سوف يسعى قادة حلف شمال الأطلسي استرضاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الإنفاق على قطاع الدفاع، وذلك بعد انتقاداته المتكررة لحلفاء الناتو لعدم مشاركة العبء بصورة عادلة، وذلك على هامش قمة الحلف في بروكسيل.
إعلان
وصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم (الأربعاء 11 يوليو/ تموز 2018) إلى بروكسل للمشاركة في قمة لحلف شمال الاطلسي يُتوقع أن تسودها توترات شديدة بسبب الشكوك المتزايدة لدى الأوروبيين بشأن نوايا سيد البيت الابيض الذي يكثر من تصريحاته العدائية تجاههم. وقبيل مغادرته واشنطن أكد ترامب مجددا أن دولا عدة في الحلف "لا تفي بالتزاماتها" على صعيد الانفاق الدفاعي، معتبرا أن قمته المرتقبة مع بوتين في هلسنكي "قد تكون الأسهل" في جولته الأوروبية.
وفي بروكسل سيلتقي ترامب قادة الدول الاعضاء في الحلف الأطلسي الـ29 على أمل إظهار مشهد من الوحدة على الرغم من التوتر الصريح بين الحلفاء عبر الأطلسي في عدد من القضايا. وفي تصريحات للصحافيين بشان لقاءاته المقبلة في جولته الأوروبية، بما فيها اول قمة ثنائية مع بوتين الاثنين في هلنسكي، قال ترامب للصحافيين ""بصراحة، قد يكون بوتين الأسهل بينهم جميعا، من كان ليظن ذلك؟".
وتعهد ترامب بعدم السماح للاتحاد الاوروبي "باستغلال" الولايات المتحدة، وهو يشير باستمرار إلى أن الاتحاد لا يقوم بما هو كاف لدعم الحلف الأطلسي ويستفيد "بشكل غير عادل" من التجارة مع الأميركيين.
لا الناتو ولا إيران.. هذا هو الفيضل في العلاقات بين واشنطن وبرلين
01:19
وتابع أن "حلف الأطلسي لا يعاملنا بشكل عادل لكنني أظن أننا سنتوصل لحل. نحن ندفع الكثير جدا وهم يدفعون القليل جدا"، متداركا "لكن سنصل إلى حل وكل الدول ستكون سعيدة". وقبل وصوله إلى بروكسل، كتب ترامب على تويتر في الطائرة الرئاسية اير فورس وان إن "دولا عدة في حلف شمال الاطلسي ندافع عنها، لا تكتفي بعدم الوفاء بتعهد لـ2 في المئة لكنها تقصر منذ اعوام في تحمل نفقات لا تسددها. هل ستسدد المتأخرات للولايات المتحدة؟"، وذلك في سياق مطالبته المستمرة للأوروبيين بزيادة نفقاتهم العسكرية في إطار الحلف.
وفي 2018 بلغت قيمة المساهمة الأميركية في موازنة حلف شمال الأطلسي حوالى 70% من اجمالي النفقات العسكرية للحلف. ويمكن أن تتحول قمة القادة الغربيين في بروكسل إلى خلاف علني جديد بعد قمة مجموعة السبع في كندا في حزيران / يونيو الفائت والتي شهدت انقساما كبيرا.
وينظر إلى هذه القمة على أنها الأصعب منذ سنوات، وسط مخاوف أن يصبح ترامب أكثر عدوانية تجاه التحالف التاريخي الذي يدعم الأمن الاوروبي منذ 70 عاما.
محطات تاريخية - أوروبا والسعي الدائم للخروج من العباءة الأمريكية!
بعد الحرب العالمية الثانية عملت أمريكا على تقديم مساعدات لأوروبا والحد من التوسع السوفيتي فوق أراضيها. لكن المتتبع للعلاقات عبر الأطلسي يجد أن الدول الأوروبية بدأت تنأى بمواقفها عن مواقف حليفتها واشنطن في ملفات كثيرة.
صورة من: picture alliance/C.Ohde
مشروع مارشال
لم تخرج أمريكا من الحرب العالمية الثانية بخسائر على عكس نظيرتها أوروبا التي فقدت الكثير على كل المستويات، ولهذا جاءت خطة مارشال بهدف إعادة بناء الاقتصاد الأوروبي عن طريق تقديم المساعدات. ويعود اسم المشروع إلى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جورج مارشال الذي أطلق المشروع في حزيران/ يونيو 1947، أمام طلاب جامعة هارفرد. مشروع مارشال عُلقت عليه آمال مهمة، كتعزيز الاستقرار السياسي والسلام في العالم.
صورة من: picture-alliance/dpa
تعاون يورو- أمريكي
شكل حلف الأطلسي خطوة مهمة في تاريخ العلاقات بين الجانبين الأوروبي والأمريكي. وقد اجتمعت القوتان في 1949 وأنشأت المنظمة تحت اسم "منظمة حلف شمال الأطلسي"، اختصارا "الناتو". وكان الهدف من المنظمة هو التصدي لخطر الاتحاد السوفيتي حينها. يشكل الناتو نظاماً للدفاع الجماعي، إذ تتفق فيه الدول الأعضاء على الدفاع المتبادل رداً على أي هجوم من قبل أطراف خارجية.
