1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

وباء كورونا وخطورته الاقتصادية على الدول العربية

٢ فبراير ٢٠٢٠

يُلحق انتشار وباء كورونا خسائر فادحة في التجارة والتعاون الاقتصادي بين الصين والعالم العربي، ولن يقتصر ذلك على تراجع حضور المنتج الصيني في الأسواق العربية، فهل يشكل هذا التراجع فرصة لإحياء صناعات وحرف تقليدية عربية؟

العالم في سباق مع فيروس كورونا، ومنظمة الصحة العالمية تعلن حالة الطوارئ على مستوى العالم.
العالم في سباق مع فيروس كورونا، ومنظمة الصحة العالمية تعلن حالة الطوارئ على مستوى العالم.صورة من: picture-alliance/dpa/F. Rumpenhorst

 

الأخبار المتسارعة عن الفيروس القاتل كورونا وصعوبة القضاء عليه تصطاد بعضها بشكل يحبس الأنفاس ويهدد بشل التجارة والاقتصاد، آخر الأخبار تفيد بأن مواجهته معقدة في وقت أعلنت فيه منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ على مستوى العالم. وفي خضم تزايد عدد الضحايا وتوقف الإنتاج والتجارة في  مناطق صينية كثيرة لا يمكن حصر الخسائر الاقتصادية الناجمة عن انتشار الفيروس على مستوى الصين والعالم بشكل دقيق. غير أنها في الواقع تبلغ عدة مليارات يوميا إذا أخذنا بعين الاعتبار فقط تأثير العامل النفسي على العقود والاستثمارات وأن الصين بطل العالم في التصدير وأن ناتجها المحلي الإجمالي يزيد عن 14 تريليون دولار سنويا، ما يشكل 17 بالمائة من الناتج العالمي.

بالنسبة للعالم العربي يعني ذلك خسائر يومية بمئات ملايين الدولارات، لأن الصين أضحت أهم شريك تجاري لكل الدول العربية عدا المغاربية منها. فحجم التبادل التجاري بين الطرفين يزيد على 240 مليار دولار سنويا خلال العامين الماضيين مقابل 190 مليار دولار عام 2011 و 40 مليار دولار عام 2004. وإن دلت هذه الأرقام على شيء فعلى نمو يحبس الأنفاس في التبادل المذكور وصلت نسبته إلى 20 بالمائة خلال سنوات عدة من العقد الجاري.

السلع الصينية الأكثر حضورا

تصدر الصين إلى الدول العربية كل ما يخطر على البال من البضائع وفي مقدمتها الأدوات المنزلية والألبسة والإلكترونيات وأجهزة الهاتف والتلفاز ولعب الأطفال. وتكتسح المزيد من الصادرات الصينية الأسواق العربية بشكل يتزامن مع تراجع دور قطاعات الإنتاج والحرف والصناعات التقليدية المحلية فيها قياسا لدورها قبل بضعة عقود. ومما لا شك فيه أن المنافسة الصينية العاتية والمتزايدة ساهمت بشكل واضح في هذا التراجع إلى جانب عوامل أخرى أبرزها غياب وجهل الحكومات العربية والنخب الاقتصادية العربية بالأهمية الحيوية والاستراتيجية لحماية المنتج المحلي. ونمت حصة الصين في فاتورة الواردات العربية لتصبح بين 9 و 10 بالمائة في دول كتونس والمغرب و 15 إلى 18 بالمائة في السعودية والإمارات ومصر والجزائر والعراق. أما الصادرات العربية إلى الصين فلا تتصف بالتنوع كونها تعتمد على تصدير النفط والغاز ومنتجاتهما من دول خليجية في مقدمتها السعودية التي وصلت صادراتها النفطية إلى السوق الصينية إلى مليون برميل يوميا أو أكثر. وبدوره يصدر العراق إلى هذه السوق نحو 700 ألف برميل يوميا في الوقت الحاضر. وزاد عدد السياح الصينيين في الدول العربية على مليوني سائح خلال العام الماضي 2019.

أكثر من مليون برميل نفط سعودي يذهب يوميا إلى الصينصورة من: Reuters/Courtesy of Saudi Royal Court/Bandar Algaloud

 

الشركات الصينية والبنية التحتية

صعدت الصين خلال السنوات العشر الماضية كقوة اقتصادية عالمية منافسة للغرب في سوق المنتجات الجاهزة والمواد الأولية لاسيما مع طرحها مبادرة "الحزام والطريق" والبدء بتنفيذها. وهو الأمر الذي أدى إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الدول العربية باستثناء التي شهدت الحروب أو انهيار أنظمتها مثل ليبيا واليمن والسودان. ويتمثل حضور الشركات الصينية المتزايد بأشكال مختلفة في مشاريع البنية التحتية والصناعية من طرق ومرافئ وشبكات اتصال وطاقة وعمران المدن وغيرها. وتتم هذه المشاركة في إطار عقود حكومية وقروض واستثمارات مشتركة وأشكال تعاون أخرى تتراوح تكاليفها بين 36  إلى 60 مليار دولار. ومن المشاريع التي تنفذها شركات صينية في الوقت الحاضر مجمعات صناعية وتكنولوجية وزراعية في السعودية وسلطنة عٌمان والسودان والمغرب. وتشارك الصين في بناء العاصمة الإدارية الجديدة في مصر وضواحي سكنية كاملة في الجزائر. ومؤخرا كثر الحديث عن توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بقيمة 500 مليار دولار على مدى 10 سنوات بين الحكومتين الصينية والعراقية بهدف إعادة إعمار وتحديث البنية التحتية ومشاريع صناعية وسكنية. والآن ومع الانتشار المخيف لفيروس كورونا وتبعاته السلبية على الإنتاج الصناعي الصيني والتجارة العالمية، يتساءل الكثيرون في الدول العربية عن تبعاته على اقتصادياتها؟

الخسائر الأكبر على عاتق الخليج

أول التبعات السلبية ظهرت في تراجع سعر برميل النفط بمعدل 2 إلى 6 دولارات للبرميل منذ اندلاع أزمة فيروس كورونا. وهو الأمر الذي يعني تراجع مداخيل الدول العربية النفطية. وسيزيد الطين بلة تراجع الطلب على النفط من الناحية الكمية بسبب توقف الإنتاج في مناطق صينية عدة وتراجع حركة السفر والتجارة. كما أن أسواق الدول العربية ستتأثر بتراجع الإنتاج الصناعي الصيني من السلع الاستهلاكية، فمثل هذا التراجع سيقود إلى قلة المعروض من هذه السلع وارتفاع تكاليف النقل والتأمين عليها بسبب المخاوف الحقيقية والنفسية إزاء التجارة مع الصين والدول المجاورة لها مثل كوريا الجنوبية. ومن تبعات ذلك ارتفاع تكاليف مستوى المعيشة وتراجع القوة الشرائية لفئات الدخل المحدود والطبقة الوسطى العربية التي اعتادت على استهلاك المنتجات الصينية الأنسب سعرا مقارنة بالمنتجات الأوروبية والأمريكية واليابانية المشابهة.

وسيكون التأثير السلبي على أشده في دول الخليج والعراق في حال استمرت أزمة كورونا. ففي هذه الدول وعلى غير دول المغرب العربي يتم الاعتماد على السوق الصينية في بيع صادرات النفط والغاز التي ستشهد أسعارها والكميات المطلوبة منها المزيد من التراجع في حال لم يتم وضع حد لا نتشار الفيروس. أما في الدول المغاربية فستكون التبعات السلبية أقل كونها تعتمد على الأسواق الأوروبية والأمريكية في تصريف الصادرات بنسبة تصل إلى نحو الثلثين. وفي الوقت الذي لا تلعب في السوق الصينية دورا يذكر صادرات هذه الدول، فإن 15 بالمائة من الصادرات السعودية البالغة أكثر من 294 مليار دولار ذهبت إلى الصين في عام 2018 على سبيل المثال.

الخبير الاقتصادي ابراهيم محمد: أزمة كورونا ستجعل المنتج الصيني أقل حضورا في الأسواق العربيةصورة من: DW/P.Henriksen

فرصة لإحياء زراعات وصناعات تقليدية

حتى الآن ليس من الواضح إلى متى ستستمر الأزمة التي ترتفع تكاليفها يوما بعد يوم على الدول العربية والعالم. لكن وبغض النظر عن مدة استمرارها فإن على الدول العربية تعزيز توجهاتها لتنويع الإنتاج المحلي الزراعي منه والصناعي والاعتماد عليه بشكل متزايد في توفير السلع اليومية والاستهلاكية بدلا من استيرادها من الصين ودول أخرى تحت رحمة الأزمات والكوارث والأوبئة التي تتسارع في عالمنا. وهنا لا بد من تركيز الجهود على إعادة إحياء الصناعات والزراعات التقليدية التي توفر الألبسة والأدوية والأغذية والأدوات المنزلية التي تم الاعتماد عليها في دول مثل العراق وسوريا ومصر والمغرب وتونس والجزائر على مدى قرون طويلة قبل أن تتجه نحو الانقراض بفعل الإهمال والمنافسة العالمية. ولعل في تجربة تطوير زراعة التمور أو إحيائها في دول عدة كالسعودية والإمارات والجزائر وتونس أمثلة تحتذى لتجارب أخرى مستقبلية في مجال إعادة إحياء زراعة الأرز والمفروشات والألبسة التقليدية والأواني المنزلية الخشبية وغيرها.

ابراهيم محمد

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW