ترامب وإيران.. انعطافة حقيقية أم مجرد مناورة تكتيكية؟
١ أغسطس ٢٠١٨
"شعور" الرئيس الأمريكي بأن إيران "ستتحدث" مع بلاده في وقت قريب جداً وإبداء استعداده للقاء الإيرانيين متى أرادوا ذلك أسال بعد ساعات قليلة على إطلاقه الكثير من الحبر وفتح شهية المحللين. DW عربية تلقي الضوء على الحدث.
إعلان
حافظ الميرازي: هذا هو صمام الأمان في وجه مغامرات ترامب بشأن إيرانومستشار في مركز الأهرام: "روحاني وترامب في مأزق متبادل وهذا سر تخفيف اللهجة"
02:23
إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استعداده لإجراء محادثات مع إيران "دون شروط مسبقة" شكل الحلقة الأخيرة- حتى اليوم على الأقل- من مسلسل التراشق اللفظي والتصعيد الفعلي على الأرض. المسلسل بدأ من الحملة الانتخابية لترامب، التي هدد فيها بالانسحاب من الاتفاق النووي الموقع مع إيران عام 2015 أيام سلفه باراك أوباما وهو ما نفذه في أيار/مايو الماضي. وأخذت الأجواء تزداد سخونة شيئاً فشيئاً: التهديد بـ"عقوبات قاسية وموجعة" والتلويح بالحرب وتسريبات عن تشكيل "ناتو عربي".
ويفترض أن يكون "الناتو العربي"، لو أبصر النور، حلفاً أمنياً وعسكرياً بمثابة نسخة عربية من حلف شمال الأطلسي. وحسب ما يتم تناقله سيضم الحلف المفترض، بالإضافة لواشنطن، ست دول خليجية عربية إضافة إلى مصر والأردن. ويهدف هذا الحلف جزئياً إلى التصدي لنفوذ إيران المتصاعد في الشرق الأوسط.
تصريحات وتغريدات "مقابل" المليارات
المحلل السياسي والصحفي عبد الباري عطوان كتب في افتتاحية "رأي اليوم" بنبرة تهكمية: "الأمر المؤكد أن أعضاء حلف الناتو العربي الذي أمر ترامب بتشكيله، بالتنسيق مع نتنياهو، لشن حرب على إيران يتصببون عرقاً، وهم يتابعون هذا الانقلاب في موقف معلمهم ترامب (...) ولعلهم سيضربون كفاً بكف ندماً على انهيار رهاناتهم بهجوم أمريكي إسرائيلي يدمر إيران، ويعيدها إلى العصر الحجري مثلما يأملون، وعلى إنفاقهم مئات المليارات لشراء طائرات وصواريخ استعداداً للمشاركة في هذا الحدث العظيم".
وفي نفس الاتجاه ذهب المغرد تركي الشلهوب:
وماذا عن إسرائيل؟
اهتمت الصحف الإسرائيلية بتصريحات الرئيس الأمريكي؛ إذ تناقلت صحفها كلاماً لمسؤول أمريكي أكد فيه أن "لا تغير" في السياسة الأمريكية في الملف الإيراني وتأكيد تل أبيب أنها على "تواصل" مستمر مع واشنطن. ويؤكد المحلل السياسي العراقي غسان العطية في تصريح لـDW عربية على أن العلاقة بين واشنطن وتل أبيب "عضوية". ويتصور العطية أن ترامب لن "يقحم" نفسه بالدخول في اتفاق جديد مع إيران دون "الرضا" الإسرائيلي والسعودي.
ومن جانبها كتبت صحيفة هآرتس الإسرائيلية: "في معركة الذكاء مع روحاني، تراجع ترامب. مثل إسرائيل تعتقد واشنطن، مخطئة، أن الضربات التكتيكية لأهداف إيرانية والتهديدات على تويتر يمكن أن تخرج إيران من سوريا".
الكاتب في عدة صحف والمحلل السياسي الفلسطيني ياسر الزعاترة غرد مشيراً إلى أن إسرائيل هي "العنوان" وأن العرب مجرد "هامش اقتصادي":
بين كوريا الشمالية وإيران
يرى الأكاديمي العراقي غسان العطية أن "الانطباع العام السائد عن ترامب أن مواقفه غير مستقرة. هذا الانطباع يقود إلى جعل البعض يعتقد أن ما يحصل هو تكرار لما حصل مع كوريا الشمالية: بعد تبادل اتهامات وصلت حد الشتائم عادوا والتقوا وتحاوروا".
