يعتزم الرئيس الأمريكي ترامب ممارسة نفوذه على الجامعات الأمريكية. وقد قاومت جامعة هارفارد العريقة مساعي الرئيس حتى الآن. وتهدد واشنطن بطرد الطلاب الأجانب. ومع ذلك حققت هارفارد انتصارا مؤقتا.
في منتصف أبريل/ نيسان تظاهر طلاب وموظفو جامعة هارفارد ضد القيود الحكومية. صورة من: AP/dpa/picture alliance
إعلان
تأسست جامعة هارفارد في عام 1636 وهي تعد واحدة من أعرق المؤسسات التعليمية في العالم، وقد خرجت العديد من الفائزين بجائزة نوبل وثمانية رؤساء أمريكيين.
لكن بالنسبة للرئيس الحالي دونالد ترامب فإن هارفارد "مهزلة". فقد كتب ترامب في منشور له على منصة التواصل الاجتماعي الخاصة به "تروث سوشيال"، في منتصف أبريل/ نيسان الماضي، أنها تعلم "الكراهية والغباء" وتوظف "أغبياء يساريين"، وأعلن أن جامعة النخبة يجب ألا تتلقى تمويلا فيدراليا بعد الآن.
وقامت هيئات حكومية مختلفة على الفور بتجميد 2.2 مليار دولار أمريكي كانت مخصصة للجامعة. وفي منتصف مايو/ أيار أبلغت فرقة عمل حكومية معنية بمكافحة معاداة السامية إدارة الجامعة بإلغاء 450 مليون دولار أمريكي أخرى. وقد صعدت إدارة ترامب الآن النزاع أكثر من ذلك وحظرت على جامعة هارفارد الاستمرار في قبول الطلاب الأجانب وتعليمهم.
كيف تبرر إدارة ترامب إجراءها ضد هارفارد؟
وكما أوضح ترامب نفسه والأشخاص المقربون منه في عدة مناسبات، فإنهم منزعجون من تدريس المحتوى والأيديولوجيات اليسارية ، والبحث فيها في المقام الأول هناك، في نظرهم. بيد أنه، حسب الدستور الأمريكي، لا يسمح للحكومة بتقييد حرية التعبير إلا في حالات استثنائية قليلة. وقد استندت أكثر من 100 جامعة أمريكية إلى هذه الاستثناءات في رسالة مفتوحة احتجوا فيها على "نفوذ الدولة السياسي غير المسبوق".
كتب ترامب في منتصف أبريل/ نيسان في منشور له على منصة التواصل الاجتماعي الخاصة به ”TruthSocial“ أن جامعة هارفارد "مهزلة" وتنشر "الكراهية والغباء" وتوظف "أغبياء يساريين". صورة من: Donald Trump/TruthSocial
إن الذريعة القانونية لتخفيض التمويل هي المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في العديد من الجامعات الأمريكية، والتي اندلعت بسبب الحرب الإسرائيلية، التي جاءت ردا على الهجوم الإرهابي، الذي شنه إسلامويون من قطاع غزة بقيادة حركة حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وتُصنف حركة حماس منظمة إرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والعديد من الدول الأخرى. وبحسب تقارير مختلفة، وقعت هجمات معادية للسامية على طلاب يهود، خلال الاحتجاجات في الولايات المتحدة الأمريكية.
إعلان
لماذا تتخذ الحكومة الأمريكية إجراءات صارمة ضد جامعة هارفارد؟
سحبت الحكومة الأمريكية التمويل من حوالي 60 جامعة أو على الأقل هددت بذلك. ففي مارس/ آذار على سبيل المثال ألغت الحكومة الأمريكية تمويلا بقيمة 400 مليون دولار أمريكي لجامعة كولومبيا في مدينة نيويورك. وكان الاتهام هو أن إدارة الجامعة فشلت في التصرف "في مواجهة المضايقات المستمرة للطلاب اليهود".
وقد رفعت جامعة كولومبيا دعوى قضائية ضد تجميد التمويل ولكنها في الوقت نفسه امتثلت لعدد من المطالب الحكومية، بما في ذلك تلك المتعلقة بحظر ارتداء الأقنعة في المظاهرات وتوظيف ضباط أمن جدد وإعادة تنظيم إدارة قسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب أسيا وأفريقيا. ومع ذلك كررت وزارة الصحة والخدمات الاجتماعية الأمريكية هذا الادعاء.