صورة من: picture-alliance/akg-images
فرنسا تنسحب..
في 1966 انسحبت فرنسا من قيادة حلف شمال الأطلسي "الناتو" ما شكل زلزالاً هز وحدة حلف الناتو في وقت مبكر من تاريخ قيامه، وذلك بسبب أزمة وقعت خلال فترة رئاسة شارل ديغول لفرنسا. وأحتج ديغول على الدور القوي الذي تقوم به الولايات المتحدة في المنظمة، وهو ما اعتبره علاقة خاصة بينها وبين المملكة المتحدة، قائلاً إن فرنسا تريد انتهاج خط مستقل عن الحلف وسياسة واشنطن.
صورة من: AFP/Getty Images
خطوة إلى الأمام
من بين المحاولات المهمة التي قامت بها دول الاتحاد الأوربي لتبتعد عن "وصاية" واشنطن، الشراكة الأورومتوسطية. إذ بدأت عام 1995 من خلال مؤتمر برشلونة الأورومتوسطي الذي اقترحته إسبانيا وقام الاتحاد الأوروبي بتنظيمه لتعزيز علاقاته مع البلدان المطلة على المتوسط في شمال أفريقيا وغرب آسيا. الشراكة لم تستمر طويلاً، إلا أنها وضعت أسس لعلاقات إقليمية جديدة، وشكلت نقطة تحول في العلاقات الأورومتوسطية.
صورة من: AP
رفض ومعارضة
في 2003، أعلن الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الألماني غيرهارد شرودر معارضتهما الشديدة لقرار أمريكا وحلفائها باحتلال العراق. شكل هذا الموقف لحظة قوية عبرت فيها الدولتان الأوربيتان الكبيرتان عن رفضهما سياسة "العم سام" في الشرق الأوسط. وقادتا الاتحاد الأوربي في هذا الاتجاه، حيث أعلن الاتحاد الأوربي معارضته مبدئياً للجوء للقوة، واشترط أن تتم أي عملية عسكرية بتفويض من مجلس الأمن.
صورة من: HECTOR MATA/AFP/Getty Images
اتفاقية "بيسكو"
في 2017، وقع 23 عضوا في الاتحاد الأوروبي على اتفاقية "بيسكو" الرامية لتعزيز التعاون بمجال الدفاع. وشكل توقيع هذه الاتفاقية أبرز خطوة أقدمت عليها دول الاتحاد في اتجاه تشكيل ذراع عسكري تتخلص بفضله من التبعية العسكرية للولايات المتحدة، وتعتمد عليه في تنفيذ سياستها وخصوصاً في منطقة حوض البحر المتوسط وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وغيرها من مناطق الجوار الأوروبي.
صورة من: Reuters
الانسحاب من الاتفاق النووي
انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني لاقى رفضاً من قبل الدول الأوروبية الثلاث الكبرى. ويشير هذا الرفض إلى سياسة الاتحاد الأوروبي الذي يسعى لنهج استراتيجية مستقلة عن واشنطن، خاصة وأن الاتفاق النووي واحد من أكثر الملفات الحساسة ليس فقط في الشرق الأوسط، وإنما في العالم بأسره.
صورة من: Imago/Ralph Peters
السفارة الأمريكية في القدس
رفضت دول من الاتحاد الأوروبي فتح السفارة الأمريكية في القدس. وكان هذا الرفض دليلاً على تزايد الاختلافات بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، ما يدفعهم للسعي نحو الخروج من دارة "التبعية" لأمريكا. وكان عدد من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قد وصفوا نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس بـ "الخطوة غير الحكيمة التي قد تؤدي إلى تصعيد حدة التوتر".
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Yefimovich
ملفات أخرى...
ملف الشرق الأوسط ليس الجانب الوحيد الذي تبرز فيها رغبة أوروبا في فك من ارتباطها بأمريكا. ويمكن الوقوف عند آخر نقطة في الملف، حيث رفعت أمريكا الرسوم الجمركية على الحديد والألمنيوم. وتشكل هذه الرسوم الجمركية تحدياً كبيراً وضعه ترامب في طريق الأوروبيين. وكانت دول أوروبية قد طالبت بضرورة الحصول على إعفاء دائم من هذه الرسوم، إلا أن الأمر ما يزال عالقاً. إعداد: مريم مرغيش.
صورة من: Reuters/E. Vidal
9 صورة1 | 9
ومع دعوة مسؤولين ألمان وفرنسيين أعضاء التحالف لتجاوز خلافاتهم، وجه رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك الثلاثاء رسالة حازمة إلى ترامب دعاه فيها إلى "تقدير" حلفائه.
وقال توسك خلال مؤتمر صحافي بعد توقيع اتفاقية تعاون جديدة بين الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي في مقر الحلف في بروكسل، "عزيزتي أميركا، قدري حلفاءك، فليس لك كثير منهم في نهاية المطاف"، مذكرا ترامب بأن القوات الأوروبية قاتلت الى جانب نظيرتها الاميركية في أفغانستان بعد هجمات 11 ايلول/ سبتمبر 2001.