غير أن العطية، الذي يشغل رئاسة المعهد العراقي للتنمية والديمقراطية ومقره لندن، يلفت النظر إلى أن الفرق بين الحالتين "كبير جداً". وفي معرض تفسيره يقول: "في الحالة الكورية كانت دول الجوار، وعلى رأسها الصين وكوريا الجنوبية، تسعى لإيجاد حل. أما في الحالة الإيرانية فإن الأمر ليس كذلك"، مشيراً إلى السعودية وإسرائيل بالاسم.
وفي نفس الاتجاه يذهب الخبير الألماني، سيبستيان زونس: "من حيث المبدأ، أعتقد أن التصريحات لن تؤدي إلى أزمة في العلاقات السعودية - الأمريكية. السعودية لديها مصلحة في إبرام اتفاق نووي جديد مع إيران يكبح طموحات إيران الإقليمية ومن هنا لا أرى أن السعوديين ينظرون بعين سلبية للتصريحات".
ويضيف الباحث في "الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية" في برلين في حوار مع DW عربية أن العلاقات بين الرياض وواشنطن "وثيقة" وأن ترامب "يتموضع" بشكل "جلي" ضد إيران والتصريحات الأخيرة لا تعني أن هناك "تقارباً" أمريكياً مع إيران.
ما الهدف إذاً؟
حسب العطية يريد ترامب بتصريحاته الأخيرة "إحراج" إيران و"تقوية" موقفه ضد منتقديه الذين يقولون إنه يسعى إلى الحرب؛ وبالتالي يكسب الرأي العام عن طريق تقديم نفسه كـ "رجل سلام".
هذا في حين رأى المغرد السعودي الشهير منذر آل الشيخ مبارك أن ترامب يضرب ضربته في الوقت المناسب:
واليوم الأربعاء (الأول من آب/ أغسطس) قالت وكالة الطلبة شبه الرسمية للأنباء إن النواب الإيرانيين أمهلوا الرئيس حسن روحاني شهراً للمثول أمام البرلمان لاستجوابه في قضايا من بينها تراجع الريال الذي فقد أكثر من نصف قيمته منذ أبريل/نيسان وضعف النمو الاقتصادي وارتفاع البطالة.
ويأتي استدعاء روحاني وسط تزايد التعبير عن الاستياء العام. وخرجت مظاهرات في إيران منذ بداية العام احتجاجاً على ارتفاع الأسعار ونقص المياه وانقطاع الكهرباء ومزاعم الفساد. وتظاهر المئات أمس الثلاثاء في مدن إيرانية مختلفة مثل أصفهان وكرج وشيراز والأهواز.
خالد سلامة
الاقتصاد الإيراني.. انتكاسة واضحة ومستقبل مهدد
يشهد الوضع الاقتصادي بإيران تراجعا. فبعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي وفرضها عقوبات اقتصادية وضغوط على إيران، فضلا عن خروج متظاهرين إلى الشارع احتجاجا على الوضعية الإقتصادية، صارت إيران تعيش على وقع أزمة مرجح تفاقمها.
صورة من: IRNA
أكبر احتجاجات منذ سنوات
شهدت إيران مع نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2017 وانطلاق العام الجديد 2018 موجة مظاهرات بمناطق عدة نتيجة ارتفاع الأسعار وزيادة البطالة والأزمة المالية الخانقة بالبلد، وقتل فيها العشرات واعتقلت السلطات الآلاف. وهذه هي الحركة الاحتجاجية الأكبر في إيران منذ المظاهرات المعترضة على إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا في العام 2009.
صورة من: Irna
العملة الإيرانية تفقد قيمتها
فقدت العملة الوطنية الإيرانية نصف قيمتها. وقد أشارت أرقام صادرة عن البنك الدولي، أن الاقتصاد الإيراني انخفض من المركز 17 إلى 27 على مستوى العالم خلال العقود الأربعة الماضية. لكن طلب الولايات المتحدة من الشركات العالمية وقف استيراد النفط الإيراني يهدد الاقتصاد بأزمة أكبر، إذ يمثل بيع النفط نسبة 64 بالمائة من إجمالي صادرات إيران، كما يشكل مصدرا أولا للعملة الصعبة التي تدخل البلد (الدولار واليورو).
صورة من: Getty Images/AFP/A. Kenare
الريالات الإيرانية في تدهور
أشارت بعض المصادر الإعلامية إلى أن ورقة الـ10 آلاف ريال إيراني كانت تساوي قبل عام 1979 حوالي 150 دولارا أمريكيا، أما الآن فهي أكثر بقليل من 10 سنتات في سوق الصرف المتقلبة في طهران. وبالرغم من استعادة الاقتصاد الإيراني لعافيته بعد 2015، إلا أنه بقي هشا. ويُنتظر أن يزيد تدهورا بعد فرض العقوبات التي ستؤثر على الريال الإيراني.