غير أن جامعة هارفارد بقيت حتى الآن هي الجامعة الوحيدة، التي تعارض مطالب الحكومة علانية. وربما تستطيع الجامعة الواقعة في كامبريدج بضواحي بوسطن تحمل الخلاف مع الحكومة جزئيا لأن لديها أوقافا تزيد عن 50 مليار دولار. ولكن قد يكون هذا بالضبط هدف الإجراءات الجديدة.
ما هي الإجراءات الجديدة التي ستواجهها هارفارد؟
لقد حددت وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية، كريستي نويم، لإدارة هارفارد مهلة 72 ساعة لإسقاط احتجاجهم. وإلا فإنها ستلغي ترخيص الجامعة لتعليم الطلاب الأجانب. وقد يفقد حاملو المقاعد الدراسية تصريح إقامتهم؛ إذا لم يلتحقوا بجامعة أخرى.
وفقا لعمليات مسح مختلفة، فإن جامعة هارفارد القريبة من بوسطن هي أعرق وأغنى جامعة في العالم.صورة من: Charles Krupa/AP/picture alliance
وقد يعني هذا الأمر أكثر من مجرد خسارة الجامعة للطبلة الأجانب الموهوبين. ويدفع الطلاب المسجلون في جامعة هارفارد، الذين لا يحملون جواز سفر أمريكي والبالغ عددهم حوالي 6800 طالب وطالبة حوالي 400 مليون دولار أمريكي كرسوم دراسية كل عام. بالنسبة للطالب، سواء كان أمريكيا أو أجنبيا، تبلغ رسوم الدراسة حوالي 59 ألف دولار أمريكي سنويا، لكن العديد من الطلاب الأمريكيين يحصلون على منح دراسية تمول من أموال الجامعة. وبالتالي فإن هارفارد تكسب في المتوسط من الطلاب الأجانب أكثر مما تكسبه من الطلاب المحليين.
كما تدرس الحكومة الأمريكية أيضا زيادة الضرائب على مكاسب رأس المال من أموال الجامعات. ويتم استثمار معظم أصول الأوقاف في الأوراق المالية، التي تجني مئات الملايين كل عام. وخلال فترة ولايته الأولى، فرض ترامب ضريبة على مكاسب رأس المال بنسبة 1.4 في المائة على الجامعات، التي تزيد قيمة أصولها الوقفية عن نصف مليون دولار أمريكي لكل طالب. ومن المقرر أن تكون هناك مراحل أخرى في المستقبل. وعلى أعلى مستوى ستفرض ضريبة بنسبة 21 في المائة على الأرباح من أصول الهبات، التي تزيد عن مليوني دولار أمريكي لكل مقعد جامعي.
وحسب صحيفة "يو إس إيه توداي" يقدر الخبير الاقتصادي فيليب ليفين أن جامعات النخبة مثل ييل وستانفورد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وبرينستون وبالطبع هارفارد؛ سيتعين على كل منها دفع ما بين 400 وحتى 850 مليون دولار أمريكي سنويا كضرائب نتيجة لذلك.
ترامب في ولايته الثانية.. قرارات صادمة وتصريحات غير دبلوماسية
هذه هي الولاية الثانية لدونالد ترامب، لكنه عازم على أن تكون فارقة في تاريخ بلاده، مجموعة من القرارات المثيرة للجدل، بلغت حد خلق صراع مع حلفائه و"انتهاك" مسلمات في السياسة الداخلية والخارجية لبلاده.
صورة من: Brendan Smialowski/AFP
ريفييرا "الشرق الأوسط"
خلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بداية فبراير/شباط، أعلن ترامب عن رؤيته "المذهلة" لقطاع غزّة المدمر نتيجة الحرب. خطة ترامب تقضي بـ"السيطرة" على القطاع الفلسطيني وتحويله إلى "ريفييرا الشرق الأوسط". فاجأت هذه التصريحات الصحافيين الحاضرين وأثارت موجة غضب دولية وعربية، خصوصا أن ترامب طالب بتهجير الفلسطينيين قسريا إلى أماكن أخرى.
صورة من: Chip Somodevilla/Getty Images
حرب تجارية شاملة
أعلن ترامب عن حرب تجارية شاملة، وقودها رسوم جمركية، قام بفرضها على الكثير من الدول، ما أثار انتقادات كبيرة خصوصا من الحلفاء الأوروبيين، بينما كانت التداعيات أكبر مع الصين التي أعلنت بدورها عن إجراءات ضد المنتجات الأمريكية. لكن ترامب لم يتوقف عند هذا الحد، بل تباهى بأنّ عشرات الدول اتصلت "تقبل مؤخرته" على حد تعبيره، طالبة التفاوض.
