تراجع دراماتيكي في شعبية بوش ينذر بهزيمة حزبه في الانتخابات القادمة
١٣ مارس ٢٠٠٦وفقا لآخر استطلاعات الرأي الأخيرة في الولايات المتحدة الامريكية لا تتجاوز شعبية الرئيس الامريكي بوش في الولايات المتحدة 37 بالمائة. والى جانب هذه المعلومات السيئة يلمس سيد البيت الابيض تراجعا ملحوظا في دعم أعضاء من حزبه الجمهوري له، ذلك أن بوش أصبح أكثر فأكثر عبئا على حزبه، لاسيما وأن انتخابات الكونجرس ستجري بعد ثمانية أشهر. بعد فوزة بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2004 بدأ بوش فترة رئاسته الثانية بالقول: "خلال الحملة الانتخابية جمعت رصيدا سياسيا عظيما، والآن أعمل جاهدا على الاستفادة من ذلك من أجل البلد. هذا هو أسلوبي في الحكم، اتبعت ذلك بعد فوزي بالفترة الرئاسية الاولى، وهذا ما سأطبقه هذه المرة أيضا."
بعد عمليات 11 سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية وصلت شعبية بوش الى درجة كان يحلم بها الرؤساء الذين سبقوه. هذا الدعم الشعبي الكبير وفر له أرضية صلبة لخوض حربين في أفغانستان والعراق دون أن تتراجع تلك الشعبية بشكل كبير. أما اليوم فان شعبية جورج بوش وصلت الى أدنى مستوى لها. فوفقا لآخر استطلاع أجري في 11 مارس/آذار يرى أربعة من كل خمس أمريكيين، بينهم 70 بالمئة من داخل حزبه الجمهوري، أن العراق ينزلق خطوة خطوة باتجاة حرب أهلية ضروس وان سياسة واشنطن في هذا البلد خاطئة تماما. علاوة على ذلك لم تعد انجازات الرئيس وحدها موضع تساؤل لدى الرأي العام الامريكي، بل أن درجة الثقة الممنوحة له شخصيا ولطريقة حكومته في ادارة الحرب على الارهاب في تراجع مستمر.
هزيمة "موانئ دبي"
لعل هزيمة بوش داخليا تجلت في أفضل صورها عندما رفض الكونجرس ذو الأغلبية الجمهورية الموافقة على قيام شركة موانئ دبي العالمية بتولي ادارة موانىء اميركية. فبعد المعارضة الشديدة من الكونجرس الذي رفع شعار الامن القومي، اعلنت شركة موانئ دبي العالمية بعد ذلك انها تخلت عن الاشراف على العمليات في ست موانئ اميركية كبرى. صحيح أن هذا القرار أنهى جدلا حادا ومعارضة لا سابق لها من جانب الأكثرية الجمهورية في مواجهة بوش، لكن ما حصل يعني توجيه ضربة شديدة الى الصورة الدولية والسياسية للرئيس الاميركي وادارته، وخصوصا انه كان قد قبل في كانون الثاني/يناير السماح للشركة الاماراتية بتولي ادارة المرافئ من منافستها البريطانية "بيننسولار اد اورينتال" (بي اند او) التي اشترتها في صفقة بقيمة 8,6 مليارات دولار. البرلمانيون، وخصوصا الجمهوريون منهم، ليسوا قلقين فقط على أمن الولايات المتحدة، بل يخشون ايضا خسارة الغالبية في الانتخابات التشريعية في تشرين الثاني/نوفمبر، لاسيما وان الديموقراطيين استغلوا القضية لتسجيل نقاط عليهم. النائب عن الحزب الجمهوري جيري لويس لخص موقف حزبه بالقول: "حتى لو لم يتفهم البعض موفقنا الرافض لتلك الصفقة، فان الناخبين يتفهمون ذلك جيدا، فهم ببساطة لا يريدون السماح لشركات من هذا الجزء من العالم ببسط سيطرتها على موانئنا."