صورة من: AP
ارتفاع أسعار الذهب
أكد رئيس اتحاد تجار الذهب في طهران، أن الصراع بين إيران وأمريكا، أدى إلى ارتفاع أسعار الذهب في البلاد، حسب ما تناقلته مواقع إخبارية. وسجلت المسكوكة الذهبية في السوق الإيرانية رقما قياسيا جديدا ببلوغها الـ 3 ملايين و400 ألف تومان، حيث زاد سعرها نحو 600 ألف تومان خلال شهر واحد.
صورة من: Isna/Rohollah Vahdati
البنوك في أزمة!
يواجه البنك المركزي الإيراني صعوبات كبيرة في تنفيذ المعاملات المالية داخل البلد وخارجه. ويعزي البعض ذلك إلى أخذ البنك لودائع تقدر نسبة فائدتها السنوية بـ20 إلى 23 بالمائة. وبسبب العقوبات الأمريكية، خفضت البنوك معدلات الفائدة ما بين 10 إلى 15 بالمائة، مما دفع الكثير من المودعين إلى سحب أموالهم لشراء الدولار واليورو. وهو ما أدى إلى تفاقم نقص العملات الأجنبية، وإغلاق مكاتب صرافة، لكن دون جدوى.
صورة من: Isna
أسعار خيالية!
من بين المؤشرات على تأزم الوضع الاقتصادي في إيران، انخفاض قيمة الريال الإيراني الذي أدى إلى ارتفاع أسعار بعض السلع المستوردة بنسبة 100 بالمائة، علاوة على ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل جنوني. هذا بالإضافة إلى انخفاض نشاط بورصة السلع الإيرانية إلى حد أدنى. وتشير توقعات خبراء في شركة "بي أم آي" للأبحاث الاقتصادية العالمية، أن يشهد الاقتصاد الإيراني انكماشاً بنحو 4 في المئة العام المقبل.
صورة من: AP
التضخم يرفع الأسعار
شكل التضخم خلال السنوات الماضية عاملا أساسيا في تدهور الاقتصاد الإيراني حيث يبلغ متوسط معدل التضخم ما بين 19 و20 بالمائة سنويا. وحسب مركز الإحصاء الإيراني الحكومي في طهران فإن معدل التضخم وصل في يونيو/ حزيران الماضي إلى نحو 8.7 %، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، الأمر الذي يكشف عن ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، وانخفاض قيمة العملة المحلية مؤخرا.
صورة من: ILNA
فقر وبطالة وهجرة
ساهمت مشكلة التضخم في ظهور الطبقات المجتمعية بإيران وانتشار الفقر والبطالة. وحسب تقديرات البنك الدولي فإن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إيران استنادا إلى القدرة الشرائية الحقيقية للعملة الإيرانية بين عامي 1976 و2017، يكشف أنه خلال هذه الفترة أصبح الإيراني أكثر فقرا بنسبة 32 بالمئة. كما تشير الاحصائيات إلى أن عددا كبيرا من الشباب الإيراني يحاول الفرار من الأوضاع المتأزمة.
صورة من: shahrvanddaily.ir
صفقات في مهب الريح!
من بين الجوانب المرجح تأثرها السلبي بالعقوبات الأمريكية، الصفقات المعقودة مع كبرى الشركات الدولية على الصعيد العالمي وعلى صعيد النفط وأيضا والأجهزة الإلكترونية، مثل الصفقات التي عقدتها طهران مع شركة توتال النفطية وشركة فولكسفاغن الألمانية لصناعة السيارات وجنرال إلكتريك للأجهزة والمعدات الإلكترونية.
صورة من: picture-alliance/dpa
انتكاسة السياحة
توتر العلاقات مع الاقتصاديات الكبرى وبعد العقوبات المفروضة جعل الحالة الإقتصادية لإيران مُقبلة على عزلة تشمل عدة قطاعات مثل السياحة. فبعد أن دشنت شركات طيران كبرى، مثل الخطوط الجوية البريطانية، رحلات إلى البلد بهدف الترويج له كوجهة سياحية، وفتح سلسلة فنادق عالمية مثل Accor عام 2015، يرى مراقبون أن هذه الصفقات قد يتم التراجع عنها بسب قلة السياح ومحدودية رحلات الطيران القادمة من أوروبا. مريم مرغيش