أحدث سقوط بشار الأسد ارتدادات كبيرة داخل المؤسسات السياسية في إيران، فكيف سيكون تأثير انتهاء حقبة الأسد على طهران؟
إعلان
تسعى إيران إلى التغلب على خسارة حليف وثيق بحجم الرئيس السوري السابق بشار الأسد، الذي انهار نظامه فجأة عقب تقدم المعارضة التي وصلت إلى العاصمة دمشق فجر الأحد (8 ديسمبر/كانون الأول).
حاول المسؤولون الإيرانيون في بادئ الأمر التقليل من تداعيات سقوط الأسد على طهران؛ إذ نقلت وسائل إعلام إيرانية عن حسين سلامي، القائد العام لقوات الحرس الثوري، قوله الثلاثاء (10 ديسمبر/كانون الأول) إن إيران "لم تضعف بعد سقوط حليفها بشار".
وقال سلامي إنه لم تتبق أي قوات إيرانية في سوريا.
ساندت إيران و روسيا حكم الأسد منذ اندلاع الانتفاضة عام 2011 بكافة أشكال الدعم العسكري والسياسي.
ونشرت طهران الحرس الثوري في سوريا لإبقاء حليفها في السلطة والحفاظ على ما تطلق عليه "محور المقاومة" في مواجهة إسرائيل والنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط.
ويرى مراقبون أن خروج الأسد من سوريا قد قلص قدرة طهران على إظهار قوتها والحفاظ على شبكتها من الجماعات المسلحة في أنحاء المنطقة خاصة حزب الله.
وأضاف المراقبون أن إيران سوف تمضي قدماً في دعم وكلائها بالشرق الأوسط، إلا أن هذا لا يخفي حقيقة مفادها أن قدرة طهران المالية والعسكرية قد تقلصت بشكل كبير.
وفي مقابلة مع DW، قال المحلل السياسي الإيراني المنشق، محمد جواد أكبرين، إن طهران "قد تغير الآن استراتيجيتها للحفاظ على نفوذها عبر منع إنشاء نظام جديد ومستقر في سوريا."
واستشهد في ذلك بأن إيران دعمت في السابق قوى عمدت إلى زعزعة الاستقرار في العراق وأفغانستان لمواجهة النفوذ الأمريكي وفرض قوتها. وأضاف أنه رغم ذلك، فإن الصعوبات الاقتصادية الحالية التي تواجهها طهران من شأنها أن تحد من قدرتها على تنفيذ مثل هذه الاستراتيجيات في سوريا على نفس المنوال.
إعلان
من سيسدد فاتورة دعم الأسد؟
ويسلط مراقبون الضوء على قضية أخرى تتمثل في فاتورة دعم إيران للأسد طوال السنوات الماضية.
وفي ذلك، نُقل عن حشمت الله فلاحت بيشه، الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، قوله عام 2020 إن إيران أنفقت ما يقرب من 30 مليار دولار (حوالي 28 مليار يورو) لإبقاء الأسد في السلطة.
وفي تغريدة على منصة إكس، طرح النائب الإيراني بهرام بارسائي تساؤلات مفادها: "من سيسدد ديون الأسد الآن؟"
وفي ظل معاناة الإيرانيين من صعوبات اقتصادية على وقع انخفاض قيمة العملة وارتفاع معدلات البطالة والتضخم، تساءل كثيرون حيال أسباب إنفاق الحكومة الكثير من الأموال على تنفيذ الأجندات الخارجية على حساب تحسين الوضع الاقتصادي الداخلي.
تقويض البروباغندا الإيرانية
وفيما يتعلق بسقوط الأسد، أعرب إيرانيون عن تفاؤل حذر، بحسب ما ذكره الناشط السياسي المقيم في باريس، رضا علي جاني.
وقال في مقابلة مع DW إن انهيار نظام الأسد يحمل في طياته بعض التشابه للوضع الداخلي في إيران، مضيفاً: "حديث المعارضة السورية عن إنشاء حكم يمثل كافة الأطياف والعمل للحيلولة دون نشر الفوضى، قد يكون بمثابة نماذج محتملة لمستقبل إيران إذا انهارت الجمهورية الإسلامية ذات يوم من الأيام."