الديمقراطيون يتنفسون الصعداء
الخلافات العلنية بين الرئيس الامريكي وحزبه وما يرافقها من تدن مستمر لشعبية سيد البيت الابيض تبعث الأمل من جديد الى نفوس المعارضة الديمقراطية التي تمثل الاقلية في الكابيتول (مجلس النواب ومجلس الشيوخ). فاستطلاعات الرأي بخصوص انتخابات الكونجرس القادمة ترى أن الديمقراطيين متقدمين على خصومهم الجمهوريين بفارق 10 نقاط، وهذا رقم يدق مضاجع عدد كبير من الجمهوريين الذي يخشون عدم اعادة انتخابهم بسبب أخطاء سياسية هم غير مسؤولين عنها. المخطط الاستراتيجي للشؤون الانتخابية في الحزب الديمقراطي كين ميلمان قال: "كارل روف (العقل المفكر لادارة بوش) لمح الى العودة من جديد الى استخدام قارب النجاة المتمثل بالعزف على وتر الامن القومي في الحملة الانتخابية القادمة، ولكن هذا القارب كان قد غرق للتو في مياه دبي"، وذلك في اشارة الى فشل الصفقة مع شركة موانئ دبي.
أسباب كثيرة لتراجع الشعبية
صفقة موانئ دبي لم تكن وحدها هي القضية التي ساهمت وتساهم في تراجع شعبية الرئيس وحزبه، فهناك الوعود الانتخابية التي قطعها الرئيس الامريكي على نفسه ابان الحملة الانتخابية التي لم يتحقق منها الكثير، فموضوع خصخصة أنظمة الضمان الاجتماعي كان على رأس قائمة الوعود الانتخابية للرئيس الجمهوري، واليوم لا يتحدث أحد عن هذا الموضوع، ناهيك عن الأداء السيئ لإدارته فيما يتعلق بكارثة إعصار كاترينا حيث كشفت تقارير فيما بعد تجاهل الإدارة الأمريكية لتحذيرات عدة تتعلق بمخاطر الإعصار.
أما على صعيد السياسة الخارجية فيبقى موضوع العراق القضية الأهم التي تستنزف شعبية بوش وأعضاء ادارته. فالوضع الامني في تدهور مستمر والقوات الامريكية عاجزة تماما عن السيطرة على الأوضاع وبسط الامن، هذا بالاضافة الى أن العملية السياسية برمتها وصلت الى منعطف خطير تهدد مستقبل العراق ووحدته وتنبئ بأكبر فشل للسياسة الامنية والعسكرية الامريكية منذ حرب فيتنام. فالقيادات التي كانت تراهن واشنطن عليها في فترة ما بعد صدام تثبت يوما بعد يوم انها حريصة فقط على مصالحها الشخصية والحزبية، وذلك على حد قول السفير الامريكي في العراق زالماي خليل زاد في مقابلة له نشرتها صحفية الحياة التي تصدر في لندن امس الأحد، مضيفا "أن نجاح العراق نجاح لامريكا وفشله فشل لها." وفي معرض رده على تساؤل عما اذا كان يعتقد أن السياسيين في العراق يفتقرون الى الوعي بخطورة المرحلة الراهنة فقال "نعم. المتوقع من الساسة العراقيين أن يكونوا بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، ما عليهم أن يفهموه أن مصلحة العراق يجب أن تأتي أولا، لاننا الان في أزمة والبلد ينزف ويتجه نحو الحرب الاهلية." وهذه كلمات صريحة من مسؤول بهذا المستوى عما آلت اليه الاوضاع في العراق.
الرئيس الامريكي استقبل الانباء المتعلقة بتراجع شعبيته بهدوء، فالامر يبدو أنه لا يشكل له كابوسا مرعبا، لاسيما وان الدستور الامريكي لا يسمح للرئيس بالترشح لأكثر من ولايتين. بوش يحاول مواجهة ذلك التدهور في شعبيته بالقول أنه رجل مبادئ وانه سيسعى دائما الى تحقيق تلك المبادئ حتى لو لم تلاقي شعبية من هذا الطرف أو ذاك، أملا بان ينصفه التاريخ يوما. عندما سأله أصدقاءه في تكساس، كيف يمكن أن يتحمل كل ذلك، أجاب بوش: "بعد فترة من الزمن يتعود المرء على ذلك. لكن على المرء أن يكون واثقا من صحة ما يقوم به، يجب عليه التمسك بمبادئه وان لا يسمح لاستطلاعات الرأي وجماعات الضغط (اللوبي) بان يخرجاه عن مساره".