليبيا.

ويدرك الأوروبيون أن ليبيا تشكل مفتاحا أساسيا لأمن أوروبا، بحكم الجوار عبر البحر الأبيض المتوسط وامتداد حدودها آلاف الكيلومترات مع السودان وتشاد والنيجر ومن ورائها منطقة الساحل والصحراء المضطربة.

المستشار أولاف شولتس في حوار لـ DW بجنوب أفريقياصورة من: Dirk Thiele/DW

وأكد على ذلك المستشار شولتس خلال زيارته لقوات بلاده المشاركة في قوات الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، لكنه شدد في نفس الوقت على دعم الديمقراطية، وبأن جولته الأفريقية الأولى شملت ديمقراطيات أفريقية، ولم يخف شولتس قلق ألمانيا وشركائها الأوروبيين من الدور الروسي في المنطقة.

وخلال السنوات القليلة الأخيرة تمكن الروس من تحقيق إختراقات أمنية في ليبيا وفي أفريقيا الوسطى، ودعمت روسيا مباشرة أو عبر مرتزقة الفاغنر انقلابات عسكرية في عدد من دول غرب أفريقيا ومنطقة الساحل، وأحدثها مالي التي اضطرت فرنسا بداية هذا العام لسحب قواتها منها وأعقبها انسحاب ألماني من برنامج تدريبي للقوات المالية، لكنها ستواصل التزامها ضمن بعثة "مينوسما" الأممية.

وتواجه السياسة الألمانية في شمال أفريقيا وجنوب الصحراء صعوبات متزايدة ليس فقط بسبب تداعيات حرب أوكرانيا، بل أيضا بسبب صعوبة بلورة سياسة أوروبية واضحة الملامح هناك، على الأقل في ظل الإشكاليات التي تواجه الشريك الفرنسي في مستعمراته السابقة وتنامي نزعة مناهضة للنفوذ الفرنسي. وهو ما يستنتجه محللون من تصريحات شولتس في حواره لـ DW خلال زيارته لجنوب أفريقيا، بأن "ألمانيا تريد التزاما طويل الأمد في المنطقة، وبناء عالم متعدد الأقطاب لا تتحكم به دولتان أو ثلاث دول فقط" مشددا على ضرورة الإنصات إلى الشركاء الأفارقة. ومن أبرز ملامح سياسة شولتس أنه لا يمكنه التحرك أكثر في ظل النزعة العسكرية والسياسية المنفردة لفرنسا، كما كانت تفعل المستشارة السابقة ميركل، سواء في منطقة جنوب الصحراء أو في ليبيا. 

وفي ظل عجز الليبيين عن بلورة مبادرة محلية للتوافق فيما بينهم وإعادة بناء بلدهم، وغياب دور أوروبي نشيط في الملف الليبي، ستجد العواصم الأوروبية نفسها مضطرة لمراقبة مبادرات اللاعبين الإقليميين أو ركوب القطار الأممي الذي يتحرك في ليبيا بقيادة القاطرة الأمريكية، عبر المبعوثة الأممية ستيفاني وليامزـ التي يهيمن على مهمتها دور الإطفائي لنيران الاشتباكات المشتعلة على حساب خطط تسوية الأزمة بشكل نهائي.

وفي غضون ذلك تراقب العواصم الأوروبية المساعي التي تقوم بها ويليامز من جنيف إلى طليطلة الإسبانية وصولا إلى بوزنيقة المغربية التي تحتضن حوارا بين ممثلين للقوى العسكرية في شرق وغرب ليبيا. 

منصف السليمي

 

 

منصف السليمي صحفي في مؤسسة DW الألمانية، خبير بالشؤون المغاربية
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW