لماذا غيرت إسبانيا موقفها من نزاع الصحراء الغربية؟
١٩ مارس ٢٠٢٢
في تغيير جذري لموقفها بشأن ملف الصحراء الغربية، أعلنت إسبانيا دعم الموقف المغربي علناً وللمرة الأولى ودخول "مرحلة جديدة" في العلاقات مع الرباط، في خطوة رحبت بها الأخيرة ونددت بها جبهة البوليساريو. فما أسباب هذا التغيير؟
إعلان
أعلنت الحكومة الإسبانية تغييراً جذرياً في موقفها المتعلق بقضية الصحراء الغربية من خلال دعمها موقف الرباط علناً وللمرة الأولى، لتنهي بذلك خلافاً دبلوماسياً كبيراً بين البلدين.
وقال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس يوم الجمعة (19 آذار/مارس 2022) أمام الصحافيين في برشلونة: "تعتبر إسبانيا أن مبادرة الحكم الذاتي المُقَدّمة في 2007 (من جانب المغرب) هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع" بين الرباط وجبهة بوليساريو. وأكد ألباريس بذلك حرفياً رسالة من رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز سبق أن كشف فحواها الديوان الملكي المغربي.
وجاء في بيان للحكومة الإسبانية: "ندخل اليوم مرحلة جديدة في علاقتنا مع المغرب تقوم على الاحترام المتبادل، واحترام الاتفاقات، وغياب الإجراءات الأحادية، والشفافية والتواصل الدائم". ووصفت صحيفة "إل موندو" الإسبانية هذا الموقف الجديد لإسبانيا بـ "التاريخي".
ويأتي هذا الإعلان من جانب مدريد بعد صدور بيان عن الديوان الملكي المغربي أشار فيه إلى رسالة وصلت من رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز اعتبر فيها الأخير أن مبادرة "الحكم الذاتي" المغربية المقترحة للإقليم المتنازع عليه "بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية من أجل تسوية الخلاف". كما أعلنت مدريد أن من المقرر أن يجري سانشيز زيارة إلى المغرب، من دون أن تحدد موعدها، وأن وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس سيزور الرباط "قبل نهاية الشهر الجاري" في إطار تطبيع العلاقات بين البلدين.
ويدور نزاع منذ عقود بين المغرب وجبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر حول الصحراء الغربية، وهي مستعمرة إسبانية سابقة تصنفها الأمم المتحدة بين "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي". في أواخر 2020 قالت جبهة البوليساريو التي تسعى لاستقلال الصحراء الغربية إنها استأنفت الكفاح المسلح بعد وقف لإطلاق النار استمر من عام 1990 ولكن ليس هناك ما يشير إلى قتال جدي.
وتقترح الرباط التي تسيطر على ما يقرب من 80 بالمئة من هذه المنطقة، منحها حكماً ذاتياً تحت سيادتها، بينما تدعو بوليساريو إلى استفتاء لتقرير المصير. وقال إغناسيو سيمبريرو الصحافي الإسباني المتخصص في العلاقات بين البلدين إن "الحكومة الإسبانية استجابت للمطلب الرئيسي للمغرب" الذي طلب منها "دعم اقتراحه بالحكم الذاتي" للصحراء الغربية. واعتبر أن "هذا تغيير مهم" لأن "المغرب يطالب بإعلان ذلك علناً"، لكن "السلطات الإسبانية ساعدت المغرب على الدوام (في هذا الملف) في السنوات الأخيرة".
الرباط ترحب والبوليساريو تندد!
ورحبت الخارجية المغربية في بيان بـ"المواقف الإيجابية والالتزامات البناءة لإسبانيا بشأن الصحراء المغربية". من جانبهم اتهم ممثلو بوليساريو في إسبانيا، مدريد "بالاستسلام في مواجهة الابتزاز وسياسة الخوف التي يستخدمها المغرب". ونشب الخلاف الدبلوماسي الكبير بين مدريد والرباط في نيسان/أبريل 2021 بسبب استقبال إسبانيا زعيم جبهة بوليساريو إبراهيم غالي للعلاج بعد إصابته بكوفيد-19.
تلا ذلك في أيار/مايو الماضي وصول أعداد كبيرة من المهاجرين المغاربة إلى جيب سبتة الإسباني الواقع على الساحل الشمالي للمغرب، مستغلين تخفيفاً لمراقبة الحدود من الجانب المغربي. وقبل الإعلانات الصادرة الجمعة، كانت حدة التوترات خفّت لكنها لم تنته. وكان المغرب استدعى في أيار/مايو سفيرته في إسبانيا للتشاور لكنها لم تعد إلى مدريد حتى الآن.
وقال برنابي لوبيز، أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة مدريد المستقلة، إن هذه البادرة من جانب مدريد بشأن الصحراء تهدف أساساً إلى جعل الرباط تسيطر على تدفقات الهجرة من أجل "أن يكون هناك مزيد من السيطرة" بدلاً من "هذا الغياب المتعمد للسيطرة من جانب المغرب".
وفي مقابل استئنافه علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل، حصل المغرب من الولايات المتحدة بقيادة الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب على اعتراف بالسيادة المغربية على المستعمرة الإسبانية السابقة. لكنّ هذا التحول من جانب بيدرو سانشيز يمكن أيضاً أن يؤدي إلى توترات قوية داخل حكومته مع حلفائه من اليسار الراديكالي "بوديموس" المؤيدين لحق الصحراويين في تقرير المصير. وقالت وزيرة العمل يولاندا دياز ممثلة بوديموس على تويتر إن "أي حل للنزاع (في الصحراء الغربية) يجب أن يتم من خلال احترام الشعب الصحراوي وإرادته الديمقراطية".
م.ع.ح/ع.ج.م (د ب أ ، أ ف ب، رويترز)
العلاقات المغربية الجزائرية.. محطات بين التلاحم والعداء
قطع الجزائر علاقتها الدبلوماسية مع المغرب هو أحدث تطور لعقود من التوتر والأزمات، حيث تحولت العلاقة بين البلدين من الدعم والمساندة إلى القطيعة والعداء بسبب ملف الصحراء الغربية الشائك وتراشق الاتهامات بدعم الانفصاليين.
صورة من: daniel0Z/Zoonar/picture alliance
المغرب يدعم الثورة الجزائرية
عند اندلاع ثورة التحرير الجزائرية في نوفمبر 1954 سارع ملك المغرب محمد الخامس آنذاك إلى دعم حركة المقاومة، وبادر على مدار سنوات إلى استضافة قادة الثورة، مؤكدا على أن تحرر الجزائر هي قضية مركزية للدول المغاربية. وفي ظل تعاطف شعبي كبير، تمّ جمع التبرعات وفُتحت الحدود أمام الثوار الجزائريين، ما ساهم في رفد الثورة الجزائرية بالمال والسلاح.
صورة من: dpa
حرب الرمال
صفو العلاقات تكدر في العام 1963، حين اندلعت "حرب الرمال" بين البلدين الجارين بسبب مجموعة حوادث حدودية. وكان ذلك بعد عام على استقلال الجزائر لتستمر "حرب الرمال" عدة أيام تاركة شرخاً حقيقيا في العلاقات.
صورة من: picture-alliance/dpa/UPI
المسيرة الخضراء ساهمت في توتر العلاقة
عبر "المسيرة الخضراء" في 1975 والتي شارك فيها 350 ألف مغربي، بسط المغرب سيطرته على الصحراء الغربية. وفي آذار/ مارس 1976 قطع علاقاته الدبلوماسية مع الجزائر بعد اعترافها بـ"الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية" التي أعلنتها جبهة بوليساريو.
صورة من: picture-alliance/dpa/DB UPI
تحسن في العلاقات
في 26 شباط/فبراير 1983 التقى الملك الحسن الثاني مع الرئيس الشاذلي بن جديد على الحدود الجزائرية المغربية. ساهم هذا اللقاء في عودة حرية التنقل بين البلدين، كما أُعلن عن ذلك في أبريل/ نيسان من العام ذاته. ثم في أيار/مايو تمّ الاتفاق على السماح تدريجيا بتنقل الأشخاص وبحرية نقل السلع بين البلدين وفتح الخطوط الجوية وسكك الحديد.
صورة من: picture-alliance/dpa
فرض تأشيرة واغلاق الحدود
في 16 آب/أغسطس 1994 استنكرت الرباط تصريحات الرئيس الجزائري اليمين زروال التي اعتبر فيها أن الصحراء الغربية "بلد محتل". وفي 26 آب/ أغسطس فرض المغرب التأشيرة على جارته الشرقية عقب هجوم استهدف فندقا في مراكش قُتل فيه سائحان إسبانيان على يد إسلاميين متطرفين. واتّهم المغرب قوات الأمن الجزائرية بالضلوع في الهجوم، فيما أغلقت الجزائر حدودها مع المغرب.
صورة من: Getty Images/AFP/F. Senna
تقارب وجفاء
في 25 تموز/يوليو 1999 شارك الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في مراسم جنازة الملك الراحل الحسن الثاني في الرباط. لكن بداية التقارب سرعان ما نسفته مجزرة أوقعت 29 قتيلا في جنوب غرب الجزائر، اتّهم بوتفليقة على خلفيتها المغرب بتسهيل تسلل إسلاميين مسلّحين إلى بلاده.
صورة من: AP
عودة اللقاءات
لقاءات بين الرئيس بوتفليقة والعاهل المغربي محمد السادس، أسهمت في "كسر الجليد" قليلاً. ففي تموز/يوليو 2011 أعلن ملك المغرب تأييده لإعادة فتح الحدود البرية ولتطبيع العلاقات. وهو ما ردّ عليه الراحل عبد العزيز بوتفليقة معرباً عن "عزمه إعادة تعزيز العلاقات لما فيه مصلحة البلدين".
صورة من: Getty Images/AFP/E. Feferberg, F. Senna
دعوة لفتح صفحة جديدة
في كانون الأول/ديسمبر 2019 دعا الملك محمد السادس إلى فتح "صفحة جديدة" في رسالة تهنئة إلى الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون.
صورة من: Niviere David/ABACAPRESS/picture alliance
ملف الصحراء الشائك يتجدد
في كانون الأول/ديسمبر 2020 نددت الجزائر بـ"مناورات أجنبية" تهدف إلى زعزعة استقرارها متّهمة بذلك إسرائيل التي كانت قد وقعت مع المغرب "معاهدة تطبيع"، ضمن اتفاق ثلاثي أفضى أيضا إلى اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. وفي 18 تموز/يوليو 2021 استدعت الجزائر سفيرها لدى المغرب "للتشاور".
"اعادة النظر" بالعلاقات بين البلدين
في 31 تموز/يوليو الماضي، في خطابه بمناسبة اعتلاءه على العرش، أعرب ملك المغرب عن "أسفه للتوترات بين البلدين" ودعا إلى إعادة فتح الحدود البرية. لكن الجزائر قررت في 18 آب/ أغسطس "إعادة النظر" في علاقاتها مع المغرب الذي اتّهمته بالتورّط في الحرائق الضخمة التي اجتاحت البلاد.
صورة من: Billel Bensalem/App/dpa/picture alliance
قطع العلاقات
في 24 آب/ أغسطس أعلن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب بسبب "الأعمال العدائية" للمملكة ضد الجزائر "منذ استقلالها"، إلى غاية "استخدام برنامج بيغاسوس للتجسس على مسؤولين جزائريين ودعم حركة انفصالية" على حدّ قوله.
صورة من: Fateh Guidoum/AP/picture alliance
أسف مغربي لقطع العلاقات
وفي ردّ فعل رسمي، أعربت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج عن أسفها "للقرار الأحادي" الذي اتخذته الجزائر، معتبرة إياه قراراً "غير مبرر"، لكنه "متوقعا بالنظر إلى منطق التصعيد الذي تم رصده خلال الأسابيع الأخيرة"، كما جاء في بيان الوزراة المغربية. (اعداد: علاء جمعة)