بيد أن رضا علي جاني قال إن الأصوات البراغماتية داخل الحكومة الإيرانية تشعر بالقلق حيال أن يلهم سقوط الأسد موجة احتجاجات مناوئة لها في الداخل.
من جانبه، يعتقد سعيد بيوندي، عالم الاجتماع الإيراني المقيم في باريس، أن انهيار نظام الأسد من شأنه أن يكشف عن تآكل "العقد الاجتماعي" بين الدولة الإيرانية ومواطنيها.
وفي مقابلة مع DW، أضاف "ثمة اتساع الهوة بين النخبة الحاكمة والمواطنين ما يعكس أزمة شرعية تزداد وباتت تمثل تهديداً تواجه الأنظمة الاستبدادية."
استمرار النهج الإيراني
ورغم خسارة حليف قوي مثل الأسد، إلا أن خبراء يرجحون أن تستمر السياسة الإيرانية طالما بقي المرشد الأعلى علي خامنئي في السلطة.
وفي السياق ذاته، شبه عرفان سباتي، الباحث الإيراني المقيم في لندن، الوضع الراهن في إيران بما كانت عليه ألمانيا الشرقية في الأشهر التي سبقت سقوط جدار برلين.
وفي مقابلة مع DW، أضاف أن الأنظمة الاستبدادية غالباً ما تبدو راسخة حتى لحظة انهيارها أمام تزايد قوة المعارضة والسخط العام والضغوط الخارجية.
أعده للعربية: محمد فرحان
سوريا.. سقوط حكم عائلة الأسد بعد أكثر من خمسة عقود من السلطة
فر بشار الأسد من سوريا في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول عام 2024. وكتب هذا الفرار نهاية حكم عائلة الأسد الذي استمر خمس عقود ونصف. هنا لمحة عن أبرز المحطات التي مرت بها سوريا منذ بدء حكم عائلة الأسد وحتى نهايته.
صورة من: Hussein Malla/AP/dpa/picture alliance
نهاية حقبة حكم بيت الأسد
8 ديسمبر/ كانون الأول، 2024 نقطة فاصلة في تاريخ سوريا.. فقد أسقطت المعارضة المسلحة نظام الرئيس بشار الأسد، الذي أضطر لترك منصبه وغادر دمشق إلى مكان مجهول، وذلك على وقع الأحداث المتسارعة التي بدأت في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
صورة من: Iranian Presidency Office/ZUMAPRESS/picture alliance
هجوم المعارضة المسلحة
في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2024، اعتبر الأسد هجوم المعارضة المسلحة، الذي بدأ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني، "محاولة لتقسيم المنطقة وتفتيت دولها، وإعادة رسم الخرائط من جديد"، بيد أن هذه المزاعم لم تجد هذه المرة.
صورة من: Bakr Alkasem/AFP/Getty Images
حرب أهلية دموية مدمرة
أتى سقوط نظام بشار الأسد بعد أكثر من 13 عاما على بدء انتفاضة شعبية في خضم "الربيع العربي"، والتي تحولت إلى حرب أهلية دموية أسفرت عن مقتل أكثر 300 شخص ما بين 2013 و2021، بحسب الأمم المتحدة، وفرار الملايين إلى خارج البلاد أو نزوجهم داخل البلاد.
صورة من: Bulent Kilic/AFP/Getty Images
تهاوي سلطة بشار
تمسك بشار الأسد بالسلطة وقاوم بشرسة الاحتجاجات الشعبية والدعوات الدولية للتنحي عن السلطة، مستعينا بدعم عسكري من روسيا وإيران وحزب الله. لكن عندما تخلت عنه هذه الأطراف لم يكن أمامه سوى الفرار.
صورة من: Orhan Qereman/REUTERS
تراجع الدعم العسكري الروسي
كان للدعم العسكري الروسي المباشر لبشار ألأسد دورا في صموده خلال الحرب الأهلية، لكن بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجنب مواصلة دعم الأسد أمام هجوم المعارضة المسلحة، كونه بوتين لديه جبهة حرب أخرى مفتوحة في أوكرانيا.
صورة من: Valeriy Sharifulin/IMAGO/SNA
احتجاجات تحولت إلى نزاع دامٍ!
في العام 2011، لحقت سوريا بركب الثورات في دول عربية عدة، أبرزها مصر وتونس، في ما عُرف بـ"الربيع العربي". ومع اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظامه، قمع الأسد المتظاهرين السلميين بالقوة، وتحولت الاحتجاجات نزاعاً دامياً، سرعان ما تعددت جبهاته والضالعين فيه. وأودى النزاع المستمر بأكثر من 388 ألف شخص وهجّر وشرّد الملايين داخل البلاد وخارجها، وسوّى مناطق كاملة بالأرض.
صورة من: AFP/O. H. Kadour
بقاء على رأس السلطة بدعم روسي
في سنوات النزاع الأولى، فقدت قوات الحكومة السورية سيطرتها على مساحات واسعة من سوريا بينها مدن رئيسية. لكن وبدعم عسكري من حلفائها، إيران ثم روسيا، استعادت القوات الحكومية تدريجيًا نحو ثلثي مساحة البلاد، إثر سياسة حصار خانقة وعمليات عسكرية واسعة ضد الفصائل المعارضة والتنظيمات الجهادية. ولعب التدخل الجوي الروسي منذ خريف 2015 دوراً حاسماً في تغيير موازين القوى لصالح دمشق.
صورة من: Reuters/O. Sanadiki
الوصول إلى الحكم عبر التوريث
2000، ورث بشار الأسد الحكم عن والده الراحل، حافظ الأسد، الذي حكم سوريا من خلال زعامة حزب البعث الموجود في السلطة منذ أكثر من خمسين عاما. أصبح بشار الأسد، وهو في الرابعة والثلاثين من العمر، رئيسا عن طريق استفتاء لم يشهد أي معارضة.
صورة من: Louai Beshara/AFP
تولي الحكم بعد انقلاب "الحركة التصحيحية"
في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970، نفّذ حافظ الأسد الذي كان يتولّى منصب وزير الدفاع انقلاباً عسكرياً عُرف بـ"الحركة التصحيحية" وأطاح برئيس الجمهورية حينها نور الدين الأتاسي. في 12 آذار/مارس 1971، انتخب الأسد الذي كان يترأس حزب البعث العربي الاشتراكي، رئيساً للجمهورية ضمن انتخابات لم ينافسه فيها أي مرشح آخر. وكان أول رئيس للبلاد من الطائفة العلوية التي تشكل عشرة في المئة من تعداد السكان.
صورة من: AP
"حرب تشرين"
في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973، شنّت مصر وسوريا هجوماً مفاجئاً على إسرائيل من جهة قناة السويس غرباً، ومرتفعات الجولان شرقاً، في محاولة لاستعادة ما خسره العرب من أراض خلال حزيران/يونيو 1967، لكن تمّ صدهما. في أيار/مايو 1974، انتهت الحرب رسمياً بتوقيع اتفاقية فضّ الاشتباك في مرتفعات الجولان.
صورة من: Getty Images/AFP/GPO/David Rubinger
علاقات دبلوماسية بين واشنطن ودمشق!
في حزيران/يونيو 1974، زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون دمشق، معلناً إعادة إرساء العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، بعدما كانت مجمّدة منذ العام 1967. في الصورة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون مع وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأمريكي وقتها هنري كيسينجر.
صورة من: AFP/Getty Images
هيمنة على لبنان
في 1976 تدخّلت القوات السورية في الحرب الأهلية اللبنانية بموافقة أمريكية، وبناء على طلب من قوى مسيحية لبنانية. وفي 1977، بدأت المواجهات بين القوات السورية، التي انتشرت في معظم أجزاء البلاد ما عدا المنطقة الحدودية مع إسرائيل، وقوات مسيحية احتجت على الوجود السوري. وطيلة ثلاثة عقود، بقيت سوريا قوة مهيمنة على المستوى العسكري في لبنان وتحكمت بكل مفاصل الحياة السياسية حتى انسحابها في العام 2005.
صورة من: AP
قطيعة بين دمشق وبغداد!
في العام 1979، تدهورت العلاقات بين سوريا والعراق، اللذين حكمهما فرعان متنافسان من حزب البعث العربي الاشتراكي، بعد اتهام الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين الوافد حديثاً إلى السلطة، دمشق بالتآمر. وقطعت بغداد علاقتها الدبلوماسية مع دمشق في تشرين الأول/أكتوبر 1980، بعدما دعمت الأخيرة طهران في حربها مع العراق. في الصورة يظهر الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين (يسار) مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد (وسط).
صورة من: The Online Museum of Syrian History
"مجزرة حماه"
في شباط/فبراير 1982، تصدّى النظام السوري لانتفاضة مسلّحة قادها الإخوان المسلمون في مدينة حماه (وسط)، وذهب ضحية ما يعرف بـ"مجزرة حماه" بين عشرة آلاف وأربعين ألف شخص. وجاء ذلك بعد قرابة ثلاث سنوات من هجوم بالرصاص والقنابل اليدوية على الكلية الحربية في مدينة حلب، أسفر عن مقتل ثمانين جندياً سورياً من الطائفة العلوية. وتوجّهت حينها أصابع الاتهام إلى الإخوان المسلمين بالوقوف خلف الهجوم.
صورة من: picture alliance /AA/M.Misto
محاولة انقلاب فاشلة
في تشرين الثاني/نوفمبر 1983، أصيب الأسد بأزمة قلبية نقل على إثرها إلى أحد مشافي دمشق. ودخل في غيبوبة لساعات عدّة، حاول خلالها شقيقه الأصغر رفعت الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب فاشل، قبل أن يستعيد الأسد عافيته. وبعد عام، أُجبر رفعت على مغادرة سوريا. الصورة لحافظ الأسد (يمين) مع أخيه رفعت.
صورة من: Getty Images/AFP
تقارب مع الغرب!
بدأ الجليد الذي شاب علاقات سوريا مع أمريكا والغرب بالذوبان، عقب انهيار الاتحاد السوفياتي. انضمت سوريا إلى القوات متعددة الجنسيات في التحالف الذي قادته أمريكا ضد صدام حسين بعد غزو العراق للكويت. وفي تشرين الأول/أكتوبر 1994، زار الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الأسد في دمشق. بعد أربع سنوات، زار الأسد فرنسا في أول زيارة له إلى بلد غربي منذ 22 عاماً، واستقبل بحفاوة من نظيره الفرنسي جاك شيراك.
صورة من: Remy de la Mauviniere/AP Photo/picture alliance
الابن يخلف أباه في الرئاسة!
توفي الأسد في 10 حزيران/يونيو 2000، عن عمر ناهز 69 عاماً، وكان شيراك الرئيس الغربي الوحيد الذي حضر جنازته.
وبعد شهر، تولّى نجله بشار السلطة، بعد تعديل دستوري سمح له بالترشّح. وحاز في استفتاء لم يضم أي مرشح آخر سواه على 97 في المئة من الأصوات.
صورة من: picture-alliance/dpa
انفتاح نسبي ولكن..!
بين أيلول/سبتمبر 2000 وشباط/فبراير 2001، شهدت سوريا فترة انفتاح وسمحت السلطات نسبياً بحرية التعبير. في 26 أيلول/سبتمبر 2000، دعا نحو مئة مثقّف وفنان سوري مقيمين في سوريا السلطات إلى "العفو" عن سجناء سياسيين وإلغاء حالة الطوارئ السارية منذ العام 1963. لكنّ هذه الفسحة الصغيرة من الحرية سرعان ما أقفلت بعدما عمدت السلطات إلى اعتقال مفكرين ومثقفين مشاركين في ما عُرف وقتها بـ"ربيع دمشق". م.ع.ح/م.ع/ع.ج.م