صورة من: Nathan Howard/REUTERS
مهاجمة القيادة الأوكرانية
من أكبر المشاهد إثارة للجدل، مشهد التنابز اللفظي بين ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، حين شن الرئيس الأمريكي ونائبه جاي دي فانس هجوما لاذعا على زيلينسكي خلال اجتماع انتشرت مشاهده على نطاق واسع، إذ طالباه أن يكون أكثر امتنانا لدور أمريكا في الحرب مع روسيا وخصوصا توفير الأسلحة، كما اتهماه أنه لا يريد مفاوضات سلام جادة. وتعاطف الكثيرون مع زيلينسكي، وخاصة في أوروبا.
صورة من: Saul Loeb/AFP/Getty Images
تناغم وتقارب مع بوتين
في الوقت نفسه، انخرط ترامب في محادثات مع موسكو، متجاوزا الأوروبيين، وأجرى مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الذي "لطاما كانت تربطه به علاقة جيدة" والذي يعتبره "ذكيا". وأكد ترامب على استمرار الاتصالات مع بوتين، وتحدث عنه بكثير من الإيجابية عكس سلفه جو بايدن، وظهر ترامب باحثا عن خطب ود بوتين بأي طريقة.
صورة من: Maxim Shipenkov/Alex Brandon/AP Photo
مهاجمة الاتحاد الأوروبي
من جانب آخر، هاجم ترامب مراراً الاتحاد الأوروبي، وقال إن سبب إنشائه هو "استغلال" الولايات المتحدة، متّهما الأوروبيين بأنهم "انتهازيون"، كما دعاهم إلى استثمار 5% من ناتجهم الاقتصادي في الدفاع في المستقبل. أدت هجومات ترامب المتكررة إلى حذر كبير وسط الأوروبيين الذين أكد عدد من قادتهم عن ضرورة التفكير في علاقة مختلفة مع الولايات المتحدة.
صورة من: Spencer Platt/Getty Images
طموح توسعي
أعلن ترامب مرارا رغبته في جعل كندا "الولاية الأمريكيّة الحادية والخمسين"، واصفا الحدود مع الجارة الشماليّة للولايات المتحدة بأنها "خطّ مصطنع"، ما خلق أزمة بينه وبين كندا. ولم يتوقّف الرئيس الأمريكي عند هذا الحدّ، بل قال أيضا "نحن بحاجة" إلى غرينلاند التابعة للسيادة النرويجية، كما أعلن أنه يرغب باستعادة قناة بنما.
صورة من: Alex Brandon/AP/picture alliance
سياسة هجرة صارمة
باشر ترامب تنفيذ سياسة صارمة للغاية لترحيل المهاجرين غير النظاميين من الولايات المتحدة، وطرد أكثر من 200 شخص إلى سجن شديد الحراسة في السلفادور، وشن حربا ضد عصابات المخدرات المكسيكية التي وصفها بأنها منظمات إرهابية أجنبية، لكن ترامب واجه أحكاما قضائية وقفت ضد عددا من مخططاته ومن ذلك تشديد الهجرة.
صورة من: Alex Brandon/AP/dpa/picture alliance
الانسحاب من معاهدات وهيئات دولية
مباشرة بعد بدء فترته الرئاسية، سحب ترامب بلاده من منظمة الصحة العالمية التي سبق أن وجه لها انتقادات كبيرة بسبب طريقة مواجهتها لفيروس كورونا، وأعلن عن عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية بسبب إصدارها أمر قبض على نتنياهو ووزير دفاعه السابق غالانت، كما انسحب من اتفاقية باريس للمناخ، بسبب رفضه انخراط بلاده في سياسة خفض الغازات الدفيئة المسببة لتغير المناخ.
صورة من: Thomas Müller/dpa/picture alliance
العفو عن مثيري الشغب في الكونغرس
كما قام ترامب بالعفو عن مثيري الشغب الذين اقتحموا مبنى الكابيتول في مطلع العام 2021 احتجاجا على عدم انتخابه، كما أقر الرئيس الأمريكي تخفيضات هائلة في ميزانية المساعدات الخارجية، بذريعة مكافحة الهدر والبرامج التي تعزز التنوع والمساواة والشمول، ومن ذلك وقف المساعدات الموجهة إلى بلدان فقيرة كاليمن وأفغانستان.
صورة من: Roberto Schmidt/AFP/Getty Images
مناهضة الأقليات الجنسية
خلال حملته الانتخابية، وعد ترامب بـ"وضع حدّ لـ"جنون التحوّل الجنسي". وأعلن في حفل تنصيبه أنه "اعتبارا من هذا اليوم ستكون السياسة الرسميّة لحكومة الولايات المتحدة الاعتراف بوجود جنسَين فقط؛ الذكر والأنثى". ووقّع لاحقا أوامر تنفيذيّة تمنع المتحوّلين جنسيا من الخدمة في الجيش أو ممارسة الرياضات النسائيّة.
صورة من: Andrew Caballero-Reynolds/AFP
مواجهة داعمي الفلسطينيين
دخلت إدارة ترامب في نزاع مع بعض الجامعات الكبري مثل هارفارد موجهة اتهامات لها بالتساهل مع "معاداة السامية" لسماحها بإقامة تظاهرات في الأحرام الجامعية، تنتقد إسرائيل على خلفية حرب غزة، وبدأت إجراءات ترحيل طلبة فلسطينيين أو مؤيدين للفلسطينيين للتهم ذاتها، وتعد قضية محمود خليل ومحسن مهداوي من أبرز هذه القضايا، إذ استندت واشطنن على بند قانوني غامض يتيح ترحيل من "يهددون السياسة الخارجية الأمريكية".
صورة من: Ben Curtis/AP/dpa/picture alliance
تقليض حجم القطاع الحكومي
أوكل ترامب لصديقه الميلياردير إيلون ماسك الإشراف على هيئة مستحدثة مهمتها خفض التكاليف الفدرالية وتقليص حجم القطاع الحكومي. من أكبر ضحايا هذه السياسة كانت مؤسسات إعلامية كمؤسسة "صوت أمريكا" وشبكة "الشرق الأوسط للإرسال" التي سرحت جل موظفيها، ما أثار مخاوف كبيرة من استغلال روسيا والصين للوضع بحكم أن هذه المؤسسات موجهة للخارج.
صورة من: JIM WATSON/AFP
12 صورة1 | 12
ما الذي تطلبه الحكومة الأمريكية من هارفارد؟
وحسب رسالة من ثلاث مؤسسات حكومية إلى إدارة الجامعات فان الحكومة الأمريكية تطالبها بتبني إصلاحات شاملة بحلول أغسطس/ آب 2025، والتي تهدف على ما يبدو إلى مواجهة هيمنة الأيديولوجيات اليسارية على الكليات، في نظر الحكومة الأمريكية.
ومن بين أمور أخرى يجب إصدار مبادئ توجيهية جديدة للحد من "سلطة" الطلاب والمحاضرين وكذلك موظفي الجامعة، الذين "يكرسون أنفسهم للنشاط أكثر من البحث". وفي المستقبل يجب أن تمنح المناصب والأماكن الدراسية حصريا على أساس الجدارة ولا ينبغي أن تلعب الخصائص العرقية أو الدينية أو الجنس دورا في ذلك. ومن المقرر إنهاء برامج "التنوع والمساواة والإدماج".
كما تهدف الإصلاحات أيضا إلى توسيع نطاق وجهات النظر وضمان عدم قبول الطلاب الأجانب "المعادين" للقيم الأمريكية والمؤسسات الدستورية الأمريكية.
تعد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين، مثل هذه المظاهرة في هارفارد في أبريل/ نيسان 2024، ذريعة رئيسية تستخدمها الحكومة لاتهام الجامعات بمعاداة السامية وسحب التمويل منها. صورة من: Ben Curtis/AP/dpa/picture alliance
ماذا سيحدث بعد ذلك؟
التطورات الأخرى غير واضحة. لقد حققت جامعة هارفارد الجمعة أول نجاح لها في المحكمة: فقد حكمت قاضية لصالح جامعة النخبة وأوقفت خطة الحكومة الأمريكية لاستبعاد الطلاب الأجانب في الوقت الحالي.
وتوصلت القاضية أليسون د. بوروغ إلى استنتاج مفاده أن الجامعة أثبتت أن أمر الحكومة سيسبب "ضررا فوريا لا يمكن إصلاحه" لجامعة هارفارد. ومن المرجح أن يكون هذا القرار مجرد خطوة أولى في معركة قانونية طويلة لأنه ليس حكما نهائيا.
أعده للعربية: م.أ.م/ تحرير: صلاح شرارة
قاضٍ أمريكي يوقف قرار منع تسجيل الطلاب الأجانب في هارفارد